الفصل 103. استعادة الهوية
في الطريق إلى القصر الإمبراطوري.
أخذت نفسًا عميقًا لأطرد التوتر.
كان صوت عجلات العربة وهي تدور يتداخل مع ضجيج الشوارع التي تمرّ من حولنا بسرعة.
في الآونة الأخيرة، كانت شوتزن تضج بخبر خلع أوسيتن من ولاية العهد. بل في الواقع، لا تزال الضجة مستمرة حتى الآن.
في برج السحر، في الحانات، في المتاجر المزدحمة… لم يكن هناك مجلس يضم شخصين أو ثلاثة إلا وكان هذا الحديث هو الموضوع.
في ذاكرتي، كان أوستين يجسد تمامًا صورة ولي العهد المتغطرس.
وبحسب ما أخبرني به كارسيون، فهو الآن محتجز في سجن تحت الأرض.
من الصعب تخيل أوستين، الذي كان يعيش في عالمه المترف، خلف قضبان سجن مظلم ورطب.
خطرت ببالي صورته وهو يرتدي ثيابًا فاخرة تحت أضواء الحفل اللامعة في مهرجان التأسيس، حين كان يسخر من الآخرين بوجه متغطرس.
الحياة فعلًا لا يمكن التنبؤ بها. لم أتوقع أن تنطبق هذه المقولة على ولي عهد أيضًا.
بما أن الحكم عليه لم يُقرر بعد، فقد بقي أوستين في السجن لأكثر من أسبوع.
النبلاء الآن منقسمون بين من يطالب بإعدامه ومن يفضل نفيه.
وتدور نقاشات ساخنة كل يوم، لكن من الواضح أن الاتفاق بعيد المنال.
وبسبب ذلك، لا يزال منصب ولي العهد شاغرًا.
رغم أن الجميع يعتبر سيدريك هو الوريث الحتمي.
كارسيون، الذي كان قد قرر الانتظار حتى تهدأ الأوضاع، اختار في النهاية تقديم خطته حين طال أمد النزاع.
وذلك هو السبب الذي يجعلني متوجهة إلى القصر الآن.
“رينيه، هل تشعرين بالتوتر؟”
كان ذلك حين وصلني صوته الهادئ من الجهة المقابلة.
أبعدت نظري عن النافذة ونظرت إلى كارسيون.
منذ أن قدم إلى شوزن، لم يفارق منزلي، ربما تأثر كثيرًا عندما رآني محبوسة عند قدومي. مع أن القصر أوسع بما لا يُقارن.
“أشعر بقليل من التوتر، لكنني بخير. لن يحدث شيء سيئ، أليس كذلك؟”
حاولت أن أرسم ابتسامة على وجهي رغم القلق.
استعادة الهوية النبيلة.
هل يمكنني الترقية من طبقة العامة إلى مرتبة كونتيسة؟
كل الإجراءات اللازمة قد أُنجزت، وإن لم تحدث أي متغيرات غير متوقعة، فسيُمنح لي اللقب بسلاسة.
من الغريب أن الإمبراطور والإمبراطورة وافقا على هذا، رغم نظرتهما المتحفظة نحوي.
لكن إن قدمت دليلًا دامغًا على أنني لست “لينا” بل “رينيه إيفلين”، فلن يكون هناك مبرر منطقي لرفض ذلك.
“بالطبع، لن يحدث شيء سيء.”
قال كارسيون بثقة أكيدة، وتلاشت معها مخاوفي التي كانت تهيمن عليّ منذ الصباح.
يبدو أنني أصبحت أعتمد كثيرًا عليه. وربما لأن حضوره يشعرني بالأمان أيضًا.
في تلك الأثناء، وصلت العربة إلى بوابات القصر.
نزلت منها بمساعدة كارسيون الذي قدّم لي يده.
ثم اتجهنا معًا إلى قاعة الاستقبال.
بما أن الإعلان عن نيل لقب نبيل جديد هو حدث مهم، فقد حضر العديد من النبلاء للتهنئة. أو بالأحرى، حضروا بدافع الفضول.
المرأة التي يعشقها بطل الإمبراطورية كارسيون ستحصل على لقب كونتيسة؟
في الواقع، هي في الأصل ابنة كونت، أليس الأمر مجرد استعادة لمكانتها؟ قالوا إن هناك إجراءات إثبات… يا ترى، كيف ستُثبت ذلك؟
هل هي فعلًا رينيه إيفلين؟ كيف نجت من الموت أصلًا؟
تلك الأسئلة لاحقتني كذيول طويلة تجرّ خلفي.
كلما تقدّمت خطوة على السجادة الحمراء، شعرت بأن أنظار النبلاء تلتصق بي كالمغناطيس. بل شعرت بوخز حقيقي في جلدي.
آه…
في هذه المرحلة، لا أدري إن كنت متوترة من استعادة لقبي النبيل… أم من هذا القدر المزعج من الانتباه الموجه نحوي.
كارسيون، كعضو من العائلة الإمبراطورية، ذهب وجلس في مكانه المخصص.
وهكذا، وُضعت أنا وحدي تحت الأضواء.
بعد لحظات، دخل الإمبراطور والإمبراطورة، وبدأت مراسم منح اللقب رسميًا.
لكن أولًا، إجراءات الإثبات.
“الآنسة إيفلين، أستأذنك للحظة.”
نهض غريزندورف واقترب مني.
لقد سبق له أن اطلع على ذاكرتي، ورغم أنني لم أحصل بعد على اللقب رسميًا، إلا أنه كان يعاملني معاملة النبلاء منذ ذلك الحين.
“أرخي جسدك وأغمضي عينيك.”
“نعم.”
فعلت ما طلبه مني غريزندورف، كما فعلت منذ أشهر في مكتبه ببرج السحر.
شعرت بأنفاس الحضور تنحبس وتركيزهم يتوجه نحونا.
ثم شعرت بحركة عصاه السلسة وهو يؤدي طقسه السحري.
طرف العصا لامس رأسي للحظة، ثم انسحب بهدوء.
آه…
أشعر بالمانا تغادر جسدي.
لابد أنها كانت تحمل جزءًا من ذاكرتي.
“حسنًا، يمكنك أن تفتحي عينيك الآن.”
حين فتحت عيني كما طلب مني، رأيت غريزندورف يقرّب طرف عصاه من الكرة الكريستالية.
“هذه هي الذكريات التي استخرجتها للتو من عقل الآنسة إيفلين.”
شرح باختصار، ثم عرض ذاكرتي داخل الكرة الكريستالية.
مرّ مشهد من طفولتي.
[مرحبًا، كارسيون. اسمي رينيه إيفلين.]
بداية لقائي مع كارسيون.
[أمي، أبي، انظرا! صنعت تاج زهور مع كارسيون. أليس جميلاً؟]
[يا إلهي، وجه رينيه أجمل من الزهور نفسها!]
[رائع، يا ابنتي.]
ظهر والداي الراحلان أيضًا.
حين رأيتهم بوضوح عبر الكرة الكريستالية، اجتاحتني مشاعر جديدة.
فالذكريات في عقلي كانت قد بدأت تتلاشى مع الزمن، لكن غريزندورف أعاد تجسيدها بوضوح باستخدام السحر.
[انظر! هذه مرآة يدوية أعطاني إياها دويمن، النقش عليها دقيق جدًا. أعجبتني كثيرًا.]
[كم مرة قلت لكِ إنها هدية مني؟]
[لكن دويمن هو من أعطاني إياها.]
[لقد كان يؤدي مهمة نيابة عني!]
وحين ظهر كارسيون المراهق وهو في أوج طباعه الحادة، انطلقت الضحكات الرقيقة من هنا وهناك.
حولت بصري عن الكرة الكريستالية ونظرت إليه بطرف عيني.
كان يمرر يده في شعره بتوتر.
يا له من…
لطيف، حقًا.
“همم، أظن أن هذا يكفي كدليل.”
وحين استمرت المشاهد، تدخل كارسيون وقد غلبه الإحراج.
وحين أوقف غريزندورف الكرة الكريستالية مبتسمًا بلطف، صدرت أصوات التنهّدات المستاءة من عدة جهات.
لقد استمتع الجميع برؤية طفولة كارسيون على ما يبدو.
وأغلب الظن أن شعبيته بين النبلاء سترتفع أكثر بعد هذا.
مع أنه لا يبدو مدركًا لجاذبيته ولو بنسبة ضئيلة.
ضحكت في داخلي، لكني حافظت على مظهري المتّزن في الخارج.
استعادة اسم إيفلين.
ذلك وحده كان كافيًا ليشعل قلبي حماسة.
اتجهت كل الأنظار نحو الإمبراطور هاينريش الثالث الجالس في أعلى المنصة.
ونهض من كرسيه الفخم بخطى واثقة، وهو يردف عباءته الطويلة خلفه.
وحين وقف أمامي، انحنيت له باحترام.
“رينيه إيفلين.”
“نعم، جلالتك.”
“لقد ثبت للتو من تكونين. وبناء على ذلك، أعيد إليك شرف أسرة إيفلين، وأمنحك لقب كونت.”
حقًا، ها هو هذا اليوم يأتي. شعرت بعيني تدمع.
سأقوم بإدارة الإقليم وأحميه نيابة عن والديّ الراحلَين. علي أن أبدأ بإصلاح الحاجز أولاً.
حتى لا أجهش بالبكاء، بدأت أعدّ في رأسي المهام التي عليّ تنفيذها.
لكن ذلك لم يكن كافيًا، فعضضت داخل فمي لأتماسك.
حين انتهت كل الإجراءات، استدرت نحو كارسيون.
أردت الخروج فورًا لأعانقه.
“أيمكن للجميع البقاء في أماكنهم للحظة؟”
رنّ صوت قوي في القاعة في تلك اللحظة.
التفتُّ إلى الرجل الذي وقف ليتحدث.
كان دوق ألفيرسو، وزير الإمبراطورية.
كان معروفًا بكونه من أتباع أوستين، لكن مؤخرًا اتخذ موقفًا محايدًا.
“بعد رؤية هذا السحر المثير، راودتني فكرة جيدة.”
وجّه نظره نحو غريزندورف.
“إن كنا نستطيع عرض الذكريات في الكرة الكريستالية، فلمَ لا نعرض ذكريات الأمير أوستين الذي يدّعي براءته، ونكشف الحقيقة كاملة؟”
صحيح، لطالما قيل إن النقاشات حول مصير أوستين ما زالت مستمرة بلا نتيجة.
وإذا أمكن النظر في ذكرياته وتحديد مدى جرمه، فستنتهي هذه الجدالات المملة.
حبست أنفاسي ونظرت إلى دوق ألفيرسو، الذي كان ينتظر موافقة الإمبراطور.
“هذا كثير.”
قال هاينريش الثالث باقتضاب، رافضًا العرض.
رغم عزله، كان لا يزال الابن المفضل لديه، وهذا ردّ طبيعي.
لكن كان هل كارسيون دائمًا بهذه الحنكة؟
“فكرة ممتازة، دوق ألفيرسو. وإن تبيّن بالفعل أنه بريء كما يقول، فلن نحتاج للبحث عن وليّ للعهد.”
واو…
حتى الإمبراطور لن يجد مهربًا من هذا.
رفضه سيبدو غريبًا للغاية إن كان هناك احتمال لتبرئة ابنه.
أُعجبت حقًا بذكاء كارسيون.
هذا الفتى… عيشنا في الريف أخرجه عن الساحة، لكن يبدو أنه ليس عديم الخبرة في السياسة.
تُرى، لو لم يولد كارسيون ضعيفًا، هل كان سيغوص في دهاليز سياسة شوتزن ويخوض معارك النفوذ يومًا بعد يوم؟
صحيح أني أستطيع تخيّل ذلك، لكن لا أنكر أن الفكرة تبدو غريبة عليّ.
فكارسيون الذي أعرفه ليس غارقًا في الدسائس، بل شخص صريح، حاد الطبع أحيانًا، لكنه عطوف.
غارقة في هذه المشاعر المختلطة، لاحظت أن الأجواء بدأت تميل نحو عرض ذكريات أوستين.
فهو لم يعد وليًّا للعهد، بل مجرّد متهم.
وجلب متهم ليس بالأمر الصعب.
وبعد قليل، اقتيد أوستين على يد أحد الفرسان، وقد شحب وجهه لابتعاده عن ضوء الشمس.
وكان يعرج قليلًا، لكن عينيه كانت ممتلئة بالشر.
وحين جُثي به في منتصف قاعة الاستقبال، صوب نظراته الحادة نحو شخص واحد.
الإمبراطور هاينريش الثالث.
التعليقات لهذا الفصل " 103"