دانتي فيناشيرت رجل لا يَعرف الهزيمة أبدًا.
هذه حقيقة اتفق عليها جميع رجال الأعمال في المملكة.
إنه إبطال زواج، لا طلاق.
الصدمة غير المتوقَّعة جعلت عُنق ريينا يقشعرّ ببرودة غامرة.
وحين التقت نظراتها بنظرات دانتي، أرغمت شفتيها على النطق:
“إبطال الزواج… المحكمة الملكية لن تُقِرّه أبدًا. وأنت أدرى منّي بذلك.
لا بدّ من وجود سببٍ واضح…”
“وهُو موجود.”
قاطعها دانتي ببرود، صوته حادّ لا يقبل نقاشًا.
“إنه بين يديكِ الآن.”
وأشار بذقنه إلى الوثائق التي كانت تمسك بها.
بدأت ريينا تُقلب الأوراق ببطءٍ واحدةً تلو الأخرى.
لم يكن الملف كبيرًا، فمسحت صفحاته بسرعة، حتى وقعت عيناها على وثيقة بعينها.
وبمجرّد أن قرأت تفاصيلها، نسيت أنّها تجلس أمام الدوق الأكبر، وأطلقت ضحكة قصيرة مبهوتة.
آه…
لقد كان دانتي فيناشيرت فعلًا من أذكى رجال الأعمال في بيرمارك.
ينال دائمًا ما يُريد، مهما كانت التكلفة، وأي خسارة صغيرة يحوّلها بين يديه إلى مكسبٍ أكبر.
“الدوقة الكبرى مصابةٌ بمرضٍ عُضالٍ لا شفاء منه، جعلها عقيمًا وحالتها ميؤوس منها.”
ارتعشت يدها بعنف وهي تُمسك بالشهادة الطبية الممهورة بتوقيع الطبيب الملكي.
لم يكن مُفاجئًا أن يُلقى اللوم بكامله على عاتقها.
فإنْ أراد دانتي فسخ الزواج من غير أن يخسر شيئًا، فلا بدّ أن تكون ريينا هي المسؤولة وحدها.
المُشكلة أنّ السبب الذي اختاره لم يكن أقلّ من عِلّةٍ قاتلة: مرضٌ عُضال يلازمه العقم.
سبب كامل لا ثغرة فيه—فانكمش قلبها كالحجر.
فمنصب الدوقة الكبرى يرتبط بواجبٍ مقدّس: إنجاب وريثٍ للعرش.
وللادّعاء بأن تلك السيدة تحمل مرضًا وراثيًا محتملًا، والأسوأ أنّها عقيم تمامًا—فذلك أمر لا يُعقل.
لكن… كيف؟
تسارعت أفكارها بفوضى عارمة. كيف عَلِم بمرضي؟
حين أخبرها الطبيب بحكم الموت القريب، توسّلت إليه أن لا يُخبر الدوق، أن يكتم الأمر عن الجميع في قصر بيهيرن .
توسّلت إليه بيأسٍ مُذلّ.
فكيف وصل الخبر إلى دانتي؟ هل خانها الطبيب؟ أم انكشف سرّها بطريقة أخرى؟
ومن بين جميع البشر، آخرُ مَن يجب أن يعرف—هو دانتي.
على الأقل، ليس قبل أن تُغادر هذا القصر للأبد.
خفق قلبها بعنفٍ أشد، وألم ضاغط انتشر في صدرها.
اشتدّ وجيبها، وازداد وجهها شحوبًا.
دانتي، وهو يُراقبها تُطأطئ رأسها وتَرتجف، ضيّق عينيه.
إذن، طلبت الطلاق، لكنّ الإبطال هو ما صدمها؟
ابتسم بسخرية.
“لا سبب يجعلني أتحمّل خسائر الطلاق.
ليس من أجل أمثالكِ.”
[هذا مو ريد فلاق هذا ليست كاملة من البلاك فلاقز].
وإن كان هذا السبب البسيط سيُهلكها، فليكن.
“ما بكِ؟ أَيؤلمكِ أن تُطرَدي موسومةً بالعقم ومرضٍ عُضال؟”
زمجر بالكلمات بصوتٍ خافت.
ارتفع رأس ريينا بلا وعي.
“…وصمة؟”
انفلت السؤال من شفتيها دون تفكير.
قطّب دانتي حاجبيه، وكأن الكلمة بلا معنى، وعندها فقط شعرت بالارتياح.
لا يعرف… ليس حقًا.
ارتخت كتفاها قليلًا، وعادت تُحدّق في السطر الملعون بالشهادة.
نعم، لا بد أنه كذب اختلقه ليُلصق التهمة بها.
عاد بعض اللون إلى وجهها.
وحين التقت عينيه الذهبيّتين مجددًا، قالت بثبات:
“…لا يهم.
طلاق أو إبطال، الأمر سيّان.
حتى لو وُسِمتُ بالعار، فسأقبله.”
“وحتى لو تُركتِ بلا شيء؟ دونَ نقودٍ تحملينها باسمك؟”
“نعم.
لا أريدها.”
كان صوتها هادئًا، بل جريئًا.
ارتفع حاجب دانتي، والغيظ يلمع في عينيه وهو يقرأ براءة نظرتها البُنّية.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ملتوية.
لقد كان ينوي أن يُمزّقها بكلماتٍ كالسكاكين.
“جيّد. هذا منطقي.
فقد حاولتِ قبلًا التخلّي عن حياتك البائسة.
فلماذا تتشبّثين بالمال الآن؟”
“…إنْ كان هذا ما تظنّه، فليكن.
قُل أسوأ ممّا قلت، وسأسمعه.”
لم ترتجف.
فالكلمات لن تُغيّر شيئًا.
والألم لم يَعُد يعني شيئًا.
مادام سرّها باقٍ في صدرها، فهي قادرة على تحمّل كل شيء.
تحدّيها الهادئ لم يزِدْه إلّا برودة في نظره.
كلما كلّمها، ازداد اضطرابه أكثر.
“هاه.
ربما لو كنتِ مريضةً فعلًا، لكان خيرًا لك.”
“…ماذا تعني؟”
“عندها، شفقةً بكِ، لكنتُ بعثتُ بكِ إلى الريف لتلقّي العلاج.”
تصدّعت رباطة جأشها تحت سخريته.
“على الأقل، ما كنتُ لأتكلّف هذا العناء.
كنتِ ستذوين وحدكِ في الريف.
مؤسف، كان خيرًا لو أصابكِ داءٌ عضال، فتستريحين أنتِ وأستريح أنا.”
ضحكته الساخرة جرحتها في العمق.
اختنق نفسها ألمًا.
لكنّ هذا الألم لم يكن من مرضها—بل منه هو.
تحدّقت في عينيه الذهبيّتين القاسيتين، وضغطت شفتيها، ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة مُرّة.
لقد فهمت.
إنه يريد فقط أن يؤذيها.
“……صدقتَ.
لو أنّني متُّ الآن لكان ذلك أنفعَ لك.
اغفر لي خيبتك.”
“حسنًا إذن.”
انتهز دانتي الفرصة، صوته ثابت ببرود.
“إنْ قدّمتُ هذا الطلب إلى المحكمة، فسيقرأ الجميع أنّ الدوقة الكبرى مريضة لا شفاء لها.
وسيكون الأمر مُحرجًا إنْ رآكِ الناس حيّة مُعافاة، ألَا تظنين؟”
كانت ذكية بما يكفي لتفهم مقصده.
“إذًا، بما أنكِ لن تموتي لأجلي، ستُغادرين بيهيرن فور إقرار الإبطال.
إلى الأبد دون عودة.”
—
كان توقّع دانتي فيناشيرت لا يُخطئ.
فما إن قدّم التماسه، حتى انتشرت الأخبار كالنار في الهشيم، من بيهيرن حتى العاصمة آربيرن.
والصحف، وقد أعماها الطمع، كانت تتنافس على عناوين أشد فضيحة.
“الدوق الأكبر فيناشيرت خُدع بزواجٍ زائف!”
وبينما يقرأ رايشرت أحد العناوين الأخفّ، قبض على الصحيفة حتى تمزّقت بين أصابعه.
“ذلك المجنون.”
تفجّرت الكلمات من ولي العهد كالسمّ.
كان يتوقّع بالطبع أن يُطلّقها دانتي يومًا ما.
الجميع عَلِم أنّ زواجه من امرأة مجهولة الأصل لم يكن سوى وسيلة لتثبيت لقبه.
وحين يطلّقها، ستوافق المحكمة الملكية، وتُبقي على لقبه، مقابل ثمنٍ باهظ من ثروته.
ذلك كان المخطّط.
لكن إبطال؟
لم يكن يتخيّل أن يُقدم دانتي على تهوّر كهذا.
فالزواج داخل البيت الملكي مقدّس—والتهرّب منه جريمة لا تُغتفر.
ولم يكن الأمر فضيحةً عابرة.
النبلاء سينقضّون كالوحوش، مطالبين بمعرفة أيّ جنونٍ استحوذ على الدوق الأكبر.
وإن لم يواجههم رايشرت بنفسه، ستنقلب التهم على العرش: كم من الامتيازات منحهم له الملك ليجرؤ على فعل ذلك؟
فلقبه لم يُمنح له إلا بشروط.
وإن انهارت تلك الشروط، انهارت معها مكانة العرش.
تجعّد وجه رايشرت كالصّحيفة بين يديه.
ومع مرض الملك طريح الفراش، لم يكن البيت الملكي المتهالك قادرًا على صدّ النبلاء المتربّصين.
صرّ بأسنانه، وألقى الصحيفة أرضًا، ثم نهض بعنف.
إن استلزم الأمر، فسيسحب دانتي من بيهيرن بنفسه.
دُق! دُق—!
“سمو الأمير، افتح الباب حالًا!”
اهتزّت أبواب مكتبه تحت وقع قبضاتٍ غاضبة.
وصوت النبلاء، وقد بلغوا بابه، يعلو مُطالبًا بالدخول.
“اللعنة على كل هذا…”
شتم رايشرت مجددًا، وجهه محتقن من الغضب أمام هذه النيران المشتعلة.
—
مضى أسبوع منذ قدّم الدوق الأكبر التماسه.
والصحف، وقد أعماها الجشع، نشرت الفضيحة يومًا بعد يوم بعناوين أكثر شناعة.
وبحلول ذلك الحين، لم يبقَ ركن في بيرمارك إلا وقد سمع بقصته مع الدوقة.
وبيديه في جيبيه، دخل دانتي قاعة المجلس في قصر آربيرن.
والحرّاس، حين عرفوه، انحنوا بعمق قبل أن يفتحوا الأبواب الفخمة المُزخرفة.
في الداخل، كان الطاول الطويل يعجّ بالنبلاء، وكل الأنظار ترتدّ نحوه لحظة دخوله.
مشهدٌ باهر، فكر وهو يرسم ابتسامة خفيفة، متقدّمًا للداخل.
خطواته الهادئة رنّت في الصمت المُثقل، والجوّ متوتّر كأنه ينتظر انفجارًا.
وعلى رأس الطاولة جلس ولي العهد رايشرت.
ملامحه المُنهكة تشهد على أيّامٍ أمضاها في مواجهة النبلاء.
وبرغم كبريائه، كان قد استُنزف حتى التعب.
كتم ضحكة ساخرة، وتقدّم بخطًى واثقة حتى جلس في مقعده.
وما إن جلس، حتى تكلّم رجل مُسن:
“بما أنّ الدوق الأكبر فيناشيرت قد وصل، لنبدأ هذه الجلسة الطارئة.”
كان المتحدث نورمان وينفيلد، مستشار محكمة آربيرن.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"