“قال الطّبيب إنَّ سموّ الدّوقة الكُبرى تُعاني من كآبةٍ حادّة.”
كآبة؟ من بين جميع النبلاء؟
وليس أيِّ أحد، بل في الدّوقة الكُبرى نفسِها.
وكأنّ في ذلك إدانةً صريحة بأنّ الخدم قد أخفقوا في واجباتهم.
ارتجفت يدا مارغريت وهي تُطبِقهما معًا بقوّة.
تهيّأت لسماع التوبيخ أو نيل العقاب الذي رأت نفسها تستحقّه.
غير أنّ دانتي، بعد صمتٍ طويل، اكتفى بإيماءةٍ هادئة.
“تابعي.”
شهقت مارغريت خفية، ورفعت عينيها الزيتونيّتَيْن نحوه.
اهتزّت نظراتها في ارتباك، لكن دانتي قابلها ببرودٍ وصلابة في عينيه الذّهبيّتين.
تماسكت، وأخذت نَفَسًا عميقًا ثم قالت:
“في الحقيقة يا سموّك… لقد غدت الدّوقة الكُبرى تنام أكثر بكثير ممّا اعتادت.”
“تنام؟” تقلّص حاجباه.
“وفي أيِّ ساعة تستيقظ عادةً؟”
“إن لم نوقِظها، تبقى نائمةً حتّى تغيب الشّمس.”
“ومتى تذهب إلى فراشها؟”
“حين ينهكها التّعب… وأحيانًا لا تتناول العَشاء إطلاقًا…”
إذن فهي تمضي يومها بأكمله نائمة.
ارتسمت على شفتي دانتي ضحكة قصيرة مستهجنة.
كيف لإنسان أن ينام بلا انقطاع، يومًا بعد يوم؟
عاد بذاكرته إلى منظر زوجته في اللّيلة الماضية—نحيلة، ضعيفة، هزيلة.
آنذاك تساءل عن سرّ ذلك الذبول.
لم يكُن الطّعام في قصر بيهيرن هو السّبب، فمطبخه مثاليّ.
ولم تُظهِر علامات المرض.
…أم تراها مريضة بالفعل؟
ضيّق دانتي عينيه الذّهبيّتين.
أخرج سيجارًا من علبته، وضعه بين شفتيه، وسأل:
“أعراض أخرى؟”
“لقد ضعفت قواها كثيرًا.
كثيرًا ما ترفض تناول الطّعام.
وإن خرجت للمشي، فإنّها بعد دقائق قليلة تُرهق وتعود.”
“ولِمَ أسمع بهذا الآن فقط؟” قاطعها دانتي بلهجةٍ صارمة، وأشعل السيجار بعينين متوهّجتين.
شهقت مارغريت في خوفٍ، كادت تختنق بنفسها.
كانت نظرته فجائيّةً وحادّةً، أشبه بعيني مفترسٍ يترصّد فريسته.
“اغفِر لي يا سموّك.
لقد ظننتها في البداية إرهاقًا عابرًا. أمرًا لا يستحقّ أن أشغلك به.”
“الدّوقة الكُبرى تمكث أيّامًا بلا طعام، ملقاة في فراشها طوال الوقت—وتصفين هذا بالأمر التّافه؟”
لم يرفع صوته، لكن وقع كلماته كان كالرّعد في أذنها.
باردة، قاسية، جمّدت الهواء من حولهما.
انحنت مارغريت بعمق، وصوتها يرتعش.
“أرجو عفوك يا سموّك.
لن يتكرّر هذا التّقصير ما حييت.”
“تأكّدي من ذلك.”
“أجل، يا سموّك.
لن أنسى أبدًا.”
نفث دانتي دخانًا ببطء، يحدّق في رأسها المنحني من خلف الضباب.
ثم سحق السيجار في المطفأة، وأمر:
“اخرجي.”
… طرقات خفيفة.
بعد دقائق قليلة، عاد الصّوت ذاته.
دخل كبير الخدم دون استئذان، كما تقتضي العادة.
“يا سموّك، أعضاء المجلس والمستشار القانونيّ ينتظرونك منذ الفجر.”
“مُجدّون هم.”
لكن الحقيقة أنّهم ما كانوا لينتظروا لولا سطوته.
فقد شاع بين الجميع كيف مزّق مديرًا لمجرّد أنّه تأخّر خمس دقائق.
[زوز: RED FLAG? WE CAN’T JUDGEHIM RN]
ومنذ ذلك الحين، صار حضور الاجتماعات قبل موعدها بنصف ساعة قاعدة غير مكتوبة.
أحكم دانتي زرّ سترته الأخير، وعدّل ربطة عنقه بإتقانٍ مألوف.
“إلى المحكمة.”
“المحكمة، يا سموّك؟ ولأيِّ شأن؟”
ارتبك كبير الخدم، فالمحكمة عادةً من شأن المساعدين لا منه.
ألقى دانتي نظرةً لامعةً ساخرة بعينيه الذّهبيّتين.
“حان وقت التخلّص من ورقةٍ بلا جدوى.”
[احا؟احا].
قالها بخفّة، بلهجةٍ تكاد تكون لاهية.
وفي تلك اللّحظة، تدفّقت أشعّة الشّمس من النوافذ العالية، تغمره بضياءٍ ذهبيّ، كتمثالٍ لحاكمٍ من زمنٍ غابر.
مهيبًا، ساطعًا، كاد من يراه أن يركع له.
لكن كبير الخدم كان أدرى.
فقد لمح البريق البارد في عينيه، والالتواء الخفيف على شفته.
فانحنى بحكمة، قائلاً:
“كما تأمر، يا سموّك.
سأهتمّ بالأمر سرًّا.”
ومضت صور وجوهٍ في ذهنه—رجال ونساء اختفوا في ظروف غامضة.
ابتلع ريقَه بتوتّر.
فمن يجرؤ على معاندة الدّوق الأعظم في هذه الحال، فإنّما يكتب نهايته.
—
تبدّل صفاءُ أواخر الصّيف بسحبٍ رماديّة كثيفة، وسرعان ما بدأ المطر يهطل بقطراتٍ ثقيلة.
“يا سموّك، أرجوكِ… مجرّد لقمة.
أتوسّل إليكِ.”
نصف ساعة مرّت.
توسّلت مارغريت، وحاولت التوبيخ، ثم التّرغيب.
لكن رِيينا ظلّت ترفض.
وبالرغم من بلوغها الخمسين، لم تملك مارغريت وسيلة لكسر عناد مولاتها الشّابّة.
لقد مضت أربعة أيّام منذ زيارة الطّبيب.
أربعة أيّام لم تغادر فيها رِيينا مخدعها، ولم تذق طعامًا.
ومنذ استدعائها إلى مكتب الدّوق الأعظم، ظلّ قلب مارغريت مثقلاً بالخوف.
فالعقوبة أمر هيِّن… لكن انهيار سيّدتها كان الكابوس الحقيقي.
“يا سموّك، لقد مضت أربعة أيّام!
ماذا سيصيبك إن استمررتِ على هذا الحال؟”
لكنّ الدّوقة ظلت مختبئةً تحت لحافها، لا تتحرّك.
المشهد يتكرّر دومًا.
تحضّر مارغريت الحمّام والطّعام.
تغتسل رِيينا، ثم تعود إلى فراشها تاركة الطّعام كما هو.
واليوم أيضًا، بقي الجسد ساكنًا تحت الأغطية.
تنفّست مارغريت تنهيدة استسلام.
لم تستطع في كلّ سنوات خدمتها إجبار مولاتها على الأكل.
وضعت وعاء العصيدة على الطاولة، وغطّته بعناية.
“الطعام هنا… لقيمات قليلة فقط تكفي.”
قالتها بقلق، ثم دوّى وقعُ خطواتها على الأرض.
كان يُفترض أن يليها صوت إغلاق الباب.
لكن لم يحدث.
توقّفت الخطوات.
خَيّم الصّمت ثقيلًا.
شعرت رِيينا بأنّ شيئًا غير مألوف. بدأت تنزل الغطاء—
“ي-يا سموّك الدّوق الأعظم…” تردّد صوت مارغريت مرتجفًا.
لأوّل مرّةٍ منذ ثلاث سنوات، دخل دانتي بِنَاخِرت إلى مخدعها بنفسه.
ألقى نظرةً عابرةً إلى مارغريت، ثم تقدّم.
وأُغلق الباب خلفه بهدوء.
خطوات ثابتة، تقترب شيئًا فشيئًا من السّرير.
“انهضي.”
كان صوته باردًا، مسطّحًا، خاليًا من أيّ دفء.
عضّت رِيينا شفتها بقوّة.
لم يزرها دانتي يومًا في مخدعها طوال ثلاث سنوات.
تقلّص جسدها المرتجف تحت الغطاء، بينما ظلّه القاسي يخيّم عليها.
“انهضي… قبل أن أُجبِرك على النهوض بنفسي.”
خفق قلبها بعنف. عرفت أنّ المقاومة بلا جدوى.
فدانتي رجلٌ لا يتراجع عمّا يقول.
أبعدت الغطاء ببطء، وجلست.
لم يكن تحدّيًا، بل عجزًا.
شعرت بألمٍ خافتٍ في صدرها، فحاولت إخفاءه، منحنيةً حتّى تستعيد ملامحها.
وحين رفعت وجهها أخيرًا، وجدت نظرته الذهبيّة تَسحقها—نافذة، لامعة، بلا رحمة.
ثقل الصّمت بينهما، حتّى كاد يخنقها.
تمنّت لو صرخ بدلًا من هذا الصّمت القاتل.
فجأةً، ألقى دانتي مظروفًا على السّرير.
“وقّعي.”
تجمّدت أنفاسها عند رؤيته.
إنّه المظروف نفسه الذي سلّمته له قبل أيام.
وعرفت ما يحتويه.
مرسوم طلاق.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة.
بالطبع…
لقد جُرح كبرياؤه.
هو رجلٌ ذو أنَفة هائلة، ولا شك أنّه صاغ الوثيقة من جديد بما يناسب مصلحته.
لكن إن كان ذلك ثمن حريّتها، فهي ستوقّع دون تردّد.
أمسكت المظروف، فتحتْه ببطء.
قطّبت حاجبيها.
لم يكن في داخله ورقة واحدة، بل رزمةٌ كاملة.
“ما هذا…”
ارتعش صوتها، واتّسعت عيناها وهي تتصفّح المحتوى، يغمرها الذهول.
ظلّ دانتي يحدّق بها دون أن يشيح ببصره.
وانفرجت شفتاه بابتسامة باردة ماكرة.
“قلت لكِ يا رِيينا… لَن أمنحك ما طلبتِه.”
فما قدّمه لها لم يكن طلاقًا—
…بل التماسًا لإبطال الزواج.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"