“أرجوك، امنحني الطلاق يا صاحب السمو.”
كانت الكلمات، حين ترددت مرّة أخرى، كالصاعقة التي مزّقت الصمت المهيمن على أجواء المكتب.
خرج صوت ريينا هادئًا، لكنه حمل من الثقل والوقع ما يناقض سكينته.
حدّقت بثبات في عيني الدوق الأكبر فيناشيرت، الذهبيتين المتألقتين، من دون أن ترمش أو تهتز، ثم تابعت:
“لقد انتهت حاجتك إليّ.”
ظلّ دانتي صامتًا للحظة قصيرة.
ثم مدّ يده ببطء، والتقط الظرف الذي دفعته نحوه.
خشخشة خفيفة.
في داخله ورقة واحدة فقط.
فتحها، مرّر نظره على سطورها سريعًا، ثم أطلق ضحكة قصيرة تنمّ عن ذهول واستهزاء.
[المُستلم: دانتي فيناشيرت]
وفي أسفلها، كان اسمه مكتوبًا بخط أنيق إلى جانب لقب المُتلقّي.
أي جرأة هذه؟
لقد دخلت إلى مكتبه حاملة صك الطلاق ذاته الذي كان قد استصدره يومًا ما بنفسه، لتطالبه الآن بالانفصال من خلاله.
[ريينا برونتي]
لقد نزعت عن نفسها اسم فيناشيرت، ووقّعت باسم ولادتها المتواضع، “برونتي”، وكأنها تعلن عودتها إلى ما كانت عليه قبل زواجها منه.
“…تقولين إنني لم أعد بحاجة إليك.”
ردّد دانتي الكلمات وكأنه يتذوقها، ثم أطلق ضحكة منخفضة.
“هكذا إذًا؟”
رفع رأسه، محدّقًا فيها بعينين تتأملان بحدة.
التقت عيناه الذهبيتان بعينيها البنيتين الثابتتين، اللتين أظهرتا هدوءًا في ظاهرها، لكن ارتجافة طفيفة كشفت ما يختبئ في العمق.
ومع ذلك لم تُحوّل نظرها.
كفريسة ضعيفة تجازف بالنظر في عيني مفترس.
غافلة.
مستفزّة.
“ذلك ما تظنّينه أنتِ فقط، ريينا.”
انخفض صوته أكثر من المعتاد، ممزوجًا بالتعب، ومشحونًا بظلٍّ من سخرية لم يُخفها.
“ثم ألا تذكرين أنّك كنتِ أول من احتاج إليّ؟ أليس كذلك؟”
ارتسمت على طرف شفتيه ابتسامة ساخرة حادّة.
واجهت ريينا نظره بثبات، ثم ردّت بسرعة حادّة:
“وهل كان احتياجي أحاديًا إذًا؟”
جاءت كلماتها باردة، غير مألوفة منها، فمسّت كبرياءه.
اشتدّت نظرات دانتي قسوةً.
“وما كنتُ أحتاجه،” تابعت بلهجة واثقة، “لم يكن شخصك في الحقيقة. ما احتجت إليه هو الأمان… الحماية.”
وبهذا المعنى، كان هو الدرع الأمثل—بلا شك.
“كنت أحتاج أن أتجنّب أن يُباع مصيري، وأحتاج المال، وبيتًا آمنًا. ولهذا، نعم—طلبت عونك.”
بقيت عيناها معلقتين عليه، ثابتتين رغم الارتجاف الكامن في صوتها.
“لكن لتجلس أنت على ذاك المقعد يا صاحب السمو—كنت تحتاج إليّ أيضًا.”
تساقطت كلماتها جريئة وقاطعة، كقذيفة سقطت عند قدميه.
لحظةً عمّ الصمت الموحش.
مال دانتي قليلًا للخلف، ملامحه مغلقة، ثم قال ببرود:
“أذكّرك أنني أخبرتك من قبل—إنكِ بلا فائدة تُذكر بالنسبة لي.”
كان صوته متماسكًا، باردًا، لكن عينيه لمع فيهما بريق ثلجي.
وربما شعرت بالجرح، فقد خانتها الرجفة الطفيفة في طرفي عينيها.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة ملتوية.
“حسنًا. أستطيع أن أمنحك الطلاق.
لكن…”
منذ البداية كان القرار بيده.
زواجهما لم يكن سوى عقد محدد النهاية.
لم يكن هناك ما يستدعي الرفض.
ومع ذلك—
ظل طعم مرير يعلو صدره.
ألقى عليها نظرة طويلة بطيئة.
كانت هزيلة، واهنة، أشبه بظل قد ينهار في أية لحظة.
أهي من بادرت أولًا بطلب الطلاق؟
شبك أصابعه برشاقة، ووضعهما فوق ركبته في وقار.
“زوجتي تأتي إليّ في منتصف الليل لتطلب الطلاق. وكزوج، على الأقل يجدر بي أن أسمع حججها.”
انسابت كلماته رشيقةً، أنيقة، متوافقة مع هيئته… ومع الابتسامة المشرقة التي ارتسمت على ملامحه الوسيمة.
أدهشها المنظر للحظة، حتى وجدت نفسها تحدق فيه مأخوذة، قبل أن تستفيق من سحره.
تذكّرت نساء المجتمع، ووجوههن المحمرّة تحت تلك الابتسامة البراقة.
ولم تكن هي مختلفة عنهن من قبل.
لكنها الآن تعرف.
تعرف أن تلك الابتسامة لم تكن سوى قناع يرتديه حين يواجه التجار والمستثمرين، ليقول: تكلّموا كما تشاؤون.
فلن يغيّر شيئًا.
ومع هذا الإدراك، بدأ قناعها الثابت بالتصدّع.
“أم لعلكِ،” قال دانتي متمهّلًا، عيناه تلمعان بخبث، “تختلسين مالًا سرًّا؟”
“…قد أحتاج إلى المال،” أجابت بصوت متماسك، “لكنني لن أنحط يومًا إلى سرقة خزينة المملكة.”
كانت عيناها مظلمتين ثابتتين، خاليتين من أي خجل.
لكن تعبيرها “خزينة المملكة” أثار انزعاجه.
“همم. أو ربما ذاك العجوز الذي وُعِدتِ به قد مات أخيرًا؟ في عُمره المتجاوز الثمانين، ومع علله، الأمر ليس غريبًا.”
اشتدّت ملامح ريينا غضبًا.
“ليست هذه هي الأسباب التي يتخيّلها صاحب السمو.”
“فإذن لماذا يا ريينا؟ ما السبب الذي يجعلك تطلبين الطلاق؟”
أمال رأسه قليلًا، وهو يُبدي فضولًا حقيقيًا هذه المرة.
“…لأنني لن أكون دوقة حقيقية أبدًا.
لو انكشف أنني لم أكن سوى فتاة فقيرة معدمة، فسيجلب هذا لك العار—”
“هاه.”
قاطعها دانتي بسخرية حادة.
“لا تجهدي نفسكِ بترهات كهذه.”
لم يكن بحاجة إلى سماع المزيد.
لقد أدت دور الدوقة بإتقان، ثم فجأة تزعم خلاف ذلك في منتصف الليل؟
سخافة.
عضّت ريينا على شفتها.
الأكاذيب لن تُقنعه.
ومع ذلك… لم تستطع قول الحقيقة.
أنها قد حُكم عليها بالموت. وأن ما تبقى لها لا يتجاوز العامين.
لا—كبرياؤها لم يسمح بذلك.
فأطلقت أنفاسًا متقطعة، وأعطته حقيقة أخرى:
“لأنني مرهقة… مستنزفة.”
انفلتت كلماتها كزفرة، عارية من الزيف.
“هناك أسباب كثيرة لإنهاء هذا الزواج. لكن قبل كل شيء، أنا متعبة… نادمة.”
شدّت أصابعها بقوة حتى ابيضّت كفّاها.
كانت تعلم أنها ستندم حتى على هذا الاعتراف.
ومع ذلك—
أجبرت نفسها على البوح برجائها الأهم.
“فأرجوك، حتى الآن، وإن كان ذلك وقاحة مني—امنحني هذا الطلاق. أضرع إليك.”
أخفضت رأسها عميقًا، وصوتها مثقَل بالعزم.
ظلّت عينا دانتي معلّقتين على يديها المرتجفتين. ضعيفة، نعم—لكن لا تتزعزع.
كان الإصرار في رجائها حقيقيًا.
وأخيرًا، مدّ يده إلى الأوراق على مكتبه.
اتسعت عيناها حين مزّق الصمت صوت مفاجئ.
تمزيق.
انشق الصك نصفين بين يديه، وتبعثرت قطعُه على الطاولة.
“…!”
أيجرؤ؟
“أتظنين أنني سأستجيب لطلبكِ؟”
سقط صوته ببرودة تجمّد العظام، مزلزلًا كالسوط.
تلألأت عيناه الذهبيتان بغضب جارف لا رحمة فيه، وشلّت حركتها.
لم تختبر طوال ثلاث سنوات هذا الثقل الساحق منه.
“اخرجي.”
كانت الكلمة كهدير منخفض ارتجّت به أركان المكتب.
“ي-يا صاحب السمو…”
تجمّد عقلها، وعيناها تهبطان نحو شظايا الورق الممزق.
“آه.”
استخرج سيجارًا، وارتسم على شفتيه ازدراء واضح.
“لا تخلطي هذا بأمر. إنه مجرد طرد.”
—
استنشقت مارغريت نفسًا عميقًا ورفعت يدها.
طرق، طرق.
صوت هادئ، رصين.
انتظرت قليلًا، ثم أدارت المقبض.
لم يأتِها جواب من الداخل، لكن الصمت كان كافيًا ليُفهم كإذن.
كل من يخدم الدوق الأكبر يعرف هذا.
“لقد استدعيتني يا صاحب السمو؟”
كان أول ضوء باهت للفجر يتسرّب عبر النوافذ، بظلال زرقاء باردة.
رغم الوقت المبكر، كان دانتي جالسًا في مكتبه، أنيقًا بكامل هيئته، لم تزل خصلة شعر واحدة عن مكانها.
تذكرت مارغريت حديثًا عابرًا بين كبير الخدم ورئيس الطهاة: هل تعرف ما الشعور حين ترى سيدًا لا يتعثر قط، ولا مرة؟
والآن فهمت.
“سمعت أن الطبيب زاركِ البارحة،” قال دانتي بصوت هادئ بارد.
“…نعم يا صاحب السمو. وبإذنك، استدعيتُه فورًا—”
“وماذا قال؟”
رفع إصبعه إلى صدغه، قاطعًا حديثها.
لم يرد شروحات، بل النتيجة فقط.
“ذلك أنّ… حسنًا…”
ترددت مارغريت.
تشخيص الطبيب—الكآبة—لم يكن سهلًا على لسانها، خاصة وهي المسؤولة عن رعاية الدوقة.
ضيّق دانتي عينيه عند تردّدها.
إن عجزت عن الإجابة، فالأمر إذًا ليس هينًا.
ولم يكن ليصدّق كلامها سلفًا أصلًا.
“مارغريت.”
كان صوته حادًا وباردًا.
“تعلمين جيدًا أنني أكره تكرار ما أقوله.”
زاد ضوء الفجر ملامحه صرامة، وبث في الجو برودة قاسية.
أغمضت مارغريت عينيها بقوة، وفي النهاية، أُجبرت على قول الحقيقة—
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"