وقعَتْ عربةٌ صغيرة بصوتٍ مكتوم.
قفز والتر، كبير الطهاة، واقفًا حين دُفِعت العربة إلى المطبخ.
“هَلْ تناولتْ سموُّها شيئًا من الطّعام؟”
عند سؤاله القَلِق، هزّت مارغريت رأسها ببطء.
تبدّلت ملامح الطّاهي سريعًا إلى خيبةِ أملٍ واضحة.
زفرت مارغريت وقالت بنبرةٍ متعبة:
“ربّما لأنّ الطّبيب جاء اليوم… ويبدو أنّ شهيّتَها أقلُّ مِن المعتاد.”
“أوه؟ وماذا قال الطّبيب؟”
لم يكد الحزن يستقرُّ في ملامحه حتّى أشرقت على وجهه بادرةُ أملٍ جديدة.
لكن مارغريت هزّت رأسها بيأس.
كيف لإنسانٍ أن تتقلّب مشاعره بهذه السّرعة دون أدنى حرج؟
“لا تُعلّق آمالًا باطلة.
إنّ الشّائعات التي تدور في القصر مجرّد هراء.”
شائعات، أجل.
الحمل.
لقد كانت مارغريت بجانب الدّوقة الكبرى في كلّ ساعةٍ من ساعات النّهار واللّيل، باستثناء وقت نومها.
لو كان ذلك صحيحًا، لكانت أوّل مَن يكتشفه.
مُستحيل.
لكن، على الأقل، أكّد الطّبيب أنّ الأمر ليس خطيرًا.
كان في ذلك بعضُ الطّمأنينة، لكنّه لم يُخفّف الثّقل عن صدرها.
وكادت تُطلق تنهيدةً جديدة، لولا أنّ الطّاهي زفر زفرةً عميقة كأنّ الأرض ستنهار من شدّتها.
“كنتُ أتمنّى أنْ أرى طفلًا يحمل ملامح كلا من السيد والسيدة معًا يومًا ما…”
“قلتُ لك ألّا تُردّد مثل هذه الحماقات!”
—
كانت الغرفة غارقةً في الظّلام، بلا مصباحٍ واحد.
جلست ريينا على طرف السّرير، تحدّق بشرودٍ عبر النّافذة.
عامان فقط.
ذلك هو كلُّ ما تبقّى لها، الحكم الذي جاء مع تشخيصها.
لم يَعُد في وسعها حتّى أنْ تضحك بسخرية.
لكن سماعَ كلمة الطّبيب فرض عليها وضوحًا صارمًا—هذه هي حقيقتها.
الأيّام التي عاشتها في القصر، بجانب الدّوق الأكبر، بدت دائمًا أشبه بالتّيه في حلم.
ليس حلمًا رومانسيًّا—بل أيّامًا لم تكن يومًا لها، ولم تناسبها.
‘كيف تشعرين الآن؟’
سألت نفسها مرارًا.
‘ما معنى أنْ تستيقظي أخيرًا من حلم؟’
ظلّت تكرّر السّؤال ساعاتٍ طويلة، ولم تجد جوابًا.
“…هاه.”
مرّرت يدها الجافّة على وجهها، ثم نهضت ببطء.
قد لا تعرف شعورها، لكنّها تعرف ما يجب أنْ تفعله لاحقًا.
وكان ذلك واضحًا.
طَق.
لأوّل مرّة منذ أسبوع، خرجت من غرفتها واتّجهت نحو الدّرج المؤدّي إلى الطّابق الثّاني—حيث مكتب دانتي.
—
“لقد وصلنا، يا صاحب السّموّ.”
رفع دانتي رأسه عن آخر صفحة من تقريرٍ بائس، ثم ألقاه بجانبه كخرقةٍ لا قيمة لها.
كان الغروب قد غطّى المشهد خارج النّافذة.
وبفضل مأدبة عيد الميلاد الملعونة، أضاع يومًا كاملًا.
وكان هذا التّقرير إهانةً إضافيّة—كلماتٌ كحبرٍ بلا معنى لطّخ الورق.
لوّح بيده ورماه بعيدًا، ثم تناول سترته.
هبط التّابع من السيّارة بسرعة، ودار ليفتح الباب الخلفي.
نزل دانتي ببطء، وأحذيته اللّامعة تلامس الأرض برزانة.
أغلق الباب وأخرج محفظته السّميكة المليئة بالأوراق النّقديّة.
انتزع رزمةً وقدّمها للتّابع.
“أحسنت.”
اتّسعت عينا الرّجل دهشةً لرؤية المال بين أصابعه الطّويلة.
مضطربًا، لوّح بيديه رفضًا.
“كلا، يا صاحب السّموّ، لا أستطيع قبول مبلغٍ كهذا. يكفيني لطفك—”
“لطفك؟”
ارتجف حاجب دانتي.
“إنّه مالٌ أعطيك إيّاه، لا أفكار.”
“…سامحني.”
تسرّب برودٌ خفيف في عينيه الذّهبيّتين وهو ينظر للرّجل.
فتغيّر لون وجه التّابع حتّى قَبِل أخيرًا المال بيدين مرتجفتين.
“…شكرًا لك.”
لم يمنحه دانتي أكثر من نظرةٍ باردة، ثم دخل القصر بخطواتٍ واثقة.
“مرحبًا بعودتك، يا صاحب السّموّ.”
استقبله الخادم في البهو، أنيقًا كالعادة.
“هل حدث أمر؟”
“…إنّ سموَّ الدّوقة بانتظارك في مكتبك.”
توقّف دانتي وهو يُسلّم سترته.
كان منتصف اللّيل قد مضى.
“في هذه السّاعة؟”
“انتظرتك لساعاتٍ طويلة.
أخبرتها أنّني سأبلغها عند عودتك، لكنّها أصرت على الانتظار.
لم أستطع إقناعها بالمغادرة.”
“إذًا فهي لا تُبالي بالنّوم.”
أطلق ضحكةً جافّة.
ثم أشار للخادم بالانصراف، وأخذ الأخير السّترة بعيدًا.
صعد دانتي الدّرج بخطواتٍ رصينة، وصدى أحذيته يتردّد في الممرّ المُعتم.
طَق.
إنّه مكتبُه، فلا حاجة للطرق.
فتح الباب ببرودٍ ولا مبالاة.
عند الصّوت، التفتت ريينا ببطء من فوق الأريكة.
والتقت عيناهما.
رفع دانتي حاجبًا بخفّة.
إذًا فهي هنا حقًّا.
مرّ بجوارها بصمت، متّجهًا نحو الخزانة المليئة بالزّجاجات.
نبيذ، براندي، شمبانيا—كلّها مختومة لم تُمسّ.
نادِرًا ما شرب دانتي.
كانت مجرّد زينة.
اختار بعض الزّجاجات والتفت إليها.
“ما تفضيلك؟ نبيذ؟ براندي؟ أم جئتِ لتحتفلي بالشّمبانيا؟”
ارتعش كتفاها عند سماع كلمة ‘احتفال’ ثم هزّت رأسها.
“لا.
سأمتنع عن الشرب.”
“يا له من أمر مؤسف.
ظننتُ أنّك جئتِ في هذه السّاعة لصحبةٍ مترنّحة قليلًا.”
ارتسم التّجهّم على وجهها كأنّها سمعت شيئًا لم يُفترض أن تسمعه.
“لِمَ؟ مَن يدري—ربّما جئتِ فعلًا بخبرٍ سارّ.”
لقد سمع الشّائعات إذًا.
اشتعلت حرارةٌ في أذنيها من شدّة الإهانة.
ولم تُخفِ استياءها هذه المرّة.
ابتسم دانتي ابتسامةً خافتة عند رؤيتها.
أعاد الزّجاجات لمكانها، ثم جلس متّكئًا باسترخاء على الأريكة المقابلة.
“نادِرًا ما أمزح، لكنّي مُرهَق الليلة.”
لم يكن اعتذارًا.
فالتّعب واضح في صوته.
كانت ريينا تعلم، عبر السيّدة مارغريت، أنّه حضر مأدبة عيد ميلاد وليّ عهد رايشرت.
دمه.
قرابته الممقوتة.
فلا عجب أن يكون مزاجه سيّئًا.
ضغط بإصبعه على صدغه، ثم رفع ذقنه نحوها.
“لقد جاء الطّبيب اليوم، أليس كذلك؟”
“…نعم.
بعد الظّهر.”
“وماذا قال؟”
تردّدت، ثم هزّت رأسها بينما شرب هو كوب الماء دفعة واحدة.
“لا شيء مهمّ.”
“حقًّا؟”
تعلّقت عيناه الذّهبيّتان بها، نافذتين تبحثان عن الحقيقة.
ارتجفت تحت ثقل نظرته.
ذاك النّظر دومًا—مُتسائل، متفحّص.
عضّت شفتها وأجبرت نفسها ألّا تُشيح بوجهها.
وأخيرًا، أسقط عينيه، ووضع الكوب على الطاولة بخفّة.
ارتاحت قليلًا—لكن وقع نظرها على الظّرف البنيّ بجانبها.
خفق قلبها بعنف.
شدّت أصابعها المرتجفة في كفّها.
‘لا تخافي، ريينا.’
كان في الظّرف مرسوم الطّلاق.
أعدّته مسبقًا قبل عودته، وجلست تنتظره في مكتبه، تُردّد لنفسها مرارًا:
‘لا تخافي.’
لقد حُكم عليكِ بالموت سلفًا. ما عاد هناك ما يُخيفك.
لكنّها الآن شعرت بخوفٍ أشدّ ممّا شعرت به حين أخبرها الطّبيب أنّ أمامها عامين.
ومع ذلك، لم يَعُد في وسعها التّراجع.
فإن لم يكن الآن، فلن تجِد الجرأة أبدًا.
لقد حان الوقت.
وقت إنهاء هذا الحُبّ الطّويل من طرفٍ واحد.
لن تدعه يرى جسدها يذوي.
ولن تسمح لنفسها أن ترى لا مبالاته بجسدها المحتضر.
استجمعت أنفاسها بعمق، وتماسكت.
وضعت الظّرف على الطاولة ودفعته نحوه.
ألقى نظرةً كسولة على ما أمامه.
وبقوسٍ خفيف من حاجبه، سأل:
“ما هذا؟”
“…مرسوم طلاق.”
توقّفت يده في منتصف الطريق إلى الظرف.
انعقد حاجباه بدهشةٍ كأنّه سمع أمرًا غريبًا.
ارتجف قلبها أكثر عند ردّة فعله، لكن صوتها ظلّ ثابتًا.
“إنّه نفسُ مرسوم الطّلاق الذي أعددتَه، يا صاحب السّموّ.”
وكان ذلك صحيحًا.
فالوثيقة التي سلّمته إيّاها وجدتها منذ زمن في درج مكتبه.
وحين صدر عليها حكم الموت، بدا الأمر كأنّه فرصة—فلن تحتاج لأوراقٍ جديدة من المحكمة.
ساد صمتٌ ثقيل.
راقبته بهدوء قبل أن تقول بصوتٍ خافتٍ لكن ثابت…
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"