“آه… نَعَمْ. أنا آسفةٌ حقًّا. لقد سَهِرتُ طويلًا ليلةَ أمس لإنهاءِ بعضِ الأمور، وفي النهاية… غفوتُ.”
لم تكن تكذبُ تمامًا — فقد غفتْ عندَ عودتِها للمنزل، وإنْ كان ذلك لساعتينِ فقط.
“يا فتاة! لقد خرجتُ مُبكّرًا أمس، تذكرين؟! وبالمناسبة يا ريينا، ما حجمُ التنظيف الذي قمتِ به؟ أتدرينَ كم صُدمتُ حين دخلتُ هذا الصباح؟ المكان يلمع… يبرق بكلّ زاوية! ترددتُ في لمس أيّ شيء فعلًا!”
“شكرًا على الإطراء.”
أطلقت ريينا ضحكةً خفيفةً خجلى.
كانت شارون تملكُ تلك القدرة على مُضاعفةِ الكلمةِ إلى ثلاث — إحدى ألطفِ صفاتها.
إشراقتُها التي لا تتوقّف… كانت تثيرُ العجبَ في نفسِ ريينا، بل وتُلهِم الألفة.
وربّما لهذا السبب، بدت لها شارون أقربَ إلى أختٍ صُغرى.
وذلك الإحساس… كان غريبًا عليها.
قبل كلّ شيء، كانت شارون هي التي ذكّرتها — علّمتها — أنّها ما زالت قادرةً على التعلّقِ بشخصٍ ما مجدّدًا.
ولهذا، كانت ثمينةً لديها.
“سأساعدُكِ في إنهاءِ التحضيرات؛ فلنُنْهِها معًا.”
“لا، لا! لقد أوشكت على الانتهاء— ها؟ يا آنسة ريينا، ماذا جرى لذراعكِ؟”
توقّفت شارون فجأةً، واتّسعت عيناها دهشة.
آه.
تنهدت ريينا بخفوت، وابتسمت ابتسامةً مُحرَجة.
أخفت يدَها اليسرى المُضمّدة خلف ظهرها، محاولةً التخفيف من شأن الأمر.
“هذا؟ لقد اصطدمتُ بمعصمي بقوّة أثناء التنظيف. انتفخ قليلًا فحسب.”
“كاذبة! لا يمكن أن تُلفّيها هكذا من أجل انتفاخٍ بسيط! هل كسرتِها؟”
عندها ارتبكت ريينا.
خفضت بصرها إلى معصمها الملفوف، ثمَّ تمتمت بشرود:
“…آه، صحيح.
لأمرٍ بسيطٍ كهذا… هذا مبالغٌ فيه قليلًا، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
ضحكت ريينا ضحكةً خافتةً، فارغة، وهي تُحرّكُ معصمَها المُضَمّد.
—
في الظهيرة، اشتدَّت شمسُ الصيف بحرارةٍ تفوقُ التوقع.
خلعَ العمّالُ ستراتِهم منذُ وقتٍ طويل، وكذلك كاليس الذي كان يتبعُ الدوقَ الأكبر ليشرحَ سيرَ البناء.
لكن بينهم جميعًا، ظلّ دوق فيناشيرت وحده متماسكًا في طقمِه الكلاسيكيّ المكوّن من ثلاث قطع.
حتّى في قيظٍ يتصبّب منه الآخرون عرقًا، لم تلمع على بشرته قطرةٌ واحدة، ولا شكوى تبدرُ عنه.
تجرّأ أحدُ المفتّشين — وقد أثارته دهشة المظهر — على القول:
“يا صاحبَ السّمو… يبدو أنّك ستتأقلم جيّدًا مع فلورين. فالصيفُ يأتي مُبكرًا هنا. إنّها حارّةٌ فعلًا، ومع ذلك لا يبدو أنّك منزعج.”
“هذا مقبول.”
“حقًّا… آه، وبما أنّ الجوّ يزدادُ حرارةً — فربّما تجرّبُ السباحة في البحر قريبًا؟ إنّها مختلفةٌ تمامًا عن الأنهار والبحيرات.”
“مم. ربما في وقتٍ آخر.”
مال دانتي برأسه مبتسمًا ابتسامةً لطيفة.
لو سمع كبيرُ خدَمِه “هدسون” هذا الحديث، لذهل من هدوئه؛ فالواقع أنّ دانتي يكرهُ الماء.
التعليقات لهذا الفصل " 32"