أشرقت قاعة الوليمة الملكيّة ببريق الذهب والكريستال وتألّق الأزهار الملونة، وقد أُعِدَّت خصيصًا للاحتفال بذكرى ميلاد ولي العهد.
انسابت أنغام الفرقة الموسيقيّة الملكيّة في أرجاء القاعة بنعومة وانسجام، ممتزجة بأصوات النبلاء الذين تبادلوا الأحاديث في أناقةٍ ورقي.
“ها قد عاد موسم آربيرن الاجتماعي أخيرًا.”
“أما العام الماضي، فموسم بيهيرن كان باهتًا للغاية، أليس كذلك؟”
اعتادت المملكة أن تتناوب في إقامة مواسمها الاجتماعيّة بين مدنها الكبرى.
وهذا العام كانت العاصمة آربيرن هي المضيفة، حيث ينتصب القصر الملكي شامخًا، بينما العام الماضي كان الدور لمدينة بيهيرن، مقرّ الدوق الأكبر.
ولهذا، ظلّت آراء النبلاء تتأرجح تبعًا للمدينة التي تستضيف.
“أما أنا فقد استمتعت ببيهيرن، خصوصًا أنّه كان من الممتع رؤية الدوق الأكبر فيناشيرت مرارًا.”
“يا للعجب يا سيدة بندلتون!”
انطلقت ضحكات النبيلات رقيقة كضحكات الفتيات، قبل أن ينزلق حديثهن نحو الضيف المرتقب — دانتي فيناشيرت، المعروف بـ الدوق ذو الدماء المختلطة .
وقد لُقِّب بذلك لسبب واحد فقط:
فهو الابن غير الشرعي للأميرة لويلين، شقيقة الملك الحالي، من رجلٍ مجهولٍ من عامة الشعب.
ولهذا لم يُعترف به يومًا كأمير شرعي.
ولم يحصل على لقب الدوق الأكبر إلا بعد بلوغه سن الرشد، في قصة شاعت في أرجاء المملكة.
لكن هذا كل ما ناله.
فالنبلاء المتغطرسون لم يعترفوا به يومًا كواحدٍ منهم.
أمام عينيه ينحنون احترامًا، لأن الملك هو من منحه اللقب، لكن خلف مراوحهم الملوّنة كانوا يسخرون منه.
فكيف يقبلون بدم ملكي جاء من أميرة أنجبت طفلًا بلا زواج ومن رجلٍ بلا نسب ولا مكانة؟
لم يكن يتعاطف معه سوى عامة الشعب وطبقات البسطاء.
“هل ستأتي اليوم؟”
سألت إحدى السيدات بخفّة، دون أن تذكر اسمًا، لكن الجميع فهم أنها لا تعني دانتي.
“من المؤكد أنها ستظهر، فهذا عيد ميلاد ولي العهد.”
“لا تجزمي بذلك. ألم تتوارَ عن الأنظار طوال مهرجان التأسيس؟ أتظنين أنها ستخرج الآن؟”
تحولت ضحكات النساء إلى ابتسامات ساخرة لاذعة.
“بالتأكيد، الدوق الأكبر لن يُعرّض نفسه للإحراج بإحضارها.”
ارتفعت ضحكاتهنّ باردة كصوت زجاج يتشقق.
فكلما ذُكر دانتي، تردّد اسمٌ آخر إلى جانبه: الدوقة ريينا فيناشيرت.
وعلى عكس دانتي الذي نال بعض الإعجاب، لم تحظَ ريينا إلا بالاحتقار.
فلا أصل معروف لها، ولا عائلة، ولا مكانة اجتماعية، لتصبح مادةً للسخرية في جلسات الشاي الأرستقراطية.
وبينما يعلو الهمس واللغط في القاعة، جلست الملكة وولي العهد على المنصّة ليمثّلا السلطة بدلًا من الملك المريض.
تألّقت الملكة غلوريا فيناشيرت بثوبٍ أزرق ياقوتي مُرصّع بالجواهر، تضاعف الثريّا في السقف بريقه، فزاد حضورها مهابة.
“عيد ميلاد سعيد، يا عزيزي رايشرت.”
قالتها بصوت هادئٍ مفعم بالحنان الأمومي، وهي ترفع كأسها بفخر.
تلاقى كأسها مع كأس ابنها في رنين بلوري صافٍ.
“شكرًا لكِ يا أمّي.”
ابتسمت عينا ولي العهد الزمرديتان في وقارٍ ملكي أصيل.
“هل فكرت في هدية تريدها؟”
“هممم…”
جال رايشرت ببصره في القاعة المزدحمة بالمدعوين الذين جاءوا خصيصًا للاحتفاء به، ثم أعاد نظره إلى والدته مبتسمًا:
“وجود كل هؤلاء الناس اجتمعوا لأجلي… أي هدية أعظم من ذلك؟”
كانت كلماته تبدو متواضعة، لكنها في عمقها تنضح غرورًا.
ضحكت غلوريا برضا.
فبيرمارك ستؤول إليه عاجلًا أم آجلًا بعد رحيل الملك العليل، وكلماته لم تكن بعيدة عن الحقيقة.
ثم دوّى صوت المنادي في القاعة:
“لقد وصل صاحب السمو دانتي فيناشيرت، دوق بيهيرن الأكبر!”
خمدت الأصوات فجأة بعد أن كانت القاعة تعج بالثرثرة، باستثناء شخصين.
إذ تجمّدت ملامح الملكة غلوريا وولي العهد رايشرت عند سماع اسمه.
انفتحت الأبواب الثقيلة، وظهر رجلٌ بشعر ذهبي يلمع كالشمس، يمشي بخطوات واثقة تستحوذ على الأنظار.
كان مظهره أنيقًا متقنًا، وسترة تكاد تبدو وكأنها صُنعت خصيصًا له.
ارتفعت شهقات الدهشة بين الحضور.
لقد دخل الدوق نصف الدم الوسيم.
تابع دانتي سيره على السجادة القرمزية، بابتسامة محسوبة على شفتيه.
لم يكن تأخّره في الوصول أمرًا سيئًا، لكن تلك النظرات التي تحدّق به وكأنه مخلوق نادر كانت مستفزة.
أخمد ضيقه في داخله ولم يبطئ خطواته.
فهدفه كان المنصّة، حيث تنتظره الملكة وولي العهد بوجوهٍ متصلبة.
وكاد أن يضحك لرؤيتهما متفاجئين.
يا لها من متعة!
حين وصل، انحنى بانحناءة أنيقة وقال:
“أحيي جلالة الملكة، وصاحب السمو ولي عهد بيرمارك.”
ابتسم رايشرت بتكلف:
“مرحبًا بك يا أخي.
لا بد أن رحلتك إلى آربيرن كانت مرهقة.”
“الشرف لي يا ولي العهد.”
انحنى دانتي مجددًا بتهذيب لا غبار عليه.
لقد كان استعراضًا محسوبًا.
النبلاء أدركوا مقصده، أما العامة والبرجوازيون فرأوه مشهدًا يعكس دوقًا مظلومًا لم تجد العائلة المالكة بدًّا من الاعتراف به.
مسرحية صغيرة… لكنها مُقنعة.
وما إن غادر المنصّة حتى عادت أجواء الحفل للحياة.
ارتفعت الموسيقى، تألّقت الفتيات، وانطلقت الرقصات المتلألئة.
لكن دانتي لم يرَ سوى استعراض أجوف، فجلس في طرف القاعة يحرك كأسه بملل.
اقترب منه ظل.
رفع رأسه مبتسمًا بسخرية.
كان الأمر متوقعًا.
“اجلس يا ولي العهد.”
قالها بنبرة تكاد تحمل التمرد.
تحفّظ رايشرت وجلس قبالته.
“لم تُحضر الدوقة الكبرى كما أرى… لا تزال مختبئة في بيهيرن.”
ضحك دانتي بخفة، وعيناه الذهبيتان تتوهجان:
“حتى أنت يا صاحب السمو… يجدر بك أن تتحدث عن زوجتي باحترام.”
كان صوته مرحًا، لكن توبيخه مباشرًا.
تغيّرت ابتسامة رايشرت، واتسعت منخره غيظًا.
“غياب زوجتك أمرٌ لافت يا أخي.
فهذا حفل ملكي يحضره جميع النبلاء، ومن غير اللائق أن—”
“غريب… ظننت أن جلالتها لا تعترف بها أصلًا كزوجة لي.”
قاطع دانتي عبارته بمهارة، وقلب الحوار لصالحه.
اشتدت ملامح رايشرت وبدأ يفقد توازنه.
ألقى دانتي نظرة إلى ساعته دون اكتراث.
“ربما قبل الحفل القادم يا صاحب السمو، عليك الاهتمام بصيانة طرق القصر.”
“…ماذا؟”
تلعثم رايشرت.
نهض دانتي بعد أن أنهى كأسه:
“لقد منحتك وقتًا كافيًا.
سأغادر الآن.”
“لكنني بالكاد بدأت الحديث معك—”
إلا أن دانتي تجاهله وتابع طريقه.
“انتظر، أخي!”
ارتفع صوت رايشرت مثيرًا انتباه الحضور.
“الدوق الأكبر فيناشيرت!”
توقف دانتي بتبرّم أكثر من تأثر.
التفت بعض النبلاء، بينما تظاهر آخرون بعدم الاكتراث.
اقترب من ابن عمه وهمس قرب أذنه:
“الصورة العامة تهمنا كلينا.”
ارتجف رايشرت وقد شعر بنظرات الجميع عليه.
“أنا أُساير هذه اللعبة من أجلك… ومن أجل التاج ذاته. فلا تنسَ ذلك.”
غامت ملامح رايشرت، وردّ بصوت خافت:
“…حين تنكشف حقيقتك، لن يسقط التاج… بل ستسقط أنت.”
ضحك دانتي بخفة:
“ربما… لكن حينها سيعلم الجميع أن ولي العهد لم يستطع إدارة مشروع واحد.”
اشتدت قبضتا رايشرت، لكنه لم يجد ردًا.
فمنذ مرض الملك، دانتي هو من تولى إدارة شؤون المملكة.
وقد وقع مرض الملك في نفس الفترة التي تمت فيها ترقية دانتي…
“ما زلت تظن أنني وراء ذلك.”
تنهد دانتي بملل.
لكن رايشرت لاذ بالصمت، فلو تكلم لفضح نفسه.
ابتسم دانتي بخفة، وقد بدا له ابن عمه كحيوان ضعيف يحاول إظهار أنياب لا يعرف كيف يستخدمها.
ربّت على كتفه قائلًا:
“نصيحة يا ابن العم — تعلّم متى يكون البقاء في موضعك هو الخيار الأجدر.”
ثم غادر بخطوات ثابتة، تاركًا رايشرت يتلظى بغضبٍ عاجز، يتوعّد في أعماقه بيوم ينتقم فيه من هذه الإهانة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"