كانت الهالة القمعية التي ينبعثها دانتي فيناتشيرت كافية لتجرد الإنسان من دمه، كأنها تمتصه من العروق مباشرة.

حتى إيفان، الذي كان يراقب المشهد من طرفه، تراجع خطوة متردّدًا، فالهواء المثقل بالخنق بدا لا يُطاق.

كانت هذه مجرد اللقاء الثالث له مع الدوق، ومع ذلك شعر وكأنّه قد استُنزف إلى أعماق عظامه.

بحقّ القانون، كان ينبغي إصدار أمر رسمي بالقبض واستجواب المشتبه به وفق الإجراءات القانونية.

لكن لو تمّ ذلك، لَمْ يكن لدانتي أي ذريعة للتدخل، إذ أنّ المرأة المعنية لم تعد زوجته منذ زمن بعيد.

كان دانتي على وعي كامل بذلك—ولذلك تجاهل القانون برمّته.

وعندما صرخ قائلاً: “أحضروه إليّ”… هل كان يقصد بذلك خطفه بلا رحمة؟

نقر إيفان لسانه في صمت، متأملًا.

في الحقيقة، لم يكن قانون الدوق المتجاوز وحده ما يُربكه.

لقد أدرك أن المرأة في العربة كانت الدوقة السابقة.

ومع ذلك، لم يظهر دانتي أيّ أثر للحزن أو الأسى.

سحب هذا الرجل إلى هنا واستجوابه شخصيًا لم يكن سوى أسلوبه الأكثر فاعلية لاستخلاص المعلومات.

بمعنى آخر، كانت دوافعه خالصة لنفسه وحده.

لا ذنب، لا ندم، ولا ذكرى لزوجة فارقت الحياة.

كان رجلاً بلا دماء ولا دموع.

ألم يأمر بالتخلص من جميع ممتلكاتها بلا تردد، فور عودتها إليه؟

حرك إيفان بصره للحظة نحو الوصي الهادئ الواقف في الزاوية.

بوصفه أقرب المقربين إلى دانتي، لعلّه يعرف أسرارًا أكثر بكثير.

ظاهرًا، بدا إيفان متعاونًا، لكن داخليًّا كان يفكر: ‘فور أن يظهر شيء مشبوه عنك، سأقدمه مباشرةً للشرطة.’

في الوقت الراهن، اكتفى بتثبيت عينيه على الدوق، متظاهرًا باللامبالاة.

وبصدق، لم يكن ذلك تمثيلًا.

الدوق فيناتشيرت، الشخصية الأكثر إعجابًا في بيهيرن، كان مختلفًا تمامًا عن الصورة العامة—قاسيًا، باردًا، وجبارًا.

“أنا-أنا لا أعلم شيئًا على الإطلاق…! 

لا أعرف حتى من أنت، أرجوك، ارحمني!”

“قلت لك، لا كلمة عديمة الفائدة.” كان صوته كالسيف القاطع. 

“أنت بطيء الفهم.”

نقر لسانه برفق.

ثم سقط كعب حذائه على فخذ السائق بلا رحمة.

“آآه!”

صرخ الرجل من شدة الألم.

لكن دانتي زاد الضغط أكثر فأكثر.

اندفع إيفان غريزيًّا مبتعدًا عن الحائط، مندهشًا، لكنه تجمّد فورًا تحت نظرة الدوق الصقيعية.

تدخّل، وسأقتلك.

كانت النظرة وحدها كافية لترعب.

“عند من تعمل، ومن أوصاك بهذا العمل؟” كرر دانتي سؤاله، هذه المرة بيقين لا يتزعزع.

“م-ماذا؟ أوصاني؟ لا يوجد شيء من هذا القبيل! أرجوك، عليك أن تصدقني!”

انكسر صوته من شدة اليأس، لكن عيني دانتي الذهبيتين صارت أكثر برودة وصرامة.

“لابد أنّك قد نلت أجرًا جيدًا، إن كنت تصمت حتى أمامي.”

التوى شفاهه في ابتسامة ملتوية، وهو يغرز كعبه أعمق في الفخذ.