4
الفصل 4 : أصبحتُ أصغر أميرةٍ في إمبراطورية آشوراماسورا ³
في ذلك اليوم، كانت أوّل مرّة أخرج فيها من غرفة الأطفال منذ أن وُلدتُ باسم سيسيليا.
كان من المقرّر أن أُعمَّد بمناسبة مرور عامٍ على ولادتي.
ورغم أنّها لم تكن تتوقّع أنني أفهم شيئًا، بدأت المرضعة تسرد عليّ ما سيحدث في طقوس التعميد بينما تجهّزني.
بالنّسبة لي، كان ذلك أمرًا ممتنًّا له.
“بمُجرّد أن تتلقّي التّعميد اليوم، ستُصبحين عضوًا رسميًّا من العائلة الإمبراطوريّة. يا تُرى، كم ستكونين عظيمة يا جلالتك؟ أعتقد أنّ الجميع سيُصدم.”
وضعتِ المرضعة شريط الرأس على رأسي بحذر وكأنّها تضع اللّمسات الأخيرة على لوحة فنيّة.
ثمّ تراجعت خطوة لتتفحّص هيئتي التي زُيّنت للمرة الأولى بشريطٍ للرأس، وارتسمت على وجهها ابتسامة دافئة.
“جلالتكِ، إنّكِ حقًا كملاكٍ صغير نزل علينا من السّماء.”
“أنتِ حقًا تقولين كلّ شيء.”
قالت والدتي بنبرة تعني التوبيخ، لكنّ نبرة صوتها في نهايتها كانت تحمل الرّضا.
والدتي، التي تجاوزت الأربعين، ولها خمسة أبناء، لا تزال تفيض بجاذبيّة نقيّة.
كانت فاتنةً ومبهرة وهي ترتدي فستان الحفل.
حقًا، أليست هذه هي جوهرة الخيال؟
“سيسيليا، صغيرتي. حتّى لو كنتِ تمتلكين قوى مقدسة عظيمة، فلن يستطيع أحد إيذاؤكِ، وإن لم يكن الأمر كذلك، فإنّ كونكِ أصغر أبنائنا المحبوبة لن يتغيّر أبدًا.”
قالت والدتي برقة، وهي تضمّني إليها وتهمس في أذني بكلماتٍ مليئة بالحبّ.
كانت قد وضعت أحمر الشّفاه، ولذلك لم تستطع تقبيلي، واكتفت بأن تلمس أنفي بأنفها الحادّ. آه، رائحتها رائعة.
‘حتى وإن قالت ذلك، فإنّ شعور الأهل بخيبة الأمل من أبنائهم يحدث في لحظة.’
نظرات والديّ في حياتي السّابقة، الباردة وكأنّها تقول: “كنتُ أعلم أنّكِ ستفعلينها.”
‘أتمنّى أن تكون النّتائج جيّدة على الأقل.’
آشوراماسورا… هممم… على أيّ حال، كانت هذه البلاد مملكةً دينيّة، وكان امتلاك قوّة مقدّسة عظيمة يُعدّ من أهمّ صفات الورثة.
ولهذا، كان والدي -الذي كان الابن الثاني للإمبراطور السّابق- وكذلك شقيقتي الكبرى غريس -التي بلغت سنّ الرّشد هذا العام وتوّجت كوريثة للعرش- كلاهما يمتلكان قوى مقدسة عظيمة.
‘لهذا يتمّ القياس في سنّ مبكرة. أمّا أميلي، فقد قيست قواها عندما بلغت سنّ الرّشد فقط.’
تذكّرت ذلك الحدث الذي كان بمثابة تمهيد لسرّ “ولادة البطل” الضروري في أيّ عمل درامي، وخرجتُ من الغرفة بين ذراعي المرضعة.
رغم أنّني ووالدتي، وجميع أفراد العائلة الملكيّة، كنّا نرتدي الملابس الرسميّة، إلا أنّ الحدث لم يكن ضخمًا.
فقد أُقيم التّعميد في المعبد داخل القصر، ولم يكن الحاضرون سوى أفراد العائلة وبعض الخدم المقربين كالمربية وغيرهم.
صحيح أنّي خرجت من غرفة الأطفال، لكنّني لم أبتعد قيدَ أنملة عن القصر الإمبراطوريّ.
‘قالوا إنّ أبناء العائلة الملكيّة المباشرين لا يُسمح لهم بحضور المناسبات العامّة أو مغادرة القصر حتى يبلغوا العاشرة.’
قيل إنّ ذلك تقليد لحمايتهم.
“نُبارك نور الحاكم، شكرًا لقدومكم من بعيد.”
“القصر ليس بعيدًا، يا صاحب الجلالة. لقد ازددت وسامةً. سمعنا أنّ العائلة الملكيّة أصبحت أكثر انسجامًا بفضل مولد الأميرة الصّغرى، ويبدو أنّه كان صحيحًا.”
“هاها، هل وصل الخبر إلى هناك أيضًا؟”
الرّجل العجوز الذي كان يصافح أبي في الداخل يبدو أنّه الكاهن الأعظم.
يُقال إنّ المعبد يقع على حدود العاصمة، فكيف يشكرونه على قدومه كما لو جاء من مكان بعيد؟ على ما يبدو، الكاهن الأعظم كان مسنًّا جدًّا.
“أنتِ سيسيليا، صحيح؟”
“سيسيليا، هذا جدّكِ الصّغير. إنّه الكاهن الأعظم.”
نعم. بما أنّ القوى المقدسة الأقوى في العائلة الملكيّة، فإنّ الكاهن الأعظم عادةً ما يكون منهم.
لذلك كان من الطّبيعي أن تُعتبر ريبيكا الخليفة المحتملة له.
‘قيل إنّه باستثناء بعض الحالات النادرة حيث يُولد طفلٌ يحمل وحيًا مقدسًا، فإنّه لا يولد أحد بقوى مقدسة على مستوى الكاهن الأعظم من خارج العائلة الملكيّة. أمّا الكاهن الأعلى، فيُختار من بين كبار النبلاء.’
بينما كنتُ، وأنا رضيعة في عمر السنة، أرمش بعيني فقط وأُراجع في ذهني إعدادات هذا العالم، وضع الكاهن الأعظم يده على رأسي وابتسم بلطفٍ شديد.
“هيا، سيسيليا. سأُصلّي من أجلكِ.”
وربّما لأنّ الأمر كان فعاليّة عائليّة، لم تكن هناك طقوسٌ معقّدة.
كان الحاضرون في مراسم التّعميد بضعة كهنة يرافقون الكاهن الأعظم، إضافة إلى رسّام القصر المكلّف بتوثيق المشهد.
أخذني والدي من بين ذراعي المرضعة، ثمّ تقدّم مع والدتي نحو المنصّة.
“ارفعوا الطّفلة عاليًا، من فضلكم.”
ركع والداي، ثمّ أمسكاني من تحت إبطيّ ورفعاني باتّجاه الكاهن الأعظم.
كنتُ كطفل الأسد في أحد مشاهد تتويج الورثة في أنمي من حياتي السّابقة.
‘لو كان أبي ضعيفًا، لكان إبطاي قد تألّما كثيرًا…’
وبينما كنتُ مشغولة بالتّفكير في قوّة قبضة والدي، غمس الكاهن الأعظم يده في الكأس المقدّسة التي كان يحملها أحد الكهنة، ثمّ مسح جبيني بماءٍ مقدّس وبدأ يُرتّل دعاءه.
“…نشكر الحاكم على منح العائلة الملكيّة في آشوراماسورا فرحة جديدة. ونسأله أن يُمارسوا رحمته بوصفهم أسيادًا للقارّة…”
شعرت بدفءٍ، ثمّ أصبح بصري مشرقًا.
‘إذًا، هكذا يتوهّج النّور الحاكم.’
حين استخدمت ريبيكا قوّتها لتعديل درجة حرارتي، شعرت بالدفء أو البرودة فقط، لكن الآن كان هناك تأثيرٌ بصري واضح.
‘هل هو تأثيرٌ خاصّ بسبب البركة؟’
“ليُرافق ضياء الحاكم حياة الأخت سيسيليا، ولتجعل العالم أفضل بلطف حاكم القمر.”
عندما أنهى الكاهن الأعظم دعاءه بصوتٍ خافت، تردّد الضّوء كأنّه يرنّ، ثمّ خفت تدريجيًّا وامتصّه رأسي. نظرتُ إلى المشهد المهيب وكأنّي مسحورة.
‘هكذا يكون الخيال.’
ضمّ الكاهن الأعظم يديه وخفض رأسه، فاقتدى به الحاضرون.
“حسنًا، إذًا…”
تقدّم الكهنة بدفع عربة صغيرة. على متنها كانت هناك بلّورات سداسيّة الشكل بارزة هنا وهناك.
‘لابدّ أنّها آلة قياس القوى المقدّسة…!’
تمامًا كما قرأتُ في الرواية “العين المشتركة”.
‘أميلي أجرت القياس في المعبد، لكن يبدو أنّهم جلبوه إلى هنا من أجل مراسم اليوم.’
أميلي، البطلة القادمة من منطقة نائية، لم يكن في قريتها معبد، ولم تتعمّد حتّى بلغت سنّ الرّشد.
وعندما أُقيمت لها مراسم التّعميد في العاصمة، فاجأت الجميع بقوّتها المقدّسة، التي كانت أعلى من أغلب الكهنة.
قوة يصعب أن تخرج من أسرة بارون عاديّة.
‘كما هو متوقّع من البطلة. لابدّ لها من قوّة مميّزة واحدة على الأقل.’
لقد صقلت قواها لاحقًا بسهولة، وحتّى أنّها عالجت حبيبها في إحدى المعارك.
عندما وضعت يدها على البلّورة، انبعث منها ضوءٌ أبيض ساطع… كان المشهد موصوفًا بهذا الشكل، وها أنا أعيشه الآن، فشعرتُ وكأنّني قد أصبحتُ شيئًا مهمًّا.
‘هل أنا مُعجبةٌ حظيت بلحظة نجاح؟ كأنّني في لعبة ملاهٍ مستوحاة من فيلم ضخم؟’
صحيح أنّني لم أُسافر إلى الخارج يومًا، لكن هذا ما كنتُ أتخيّله.
عندما وضع الكهنة البلّورة على المذبح، حملني والدي واقترب نحوه.
‘لماذا أشعر بهذا التوتّر؟’
صحيح أنّ أختي الكبرى غريس توّجت كوريثة للعرش بعد بلوغها الرّشد الخريف الماضي، لذا لم يكن لمستوى قواي تأثير على خطّ الوراثة.
لكن، لا تزال هذه تجربة يجب خوضها!
لقد تربّيت في عالمٍ تنافسيّ، لذا شعرتُ بالتوتّر، وابتلعت ريقي.
‘قيل إنّ كلّما زادت القوّة المقدّسة، ازداد توهّج الضّوء. آمل أن تخرج النّتيجة معتدلة. إن تزوّجت غريس وأنجبت، فسيكون أبناؤها في مثل سني، وقد تظهر بعض التّوتّرات… حينها، هل يجب أن أعتزل مثل ريبيكا؟’
بهذه المخاوف، امتدّت يدي الصّغيرة بمساعدة والدتي، ولمست العمود البلّوري البارد.
“……؟”
مرّت بعض اللّحظات.
“…هل هذا الجهاز حقيقي؟”
المفاجأة أنّ شيئًا لم يحدث.
ساد الصّمت في الكنيسة.
لا الكاهن الأعظم، ولا الكهنة، ولا أفراد العائلة المالكة، ولا أحد نطق بكلمة. حتّى رسّام القصر توقّف عن الرّسم.
“ه… هذا غريب.”
ما إن اقترب أحد الكهنة ولمس البلّورة حتّى توهّجت فجأة بضوءٍ أبيض ساطع.
ثمّ عاد الصّمت مرّة أخرى.
“لنجرب مرّة أخرى.”
قال الكاهن الأعظم بنبرةٍ هادئة وهو يومئ بيده.
لكنّني شعرت بها. نهاية صوته كانت ترتجف قليلاً.
وعندما لمستُ البلّورة مرّة أخرى…
“فلتمسكي بها قليلًا.”
رغم أنّني كنتُ ألمس البلّورة لفترةٍ كافية، لم يظهر عليها أيّ تغيير.
الكاهن قبل قليل لمجرد أن لمسها توهّجت!
ما هذا… كم هو محرج!
“أ… أواااا…”
كنتُ على وشك البكاء من شدة الإحراج.
هل عينيّ الدامعتين تأخرت لأنّني لا زلتُ طفلة؟ كنتُ أحاول التّظاهر بالبكاء، لكنّ دموعي بدأت بالانهمار حقًا.
فزعت والدتي، فأسرعت بأخذي، وبدأت تربّت على ظهري لتهدئتي.
“ششش، سيسيليا. لا بأس، لا بأس. الأمر ليس مهمًّا.”
ليس مهمًّا؟
لقد رأيتُها. في اللّحظة التي توقّف فيها يد أمّي عن التّربيت على ظهري، توهّجت البلّورة قليلًا بضوءٍ خافت.
أكنّا بحاجة للتّحقّق أكثر…؟
نعم. لقد كنتُ مفاجأة غير مسبوقة في تاريخ الكنيسة: شخص بلا أيِّ قوّة مقدّسة!
‘قيل إنّ كلّ من يعيش في عصر القوّة المقدّسة يولد ولو بقدْرٍ ضئيل منها، فكيف أكون من العائلة الملكيّة ولا أمتلك شيئًا؟ ألم أُبعث إلى هذا العالم كي أنال الخلاص بعد حياة بائسة؟’
رغم أنّ الكاهن الأعظم والكهنة حاولوا نفخ قوّاتهم في داخلي وإجراء فحوصات متعدّدة، لم يتغيّر شيء.
‘هل السبب أنّ روحي جاءت من عالمٍ آخر؟’
رغم الإحراج، توصلت إلى استنتاج عقلانيّ، لكنّ أفراد العائلة المالكة لم يستطيعوا تقبّله بهذه السّهولة.
“أمي، هل تريدينني أن أختار بعض الفرسان لحماية سيسيليا؟ سأضمن سلامتها.”
“فكرةٌ جيّدة. لنختر خمسة، لا بل عشرة منهم. ويجب أن نُحضِر لها وصيفةً خاصّة بسرعة.”
“سأبحث عن فتيات من عائلات موثوقة.”
“أرجوكِ، افعلي.”
بمُجرّد انتهاء التّعميد، بدأ كلّ واحد منهم يقترح أفكارًا لحمايتي بشكلٍ مفرط.
منهم من اقترح أن يُرافقني كاهن خاصّ، وآخر قال إنّه يجب إنشاء دفيئةٍ في الحديقة الخلفيّة، وذاك أراد مضاعفة الحواجز السحريّة في غرفتي، وآخر أراد تجهيز أدوات سحريّة هجوميّة!
‘حتّى مجرّد السّماع بها يبدو مبالغًا فيه.’
لكنّني كنتُ أتفهّم الأمر.
فالقوّة المقدّسة لم تكن تُستخدم فقط لتطهير الطاقة السّلبيّة أو شفاء الآخرين. بل قيل إنّها تُساعد أيضًا في التّعافي عند المرض أو الجروح، مثل جهاز مناعة خاصّ.
ولهذا، أصبح يُنظر إليّ على أنّني هشّة، كأنّني بسكويت سهل الانكسار.
‘هذا جيد، لا يبدو أنّهم خاب أملهم بي…’
فالنّاس يُفرّقون بلا سبب، فكيف إذا وُجد سبب مشروع مثل فقدان القوّة المقدّسة، التي تُعتبر من مبرّرات شرعيّة الملك؟
‘في حياتي السّابقة، كنتُ البكر التي تحملت أعباء المنزل، وتخرّجتُ من الجامعة وعملت بمجهودي، وحاولت أن أكون صديقة وحبيبة جيّدة، ومع ذلك…’
تذكّري لكوني دائمًا في الظّل في حياتي السّابقة جعلني أشعر بالحزن، وفي المقابل شعرتُ بالامتنان لهذه العائلة التي لا تُهينني رغم نقصي.
وبينما كنتُ أنظر إليهم بعينين متألّقتين من المهـد، وهم يتحدّثون بجدّيّة، قالت أمّي:
“حسنًا، دعونا نكتفِ بهذا القدر من الحديث.”
فاستدار الجميع نحوي كما لو أنّهم اتّفقوا سلفًا.
“هِييك…”
عقلي يعلم أنّ نظراتهم مليئة بالقلق…
لكن عيونهم العشر التي تحدّق بي دفعةً واحدة جعلتني أشعر أنّني مذنبة، وبدأت دموعي تتجمّع.
“أواااااا…”
‘صحيح أنّني لا أمتلك قوّة مقدّسة، لكنني لن أخيّب ظنّكم في أيّ شيء آخر!’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - أصبحتُ أصغر أميرةٍ في إمبراطورية آشوراماسورا ⁴ 2025-08-06
- 4 - أصبحتُ أصغر أميرةٍ في إمبراطورية آشوراماسورا ³ 2025-08-06
- 3 - أصبحتُ أصغر أميرةٍ في إمبراطورية آشورا ² 2025-02-04
- 2 - أصبحتُ أصغر أميرةٍ في إمبراطورية آشورا ¹ 2025-02-04
- 1 - المقدمة 2025-02-04
التعليقات لهذا الفصل " 4"