استيقظت رين على صوت المنبّه المزعج، ذلك الصوت الحاد الذي اخترق نومها كالسهم، كاد أن يفتك بأذنيها، لكنها لم تتحرك.
دفنت وجهها في الوسادة، تتنهد بحرقة، وكأن العالم كله تواطأ ضدها.
في نفسها: لا أصدق… انتهت الإجازة. بهذه السرعة؟!
همست لنفسها بصوت خافت مخنوق بين الوسادة.
كان صباح أول يوم دراسي بعد عطلة الصيف الطويلة، وكل لحظة من لحظات الإجازة الذهبية التي قضتها بين ألعابها، وبين الرعب والمرآة، أصبحت الآن ذكرى بعيدة، تذوب في جدول الحصص وكتب المدرسة الثقيلة.
جلست على سريرها، شعرها البني الفوضوي ينسدل على وجهها، وعينيها الرماديتين تحملان تعبًا واضحًا.
نظرت إلى المرآة الصغيرة بجانبها، وأتمتمت:
رين: وداعًا للعالم الذي أحب، ومرحبًا بالواقع الباهت.
ارتدت زي المدرسة بسرعة، حملت حقيبتها الثقيلة على ظهرها، وتوجهت للخارج.
في الطريق إلى المدرسة، كانت خطواتها بطيئة، كل خطوة تُجرجر قدميها وكأنها تُقاد إلى ساحة معركة لا مفر منها.
✦ ✦ ✦
وصلت المدرسة، وفتحت أبوابها الضخمة على ضجيج عالٍ وضحكات متداخلة، الممرات المزدحمة، وصوت الأقدام المسموع من بعيد.
أعادت رين إلى الواقع مباشرة، شعرت بأنها مجرد نقطة صغيرة وسط هذا البحر من الحركة والحياة.
دخلت الصف، تحدق في الأرض، تحاول تجنب أي لقاء بصري مع أحد.
دائمًا ما كانت تخشى أن يحدق الناس بها، وكأنها شيء غريب، كائن مختلف لا ينتمي إلى عالمهم الهادئ.
لكن شيئًا غريبًا جذب انتباهها فور دخولها.
مقعدها، الذي كان دائمًا بجانب النافذة، كان يشغله شخص آخر.
؟؟؟؟: أوه، عذرًا… أنا جديد هنا. طلبت مني المعلمة أن أجلس هنا.
هزت رأسها دون أن تتكلم، وتبادلا اماكن جلست بجانبه، قلبها يئن في داخلها.
في نفسها: حقًا؟ أول يوم، ويجلس أحدهم في مكاني؟ وماذا بعد؟ هل سيطلب أن أعرّفه بالمدرسة؟ مستحيل.
مرت الدقائق ببطء ثقيل، رين تحدق في الطاولة، تكتب على ورقها رسومات صغيرة بلا معنى، بينما الفتى الجديد يراقبها من زاوية عينه.
في الحصة الثانية، قررت فتح دفاترها وإظهار أنها موجودة على الأقل.
إيدن: أنا اسمي إيدن، بالمناسبة.
قالها بهدوء، بينما كانت تقلب أوراقها.
رين: رين
ردت دون أن تنظر له.
ابتسم بخفة وقال
إيدن: اسمك… جميل، و غريب. لكنه يناسبك.
رفعت حاجبها بتحدٍ، وقالت
رين: غريب؟ كيف؟
ضحك بهدوء
إيدن: لا أعلم… فقط مختلف، مثلك.
سكتت، لكنها شعرت بشيء غريب، لم تعتد أن يصفها أحد بأنها “مختلفة” بهذه النبرة.
عادةً ما تُقال الكلمة كإهانة، لكن صوته كان مختلفًا… وكأنه مدح.
رين: أنت هادئ أكثر من اللازم.
قالتها وهي تميل نحوه قليلاً، لا تعرف لماذا تشعر بالراحة بجانبه.
إيدن: وأنتي… تتحدثين كثيرًا، حتى عندما لا تقصدين ذلك.
ضحكت ضحكة قصيرة، لكنها شعرت بالراحة لأول مرة منذ دخولها الصف.
✦ ✦ ✦
في الفسحة، ذهبت كالعادة إلى زاوية الساحة الخلفية، حيث لا أحد يأتي. جلست على المقعد الصغير، أخرجت ساندويتشًا باردًا من حقيبتها، وبدأت تأكل بصمت، تحدق في السماء الزرقاء، تحاول أن تستوعب أول يوم لها بعد الإجازة.
رين في نفسها: كيف يقضي ليونيل وقته الآن؟ هل يشعر بالملل؟ هل يتذكر حديثنا عن الفلم؟ أتساءل إن كان يحاول شرح الفلم للخدم في القصر… يا إلهي، ستكون كارثة.
ضحكت في نفسها، وهي تتخيل المشهد.
إيدن: تفكرين بصوت عالٍ؟
جاء صوت من خلفها، فرفعت رأسها لترى إيدن يقف، يحمل علبة عصير.
رين: أوه… لا. فقط… أفكر.
قالت بخجل.
جلس بجانبها دون دعوة، لكنها لم تطرده.
إيدن: لا أرى أحدًا يجلس معك عادة.
رين: الكل يعتقد أنني مجنونة.
إيدن: ولست كذلك؟
ابتسمت
رين : ربما. أحب الرعب، وأحب الحديث عن الأشباح، وأعتقد أنني قد أكون أفضل من بعض الناس.
إيظن: وأنتي صريحة جدًا. قالها بإعجاب مبطّن.
تأملت إيدن للحظة.
كان هادئًا جدًا، لكنه ليس مملًا.
في شخصيته شيء غامض…
مريح، لكنه ليس مثل ليونيل.
ليونيل له نظرة مختلفة، تجذبك بطريقة غير مفهومة، أما هذا فمثل ظلّ خفيف بجانبها.
انتهى اليوم الدراسي أخيرًا، وعادت رين إلى منزلها، أغلقت الباب خلفها، ركضت إلى العلية، ألقت حقيبتها على الأرض، وجثت أمام المرآة.
لكن هذه المرة لم تحمل الحاسوب.
جلست هناك، صامتة، تتنفس ببطء، وتفكر في أول يوم لها.
رين: ليلة أخرى… معك؟ همست، وكأنها تخاطب المرآة.
انتظرت دقيقة، ولم يظهر شيء.
شعرت بقلبها يخفق بشدة.
رين: ليونيل؟
صمت للحظة، ثم ظهر ظل، وكأنه لم يغب أبدًا.
جلس أمامها، ابتسامة هادئة ترتسم على ملامحه.
رين: عدتُ إلى الجحيم… المدرسة بدأت. همست بخفّة، وهي تشعر بالارتباك والخجل.
رفع حاجبه قليلًا، وقال
ليونيل: جحيم؟ أيعقل أن التعلم يُعد عقابًا لديكم؟
ضحكت، وقالت
رين: حين ترى زملائي، ستفهم.
جلست على الأرض، وبدأت تسرد له ما حدث في اليوم، عن المعلم الذي نسيت اسمه، والفتى الجديد الذي جلس بجانبها، وكل المواقف الطريفة والمزعجة التي واجهتها…
التعليقات لهذا الفصل " 6"
طرف ثالث احي 🙆🗿🌚😆
شكرا على الفصل الجميل 🌷🌸