“……!”
عندما لمحتُ الخط المألوف، التقطتُ الورقة التي تركتها على مكتبي بسرعة.
أعيدها إلى مالكها الأصلي.
لا شك، كانت الخطوط ذاتها التي وجدتُها في شارع بيكر، رقم 1412. قبضتُ على الورقة بقوة.
“جلالتك، هل لي بسؤال… هل تذكرين مؤخرًا آخر مرة…”
كانت مارثا تتحدث منذ قليل، مترددةً أولًا، لكنها بدأت الآن. لم أنتبه لكلماتها، فقد كان ذهني مشغولًا بأمرٍ آخر.
“مارثا، سأخرج لبعض الوقت.”
“عفوًا؟ الآن؟”
رمشت مارثا بدهشة، كأنها لا تفهم قراري في هذا التوقيت.
“هناك من ينتظرني.”
قلتُ بعابرية، ثم استبدلتُ حذائي الرسمي بحذاءٍ مريحٍ مخبأ تحت المكتب، وأخرجتُ مفتاحًا صغيرًا من الدرج. اندفعت مارثا لتمنعني.
“جلالتك! هذا ليس وقتًا مناسبًا! هناك أمرٌ أهم… أرجوكِ اسمعيني—!”
“سأستمع إليكِ بعد أن أنهي هذا أولًا!”
لوّحتُ لها، ثم خرجتُ مسرعةً من المكتب. كانت أسئلتي للوفين تتكدس في ذهني.
“جلالتك! هذا الأمر أهم من كل شيء! أعتقد أن جلالتكِ…!”
تلاشت صرخات مارثا خلفي وأنا أركض عبر ممرات قصر الورثة.
وأخيرًا، برج لايينباخ الجرسّي.
وقفتُ عند قاعدته، أتنفس بعمق. أدركتُ لماذا اختار لوفين هذا المكان. هنا واجهتُ مارياتي آخر مرة، رفيقته. هذا البرج كشف مؤامرة كورتينا.
صعدتُ السلالم الكثيرة حتى الشرفة. هناك، التقيتُ الرجل ذو الشعر الفضي، متفاجئًا قليلًا.
“لم أظن أنكِ ستأتين فعلًا.”
“وما معنى دعوتي ثم الدهشة من حضوري؟”
رمقته بنظرةٍ حادة، متعجبةً من كلامه. ابتسم بلطف.
“لكن…”
فجأة، تلاشى الدفء من عينيه البنفسجيتين، وحلّت نظرةٌ ثاقبة.
“جئتِ وحدكِ؟”
برود صوته أثار قشعريرةً، فتراجعتُ خطوة. كان لوفين متكئًا على الدرابزين، ثم هزّ رأسه ببطء.
“لا أدري إن كان هذا شجاعة أم تهورًا.”
“لو أردتَ إيذائي، لفعلتَ منذ زمن.”
قلتُ بثقة، محدقةً فيه. ابتسم بسخرية.
“ومع ذلك، من غير المنطقي أن تأتي ولية العهد وحدها لتلتقي عميل استخبارات من دولةٍ معادية.”
“إن سلّمتني خائنًا للإمبراطورية، فأنت لست عدوًا، بل حليف.”
“هاه، منطقكِ لا بأس به.”
ضحك لوفين أخيرًا. وضعتُ ذراعيّ بحذر وسألتُ:
“كيف علمتَ أن النبلاء يتلاعبون بالأحجار السحرية؟”
أدار عصاه في الهواء كلعبةٍ صغيرة، ثم أجاب:
“صراحةً… صدفة. اقتحمتُ قصر نبيل بحثًا عن غنائم، ووجدتُها. حجر سحري حربي، من النوع الذي طمعت فيه كورتينا.”
“ثم ماذا؟”
“سرقتُ الحجر، وبحثتُ عن من يفهمون الحقيقة. حرب المعلومات تخصصي، ولديّ أصدقاء في كل مكان.”
“…”
“وعندما علمتُ أن الجنرال كروفت يتواصل مع نبلائكِ، بدأتُ التحقيق.”
أنصتُّ، ثم سألتُ:
“لماذا؟”
“ماذا تعنين؟”
“لماذا تساعد الإمبراطورية؟”
تغيّرت ملامحه. طرق الأرض بعصاه قبل أن يجيب بهدوء:
“لأني أؤمن بسياستكِ. أنا مسالم… وأكره الموت.”
“هل هذا سبب هروبك من الاستخبارات؟”
نظر إليّ صامتًا لبضع لحظات.
“قال ألفريد إنك اختفيت لرفضك أوامر القيادة.”
بينما واصل عملاء كورتينا عملهم بعد الاحتلال، اختفى لوفين فورًا. أجاب بنبرةٍ مريرة:
“التحقتُ بالاستخبارات لأني كنت جائعًا. لكن لم أرد استبدال حياتي برغيف خبز.”
“ففضّلتَ سرقة الخبز بدلًا من ذلك؟”
رفعتُ حاجبًا بسخرية. فقهقه.
“السرقة أرحم من القتل.”
قلتُ بجدية:
“عندما سألتك إن كنتَ من عملائنا، لم أمزح. ما رأيك أن تعمل معنا؟ بدل السرقة، اشترِ الخبز بعرق جبينك.”
كان اقتراحي صادقًا. موهبة لوفين لا يجب أن تُهدر في اللصوصية. اتسعت عيناه، ثم أطلق صفيرًا.
“جرّبتُ العمل الحكومي، ولم يرُق لي.”
“غريب. أنا أجده ممتعًا.”
“بأذواقٍ متضادة كهذه، كيف نعمل سويًا؟”
ضحك ساخرًا. ضيّقتُ عينيّ نحوه.
“خصوصًا أن شغفي هو القبض على المجرمين.”
“مجرم؟ أنا حافظتُ على السلام، لا أكثر.”
زمّ شفتيه بانزعاج. أجبتُ بحزم:
“أعلم… أنك سرقتَ أشياء أخرى من قصر النبيل، غير الحجر.”
“آه، كان ذلك على الهامش. ما دمتُ هناك، لمَ أخرج فارغ اليدين؟ ثم وزّعتُ الباقي في الأحياء الفقيرة.”
قالها متحججًا، يراوغ بعينيه. قلتُ بصرامة:
“تبقى سرقة.”
“أظن الرب يسمح للّص العادل أن يوجد أحيانًا.”
قالها بخفة، ثم توترت ملامحه فجأة. كأنه شعر بشيء. التفت إليّ مبتسمًا:
“بعد هذا العناء، ليس عدلًا أن أرحل هكذا، أليس كذلك؟”
“آه…”
تنهد وهو يمرر أصابعه بين شعره الفضي. أدركَ وجود الحرس الذين أحضرتهم سرًا.
“لا أدري… هل هذا تهورٌ منكِ، أم سذاجة؟”
“هاه؟”
كررتُ عبارته، فضحك ساخرًا.
“لكن مجرمًا يُخبركِ بموقعه بهذه البساطة؟ أيعقل؟”
بينما أشرتُ للحرس سرًا، دحرجتُ الحجر السحري على الأرض. دوّت أصوات أقدامٍ مسرعة من الأسفل.
ارتبكت ملامحه، كأنه محاصر. سألته بمرح:
“هل تنوي التعاون معي الآن؟”
“همم… لا عقل ولا خوف، لكن ثقةٌ بالنفس.”
“…؟”
ابتسم بخفة، وتراجع حتى حافة الشرفة. نظر لأسفل، ثم قال:
“إذن، ستكون هذه تحيتي الأخيرة. لحسن الحظ، الرياح الشرقية تهب اليوم.”
“……!”
تذكرتُ كيف ألقت مارياتي بنفسها من هذا البرج. سرت قشعريرة في جسدي. مددتُ يدي نحوه، لكنه قفز قبلي.
“لاااا!”
صرختُ، وهرعتُ إلى الحافة.
“ما هذا…؟”
تجمّدتُ، أحدق في المشهد.
“جلالتك! هل أنتِ بخير—!”
وصل الحرس، لكنهم عجزوا عن الكلام.
رجلٌ يطفو في الهواء، متعلقٌ بجهازٍ كجناحٍ أو مظلة، يحلّق مع الرياح. لم يبقَ إلا أن نشاهد لوفين يختفي بهدوء.
بعد فترة…
أهم حدث في القصر لم يكن اعتقال كيليان بتهمة الخيانة وحبسه في بارتس ينتظر الحكم، ولا فرار اللص الشهير من أمام الحرس.
بل كان…
“شارلوت! ما الذي تفعلينه بحق السماء!”
تسللتُ من غرفتي، لأتجمّد كأنني أُمسكت متلبسة. مرّت أيام منذ حُبستُ فيها.
كالعادة، ظهر لينيوس فور خروجي. لا بد أن سمعه يفوق البشر. قبل أن أتكلم، ركض عبر الرواق ورفعني بين ذراعيه…
✼════ ∘ ❃ ° ✼ ° ❃ ∘ ════✼
ترجمة : ستيفاني
انستا : Salmaessam_3
واتباد : Viminve
✼════ ∘ ❃ ° ✼ ° ❃ ∘ ════✼
التعليقات لهذا الفصل "139 || القصة الجانبية¹²"