“لينيوس!”
استقبلته بصوتٍ يفيض بالحماسة، قلبي يتراقص فرحًا برؤيته. كنتُ أنوي مناقشة حادثة السائس وقضية اللص الغامض معه، إذ بدا أن هذه القضية تتشابك مع خيوطٍ سياسية، تربطها بنبلاء الإمبراطورية الذين يتحدون إرادة العائلة الإمبراطورية.
اقترب لينيوس بخطىً سريعة، كأن الريح تحمله إليّ، ثم ضمّني إلى صدره بحرارةٍ جارفة.
“شارلوت، تأخرتُ بسبب مهمة استطلاعٍ شاقة. كان ينبغي أن أصل إليكِ مبكرًا…”
لكن صوته، الذي كان يهمس بكلماتٍ عذبة كالعسل، خفت فجأة، كأن ظلًا مرّ على قلبه. ذراعاه، اللتين كانتا تطوقانني، تصلّبتا كالصخر، لكنني كنتُ منشغلةً بأفكاري لأنتبه إلى تغيّره.
“لينيوس، هل يمكنكَ النظر إلى هذا للحظة؟ أظن أن شيئًا كبيرًا سيحدث هنا اليوم-!”
حاولتُ إشهار الورقة التي تركها الرجل ذو الشعر الفضي، لكن وجه لينيوس تجمد فجأة. عيناه الزرقاوان، اللتين كانتا دائمًا بحرًا دافئًا، تحولتا إلى جليدٍ تلتمع فيه شرارةٌ حادة.
شدّ عضلات فكه، وتنفسه صار كالزفير الغاضب.
“تنبعث منكِ رائحةٌ غريبة…”
“ماذا… ماذا؟”
“قلتِ إنكِ أحببتِني من النظرة الأولى، فما الذي كنتِ تفعلينه مع رجلٍ آخر؟”
…لا يمكن.
“أنا لا أتسامح مع أي شيءٍ يمسّ حبيبتي، لا في الماضي ولا في الحاضر.”
…لا، مستحيل.
“إن شممتُ رائحة رجلٍ آخر عليكِ… سأمزّقه-!”
“ت… توقف!”
كان صوته مألوفًا بشكلٍ مقلق، كأنني سمعتُه يهدر بهذا الغضب من قبل. هرعتُ لتغطية فمه بيدي، بينما عيناه تجوبان القاعة كالصياد، كأنه يبحث عن فريسةٍ ليفتك بها.
“سموكِ! بالمناسبة، من كان ذاك الرجل؟ هل عرفتِ اسمه؟ هل هو متزوج؟”
بلير، التي كانت تقف إلى جانبي، كانت لا تزال غارقةً في أحلامها، عيناها تتلألآن بشوقٍ وهي تتذكر الرجل ذو الشعر الفضي.
“آه…”
تنهدتُ وأنا أنظر إلى الأشقاء أدلر، اللذين يبدوان غارقين في بحر الحب. فتحتُ فمي لأكشف الحقيقة:
“ذلك الرجل هو…”
اتسعت عيناهما الزرقاوان، كأنهما يتشبثان بكل كلمة. تمتمتُ بهدوء:
“لصٌ متسلسل.”
رمشت أعينهما بدهشةٍ مكشوفة، وحدّقا إليّ في صمتٍ مذهول.
وفقًا لما قاله اللص، عُثر على البارون بارنيت الحقيقي نائمًا في عربته الفاخرة، متوقفةً أمام قصر الدوق أدلر. أفاد البارون أنه استبدل سائسه فور وصوله إلى العاصمة، إذ أصيب سائسه الأصلي بألمٍ مفاجئ في معدته. انطلق مع السائق الجديد نحو القصر، لكنه فقد وعيه، واستيقظ لاحقًا داخل العربة.
كنتُ متأكدةً أن السائق الجديد هو اللص الغامض، وأن مرض السائق الأصلي لم يكن محض صدفة. هكذا تمكّن من سرقة دعوة البارون، التسلل إلى الحفل، ومقابلتي.
عندما سردتُ القصة للينيوس، بدا كالبركان، غضبه يهدد بالانفجار.
“لمَ أراد ذلك اللص مقابلتكِ، شارلوت؟ هل وقع في غرامكِ لجمالكِ الساحر-؟”
“أنا أحقق في القضية التي يتورط فيها هذا اللص.”
قاطعته بسرعة قبل أن يغرق في خيالاته. عبس قليلًا، لكنه استعاد جديته:
“إذن… هناك صلةٌ بين سرقات منازل النبلاء ومقتل السائس في شارع نوروود؟”
“نعم. وأظن أن هذه القضية مرتبطةٌ بنبلاء يعارضون العائلة الإمبراطورية.”
“هل هذا ما أخبركِ به ذلك اللص؟”
حدّق بي بعينين كالصقر.
“أعتقد أننا سنجد إجاباتٍ إن زرنا هذا العنوان.”
ناولته الورقة التي تركها اللص.
1412، شارع بيكر.
كان هذا العنوان الوحيد المكتوب بخطٍ أنيق. أعلن لينيوس أنه سيتولى الأمر بنفسه، وشكّل فريقًا من النخبة الموثوقين.
في النهاية، وصلنا إلى الموقع.
منزلٌ منعزلٌ في زقاقٍ خلفي بشوارع بيكر، كأنه شبحٌ من زمنٍ منسي.
وقف أفراد الفريق أمام الرقم 1412، المكتوب بخطٍ باهت على جدارٍ متآكل، أنفاسهم محبوسة. بناءً على اقتراحهم، ابتعدتُ قليلًا وراقبتُ من مسافةٍ آمنة، حرصًا على سلامتي.
دوّي!
حطّم الفريق، المسلّح بأحدث الأسلحة والدروع، الباب الخشبي القديم، واندفعوا إلى الداخل. بعد تفتيشٍ دقيق، أرسلوا إشارةً بأن المكان آمن.
“ما هذا بحق السماء…”
دخلتُ برفقة لينيوس، واتسعت عيناي بدهشةٍ خالصة.
كان المنزل خاليًا كالصحراء، لا شيء فيه سوى صندوقٍ خشبيٍ ضخم وكيسٍ كبير.
“ما هذه القبعة الرخيصة؟”
رفع لينيوس قبعةً حريريةً بيضاء كانت موضوعةً على الصندوق، وعبس. كانت طويلة الطراز، مصنوعةً من حريرٍ رديء عفا عليه الزمن. لكنني عرفتها فورًا.
كانت من نفس قماش بدلة الرجل ذي الشعر الفضي في الحفل.
“إنها بصمته. يقول إن هذه الأشياء من تركه.”
“ذوقه فظيع.”
قالها لينيوس وهو يقلب القبعة بسخرية. سقطت منها ورقةٌ صغيرة كالريشة.
أُعيدها إلى مالكها الأصلي.
جملةٌ غامضة كاللغز.
“هل يعني أنه يعيد ما سرقه من منازل النبلاء؟”
لكن لمَ لم يُعدها مباشرةً إلى أصحابها؟ لمَ أرسل لي العنوان؟ تأملتُ الورقة، غارقةً في التفكير، حتى قاطعني لينيوس بنبرةٍ حازمة:
“علينا فتح هذه الأشياء أولًا.”
أشار إلى الصندوق، فاندفع الجنود لكسره. وبعد جهدٍ مضنٍ، فتحوا أختامه.
“يا للروعة…”
انبهر الجنود بما رأوه. كان الصندوق يعجّ بكريستالاتٍ لامعة، كأنها نجومٌ سقطت من السماء.
لينيوس وحده ظلّ هادئًا. التقط قطعةً وتأملها بعينٍ باردة.
“كريستالٌ فاخر. بهذا الحجم والكمية، يساوي عشرة مليارات جولد تقريبًا.”
تحليلٌ دقيق من رجلٍ نشأ وسط الثروات. التقطتُ قطعةً بدوري، وأمعنتُ النظر في بريقها.
“هذا التألق… يبدو مألوفًا بطريقةٍ ما.”
فركتُ ذقني متأملةً. عبس لينيوس مجددًا.
“أن يُسرق شيءٌ بهذه القيمة دون تبليغ… أمرٌ مريب.”
أمسك جنديٌ بالكيس الآخر.
“هل يحتوي على كريستالاتٍ أيضًا؟”
كان صوته ينضح بالأمل. أومأتُ، فبدأ يفك عقدته بمهارة.
راقبتُ العقدة بعينين ضيّقتين.
وحين انفتح الكيس أخيرًا…
“أوه… ما هذا؟”
خيّم الإحباط على وجوه الجنود، وظهر الذهول على ملامح لينيوس. أما أنا، فتجمدتُ وهمست:
“مستحيل…”
“الآن أفهم لمَ لم يُبلغ النبلاء عن السرقة.”
ضغط لينيوس على أسنانه بنزق. توترت الأجواء فجأة.
كان الكيس مملوءًا بحجارةٍ حمراء متوهجة. تساءل أحد الجنود:
“سموكِ، دوقنا… هل هناك مشكلة؟”
“هذه الحجارة تُشعّ قليلًا. ما هي؟”
سأل جنديٌ آخر بدهشة. أجبتُ وصوتي يرتجف من الغضب:
“يبدو أن النبلاء يسرقون أحجار الطاقة من منجمي.”
كانت تلك الحجارة أحجار طاقةٍ سحرية غير مكررة.
“اعترف موظف متجر الآيس كريم. قال إنه علم أن سائس الماركيز برادلي سينقل كريستالًا بقيمة عشرة مليارات جولد. خطّط لكل شيء منذ البداية.”
قال جون ذلك بنبرةٍ متعبة. لم أسأله عما حدث بينه وبين بوك في غرفة التحقيق. مسح عرقه وأضاف بسخرية:
“لكن في نفس يوم السرقة، سُرقت الصناديق التي أخذها. خسر كل شيء.”
إذن، اللص الغامض سرق الكريستال الذي خطفه بوك. وكان مصدر تلك الأحجار قصر الماركيز برادلي.
بمعنى أن الصندوق وكيس أحجار الطاقة اللذين أُرسلا إليّ سُرقا من نبلاء متمردين على العائلة الإمبراطورية.
أحجار الطاقة موادٌ خطيرة، يُراقبها بدقةٍ دوقية أدلر والعائلة الإمبراطورية. لم تُعرض للعامة قط، لذا يظنها العامة مجرد حجارةٍ زخرفية.
لكن اللص الغامض عرف حقيقتها.
شخصٌ يتسلل إلى قصورٍ محصّنة بسهولة، يتقن فكّ العقد المعقدة، ويفهم طبيعة أحجار الطاقة.
أعرفُ شخصًا آخر يملك هذه الصفات.
ذاك الشخص هو…
✼════ ∘ ❃ ° ✼ ° ❃ ∘ ════✼
ترجمة : ستيفاني
انستا : Salmaessam_3
واتباد : Viminve
✼════ ∘ ❃ ° ✼ ° ❃ ∘ ════✼
التعليقات على الفصل "135 || القصة الجانبية⁸"