كان من الأفضل أن أذهب مع الآنسة ميلوديا وحدها، لكن كما توقعت، تبعتنا مديرة الميتم بخُطى ثقيلة خلفنا. بل وبدأت تُمارس عليّ ضغطًا مستمرًّا.
‘إذا عادت الكاهنة، فلن تتركني المديرة وشأني.’
راودتني تلك الفكرة، لكنني اكتفيت بالابتسام كطفلةٍ تستمتعُ بوقتها.
“نـعـم~.”
مصدر كل هذه المشاكل. نموذج الإنسان السيئ.
وكما توقعت، عندما رأتني أبتسم لها، ضغطت على أسنانها وحدّقت بي بحدة.
“سأتغاضى عن هذه المرة، آيشا. لا يجب أن تكوني لحوحةً.”
“نعم! يا مديرة!”
رفعتُ صوتي بمرح كطفلة بريئة، وشددتُ قبضتي على يد الآنسة ميلوديا.
واصلنا السير لفترة طويلة.
وعندما بدأت ساقاي تؤلماني قليلًا، سألت الآنسة ميلوديا وهي تميل برأسها باستغرابٍ:
“لكن… إلى أين نحن ذاهبون؟ هل هذا طريق خلفي للميتم؟”
وبنفس التوقيت، شحب وجه المديرة التي كانت تنظر إلينا بانزعاج.
فالطريق الذي كنا نسلكه يقود فقط إلى ذلك المبنى الذي يُحتجز فيه التوأمان، بعيدًا عن الميتم وقريبًا من الجبل.
“مـ-مهلًا! مهلًا!”
أمسكت المديرة بكتفي وأوقفتني فجأةً.
لم أكن أملك القوة لمقاومة شخص بالغ، فتوقفت قسرًا. وقد أثار ذلك انزعاج الآنسة ميلوديا.
“ما الأمر، يا مديرة الميتم سِريل ساندرا؟”
“لـ-لا يوجد شيء في هذا الاتجاه.”
“لا شيء؟”
“لا شيء، آيشا. لا تزعجي الآنسة، لنعد من فضلك.”
كان وجه المديرة يوحي بأنها على وشك ضرب أحدهم.
“لا! إنهم هناك!”
“مَن تقصدين؟”
“رأيت الأطفال هناك! رأيتهم بأمّ عيني!”
في تلك اللحظة، ظهرت أمامنا مستودعٌ قديم، وجمدت ملامح الآنسة ميلوديا وهي تستمع لكلامي.
“تقولين إن هناك أطفالًا؟”
“لا! لا! بالتأكيد آيشا تخيّلت الأمر. ربما لم تنم جيدًا مؤخرًا.”
“لا، يا كاهنة! أرجوكِ استمعي لي! رأيتهم فعلًا هناك! أرجوكِ، صدقيني! أنا حقًا التقيت بهم!”
“ربما كنتِ تهلوسين بسبب قلة النوم. آيشا… يبدو أنك فقدت بعض الوزن أيضًا. ربما هذا بسبب الإرهاق. هيا بنا نعود ونعرضكِ على الطبيب.”
اقتربت المديرة مني وكأنها تريد حملـي بالقوةِ، تحاول أن تُخفي الحقيقة.
خطوت إلى الوراء قليلًا، وسرعان ما وقفت الآنسة ميلوديا أمامي لتحميني.
“يبدو وكأنكِ تُخفين شيئًا.”
“لـ-لا، أبدًا!”
“إن لم يكن هناك ما تُخفينه، فربما علينا الاستماع لما تقوله الطفلة أولًا.”
“لا، لا، ذلك مجرد مستودع مهجور. لا يوجد فيه سوى القمامة.”
“أنا أقول الحقيقة! يوجد أطفال بالداخل!!”
وبينما أصرخ، سُمع صوت طرق واضح من داخل المستودع.
كنت قد أخبرت التوأمين مسبقًا أن يطرقوا الباب إذا سمعوا صوتي في الخارج، ولحسن الحظ، فهموا كلامي جيدًا.
استمروا في طرق الباب المعدني السميك بشدة.
ترددت الآنسة ميلوديا قليلًا بيني وبين المديرة التي كانت تحاول منعي، لكنها ما لبثت أن انطلقت نحو المستودع مذعورة بعد سماع الصوت.
“يا إلهي… لم أكن أتوهم، أليس كذلك؟ لقد سُمِع صوتٌ من الداخل! كانت آيشا محقّةً!”
“لـ-لا! بالتأكيد سمعتِ بشكلٍ خاطئٍ!”
“هل تُحاولين أن تُعامليْني وكأنني أتوهم؟ ألم تسمعي الصوت؟ أم أنني الوحيدة؟”
حرّك الفرسان المقدّسون رؤوسهم نفيًا وبقوةٍ.
“لقد سمعته أنا أيضًا، يا كاهنة ميلوديا.”
“وأنا كذلك.”
“يبدو أن الوحيدة التي لم تسمعه هي المديرة.”
ازداد شحوب وجه المديرة أكثر فأكثر.
“ر-ربما كانت حيوانات برية قريبة، فاختلط عليكم الأمر…”
“كُفي عن هذه التفاهات، ودعينا ندخل فورًا.”
“لا! لا يوجد شيء هناك! لا أصدق أننا جئنا إلى هنا بناءً على كلام طفلة!”
ثم أمسكت المديرة بذراعي بقوة، تنظر إليّ بعينين تملؤهما النية في الضرب.
أدركت أنني سأُضرب حتمًا عندما نعود.
لكنني لم أتوقع أن تُمسك بي بهذه الطريقة أمام الآنسة.
يدي كانت مرفوعة للأعلى وفق طول المديرة، ما جعل الألم لا يُطاق.
حتى إنني كِدت أبكي من شدة الألم.
“يؤلمني، يا مديرة…”
“اصمتي، آيشا. كنتُ أُعاملك بلطفٍ لأنك ذكية، لكنك تماديت كثيرًا.”
“آسفة… لكن… لقد سمعت صوتًا…”
لم أستطع أن أُحرّر يدي بسبب شدّة الألم. فكلما حاولت الحركة، اشتدّ الألم أكثر.
لكنني تحمّلت وقلت ما استطعت بصوتٍ مرتجف:
“كان يجب أن تُخبِريني أولًا.”
“لكن… ظننتُ أنكِ لن تُصدقي…”
تمتمتُ كطفلةٍ خائفة، فتقدمت الآنسة ميلوديا وأمسكت يد المديرة بسرعة.
أخيرًا، تركت المديرة ذراعي.
“كفى، مديرة . يبدو أن الطفلة خائفةٌ.
وأيضًا، طريقة حملكِ لها تُسبب لها الألم.
هل هذه هي طريقتكِ دائمًا؟
هل هذا أمر طبيعي بالنسبة لكِ؟”
“لـ-لا! أبدًا! أنا أُربيهم بحب وحنان!”
“يصعب تصديق ذلك الآن. لكن سنناقش الأمر لاحقًا. لنذهب ونفتح الباب.”
“لـ-لحظة واحدة فقط! ذلك المكان مليء بالروائح الكريهة فقط!”
لكن الفرسان المقدّسين كانوا قد توجهوا بالفعل إلى هناك.
بدون تردد، كسروا السلاسل الحديدية والأقفال بأقدامهم.
ركضت المديرة خلفهم في حالة من الصدمة، لكنهم لم يُعروا اعتراضها أي اهتمام.
“ااااه… لـ-لحظة فقط!”
وفي تلك اللحظة، كانت الآنسة ميلوديا قد دخلت المستودع، ثم ترنحت وكادت تسقط وهي ترى التوأمين يخرجون من مكان قذر لا يصلح للبشر.
وضعت يدها على فمها، عيناها واسعتان ويداها ترتجفان.
“كـ-كانوا هناك فعلًا…”
لحقت بها بخطوات سريعة، كطفلةٍ خائفةٍ وقلقةٌ، أو غير قادرة على التصرّف.
رغم أن المديرة كانت منشغلة ٍبالتقدّم إلى الداخل، لم أرد أن أخاطر، فتابعت تمثيلي حتى النهاية.
خرج الأطفال من المستودع، لكنهم وقفوا عند الباب دون أن يخطوا خطوة للخارج.
اقتربت الكاهنة ميلوديا منهم بخطوات حذرةٍ. توقعت أن تحتضنهم فورًا، لكنها لم تفعل.
اقتربت فقط ونظرت إليهم بعينين دامعتين.
“كيف… كيف انتهى بكم الأمر هنا؟”
وكما أوصيتهم من قبل، لم ينبس التوأمان بكلمة.
‘لو حاولنا كشف كل شيء الآن، فلن نستفيد شيئًا.’
هم أطفال لا سند لهم. حتى لو عُثِر عليهم، فلن يهتم بهم أحد.
صحيح أن الآنسة ميلوديا ستُحقق في الأمر، لكن هذا كل شيء.
رغم أن الكاهنات يشعرن بالشفقة أحيانًا، إلا أنهنّ أيضًا بشر.
ولا أحد يُحب المشاكل، سوى ميلوديا.
‘في البداية، كان عدد الكاهنات اللواتي يزرن الميتم كثيرًا، لكن الآن، لم تعد تأتي سوى ميلوديا أو من تخلفها.’
لذا، حتى لو كُشف أمر المديرة، فلن يعود ذلك علينا بنفع.
‘الآنسة ميلوديا ستُطالب بتحقيق شامل، لكن البقية سيُفضلن إنهاء الموضوع بسرعة.’
المديرة سِريل ساندرا كانت شخصًا يُظهر وجهًا مختلفًا للبالغين.
ضعيفة أمام الأقوياء، قاسية مع الضعفاء. نموذج الإنسان الماكر.
ربما رتبت علاقاتها جيدًا، فهي بالكاد تتأثر بأي اتهامٍ.
لذا، لا فائدة من قول “المديرة ضربتنا” الآن.
‘عليّ أن أكتفي بهذا.’
في تلك الأثناء، لم تستطع الآنسة ميلوديا التحمل أكثر، وبدأت تُكلم الأطفال مجددًا، تلوّح بيدها.
“أنا لست شخصًا سيئًا. أنا كاهنة.”
“……”
“……”
لكن حتى مع كلماتها اللطيفة، اكتفى التوأمان بتحريك أعينهم بتوتر دون أن ينبسوا ببنت شفةٍ.
شهقت ميلوديا بدهشة وقلق.
“يا إلهي… ما الذي مررتم به حتى تعجزوا عن الحديث؟ هاه؟”
إنها أطيب إنسانة رأيتُها في حياتي.
لكن مجرد المظهر الطيب لا يكفي ليكسب الأطفال ثقتهم.
وهكذا، انتقلت نظراتها المليئة بالشفقةِ إلى المديرة.
“هاه… ما الذي حدث لهم بحق السماء… ليصلوا إلى هذه الحالةِ؟”
التعليقات لهذا الفصل " 8"