“……كيف يُمكن أن نعرف أسماءنا؟”
“أنا أيضًا… أريد أن أملكَ اسمًا.”
على عكس لوهين الذي كان لا يُظهر سوى ردود فعل حادّة، كانت لاريز تحتضن ما في حضنها بوجهٍ حزين.
“إذن، أنتما لا تعرفان أسماءكما.”
“ولِمَ؟ هل تعرفينها أنتِ؟”
“طبعًا، أعرفها.”
“أتعرفينها؟”
لوهين، الذي كان يتصرف كقطةْ حذرة راقبني بشكٍ، لمعَت عيناه الواسعتان فجأة ببريقٍ لامع.
“حقًا تعرفين أسماءنا؟”
“كيف؟ هذا مشبوهٌ.”
“لا شيء مريب. أنا فقط مميّزةٌ.”
لحسن الحظ، بما أنهم أطفال، شعرت بأنهم يصدقون كلامي بسهولةٍ.
لذلك، اغتنمت الفرصة وتفاخرت.
“أنا الوحيدة التي وجدت طريقها إلى هذا المكان الذي أنتما فيه، أليس كذلك؟”
“أجل!”
أومأت لاريز برأسها صعودًا وهبوطًا مثل دميةٍ، وكانت عيناها تلمعان بفرحٍ.
لكن لوهين نظر إليّ بانزعاج شديد.
“……لذلك ظننتُ أنكِ من أتباع تلك المرأة.”
الصوت الذي نطق بهذه الكلمات لم يكن صوت طفل، بل صوت وحش حادّ.
لوهين، الذي ما زال لا يثق بي كليًا، كانت نظرته باردةً كالجليد.
“واو… هذا مقزّز فعلًا. تابعتها؟ مع أني، بطريقةٍ ما، أُعتبرُ كذلك.”
“كما توقعتُ.”
بمجرد أن قلتها، حمل لوهين لاريز إلى صدره وتراجع بسرعةٍ إلى الخلف، مزمجرًا بشراسةٍ.
“لا، ليس بالمعنى الذي تفكران فيه.
لا أدري إن كنتما تعرفان، لكن هذا المكان دار أيتام.
مكان يُؤخذ إليه الأطفال الذين لا عائلة لهم ولا منزل.
تلك المرأة هي مديرة الدار، وأنا إحدى الأطفال هنا. من هذه الزاوية، قد أُعتبر من أتباعها.”
“……”
“لكنني أكرهها أكثر من أي شخصٍ آخر.”
حينها فقط، قفزت لاريز من حضن لوهين وركضت نحوي.
“هل أنتِ لستِ شريرة؟”
“لا، على الأقل لستُ كذلك تجاهكما.”
“……إذًا، ماذا تريدين منّا؟”
“أريد فقط أن تعيشا حياةً عاديةً.”
بالطبع، السبب الأكبر هو أنني أريد أن أمنع اليوم الذي سيأتي فيه الدوق الكبير ويحرق هذا المكان بسبب تعذيبكما، لكن…
“لا أريد شيئًا آخر غير ذلكَ.”
أنا حقًا لا أطلب شيئًا منكما.
“هذا مطمئنٌ… حقًا مطمئنٌ.”
رفعت كتفيّ بابتسامةٍ، وأنا أنظر إلى لاريز التي تنفّست بارتياح.
“أولًا، يمكنني القول إنني أختكما الكبرى، بما أنكما أصغر مني.”
“أخت كبرى؟”
“نعم. أخت. آه، وأنتِ الصغرى، وذلك الذي يحدّق بي من فوق هو الأخ الأكبر، أليس كذلك؟”
“أخ أكبر؟”
“نعم نعم. بينكما، من وُلد أولًا هو ذلك الشقي، صحيح؟”
أومأت لاريز بحماسٍ شديد.
“أجل! إذًا هو أخي! رائع، لديه لقب الآن!”
“صحيح. واسمكِ هو لاريز.”
“لاريز…؟”
“وذلك هناك هو لوهين.”
أخبرتهما بالأسماء التي ظهرت في الرواية.
“الاسم المختصر لـ لاريز هو لاري.”
“لاري…! يا أختي! إنه جميل!”
دارت لاريز حول نفسها بسعادةٍ وقفزت وهي تبتسم ابتسامة عريضة أخفت عينيها.
“لدي اسم! أخي، تعال بسرعة! لديكَ اسمٌ أيضًا!”
“……لماذا علينا استخدام اسم منحته إيانا تلك الطفلةَ؟”
“لأنه الاسم الذي وُلدتما به. لم أقم أنا باختياره. أنا فقط أعرفه لأني مميزةٌ. لذا أعرف اسميكما.”
هذا العالم هو رواية، وأنتما شخصيتان سوداويتان فيها.
الآن أنتما في طفولتكما، وهذه الفترة ستُصبح صدمة تؤدي إلى تحوّلكما إلى شريرين في المستقبل.
لكن لم يكن من الضروري أن أشرح كل هذا. فقط نظرت إليهما بصمت.
“إن لم تصدق، فلا بأس. لكنني لم أكذب عليكما ولو لمرةٍ واحدة.”
“……الأشخاص الذين يتحدثون جيدًا هم الأقل ثقة.”
“صحيح، لا بأس إن لم تصدقني. لكن على الأقل ارتديا الأحذية. المشي حافيًا سيؤذي أقدامكما.”
رغم كلامي، لم يُبدِ لوهين أي نيةٍ للنزول.
“أعرف أنكما لن تفتحا قلبيكما بسرعةٍ. ليس أنتما فقط، بل جميع أطفال الدار كذلك. لأنهم يتألمون كل مرة. تعلّموا أن الثقة لا تجلب سوى الألم.”
“أخت…”
“لذا لا بأس إن كنتما حذرين.”
فتحت الحقيبة وأخرجت الأشياء أمامهما.
“سأترك ما جلبته هنا. استخدماهُ بحرية. وسأعود لاحقًا.”
“أخت، هل ستذهبين؟”
“نعم. إن ابتعدت كثيرًا، ستبدأ المديرةُ بالشكِ.”
كانت المديرة، بفضل ذكائها، قد اكتشفت أنني أتمتع بذكاء مميز مقارنة بالآخرين، لذا كانت تُكلفني بأعمالٍ كثيرةٍ.
لهذا لا يُفضل أن أبتعد طويلًا.
‘خصوصًا في هذه الأيام، حيث يتقلب مزاجها كثيرًا…’
إذا تصرفتُ جيدًا، لن يتضرر باقي الأطفال.
لهذا، نظرت للحظة إلى لاريز التي بدا عليها الأسى، ثم خرجت من خلال الفتحة الصغيرة في الحائط.
“سأعود لاحقًا. إلى ذلك الحين، ابقيا بأمان!”
تركت هذا الكلام خلفي.
وغادرت المكان، تاركة التوأم خلفي.
معرفتي بأن التوأم يستطيعان التحدث، وأنهما لا يختلفان كثيرًا عن باقي الأطفال في العمر، كان كافيًا.
ولهذا، كنت أبتسم وأنا أنظر إلى المستودع الذي يبتعد شيئًا فشيئًا كلما مشيت.
‘أتمنى أن يفتحا قلبيهما قريبًا.’
صوت لاريز البهيج، ونظرة لوهين التي أصبحت أكثر لينًا من ذي قبل، ما زالتا ترنّان في أذني.
أحيانًا، هناك أيام يُقال عنها:
‘يومٌ محظوظ بشكل استثنائي.’
عادت المديرة صباحًا بعد خروجها باكرًا، وكانت غاضبةً على نحو غير معتاد.
رغم أنها لا تشارك عادة في الإفطار، إلا أنها حضرت هذا اليوم، وبدأت تنتقد سلوك الأطفال واحدًا تلو الآخر.
ثم، وكأن فكرة ما خطرت ببالها، بدأت تضرب أيدي الأطفال بعصا طويلة، وفجأة اختفت.
مع اختفائها، شعرنا بالارتياح.
الأطفال الذين لم يتمكنوا من تناول الطعام براحةٍ بسبب مراقبتها، بدأوا يأكلون بشكل طبيعي لأول مرة.
بدأ المعلمون يحرسوننا لحمايتنا، وهكذا انتهى الإفطارُ بسلامٍ.
رغم شعور غريب بعدم الارتياح، إلا أن الجميع شعر بالارتياح لغياب المديرة، وأنا أيضًا لم أستطع سوى مجاراتهم.
وبعد مرور بعض الوقت، عادت المديرة حين كنا نبدأ بتنظيف الغرف.
تخوّفنا من أن تبدأ بالصراخ مجددًا، لكنها قالت شيئًا غير متوقع:
“ألا تعتقدين أن الأطفال يُجهدون أنفسهم كثيرًا؟”
“نعم؟ ماذا؟”
كانت لطيفةً أكثر من المعتاد، بل أكثر مما هو طبيعي. وبدأت تلوم المعلمين لأنهم يُرهقون الأطفال.
بل وطلبت ألا يُتعبوا الأطفال ويتركوهم يرتاحون.
رغم أن المعلمين بدوا مصدومين من هذا التحوّل المفاجئ، إلا أنهم وافقوا بكلمات مترددة.
“أه… نعم. سمعتم ما قالتهُ المديرة، أليس كذلك؟ ارتاحوا جميعًا اليوم.”
“نعم!”
بمجرد سماع كلمة “راحة”، قفز الأطفال من أماكنهم دون ترددٍ.
بقي المعلمون يراقبون المديرة خشية أن تُغيّر رأيها، لكنها لم تُبدِ أي اعتراض حتى غادر الجميع.
وهكذا، حصلنا على راحةٍ بعد زمنٍ طويل.
‘لكن الأمر غريب…’
لماذا تغيّرت مزاجها فجأة؟
ذلك الشعور الغامض بالقلق، بدأ يهزّ قلبي ببطء.
لم يمر وقت طويل قبل أن أعرف السبب.
“آيشا! آيشا! اليوم وقتٌ إضافي ! فلنذهب إلى السوق!”
جاءت إيل وهي تقفز بحماس، وتشبثت بذراعي.
“إيل، لاحقًا.”
“لن تذهبي اليوم أيضًا؟”
“لاحقًا، أعدك. لكن هل يمكنكِ شراء شيءٍ لي؟”
“ماذا؟”
رغم أنها ليست ماهرة بيديها، كانت إيل من أذكى الأطفال وتتبعني كثيرًا.
لذا، أعطيتها كل ما ادخرته من مال.
“أريد دميةً.”
“آه! هل ستدخل آيشا عالم الدمى أخيرًا؟”
“نعم، لكن دميةً على شكل خروف، ناعمةً.”
“خروف؟ وليست دميةً بشريةً؟”
نظرت إليّ إيل بخيبة أمل طفولية.
“نعم، خروف. أرجوكِ.”
“أم-م… إن كانت آيشا تريد، سأشتريها.”
“واشتري ما تريدين بالأموال المتبقية.”
سمعت صوت خطواتها تبتعد بسرعة، تخشى أن تُسلب منها النقود.
“آه! لا تقلقي! لكن لا تسأليني عن المبلغ المتبقي لاحقًا!”
“حسنًا.”
هرع أغلب الأطفال إلى السوق كما لو كانوا يخشون أن تفوتهم الفرصة.
ولوّحت لهم مودّعةً.
وبمجرّد أن أصبح المكان شبه خالٍ، ركضت في الاتجاه المعاكس.
آملة أن تكون شكوكي مجرد وهم، ومشاعري السيئةَ مجرّد مبالغة.
ركضت وركضت، ألتفت حولي خشية أن يراني أحد.
وبينما كان تنفسي يتسارع، وصلت إلى المستودع.
كان الباب مختلفًا عن المعتاد، ولو قليلًا.
يداي ارتجفتا وأنا أزحف نحو الفتحة الصغيرة.
تمالكت خوفي، ودخلت أخيرًا.
“يا أطفال… لوهين، لاري… هل أنتما هنا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 6"