“ثمّ ماذا حدث بعد ذلك؟”
شعرتُ وكأنّني أقرأ روايةً كاملة. قصّة مألوفة تمامًا من قصص الرومانسية الخيالية؛ بطلة تعود بالزمن، ومن الطبيعي أن تنتهي قصّتها نهايةً سعيدة.
ستغيّر كلّ ما مرّت به من أحداث مؤلمة، وتنتقم من كلّ من يستحقّ الانتقام، لا شكّ أنّها ستكون سعيدة.
لكنّ السيدة النائبة هزّت رأسها نفيًا.
“ليس كلّ أحدٍ قادرًا على تغيير كلّ شيء.”
“آه…”
“على خلاف الماضي، لم يمت زوجها.
لكنّ لورين اكتشفت لاحقًا أنّ السبب وراء موته المبكر في حياتها السابقة كان أبناءه هم من دبّروه.
فقد خشوا، قبل أن يولد طفل لورين، أو بعد ولادته مباشرة، أن ينقل والدهم كلّ ممتلكاته لذلك الرضيع، فارتكبوا فعلتهم.
لكن حين عادت الحياة إلى الوراء وهربت لورين أوّلًا، قرّر الأبناء بدل قتل والدهم أن يتخلّصوا من لورين وطفلها،
لأنّ قتلهما وهما داخل العائلة أصعب، بينما كان هدفهم استصدار وصيّة من الأب العجوز الذي بدأ يفقد عقله.”
هل يُعقل؟ مستحيل أن تكون قد ماتت… أردتُ أن أسأل، لكنّ لساني لم يطاوعني.
كنتُ خائفة، وكأنّني أشعر أنّ النهاية لن تكون سعيدة كما في الرواية.
“أتّجهت لورين إلى منزلها، وأقنعت العائلة بأنّها جاءت لتقضي فترة نقاهة، وقرّرت أن تلد طفلها هناك.
صحيح أنّ والدها وزوجته الجديدة كانا قاسييْن معها، لكن إخوتها الذين ربّتهم بكلّ ما تملك لم يكونوا كذلك… لذلك وثقت بهم.
وخلال تلك الفترة، حاول القتلة اغتيالها أكثر من مرّة، لكنّها أنجبت طفلها بسلام تحت رعاية إخوتها.
أخبرتهم عن تهديد القتلة، وما إن وُلد الطفل حتى أحضرت طبيبًا فورًا. لم يرضَ والدها، لكن إخوتها تصرّفوا وكأنّهم يردّون لها جميلها القديم.”
الحمد لله… إذن الطفل بخير؟
نظرتُ إليها بقلق.
”لو أنّ الأمر انتهى عند هذا الحدّ لكانت سعيدة، لكن حياة لورين لم تُنقذ.
الطفل نجا بالفعل بفضل علاج الطبيب في الوقت المناسب، ولورين لم تندم حينها، فقد أنقذت طفلها حتى لو أخذ كلّ شيء منها.
لكن وكأنّ القدر يريد إثبات أنّ من كُتب عليه الموت سيموت، أو أنّ جهدها لم يكن كافيًا… الطفل اختفى.”
“ماذا؟!”
رفعتُ رأسي بسرعة من شدّة الصدمة، فابتسمت هي قليلًا.
“اختفى… وهو لم يتعلّم المشي بعد؟”
“كان عمره أقلّ من خمسة عشر يومًا.”
“إلى أين ذهب…؟”
”بالطبع، لورين اتّهمت والدها،
وبكت وترجّته أن يعيد طفلها، وأنّها ستفعل أيّ شيء مقابل ذلك. لكن والدها لم يكن الفاعل.
كان الفاعلون… إخوتها.
الذين ربّتهم وضحّت بكلّ شيء من أجلهم، ورغم أنّ الفارق العمري بينهم لم يكن كبيرًا،
فقد تكفّلت بتعليمهم وتزيينهم من مالها الذي جنتْه ومن أموال زواجها.
ومع ذلك لم تتوقّف أطماعهم.
بعد ولادة الطفل، وبقاء والده على قيد الحياة، وكونه ذكرًا أعلن والده أنّه سيمنحه كلّ شيء…
قرّر أبناء الزوج التخلّص منه. وإخوتها… باعوا الطفل لهم مقابل المال.”
يا إلهي… قلبي انقبض وكدتُ أبكي.
لقد عادت بالزمن لتنقذ طفلها، لكنّها لم تفقده فحسب، بل خانها أقرب الناس.
“هل… هل وجدته؟”
”لم تجده… ولا حتى جثّته. قالوا فقط إنّهم قتلوه. طلبت منهم أن يعطونها الجثّة… لكنّها لم ترَ شيئًا.”
“هل أنتِ بخير يا سيدتي؟”
ارتجف جسدها قليلًا.
“ذلك السؤال…”
“إنّه قصّتُكِ، أليس كذلك؟”
“أنتِ فتاة ذكيّة يا آيشا.”
“هل… أنتِ بخير؟”
لا أعلم لماذا تحكي لي هذه القصة، لكنّ صدري ضاق غضبًا على وجود أناسٍ كهؤلاء.
كيف يمكن لمن يسمّون أنفسهم عائلة أن يفعلوا هذا؟
“في البداية… كنتُ أكرههم أكثر من أبناء زوجي الذين قتلوا طفلي.
كنتُ أكره إخوتي الذين يفترض أنّهم عائلتي. شعرتُ أنّني مجرّد أداة لاستغلالهم.
لذلك طلبتُ فرصة أخرى، مهما كان الثمن. رجوتُه أن يمنحني إيّاها.”
لكن يبدو أنّها لم تُمنح تلك الفرصة، وإلا لما كان حزنها بهذه القسوة.
“للأسف، كانت الفرصة مرّة واحدة فقط.
بل قال إنّ الوقت قد حان ليأخذ ثمن إعادة الزمن إلى الوراء.
حينها… رغبتُ في الاستسلام. فاليأس القاتل لعدم إنقاذ طفلي جعلني أريد إنهاء حياتي.
لكن بسبب تلك الهبة أو اللعنة.. لم أستطع…”
“إذن…”
“لم أستطع الموت. حتى لو رغبتُ، لا أستطيع. وكجائزة لأنّني حظيتُ بالفرصة، جعلت الكاهنة العليا، ومنحنت قوّة خلفًا للكاهنة السابقة.”
“آه…”
بدأتُ أفهم أخيرًا سبب روايتها لهذه القصة.
“إذن من يمنح هذه الفرصة… عليه أن يصبح كاهنً؟”
“نعم.”
“آه…”
“هل قلتِ هذا لتحذّريني… أنّني سأصبح كذلك؟”
“ما حسبتِه حلمًا قد حدث فعلًا، وأنتِ حصلتِ على فرصة من هناك. لا أعرف ما الذي تمنيتهِ، لكنّ المؤكّد أنّه بسبب ذلك حصلتِ على هذه الفرصة.”
ارتجف عقلي من الفكرة.
إذن أنا… كنتُ أعيش في كوريا، ودخلتُ داخل رواية، ثم عشتُ نهايتها، وعدتُ إلى الماضي مجددًا؟
أي أنّه اندماج مع عودة بالزمن؟
“آه…”
“ليس الآن. فلكي تصبحي كاهنة عليا، يلزمك وقت طويل. لذلك قلتُ لكِ هذا كي لا تمرّي بما مررتُ به.
فليس من السهل تغيير المستقبل لمجرّد أنّك تعرفينه.”
“نعم…”
“سأساعدكِ إذن. أنا لم يكن لدي أحد، لكنّكِ أنتِ لن تعيشين الندم الذي عشته. صحيح أنّنا سنظلّ كهنةً… لكن على الأقل لن تندمي كما ندمتُ.”
إذن لهذا كانت تنظر إليّ بذلك الأسى… لأنّني عشتُ ما عاشته.
“منذ ذلك الحين عشتُ أكثر من مئة عام بلا موت.
جسدي شاخ، لا أرى ولا أستطيع المشي.
وأنتِ أيضًا… حين تصيرين كاهنة عليا، لن تعرفي متى ينتهي واجبك. الموت لن يكون خيارًا. ومع ذلك… لا سبيل لنا.”
“أنا…”
هل سأقبل؟ لو كنتُ في هذا الموقف…
“أظنّ أنّني سأكون بخير.”
“ربّما لهذا السبب اخترنا… لأنّنا نضحي من أجل من نحبّهم. وهذا ما يحزنني عليكِ يا أيشا.”
“أنا بخير! طالما أن لوهين ولاري سيكونان سعيدين.”
ابتسمت الكاهنة إبتسامة أكثر دفئًا هذه المرّة.
“جيّد. سأساعدكِ إذن بكلّ ما أستطيع، كي لا تمرّي بما مررتُ به.”
قبضتُ على يدها.
“سأفعل ما تقولينه بالضبط، كي أحمي التوأمين.”
“جيّد… وتذكّري يا آيشا، أحيانًا يكون القدر متقلبً. لقد أخبرتُ لاحقًا بأمر…”
“أمر؟”
“أنّ طفلي… لم يمت.”
تجمّدت، ونسيت الكلام. لم يمت؟ ما هذا الكلام؟
“حقًّا؟”
“نعم. بعد تلك الحادثة، ورث أبناء زوجي كلّ شيء،
ومات هو بعد فترة قصيرة.
أنا سئمت عائلتي وعشتُ كالمجنونة، ثم دخلتُ المعبد وصرتُ كاهنة عليا، وبعد أربعين عامًا أستطعت معرفة أنّ الطفل حيّ.”
“لماذا… بعد كلّ هذا الوقت؟”
“لأنّني لم أكن أستطيع فعل شيء.
كنتُ قد فقدت بصري، وأعجز عن الحركة دون مساعدة. فكيف أبحث عنه؟
كلّ ما عرفتهوفي الماضي أنّه مات وهو صغير جدًّا… غير ذلك، لا أعلم شيئًا.”
“إذن… ماذا عن طفلكِ؟”
“لا أعرف شيئًا… لا اسمه ولا شكله.”
“آه…”
اشتعل الغضب في صدري.
وفجأة…
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 54"