على الرّغم مِن أنّني كنتُ أعلم بأنّكِ تستغلّيننا، إلّا أنّه…
ربّما لم يكن بذلك السوء.
قد يكون قلبي الطيّب هو مَن استغلّكِ، لكن… مع ذلك، شعرتُ أنّكِ تهتمّين بنا حقًّا.”
أنهمرتَ الدموع
آيشا، أنا التي أصبحتُ بالغة الآن، أنا التي اقتربتُ من الأطفال لأجل غاية… أشعر بالقرف من نفسي حدّ الاشمئزاز.
لِمَ كنتُ مع التوأمين البالغَين؟ لماذا كنتُ خادمتهما؟ ماذا كنتُ أحاول أنْ أكتشف؟ لا أعرف تحت أيّ ظروف كان كلّ هذا، لكن… أنا حقًّا أكره نفسي.
في تلك اللّحظة، ربّتَ لوهين على كتف آيشا التي لم تفعل شيئًا سوى البكاء.
“آيشا.”
”نعم؟ لا تتكلّموا أكثر… سأفعل شيئًا… بأيّ طريقة كانت…”
”لقد فات الأوان بالنسبة لي. لذا… دعيني فقط أسألكِ شيئًا واحدًا قبل أنْ يتوقّف نَفَسي. أختي كانت تحبّكِ كثيرًا. وأنتِ… رغم أنّكِ استُغلِلتِ، لكن… هل أحببتِنا؟'”
”أحببتُكما. كثيرًا… كثيرًا جدًّا. لذلك، أردتُ أن أقطع كلّ شيء وأعود. كنتُ أريد أنْ أكون بجانبكما بصدق. لكن… آسفة لأنّي لم أستطع القدوم أسرع.”
”هذا يكفي. طالما هناك شخصٌ واحدٌ فقط يبكي من أجلنا…
رغم كلّ ما فعلناه، يبدو أنّهُ قد أرسل ملاكًا صغيرًا لنا…”
ابتسم لوهين وهو ينظر إلى آيشا التي كانت تبكي بحرقة.
”لاري… يبدو أنّنا لم نكن سيئين تمامًا…
هذا مطمئن. في هذا العالم…
هناك شخصٌ ثمين… يبكي من أجلنا
… شكرًا لكِ، لأنّكِ بقيتِ معنا حتى النّهاية.”
”سيّدي… لذا، أرجوك، أرجوك…”
في تلك اللحظة، انقطع نَفَس لوهين.
قلبه الذي نزف أخيرًا لم يَعُد ينبض.
لقد مات، لكنّه مات وهو يحافظ على كرامته وكأنّه لا يزال على قيد الحياة.
اختفى كلّ ما كان يملأ الغرفة مِن طاقة في لحظة.
آيشا، وهي في سنّ البلوغ، لامست جسد لوهين المتوفّى.
”سيّدي…؟”
لكنّه لم يُجب على ندائها.
عندها فقط بدأت آيشا تهزّ جسد لوهين بقوّة. لم يكن هناك أيّ ردّ.
”لا… لا…”
هزّت آيشا لوهين ولاري مرارًا وتكرارًا. لكنّها كانت الوحيدة الحيّة في ذلك المكان.
بكت وبكت، ثمّ أخيرًا، مدّدت لوهين على الأرض.
إلى جانب لاري، أخته التي كان يحبّها.
ثمّ بدأت آيشا تبكي من جديد.
صفّفت شعر لاري، أزالت السّيف المغروز في صدره، ثمّ فكّت عباءة لوهين لتغطّي بهما الاثنين، كي لا تظهر آثار الدم.
مسحت الدم عن وجهيهما الجميلَين.
كان وجههما، بفضل بشرتهما الشاحبة، يبدو وكأنّهما ما زالا على قيد الحياة، وكانت تعابيرهما مسالمة.
لكنّ الغضب اشتعل في صدر آيشا.
”رغم أنّ الجميع شتمهما… إلّا أنّهما لم يكونا طفلين سيّئين… لقد استُغلّا فحسب،
وكانا مثل الوحوش لا يعرفان كيف يعبّران عن مشاعرهما. وهذا ما جعل موتهما بدون أنْ يعيشا حياةً حقيقيّة…
أمرًا قاسيًا جدًّا. لو كان هناك حقٌ في ذلك، لما كان يجب أنْ يحدث لهما هذا…”
لكنْ، لم يُجِب احد.
فهو لم يكن يومًا في صفّهم.
”منذ الطّفولة…
لم يعرفا الذكريات الجميلة، فقط تعرّضا للإساءة. وعندما وجدا العائلة أخيرًا…
تعرّضا للتنمّر من قِبل المديرة، وأمّهما التي قابلاها أخيرًا كانت مجنونة…
ثمّ ماتا بعد فترة قصيرة. خطيئتهما الوحيدة… أنّهما لم يُحَبّا، فلم يعرفا كيف يُحِبّان…”
وكأنّ آيشا البالغة رأت الأطفال منذ زمن طويل، بدأت تصبّ لَومها على كل شيء.
”لكن… في النّهاية قُتلا.
في النّهاية… في النّهاية…
ماتا دون أنْ يُحَبّا، ودون أنْ يُحِبّا، تحت هذه السّماء وحدهما تمامًا… أين العدالة في هذا؟
لقد استُغلّا… بل إنّهما كانا الضحيّة الحقيقية للاستغلال…”
ربّما من كثرة بكائها، بدأت كلمات آيشا تتكسّر وتتشوّش.
”تلك المرأة…
هي مَن استغلّتْهما حقًّا…
هذا غير عادل…
لو كان هناك حقٌ…
لو كان هناك معجزةً…!
أرجو… فأنا لا أطلب أكثر من ذلك…
لا أطلب سوى معجزة تُعيدهما إلى الحياة…
فقط… فقط ذكريات جميلة في الطفولة، فقط أنْ يتعلّما كيف يُحِبّان ويُحَبّان… أرجو، فقط هذا…”
أعادت آيشا ترتيب جلستها، وركعت على ركبتيها، ونظرت إلى السّماء.
“لو أنّك فقط… فقط تفعل ذلك…
خُذ حياتي إنْ شئتَ…
إنْ كان هذا سيكفّر عن خطاياي تجاه هذين الطفلين، عن آلامي التي سبّبتُها لهما، عن جعلي لهما يصلان إلى هذه النّهاية…
إنْ أمكن فعل هذا فقط… سأفعل أيّ شيء… أيّ شيء…”
في تلك اللحظة…
بدأ زجاج النوافذ في القاعة يتكسّر واحدًا تلو الآخر.
صوت الزجاج المتناثر يملأ المكان، وكأنّ أحدهم من الخارج يرشق حجارة أو سهامًا.
ثمّ اندلعت ألسنة اللهب.
“لتخرج اللعينة التي بجانب الدّوق! اقتلوا الدّوقة الملعونة!”
التعليقات لهذا الفصل " 52"