“آه، آه، أنا رأيتُ ذلك أيضًا!”
رفع الأطفال أصواتهم واحدًا تلو الآخر.
“كان ذلك لأنّ ذلك الفتى كان يتفوّه بترّهاتٍ!”
على أيّ حال، كلّنا متروكون هنا، ومع ذلك كان يتبجّح بأنّ والدته ستأتي لأخذهِ وأنّه من طبقةٍ مختلفة.
كنتُ أكره رؤيته يحتقر أطفال الدار الآخرين، لذا عاقبتهُ قليلًا فقط.
“في المرّة الماضية، ركلتِ ساق أكان أيضًا!”
“ذلك لأنّه كان يتباهى… على أيّ حال! أنتم، الذين تطيعون الأوامر، لن أضربكم أبدًا.”
“حسنًا، سنطيع الأوامر!”
“لأنّ آيشا قائدتنا.”
نظرتُ إلى الأطفال الذين يبتسمون ببراءةٍ حتى كادت عيونهم تختفي، وأومأتُ برأسي بقوّةٍ.
“صحيح، أنا قائدتكم. وما نقوم به الآن هو خطّة.”
“خطّة!”
“رائع!”
“لذا، من الآن فصاعدًا، تصرّفوا كالمعتاد!”
“ألن نفعل شيئًا رائعًا؟ أريد فعل شيءٍ رائعٍ.”
“هذا رائع جدًّا. لا أحد غيركم يستطيع القيام به.”
رسم الأطفال الطيّبون تعابيرًا مختلفةً، ثم عادوا إلى أماكنهم كما لو أنّهم اتّخذوا قرارًا عظيمًا.
بعد ذلك، حملتُ الحقيبة المليئة بالأغراض وتوجّهتُ إلى المخزن.
بالطبع، لم أنسَ جمع الأغراض الضروريّة من معلمي الدار في الطريق.
‘انتظرا، أيّها الوحوشان… لا، التوأمان! أنا قادمة!’
كانت الحقيبةُ ثقيلةً، لكن خطواتي كانت خفيفةً وأنا أبتسمُ كما لو كنتُ سانتا كلوز.
وصلتُ إلى المخزن، لكنّه لم يصبح مألوفًا رغم زياراتي المتكرّرة.
تردّدتُ أمامه قليلًا، ثم أخرجتُ رأسي من الفتحة الصغيرة.
“إذا كنتم بالداخل، خذوا هذا.”
كتاجرٍ يحمل بضائع، كنتُ مشغولةً بإدخال الحقيبة الكبيرة المليئة بالأغراض عبر الفتحة.
“…”
“هل تسمعان كلامي؟”
بالطبع، لم يساعدني التوأمان من الداخل.
كنتُ أعتقد أنّهما سيخفّفان حذرهما قليلًا في زيارتي الثالثة، لكن ذلك كان خطأي.
في النهاية، دفعتُ الحقيبة بيديّ وقدميّ حتى تمكّنتُ من المرور عبر الفتحة.
أفهم الأمر بالطبع.
كم عانيا من الناس حتى أصبحا حذرين إلى هذا الحدّ، وهما لا يزالان طفلين صغيرين؟
‘في الرواية، كانت المديرة تأتي دوريًّا لمضايقة هذين الطفلين.’
لم أتوقّع أن أصبح قريبة منهما على أيّ حال.
هذا مجرّد اهتمامٍ من طرفٍ واحد.
أعلم أنّ مثل هذه المشاعر قد تُسبّب إزعاجًا للآخرين.
‘ومع ذلك، لا يمكنني ترككما.’
أنا أيضًا طفلةٌ ضعيفة لا تملك شيئًا، لا أستطيع محو طفولتهما واستبدالها بذكرياتٍ سعيدة، ولا إخراجهما من هنا الآن…
لكن هناك شيء واحد يمكنني فعله على الأقل.
جعلهما لا يعيشان كالحيوانات.
لذا، أزلتُ أيّ أثرٍ للإحباط، ووضعتُ الحقيبة أمام الطفلين.
“انظرا، كلّ هذا لكما. ليس شيئًا مذهلًا، لكن…”
عندما أشرتُ إلى الحقيبة، اقترب التوأمان متردّدين.
إذا كانت ذاكرتي صحيحة، فهما الآن في السابعة من عمرهما.
رغم تربيتهما في ظلّ الإساءة، وبفضل قوّة عائلة الدوق التي تجري في دمائهما، نما كلاهما بحجمٍ مناسب لعمرهما دون طعامٍ كافٍ.
ما لم يحدث شيء غير متوقّع، سيستمرّان في النموّ بسرعةٍ، لذا أحضرتُ أحذية بأنواعٍ مختلفة.
“همم، أيّها يناسبهما؟”
كانت الأحذية التي يتركها أطفال الدار أو التي أصبحت صغيرة عليهم، لذا لم تكن بحالةٍ جيّدة، لكنّها أفضل من عدم ارتداء شيء.
“لكن قبل ذلك، لنقصّ الأظافر والمخالب!”
“…أور؟”
“حتى الكلاب والقطط تُعتنى بمخالبها جيّدًا، لكن أظافركما طويلةٌ جدًّا. إذا بقيت هكذا، ستخدشان وجوهكما أثناء النوم.”
بينما كنتُ أخرج الأغراض من الحقيبة، أومأت لاريز، الأخت الصغرى، برأسها من الجانب.
“يا لها من لطيفة.ٍ”
ضحكتُ دون قصد على مظهرها الذي يشبه الكلب.
“يبدو أنّكما خدشتما وجهيكما كثيرًا بالفعلِ.”
عندما حدّقتُ بها، تراجعت لاريز خجلةً وأشارت بيدها إلى أخيها.
“هل أخوكِ فعل ذلك؟”
“…”
“إذن، هل أقصّ أظافره أوّلًا؟ سنقصّ الأظافر والمخالب، ثم شعركما قليلًا. لديكما غرّتان طويلتان جدًّا، ستصيبان عينيكما. لا نعرف متى ستأتي المديرة مرّة أخرى، لذا لا يمكننا تغيير ملابسكما الآن…”
مع قراري، أمسكتُ بمقصّ الأظافر واقتربتُ من لوهين.
“تعالَ إلى هنا.”
“…أور!”
“هيّا، قد لا أبدو كذلك، لكنني أقصّ أظافر قطط الحيّ بمهارةٍ.”
ومع ذلك، لم يقترب لوهين.
في تلك الأثناء، مدّت لاريز، التي كانت متردّدةً، يدها وهي تحافظ على أكبرِ مسافةٍ ممكنةٍ منّي.
“هل تريدين أن تكوني الأولى؟”
أومأت الطفلة، التي كانت تحتضن الحقيبة المجهولة، برأسها بحذرٍ.
حاول لوهين، بعبوسٍ، أن يقف بيني وبين لاريز، لكن قبل أن يفعل، قصصتُ أظافرها ومخالبها بسرعةٍ فائقة.
كانت لاريز خائفةً، تغمض عينيها بقوّةٍ، لكن بعد دقائق قليلة، عندما أصبحت أظافرها ومخالبها قصيرة، فتحت عينيها الكبيرتين أكثر.
“آه…!”
“كيف هو؟ أليس أكثر راحة مع أظافر قصيرة؟”
“أونغ!”
نظرت لاريز إلى أظافرها لفترةٍ طويلة.
وبينما كان لوهين ينظر بالتناوب إلى أظافر لاريز وإليّ، تنحنح ومدّ يده نحوي قليلًا.
“هل تريد أن أقصّ أظافركَ أيضًا؟”
لم يكن هناك ردّ. فقط هزّ يده للأعلى والأسفل.
ابتسمتُ وقلّمتُ أظافر لوهين ومخالبهُ.
في تلك الأثناء، كانت لاريز تقفز كأرنب وتتجوّل حولنا.
“هل أعجبكِ؟”
“…”
يبدو أنّ لوهين أحبّ ذلك أيضًا، إذ ظلّ ينظر إلى أظافره لفترةٍ طويلة.
“هل أقصّ شعركما أيضًا؟”
رغم أنّ لاريز التي كانت تبدو متردّدةً حتى مع الطعام اللذيذ، جلست أمامي دون تردّد.
يبدو أنّ قصّ الأظافر أعجبها كثيرًا.
كان مظهرها لطيفًا جدًّا، فابتسمتُ تلقائيًّا.
بينما كنتُ أقصّ غرّتها بعنايةٍ، سألتُ بحذر:
“اسمعا، متى تأتي المديرة إلى هنا؟”
“…”
“ألا تأتي؟”
لكن رأسها لم تتحرّك للأعلى أو الأسفل، ولا لليمين أو اليسار.
تصلّبت تمامًا.
حتى دون ردّ، عرفتُ.
المديرة تأتي إليهما بالفعل، وتستمرّ في ذلكَ.
بدأتُ أتحدّث إليهما بنبرةٍ قريبة من التذمّر.
“حسنًا، لحسن الحظ، المديرة في مزاجٍ جيّد هذه الأيام.
إذا جاءت إلى هنا، فمن المؤكّد أنّها ستكون في مزاجٍ سيّء.
ما أعنيه هو أنّها لن تأتي لبعض الوقت.”
كان الأمر كذلك معنا أيضًا.
كانت المديرة تدعو الأطفال وتضربهم عندما تكون في مزاج سيّء.
بالنسبةِ لها، نحن مجرّد مصدر دخل.
“أنا، سأنتقمُ من المديرة بطريقةٍ ما.
بل إنّها هذه المرّة تخطّط لإيذاء الأطفال.”
توقّفت يدي التي كانت تقصّ.
شعرتُ أنّ الغضب المكبوت سينفجر.
“…على أيّ حال، ربّما سيكون الأمر على ما يرام.
سأتأكّد من أنّها لن تجدكما لبعض الوقت.”
بينما كنتُ أنهي قصّ أطراف غرّة لاريز التي كانت تؤذي عينيها بمهارة، ارتجفت لاريز.
“حقًا؟ لن تأتي بعد الآن؟”
كان صوتًا غريبًا.
ظننتُ أنّني أسمع خطأً، لكن هذا كان بالتأكيد صوت لاريز.
“…مهلًا؟ هل تكلّمتِ؟”
“…”
لكن الطفلة أغلقت فمها بسرعةٍ.
في هذا الموقف المفاجئ، تجمّدتُ وأنا أمسك المقصّ.
“أنتما… هل تستطيعان الكلام؟”
ألم يكونا غير قادرين على الكلام لأنّهما نشآ كالحيوانات؟
تحرّكت شفتاي بدهشةٍ.
نظرت لاريز إليّ بهدوء وخدشت رأسها.
“أنا… لا أجيد الكلام.”
“لكنكِ تستطيعين!”
ابتسمت لاريز ابتسامةً مشرقة تناسب غرّتها القصيرة.
مشرقةً جدًّا.
“نعم! تكلّمي!”
“هيها… ظننتُ أنّكما لا تستطيعان الكلام لأنّكما لم تتكلّما حتى الآن.”
“غبيّةٌ. هل ظننتِ حقًا أنّنا لا نستطيع الكلام؟”
في تلك اللحظة، اقترب لوهين منّي بخطواتٍ واثقة وجلس أمامي بجرأةٍ.
كان يتحدّث بثقةٍ جعلتني أشعر بالذهول.
غبيّة؟
“أنتما لم تتكلّما!”
“…هذا صحيح. لكنّكِ لم تسألي إن كنا نستطيع الكلام!”
هل فعلتُ ذلك؟
كنتُ مرتبكةً لدرجة أنّني لم أستطع الحكم بوضوح.
أن يتكلّم الطفلان اللذان ظننتُ أنّهما لا يستطيعان الكلام…
“…على أيّ حال، لماذا تتحدّث بطلاقةٍ هكذا؟”
“كانت لاريز تتحدّث جيّدًا أيضًا.
لكن عندما كانت صغيرة، أُطعمت سمًّا، فلم تعد تستطيع.”
كان لوهين يتحدّث وشفتاهُ ترتجفان.
من المؤكّد أنّه أُطعم السمّ أيضًا.
ومع ذلك، كان يجبر نفسهُ على الكلام.
“لكن الأمور تحسّنت كثيرًا مؤخرًا.
لا تقفي هكذا، اقصّي غرّتي أيضًا.”
“…حسنًا، حسنًا.”
في هذا الموقف غير المتوقّع، تحرّكتُ كآلة وقصصتُ غرّة لوهين بنفس طريقة لاريز.
“لكن لماذا تظاهرتما بأنّكما لا تستطيعان الكلام؟”
“لأنّه لم تكن هناك حاجةٌ لذلك. هل انتهيتِ؟”
كان يتصرّف كما لو أنّه سلّمني شيئًا ثمينًا.
“آه، نعم. انتهيتُ. لكن أن تعرفا الكلام…”
“هل هذا مفاجئ إلى هذا الحدّ؟”
“لا، حسنًا أنهُ…”
كنتُ أظنّ أنّهما قد يستطيعان الكلام.
قيل إنّ نسل الدوق يحمل دماء ذئابٍ قويّةَ البقاء.
لا يموتون من أيّ سمّ، ولا يحتاجون إلى طعامٍ ليعيشوا، وفي عاصفةٍ ثلجيّة شتويّة يظلّون أصحّاء، بل إنّ قدرتهم على التعلّم عاليةً لدرجة أنّهم يقرؤون الكتب الصعبةِ بسهولةٍ.
‘لكن أن يتحدّث أطفال لم يتلقّوا تعليمًا بهذه الطلاقة…’
“آه! إذن، هل تعرفان اسميكما أيضًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 5"