يبدو أنّ كلامي كان غير متوقّع تمامًا، ففتحت الدّوقة فمها دون أن تتحدّث.
لم أتوقّف عن الكلام وأنا أنظر إليها.
“لا يهمني من تخلّى عنّي.
لو كانوا يحبّونني حقًا، أو كان لديهم ظروف لا مفرّ منها، لكانوا عادوا إليّ.
بأيّ طريقة كانت، لكانوا حاولوا بناء علاقة معي.
لكن والدتي التي لم تأتِ ، ثم أنها لا تهمني.”
تحدّثتُ دون تردّد.
أعتقد أنّ التخلّي عن طفل أمر سيء، لكنّني أفهم أنّ للناس ظروفهم أحيانًا.
لكن أن يمرّ سنوات دون أن يبحثوا عنّي؟
هذا لا أستطيع فهمه.
حتّى لو كانت هناك ظروف، كان بإمكانهم إرسال رسالة واحدة على الأقل.
‘إذا كانوا قد ماتوا، أو كانوا مرضى جدًا، ربّما كان الأمر مختلفًا…’
إذا كانوا على وشك الموت واضطرّوا لترك طفلهم أمام الملجأ، ربّما كنتُ سأفهم قليلاً.
لكنّ سلبيّتي هذه تعود لكلام الدّوقة.
حسب كلامها، والدتي التي تتحدّث عنها على قيد الحياة، وبصحّة جيّدة.
إذا قبلتُ عرضها الآن، ستضطرّ الدّوقة إلى إحضار تلك المرأة التي تدّعي أنّها أمّي.
لكن لو كانت مريضة أو ميتة، لما كانت الدّوقة بهذه الثقة.
“وماذا لو كانت هناك ظروف لا مفرّ منها؟”
“حتّى لو كانت هناك ظروف، لكانوا تواصلوا ولو مرّة واحدة.
أن تكوني على قيد الحياة ولا تتواصلي يعني أنّكِ لا تريدين رؤيتي أو البحث عنّي.”
“ربّما ماتت؟”
كما توقّعتُ، كانت تفكّر مثلي.
تصرّفاتها، وهي تحاول جذب انتباهي، كانت تثير الشفقة تقريبًا.
“بما أنّكِ تقولين إنّكِ ستحضرينها، فهي على قيد الحياة، أليس كذلك؟
وكما قلتِ، إذا كان شعري وعيناي مميّزين، لكانت والدتي تعرف ذلك.
لكن أن تعرف ولا تبحث عنّي، أليس هذا واضحًا جدًا؟”
ربّما أنا طفلة وُلدت بالخطأِ، أو شخص لا يريدون وجوده في العالم.
لو كان لآيشا، لهذا الجسد، والدان حقًا، لكنتُ رأيتهما ولو مرّة.
على عكس الآباء الآخرين، والداي لم يتركا حتّى رسالة واحدة وتخلّيا عنّي.
“الأشخاص الذين لا يهتمّون بي لا يهمنّي أمرُهم.”
لكن تعبير الدّوقة وهي تستمع إليّ كان مريبًا للغاية.
“حسنًا، إذا كنتِ تقولين ذلك، فليكن.
لكن على عكس كلامكِ، عيناكِ تعكسان الحنين.”
حنين؟ أليس هذا مُضحكًا؟
هززتُ كتفيّ وأنا أنظر إليها وهي تتحدّث بثقة.
على أيّ حال، هذا مجرّد تفسيرها الخاص.
لا أهتمّ بعائلتي، ولا يهمني من أنجبني أو لمَ تخلّى عنّي.
“ربّما.”
وعلاوة على ذلك، إذا كانت الدّوقة قد رأتها، وإذا بقيتُ في العاصمة، فسأصادفها يومًا ما.
شخص لا داعي للحنين إليه أو الفضول بشأنه.
إذا صادفتُها يومًا، سأفكّرُ فقط:
“ها، إذن هذا الشخص موجود.”
لذلك، لم أُظهر أيّ عاطفة.
“على الرغم من كلامكِ، أعرف أنّكِ تريدين رؤية والدتكِ.”
“فكّري كما يحلو لكِ.”
“في النهاية، ستقبلين عرضي.
لا يوجد طفل لا يشتاق لوالدته.
الجميع فضوليّون بشأن أصلهم.
ستبحثين عنها في النهاية.”
ابتسمت الدّوقة، وكأنّها فازت فقط لأنّها طرحتَ هذا الموضوع.
حسنًا، إذا كانت تتحدّث بهذه الثقة، يجب أن أُظهر بعض الاستجابة.
ابتسمتُ معها.
“جيّد.
الآن تبدين كطفلة أخيرًا.”
“إذن، الدّوقة…”
“ماذا؟
هل غيّرتِ رأيكِ فجأة؟”
“لا.
لديّ سؤال أنا أيضًا.”
تصلّب وجهها في لحظة.
“سؤال؟”
“نعم.
هل تحبّين التوأمين كثيرًا، يا دّوقة؟”
“بالطّبع.
هذا ليس سؤالًا يجب أن تطرحه طفلة مثلكِ.”
“إذن، هذا يثير فضولي.
إذا كنتِ تحبّينهما لهذه الدرجة، لمَ لا تُريانهما والدتهما؟
قلتِ إنّ الأطفال يشتاقون لأمّهاتهم التي أنجبتهم.
لكنكِ تقولين إنّكِ ستجدين والدتي، وأنا لستُ شيئًا مهمًا، فلمَ لا تفعلين ذلك لهما…؟”
تركتُ كلامي يتلاشى ونظرتُ إليها.
ما الذي ستقوله؟
والدة التوأمين أُجبرت على الانفصال عنهما بسبب الدّوقة.
ثم فقدت عقلها.
في الرواية، يجد التوأمان والدتهما بعد وقت طويل.
لكن صدمة فقدان أطفالها جعلتها تفقد عقلها بالفعل.
‘ومن الطبيعيّ أن يحدث ذلك، فقد وجداها بعد أن أصبحا بالغين.’
حتّى ذلك كان بفضل البطلة.
ولهذا أصبح التوأمان أكثر تعلّقًا بها، لأنّها كانت كمنقذة لهما.
لو وجدوها مبكرًا قليلاً، ربّما كانت ستتعرّف عليهما ولم تفقد عقلها تمامًا.
ولو حدث ذلك، ربّما كان الدّوق، الذي كان يتمنّى رؤية حبّه الأوّل، والدة التوأمين، حتّى لحظة موته، قد وجد بعض العزاء.
لكن الوقت كان متأخرًا جدًا.
لأنّ الدّوقة أخفتها جيدًا.
“مالذي تريدين قوله عن الأطفال؟”
“أتساءلُ فقط لمَ لا تبحثين عنها لهما !
هذا ما أثار فضولي.”
نقطةُ ضِعف الدّوقة هو والدة التوأمين.
على الرغم من أنّها أنجبت ابن الدّوق، كانت دائمًا قلقة.
أرادت محو وجود التوأمين تمامًا، ولم تتردّد في ارتكاب الأفعال الشنيعة إذا لم يطيعاها.
لذا، كنتُ أشعر بالحيرة.
‘بالطّبع، رون، ابن الدّوقة، لم يرث قوّة الدّوق تقريبًا مقارنة بالتوأمين، وكان مليئًا بالعيوب كابن للدّوق.
لم يكن قويًا جسديًا، ولا ذكيًا.
كان الناس يتساءلون إن كان حقًا ابن الدّوق.’
لهذا السبب، أو لغيره، كانت الدّوقة تكره التوأمين بشدّة.
عندما أُحضرا إلى الدّوقية، كانت تحترس من نظرة الدّوق، فلم تكن بهذا السوء.
‘في البداية، كما الآن، كانت تتصرّف بشكل جيّد نسبيًا.
لكنّ الأمور تغيّرت مع الوقت.’
“الدّوقة؟”
حثّيتُها على الكلام وهي صامتة.
ابتسمت بإحراج وهي تتردّد.
“سأجدها قريبًا…”
“صحيح؟
يبدو أنّكِ حقًا تحبّين لوهين ولاري.”
“بالطّبع، أحبّهما.”
“هذا مريح.
كنتُ قلقة أن تكرهيهما وتفرّقي بينهما لأنّهما ليسا أبناءكِ.”
“لن يحدث ذلك.”
في تلك اللحظة، تصلّب وجه الدّوقة التي كانت تتحدّث بحماس.
ربّما شعرت أنّني انتزعتُ زمام الحديث، فطحنت أسنانها ثم عادت لتعبيرها الهادئ.
“هذا جيّد إذن.”
كانت تبدو وكأنّها تريد قول المزيد لكنّها لا تستطيع، فنظرت إليّ فقط لفترة طويلة.
جلستُ لمدّة طويلة، وبعد حوالي خمس دقائق، نهضتُ فجأةً من الكرسيّ.
فوجئت الدّوقة بحركتي المفاجئة.
“ما الذي تفعلينه؟”
“أليس لديكِ المزيد لتقوليه؟”
“ماذا؟”
“لأنّكِ كنتِ صامتة لفترة طويلة.”
ربّما كانت تفكّر.
كيف يمكنها استخدامي لصالحها.
لكن بما أنّها استخدمت كلّ أوراقها، لم يبدُ أنّ لديها طريقة لإبقائي هنا.
“آه.”
“هل لديكِ المزيد لتقوليه؟”
لم يكن هناك ردّ.
ولا يمكن أن يكون.
لقد أدركت أنّ التهديدات والإغراءات لا تُجدي معي.
ربّما كان موضوع والدتي مفيدًا، لكن حتّى ذلك لم يكن مؤكّدًا، فابتسمت بصعوبةٍ.
“آه.”
“إذن، هل لديكِ شيء تريدين قوله؟
هل هناك شيء من اقتراحاتي تريدين قبوله؟”
“إذا…”
“نعم.”
“إذا، بفرض، لم أستطع الوفاء بوعدي مع الدّوق وكنتُ سأُطرد…”
عندها، أومأت الدّوقة كمن وجد أملًا.
“هل يمكنكِ، يا دّوقة، منع طردي؟”
“بالطّبع.”
“لكنكِ كنتِ تتحدّثين عن طردي للتو…”
“بالطّبع، لا يمكنني فعل ذلك دون مقابل.
العالم ليس سهلاً لهذه الدرجة.”
“وماذا يجب أن أفعل؟”
“ما قلته سابقًا.”
“آه، بيع أصدقائي؟”
يبدو أنّني تحدّثتُ بشكل صحيح، فابتسمت الدوقةُ بإحراجٍ.
“بيعهم؟
أنا فقط أطلب منكِ إخبار أمّهم كيف يعيشان.”
“ألا يخبركِ الخادمات والخدم بكلّ شيء؟”
أملتُ رأسي، و تصرّفتُ كطفلة بريئة.
“يخبرونني بكلّ شيء؟”
“بما أنّ هناك من يراقبهم بالفعلِ، أتساءل إن كان هناك شيء آخر تريدين سماعه منّي.”
ابتسمتُ ببراءة وأنا أرى وجهها يتصلّب مجدّدًا.
“إذا كنتُ سأنضمّ إلى جانبكِ، يجب أن أعرف ماذا أفعل، أليس كذلك؟”
“همم… نعم، كما قلتُ سابقًا، فقط أخبريني بكلّ ما يفعلونه.
إذا فعلتِ ذلك، سأحميكِ.”
أومأتُ ببطء، دون تأكيد أو نفي.
‘إذن، لن يتغيّر شيء عن الماضي.’
فجأة، ظهر صوت في رأسي، يشبه صوتي لكنّه ليس هو.
لو سمعتُه بأذني، لظننتُه هلوسة، لكنّه كان فكرة داخليّة.
‘مرّة أخرى… ما هذا؟
ما الماضي؟
ما الذي يحدث…؟’
لكن، خوفًا من أن يتصلّب وجهي، حاولتُ طرد هذه الأفكار وغيّرت تعبيري.
“سأفكّر في الأمر!”
“جيّد، تفكير… ألم تقولي إنّكِ ستوافقين؟”
“لا، أقصد أنّني سأستمع فقط.
وعدي مع الدّوق يأتي أوّلاً.
إذن، نلتقي لاحقًا، يا دّوقة.
كانت جلسةً مفيدة جدًا اليوم.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات