“هذا توبيخ، لاري.
لا أعرف من الخادمة ومن السّيّدة هنا.
لاري، في مثل هذه الحالات، قولي لهم بصرامة:
‘كيف تتجرّأون على توبيخي بينما أنتم من يقصّر في عمله؟’
فهمتِ؟ يمكنكِ أن تغضبي كما كانت مديرة الملجأ تفعل معنا.”
“وماذا لو كرهوني؟”
“لا بأس.”
يجب أن نُصلح سلوكهم.
كيف يجرؤون على توبيخ لاري الثّمينة بينما هم من يُقصّرون في رعايتها؟
بالطّبع، بفضل عدم متابعتهم لها، تمكّنت لاري من القدوم إلى هنا بحريّة أكبر.
لو علمت الخادمات، لأثاروا ضجّة.
إذا اكتشف الدّوق أنّها تتردّد إلى هنا دون خادمة، قد يُمنع دخولها.
‘يجب أن أوبّخهم بشكل معتدل.’
في تلك الأثناء، أومأت لاري برأسها.
“أجل! إذا قالت أُختي إنّه لا بأس، فلا بأس.”
“في مثل هذه اللحظات، أتمنّى لو كان بإمكاني مزج شخصيّتيكِ أنتِ ولوهين.”
“شخصيّتي جيّدة بالفعل.”
أومأ لوهين، الذي كان يستمع بهدوء، برأسه بقوّة.
“ليس هذا ما قصدته على الإطلاق.
أعني أنّه سيكون رائعًا لو كنتِ، يا لاري، تتحدّثين بصراحة مثل لوهين.”
“هكذا إذن؟ حسنًا! سأقول كلّ ما أريد!”
“أجل! لا أحد سيكرهكِ. أنتِ لاري المحبوبة.”
“حسنًا. عندما أفكّر في الأمر، لا يهمّ إن كرهني الآخرون.
يكفي أن تحبّيني أنتِ، أُختي.”
ابتسمت لاري بسعادة واتّكأت عليّ.
مسحتُ شعرها برفق.
كانت الغابة، التي نادرًا ما يزورها النّاس، هادئة بشكل غريب.
كنتُ أسمع أحيانًا أصوات الحرّاس يتجوّلون، لكنّها كانت بعيدة ولم تقترب.
كان صوت أوراق الأشجار تتحرّك مع الرّيح هو الصّوت الوحيد الذي يملأ المكان.
أغمضتُ عينيّ بهدوء.
شعرتُ براحة غريبة في هذا المكان.
* * *
“يبدو أنّ علينا العودة الآن.”
لا أعرف كم مرّ من الوقت.
استيقظتُ ببطء على صوت شخص يوقظني.
كنتُ متأكّدة أنّني أغمضتُ عينيّ للحظة وأنا جالسة، لكنّني وجدتُ نفسي ممدّدة على العشب.
كان الشّمس قد غربت بالفعل.
“آه…”
“استيقظتِ؟”
“أجل… هل مرّ وقت طويل؟”
“الشّمس غربت للتوّ.
إذا بقينا أكثر، قد نصاب بالبرد.”
“صحيح. لاري ضعيفة، قد تصاب بالبرد.”
نظرتُ إلى لاري، التي كانت نائمة بجانبي.
كانت تنام كقطّة صغيرة، بشكل هادئ.
كانت تبدو محبوبة جدًّا.
“أَ… أجل، لاري… صحيح، قد تصاب بالبرد.”
“ماذا؟”
“على أيّ حال، لنعد.
إذا بقينا، ستبدأ الخادمات بالتّذمّر.”
“صحيح، التّذمّر…”
“لو كان مجرّد تذمّر، يمكننا تجاهله.
لكنّني أخشى أن يبلّغن عن قدومنا إلى هنا، فيمنعوننا من العودة.”
عند هذه الكلمة، تمدّدتُ ونهضتُ بسرعة.
“صحيح. هيّا بنا. لاري، استيقظي.”
لكن، على الرّغم من هزّي لها، لم تُظهر لاري أيّ نية للاستيقاظ.
“يبدو أنّها متعبة جدًّا.”
رفعتُ لاري، التي بدت عاجزة عن الاستيقاظ.
تعثّرتُ قليلًا.
كان جسدها مرتخيًا كقطّة، كأنّ كلّ قوّتها قد استُنزفت.
“ثـ… ثقيلة. لكن لا بأس، سأحملها. لا تقلق.”
ابتسمتُ بصعوبة وأنا أنظر إلى لوهين، الذي كان يحدّق بي بلا تعبير.
“لا أقلق. وكيف ستحملينها وأنتِ هزيلة؟
سأحملها أنا.”
تحرّك بسرعة ووضع لاري على ظهره.
على الرّغم من أنّه أكبر منها قليلًا فقط، بدا معتادًا على ذلك.
انحنى لوهين ليضمن ألّا تلامس ساقاها الأرض وبدأ بالمشي.
“هل أنتَ بخير؟ أنا أطول قليلًا…”
“وماذا يفيد الطّول؟ أنتِ كغصن جافّ.
لا قوّة لديكِ. أنا سأحملها.”
“أجل…”
“منذ الصّغر، كانت لاري تحبّ أن تُحمل، لذا اعتدتُ على هذا.”
مشى لوهين بثبات كأنّ الأمر عاديّ.
على الرّغم من انحنائه، كانت خطواته طبيعيّة.
يُظهر ذلك بوضوح تفوّق قدراته البدنيّة، كونه يحمل دماء الدّوقيّة.
“أجل، هيّا بنا.”
“نعم. يجب أن تأكلي أنتِ أيضًا.
تناولي الطّعام لتزيدي وزنًا.”
“هل تقلق عليّ؟”
“أيّ قلق؟”
“أصبحتَ لطيفًا.”
بدأ لوهين، كأنّه محرج من كلامي، يهزّ رأسه ويمشي أسرع.
كان ذلك لطيفًا.
لوهين لا يعرف كيف يُعبّر عن مشاعره بشكل جميل، لكنّه طفلٌ لطيف جدًّا.
لكن لطفه محصور بالأشخاص الذين يحبّهم ويثق بهم.
‘ربّما العيش مثل لوهين هو الأفضل.
إذا لم ينحرف أكثر هنا.’
“لماذا تحدّقين؟”
“لأنّكَ لطيفٌ.”
“لستُ لطيفًا. لا تقولي أشياء غريبة.
و… آه… نعم! لديّ شيء أقوله.
لن أنادي ذلك الرّجل بأبي. لا أستطيع قول هذه الكلمة.”
كأنّه يحاول الهروب من الإحراج، بدأ لوهين يجيب على سؤال لم أطرحه.
“أعلم. الكراهية التي تراكمت في قلبكَ منذ الصّغر تجعل ردّ فعلكَ هذا طبيعيًّا.
لا داعي لأن تناديه أبًا فجأةً بسببي.”
“لكن إذا لم أتحدّث، قد تُطردين.
وأنا لا أريد ذلك.”
“أَم… ستكون هناك طريقة أخرى.
على الأقل، كسبنا وقتًا، أليس كذلك؟”
“وماذا لو لم نجد طريقة؟
هل أناديه…؟”
بدأ لوهين، الذي كان دائمًا واثقًا، يبدو مكتئبًا.
مسحتُ رأسه برفق.
“ثق بي. كما فعلتَ في الملجأ، ثق بي.”
“لن تُغادري، أليس كذلك؟”
“ماذا..؟”
“أحيانًا أفكّر… هل تُخطّطين للمغادرة متعمدةً بحجج كهذه؟
ربّما يكون أفضل لكِ أن تأخذي مالًا من الدّوق أو تُتبنى من عائلة جيّدة بدلًا من البقاء معنا.”
كان يفكّر بهذا؟
نظرتُ إلى لوهين، الذي بدا جادًّا، ورفعتُ كتفيّ.
“فكرة ليست سيّئة.”
“ماذا؟”
“لكنّها سيّئة بالنّسبة لي.
قرّرتُ حمايتكما. لذا، لن يحدث ذلك.
سأبقى بجانبكما حتّى تكبرا.”
“هل يمكنكِ وعدي بذلكَ؟”
“أجل. مهما حدث، سأبقى متمسّكة بهذه العائلة حتّى تكبرا.
لذا، لا تقلق.”
بعد ذلك، لم يتحدّث لوهين حتّى وصلنا إلى الغرفة.
لكن وجهه كان أكثر إشراقًا من قبل.
* * *
استمرّت حياتنا اليوميّة دون تغيير.
كنتُ أقضي كلّ يوم معهما، وقرّرتُ النّوم منفصلة، لكن لاري أصّرت أنّها لا تستطيع النّوم بدوني.
في النّهاية، كنّا ننام معًا في فراش واحد ونستيقظ معًا.
كان الدّوق يزورنا صباحًا ومساءً ليراقبنا فقط، ولم تتدخّل الخادمات بعد ذلك اليوم.
كأنّهنّ ينتظرن طردي بعد شهر ليعُدن إلى سابق عهدهنّ، كنّ يحدّقن بي يوميًّا.
مرت أسبوعان هكذا.
تدهورت حالة لاري أكثر.
كانت بالكاد تستيقظ لبضع ساعات يوميًّا، غارقة في النّوم.
في النّهاية، اضطررتُ لمواجهة الدّوق وجهًا لوجه صباحًا عندما زارنا.
“ألا تلاحظ شيئًا غريبًا؟”
“شيء غريب؟”
“نعم.”
“حسنًا… ربّما زاد وزنكِ قليلًا؟”
“…نعم، زاد وزني، لكن ليس هذا ما أسأل عنه.
أعني الأطفال الآخرين.”
نقلتُ نظري إلى لاري، النّائمة، ولوهين، الواقف بجانبها.
أخيرًا، كأنّه فهم ما أعنيه، بدأ الدّوق ينظر إليهما بالتّناوب.
منذ أن تعافيتُ، بدأ الدّوق يعاملني كإنسان نوعًا ما.
قبل ذلك، كان يعاملني كغبار.
“آه.”
بعد لحظات، أطلق تنهيدة صغيرة وأومأ برأسه.
“هل فهمتَ؟”
“لا أعرف.”
“…لمَ تأتي كلّ صباح ومساء؟”
“لرؤية الأطفال. هم أبنائي.”
“لمَ تراهم؟ لأنّكَ تحبّهم؟ لأنّهم محبوبون؟
أم فقط لتتأكّد أنّهم على قيد الحياة؟”
شعرتُ بالغضب.
لو أولى الأمر قليلًا من الانتباه، للاحظ الغرابة.
لمَ لا يرى ذلك؟
لكن، بما أنّني لا أزال كغبار في هذا المكان، تحدّثتُ بسرعة ونظرتُ بحذر.
تحرّكت الخادمات المجاورات، يرتبن المكان كأنّهنّ يتجاهلننا، خوفًا من أن يطالهنّ اللّوم.
“…كلامكِ قاسٍ. لم أقل إنّني سأتغاضى عن جرأتكِ.”
“…سألتُ فقط لأنّني شعرتُ بالغضب.
توقّعتُ أنّ دوقًا مثلكَ سيُولي اهتمامًا لأبنائه.”
“أهتمّ بهم. أراهم.”
“لكنّكَ فقط تراهم… يجب أن تنظر إلى حالتهم أيضًا.”
“حالتهم؟ هل هناك مشكلة؟”
هل هو ذكيّ لكن غبيّ؟
أم أنّه غير مهتمّ بالعالم؟
كأنّ الشّيء الوحيد الذي يجيده هو احتقار الآخرين، رفع كتفيه.
كنتُ آمل أن يرى هذه الأمور بنفسه.
كنتُ آمل أن يتعلّم كيف يراقب الأطفال حتّى في غيابي.
“هاه…”
“ما الخطبُ؟”
“لاري. في البدايةِ، كانت تَستيقظُ كلّما أتيتَ وتناديكَ ‘أبي’.
لكن مؤخّرًا، ألا تلاحظ أنّها تنام باستمرار؟”
“صحيح… لمَ تنام هكذا؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في قناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات