كأنّ جيفري سمع كلامنا بوضوح، فتعثّر جسده وهو يبتعد.
هل تحدّثنا بصوت عالٍ؟
لكن، مهما نظرتُ إليه، ظلّ جيفري شخصًا لا فائدة منه بالنّسبة لنا.
بل هو شخص لن نتعامل معه أبدًا.
نظرتُ إلى لوهين ولاري بالتّناوب.
“لنهرب.”
“ما؟”
“سيأتي الآن ويبدأ بالتّذمر مجدّدًا، فلنهُرب بسرعة.”
بعد أن رأيتُ جيفري، أمسكتُ يد لوهين بسرعة.
“نهُرب؟”
“أجل، لاري، افتحي عينيكِ. لنركض كما كنّا نفعل في الملجأ.”
“أجل!”
أومأت لاري، التي استعدّت بعض اليقظة بعد حديثها مع جيفري، برأسها بسرعة.
في الحقيقة، كان جيفري يقترب منّا بخطوات واسعة.
ضحكنا بخفّة وهربنا منه.
“انتظروا! يجب أن نُزيل السّوء فهم!”
لم نكن لنسمع كلامه.
لا نية لدينا للتّعايش مع جيفري.
لكي لا نُعطيه أملًا من البداية، غادرنا المكان بسرعة.
كأنّ وجهتنا كانت محدّدة مسبقًا، قادتنا لاري إلى مكان ما دون أن نتحدّث عنه.
بدت الآن أكثر يقظة، تمشي بحيويّة لم أرَها من قبل.
ذكّرني ذلك بأيّام الملجأ، فشعرتُ بقلبي يخفق.
‘على الرّغم من الصّعوبات هناك، كانت ذكريات ممتعة.
شعوري بالسّعادة الآن يُثبت ذلك.’
أوقاتٌ كُنّا فيها نستمتع معًا دون أن يهتمّ بنا أحد.
كانت أيّامًا قصيرة مقارنةً بالماضي والمستقبل، لكن لا توجد ذكريات أغلى منها في ذهني.
‘أتمنّى أن يشعر لوهين ولاري بالمثل.’
نظرتُ إلى لوهين الذي كان يركض بجانبي.
وجهه، الذي كان عادةً خاليًا من التّعابير منذ وصولنا، بدا أكثر إشراقًا.
“لماذا تحدّقين؟”
“فقط لأنّني سعيدة.
هذه الأوقات التي نقضيها معًا… ثمينة جدًّا.
تساءلتُ إن كنتُ وحدي من يشعر هكذا، لكن وجهكَ يبدو مشابهًا.”
“حسنًا… إنّه شعور جيّد.
أعني، ليس لأنّكِ هنا، بل… فقط هذا الرّكض.”
تمتم لوهين بكلمات غير واضحةٌ وتقدّم أمامي.
هل يعرفان أنّني استيقظتُ للتوّ؟
مع ذلك، يبدو أنّ قدرتي على التّعافي تفوق الأطفال العاديّين.
جسدي، الذي كان عاجزًا عن الحركة قبل قليل، أصبح الآن يمشي ويركض.
‘كانت قدرتي على التّعافي دائمًا مذهلةً.’
كأنّ شخصًا ما أعطاني جرعة شفاء.
حتّى عندما أُصبتُ بمرض شديد، كنتُ أتعافى بسرعة.
‘هل… كنتُ هكذا حقًا؟’
فجأة، اختلطت ذكريات لا أعرف إن كانت لي أم لا.
هل مرضتُ بشدّة عندما كنتُ صغيرة؟
لا أظنّ ذلك.
لماذا أفكّر فجأة بثقةٍ في أشياء غريبة؟
شعرتُ بصداع مفاجئ.
ذكريات أحلام غريبة جعلت رأسي يؤلمني أكثر.
“ما بكِ؟”
“ماذا؟”
“وجهكِ أصبح شاحبًا.”
“آه… لا شيء.”
على عكس المرّة السّابقة، زال الصّداع بسرعة.
“هل يمكنكِ الرّكض؟”
“أجل! بشكل غريب، تعافى جسدي بسرعة.
لا داعي للقلق.”
“هذا جيّد. هيّا بنا.”
كان الأمر غريبًا.
شعرتُ أنّ حالتي تتحسّن بسرعة كبيرة، كأنّني لم أمرض أبدًا.
بعد زوال الصّداع، أصبح الرّكض خفيفًا.
في تلك اللحظة:
“أُختي.”
“أجل؟”
“سأستمرّ في خلق أوقات كهذه. أوقات ثمينة.”
“تعالي بسرعةٍ! وصلنا!”
“ماذا؟”
بينما كان لوهين يتحدّث، صرخت لاري، التي ركضت أمامنا فجأة.
“أَ… أجل! لكن، ماذا قلتَ يا لوهين؟”
“لا شيء. هيّا، لاري تنتظر.”
“أجل…”
أخيرًا، وصلنا إلى بركة صغيرة في أعماق الغابة.
كأنّ أشعّة الشّمس تتسلّل إلى هذا المكان فقط، كانت الأشجار الكثيفة تحيط بالبركة، تاركة فجوة خالية فوقها.
بركة ليست كبيرة جدًّا ولا صغيرة جدًّا.
كانت الأزهار تملأ المنطقة المحيطة، والعشب النّاعم يحيط بالبركة.
“واو، جميلة.”
“أليستَ كذلك، أُختي؟
وجدتُ هذا المكان مؤخّرًا، لا يأتي إليه أحد، إنّه رائع.”
جلست لاري، راضية، بالقرب من البركة بعد أن دارت حولها.
يبدو أنّها تأتي كثيرًا، فالعشب تحتها كان مسطّحًا.
جلستُ بجانبها، وتبعنا لوهين وجلس أيضًا.
“ألا تتبعكِ الخادمات؟”
“لا! فقط طلبوا منّي العودة في الوقت المحدّد.
يشتكون قليلًا إذا اتّسخت ملابسي، لكن لا أحد يوبّخني كثيرًا.”
مدّدتُ يدي ومسحتُ خدّ لاري المبتسم ببراءة.
“لاري.”
“أجل؟”
“من الآن فصاعدًا، إذا وبّخكِ أحد، سأواجهه معكِ.”
“هل يمكنني ذلكَ؟”
هزّت لاري رأسها الممتلئ يميناً ويسارًا.
شعرها المتحرّك كالأعشاب البحريّة كان لطيفًا.
“أجل، لاري. أنتِ ولوهين ابنا هذه العائلة المعترف بهما.
لم يعد عليكما الخوف أو تحمّل من يحتقرونكما كما في الماضي.”
“أَم…”
“أنتما أثمن من أيّ أحد. أطفال نفيسين.”
“أُختي، أنتِ كذلك.”
“ماذا؟”
بينما كنتُ أهدّئ لاري، سخر لوهين وقال:
“لا تتحدّثي وكأنّنا وحدنا الثّمينون.
إذا كنّا ثمينين، فأنتِ، التي نعتزّ بها، ثمينة أيضًا.”
“أَ… أجل…”
“صحيح، أُختي شخص ثمين!
أنا وأخي لا يمكننا العيش بدونكِ.
لذا، اعتني بنفسكِ أيضًا.”
“أجل!”
لكنّنا مختلفون منذ الولادة.
أنا طفلة لا أعرف والديّ، ولا يبحثون عنّي.
في عالم الرّواية، أنا مجرّد شخصيّة ثانويّة، بينما أنتما…
‘الدّوق، على الرّغم من صعوبته في التّعبير، يهتمّ بكما أكثر من أيّ أحد.
حبّه قد يكون مبالغًا فيه أحيانًا.
وأمّكما، التي أنجبتكما، أرادت حمايتكما بأيّ طريقة.’
أمسكتُ أيديهما بقوّة.
“أجل، نحن ثمينون.”
في تلك اللحظة، ركضت لاري فجأة إلى كومة عشب قريبة بعد أن تفحّصت المكان.
تفاجأتُ ولم أفعل سوى أن أرمش.
“لاري؟”
“هنا توت برّي كنتِ تحبّينه.
وزرعتُ بطاطس تحبّينها أيضًا.
أُختي، إذا كرهنا أحد كما في الماضي، يمكننا الاختباء هنا.”
ثمّ عادت وهي تحمل توتًا برّيًّا بكلتا يديها، تقفز كأرنب.
“كُلي هذا، إنّه لذيذ جدًّا.”
جلست لاري بجانبنا، وأخذتُ حبّة توت منها وأكلتها.
“لذيذ.”
“أجل! أليس كذلك؟”
بينما كنتُ أنظر حولي، كنتُ لا أزال أفكّر.
غابة مجاورة لمنزل الدّوق.
أعرف تقريبًا أين نحن.
غابة ضخمة تقع على طريق الدّوقيّة.
ليست ملكًا لأحد، لكن الإمبراطوريّين يعتبرونها غابة الدّوق ولا يدخلونها.
لا توجد حيوانات خطرة، لكن هناك قصص عن أشخاص اختفوا بعد دخولهم.
في الرّواية، ذُكرت هذه الغابة بشكل عابر.
كانت تُشاع عنها قصص أنّها مكان لأفعال شرّيرة تُرتكب في الدّوقيّة، لذا لم يدخلها النّاس.
لهذا، كان التوأمان، الشرّيران في الرّواية، يتردّدان إليها كمنزلهما.
حتّى البطلة خُطفت وأُحضرت إلى هذه الغابة.
غابة الأمّ.
كلّما اقتربتَ من مركزها، أصبحت أكثر خضرة.
لكنّ الجزء الخارجيّ مليء بالأشجار الخطرة التي تمنع دخول الغرباء.
‘هذا مشابه للماضي. ستتخذان هذا المكان ملاذًا وتأتيان إليه كثيرًا.
هنا، لا أحد يهدّدكما.’
مكان مثاليّ لأطفال حساسين كالحيوانات للاختباء.
“لا يأتي أحد.
وقد دفنتُ كلّ شيء يمكن أن يُشير إلى خروجي!”
نظرت لاري حولها بارتياح.
“ملاذ…”
مكان بلا تدخّل من أحد، يمكن اللّجوء إليه إذا حدث شيء.
تفحّصتُ الأشجار القريبة.
غابة مليئة بالأشجار الضّخمة.
كانت كثيفة جدًّا، وكلّ الأشجار عملاقة وخضراء.
“سيكون رائعًا لو بنينا ملاذًا فوق تلك الشّجرة.”
“ملاذ؟”
“أجل! بيت شجريّ فوق الشّجرة.
مع سقف، ونخزّن فيه طعامًا للطّوارئ.
لنكون فيه حتّى لو أمطرت.
كما في الماضي، نضع علامات صغيرة على الطّريق، لنلتقي هنا حتّى لو لم نكن معًا.”
كان مجرّد حلم.
فكرتُ أنّ مثل هذا المكان قد يكون ملاذًا عاطفيًّا لهما.
لكن، حتّى لو وُجد، لن أتمكّن من الصّعود.
على عكس لاري ولوهين، اللذين يتسلّقان الأشجار كأنّهما ليسا بشرًا، أنا لا أجيد التّسلّق.
“ملاذ…”
“أُختي، كيف تفكّرين بأفكار رائعة كهذه؟”
“رأيتُها في كتاب، فقط في كتاب.”
نظرت لاري ولوهين إلى الشّجرة لفترة طويلة دون كلام.
هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟
كنتُ أتذمّر فقط، لكنّهما بدآ يفكّران بجدّيّة.
خوفًا من أن يحاولا بناء شيء مستحيل، غيّرتُ الموضوع بسرعة.
“بالمناسبة، لاري، أنتِ رائعة لاكتشافكِ مكانًا كهذا.”
“ههه، لكن مؤخّرًا، بسبب نعاسي، لم أتمكّن من القدوم.
مرّة، نمتُ هنا وعدتُ متأخرة في المساء.”
“حقًا؟”
“أجل! قالت الخادمات إنّ ذلك محرج.
إذا أحرجتهم، سيكرهني الجميع، فلم أعد.”
“هل وبّخوكِ؟”
هزّت لاري رأسها.
“لا، لم يَضربوني، لذا لم يكن توبيخًا!”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ في قناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات