لم تكن لاري هكذا في الملجأ، لكنّها الآن غارقة في النّعاس، عاجزة عن التّركيز.
“هل بدأ هذا بعد قدومكِ إلى هنا؟”
“أَم… ربّما. مؤخّرًا، أصبح الأمر شديدًا جدًّا. لا أستطيع فتح عينيّ…”
بدت حالتها مقلقة لدرجة أنّني تساءلتُ إن كانت مريضة.
“هل زرتِ طبيبًا؟”
“أجل، قالوا إنّني بخير!”
على الرّغم من تأكيدها، بدا الأمر خطيرًا في نظري.
لم تكن تأكل جيّدًا أو تنام بانتظام لتزداد وزنًا.
خلال الأيّام الماضية، كانت بالكاد تأكل وتنام طوال الوقت، ممّا جعلها مشوّشة.
‘هذا ليس طبيعيًّا.’
لكن يبدو أنّ لا لوهين ولا لاري شعرا بأيّ غرابة.
حتّى لو شعرا بشيء، فبما أنّها زارت طبيبًا، لم يبديا رغبة في قول المزيد، وهذا بحدّ ذاته كان غريبًا.
‘لو كان الأمر بيدي، لأخذتها إلى طبيب آخر.’
ثمّ تذكّرتُ قصّة ذُكرت بشكل عابر في الكتاب: لاري كانت مريضة بشدّة في طفولتها، ممّا جعل شخصيّة لوهين أكثر حدّة.
‘هل كانت صحّتها سيئة منذ البداية؟ هذا ما يوحي به الكتاب، لكنّه يبدو غريبًا. كانت بخير في الملجأ.’
“لاري، هل هناك شيء غريب آخر؟”
“أَم… فقط أشعر بالنّعاس. *تثاؤب*.”
كأنّها تُظهر معنى المشي أثناء النّوم، كانت لاري تتعثّر لكنّها تتبع خطواتي أنا ولوهين بطاعة.
“ربّما من الأفضل أن نرتاح في الغرفة اليوم.”
عند هذه الكلمة، فتحت لاري عينيها فجأة.
“مستحيل! سأريكِ كلّ شيء هنا! وصلتُ أولًا، واكتشفتُ أماكن سريّة كثيرة!”
لكن سرعان ما أغمضت عينيها مجدّدًا كأنّ النّوم استحوذ عليها. كان من الصّعب القول إنّها بخير مع هذه الحالة.
“سأذهب! سأرافق أُختي وأرشدها، لذا… لا تمنعني…”
عندما أصّرت بهذا الشّكل، لم أجد طريقة لمنعها.
“حسنًا، إذن، أريني المكان.”
“أجل!”
بسبب إصرارها، اضطررتُ لأمسك يدها وأخرج معها.
لكن، بينما كنتُ قلقة من أن تكون مريضة، حدث ذلك.
ما إن خرجنا من الباب حتّى لوّح لنا شخص مألوف.
“مرحبًا.”
كان جيفري.
“آه، لماذا أتيتَ؟”
قبل أن يُظهر لوهين عداءه، أبديتُ أنا عدائي أوّلًا.
من الخارج والدّاخل، كان جيفري شخصًا لطيفًا.
يُحسن إلى الجميع، حتّى إلى التوأمين، اللذين كانا غريبين عن هذا البيت.
‘لهذا اعتمدا عليه أكثر من أيّ شخص، لكنّه في النّهاية جعلهما يعانيان أكثر من رون.’
أحبّ التوأمان جيفري. كان الأكثر لطفًا في هذا البيت البارد. ربّما لهذا، فتحا له قلبيهما كثيرًا.
كانا ينفّذان تقريبًا كلّ ما يريده.
على الرّغم من كونه الابن الشّرعيّ للدّوق، إلّا أنّ جيفري، لأنّه ليس ابن الدّوقة الحاليّة، كان يُعامل بازدراء من الدّوقة ورون، وحتّى من خدم البيت.
لذا، بعد أن كبر التوأمان واستوليا على الدّوقيّة، طلب منهما جيفري أن يتخلّصا من الذين احتقروه.
أن يقتلوهم جميعًا.
كما حاول أن يتولّى منصب الدّوق نيابةً عن التوأمين، اللذين لم يهتما بالدّوقيّة.
‘لو لم يأمر الدّوق بتعيين احد التوأمين كدوق بعد وفاته، لكانا قد استُغلا.’
موت الدّوق المفاجئ، وهو لم يكن كبيرًا في السّنّ.
كان بصحّة جيّدة ولا يُهزم. وفاته كانت مليئة بالشّبهات، وتساءل الجميع عنها.
‘كما تسبّبت وصيّته في الكثير من المتاعب.’
على الرّغم من أنّها وصيّة الدّوق، إلّا أنّ الدّوقة، التي كانت لا تزال على قيد الحياة، وأتباعها اعتبروا ذلك مستحيلًا وثاروا.
التوأمان، اللذان بلغا للتّو سنّ الرّشد، قضيا على المتمرّدين واحدًا تلو الآخر بالقوّة.
يقال إنّهم قضوا عليهم، لكنّهم في الحقيقة ذبحوهم جميعًا.
في خضمّ ذلك، تطوّع جيفري فجأة للجيش وغادر.
بعد عام، عندما ذبح التوأمان الجميع، عاد جيفري بهدوء وحاول الاستيلاء على المنصب.
‘والآن يتظاهر بالودّ؟’
بل، ليس الآن، بل منذ البداية كان يتظاهر بالودّ.
حدّقتُ به بنظرة حادّة.
‘أكثر النّاس طمعًا. يخفي نواياه خلف وجه مبتسم، إنسانٌ كالشّيطان.’
لا أحد في هذا البيت يهتمّ بالتوأمين بصدقٍ.
الدّوق هو الأقرب لذلك، لكنّه لا يعرف كيف يُظهر الحبّ ولا يريد إثارة الفتنة.
هناك فقط عدد قليل من الخدم الذين يشفقون على التوأمين، كما ذُكر في الرّواية.
مهمتي هي كسب ثقة الدّوق، تولّي رعاية التوأمين، وجلب هؤلاء الخدم إلى جانبهما.
“لماذا أتيتَ؟ قلتَ إنّكَ اشتقتَ إلينا فقط؟”
“نعم. أليس من الجيّد أن نتعايش كغرباء في هذا البيت؟ لوهين، لاري، وآيشا.”
رفعتُ كتفيّ تجاهه.
“حسنًا، لكنهما ليسا غرباء. حتّى لو كانا كذلك، لن يفكّرا بهذه الطّريقة.”
تحدّثتُ قبل أن يتقدّم لوهين لحمايتنا.
“وهل يفكّران كما تفكّرين؟”
بدا جيفري مستمتعًا، فرفع إحدى شفتيه. على عكس ما كُتب عن إخفائه لمشاعره خلف ابتسامة، بدت مشاعره صادقة.
لاري، التي كانت تستمع بهدوء بعينين نصف مغلقتين، فتحتهما فجأة.
“ما تفكّر به أُختي هو ما نفكّر به.”
“صحيح.”
“يا للدّهشة، يبدو أنّ التوأمين يحبّانكِ كثيرًا، آيشا.”
يبدو وكأنّنا أصدقاء مقرّبون، مع أنّنا التقينا مرّة واحدة فقط، وكان جيفري مشغولًا بالحديث عن نفسه.
“وماذا بعد؟”
“حسنًا، هذا جيّد. من الجيّد أن يكون للتوأمين شخص موثوق.
لكن، في النّهاية، سيتعيّن على التوأمين حمايتكِ. في بيت الدّوق، وجود شخص يجب حمايته يعني نقطة ضعف.”
“لن أحتاج إلى حماية أحد. هل أتيتَ اليوم لإثارة المشاكل؟”
“مستحيل. جئتُ فقط لنتعرّف أكثر.”
على الرّغم من كلامه، كانت تعابيره متوترة، كأنّه منزعج من عدم سير الأمور كما يريد.
“حقًا؟ إذن، يمكنكَ المغادرة.”
“ماذا…؟”
“ليس لديّ أيّ نية للتّعرف عليكَ”
سأمنع كلّ ما قد يُشكّل خطرًا على طفولتهما.
هكذا، حتّى بعد رحيلي، سيكونان أقلّ معاناة ممّا كانا عليه سابقًا.
لن أترك لهما ذكريات مؤلمة أو حزينة.
سأجعل طفولتهما مليئة بذكريات الحبّ والسّعادة فقط.
لهذا تحدّثتُ بحزم، لكن جيفري بدأ يضحك فجأة كالمجنون.
“هه، هههه. ردّ فعل مذهل حقًا. أن أغادر؟ لا نية للتّعرف لكِ؟ لكن من أريد التّعرف بهم هما التوأمان.”
“سنفعل ما تريده أُختي.”
“كالحمقى، كالدّمى؟”
نظر جيفري بهدوء إلى لاري، التي كانت تتحدّث بحماسة.
“أنا… لستُ دمية… لاري ليست دمية…”
“إذن، عيشي بحريّة.”
“لديهما حريّة كافية. لا تحاول إغواءهما بكلام فارغ. من يحاول التّلاعب بهما بحجّة أنّه في نفس الوضع هو أنتَ.”
لم أتمكّن من قول كلام لطيف. عانقتُ لاري بقوّة وحدّقتُ به، عندها ابتسم جيفري.
“ربّما يبدو الأمر كذلك. لكن…
أنا الوحيد الذي يمكنه مساعدتكم.
أنا الوحيد الذي ينظر إليكم بإيجابيّة في هذا البيت.”
“نعم نعم.”
“وآيشا، إذا أردتِ البقاء هنا طويلًا، من الأفضل أن تُعدّلي لهجتكِ.”
أعلم جيّدًا أنّ الأمور الرّائعة كما في الرّواية لن تحدث.
لا يوجد شيء مثل أن تذهب إلى عائلة نبيلة ويحبّك الجميع. أعلم أنّ مثل هذه الأمور السّحريّة لن تحدث لي.
لهذا أومأتُ له برأسي.
“سأفكّر في الأمر.”
“حسنًا، آمل أن تفكّري جيّدًا.”
أومأتُ برأسي بلامبالاة.
ليس لديّ أيّ رغبة في التّقرّب منه. لكن، كأنّه توقّع ردّ فعلي، وقف أمامنا مجدّدًا ليمنعنا من المرور.
“إذا استمررتِ في جعلي أبدو كالشرير أمام التوأمين، قد أوافق على من يريدون طردكِ.”
“هل هذا تهديد؟”
“نعم.”
شعرتُ بالذّهول وهو يبتسم ببراءة ويؤكّد تهديده.
“لذا، دعينا نتعايش جيّدًا. يبدو أنّكم مشغولون، سأغادر.”
بعد أن أثار أعصابنا، استدار وغادر بعد أن خلص إلى استنتاجه الخاصّ.
أردتُ قول المزيد، لكنّني هززتُ رأسي، مدركةً أنّ ذلك سيُزعجني أكثر.
“هيّا بنا.”
“هل من الجيّد تركه يذهب هكذا؟”
نظر لوهين إلى جيفري بعينين متجهّمتين، واضح أنّه لا يحبّه.
“نعم، لا بأس. إنّه مجرّد شخص تافه، يمكننا تجاهله. لن أتركه يحقّق مرادهُ أبدًا.”
في تلكَ اللحظةِ…
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في قناة الملفات،
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات