“صحيح. إيذاءُ أختي الكبرى هو من اخِتصاصنا فقط. أن اختي ملكٌ لنا!”
أضافت لاري هذه الجملة أيضًا. لا عجب، فبالنسبة لهؤلاء التوأم، أنا لست سوى شيءٍ. أقل من غرضٍ، ولا أكَثر.
‘شكرًا جزيلًا، فعلًا.’
“نعم…”
انحنت الوصيفات جميعًا برؤوسهن في نفس الوقت.
وعندما رآهن، بدا أن لوهين شعر بالفخر، إذْ هزَّ كتفيه قليلًا، ثم حوَّل نظره إليَّ.
كانت نظرته مختلفة تمامًا عن نظرته السابقة نحو الوصيفات.
وكأنه يقول بعينيه ‘لقد أبليتُ حسنًا، أليس كذلك؟’
“هُمهم.”
وحين لم أعلّق عليه بشيء واكتفيت بالنظر إليه، تنحنح لوهين، وكأنه ينتظر المديح.
“آيشا.”
“همم؟”
“أليس لديكِ ما تقولينه؟”
“لا. لا شيء.”
“لماذا؟ شعرتُ أني كنتُ رائعًا للتو.”
في مثل هذه اللحظات، يبدو وكأنه طفلٌ بالفعل.
حين قال عن نفسه إنه رائع، لم أسَتطع كتم ضحكتي التي كنتُ أحبسها طوال الوقت.
“لماذا تضحكين!”
“لأنكَ ظريفٌ.”
“أنا لستُ ظريفًا! أنا رائع!”
“الشخص الرائع، يظهر عليه ذلك من دون أن يَتباهى به.”
عندما قلتُ ذلك، أطلق لوهين صوتًا وكأنه أدرك أمرًا مهمًّا فجأةً.
“مثل الدوق؟”
“ماذا؟”
“الآن وقد فكرتُ بالأمر، آيشا، كانت نظرتكِ إلى الدوق غريبة قليلًا.”
“لم تكن كذلك.”
“بلى، كانت كذلك. على كل حال، لم يُعجبني الأمر.”
قال لوهين ذلك وهو يعقد ذراعيه ويزم شفتيه، وكأنه يشعر بالغيرةِ.
لكن هذا ظلمني.
وحتى لو قلتُ له ذلك، بدا أنه لا ينوي الإصغاء.
“حقًّا، لم تكن كذلك. فكّر ما تشاء.”
كانت نظرتي نحو الدوق غريبةً، فقط لأنني كنتُ حذرة منه، فقد كنتُ أخشى أن يغيّر رأيه فجأة ويقَتلني.
لكن لوهين، الذي لا يعلم هذا، كانت تجاعيد جبينه قد ازدادت عمقًا.
“على كل حال، ألستَ جائعًا؟ هل سنبقى واقفين هنا؟”
“آه، صحيح. أنا جائع فعلًا.”
” أختي ، لاري أيضًا جائعة!”
لم يكن الأمر غريبًا، فبعد دخولنا إلى هذا المكان، ومع زوال التوتر، بدأ الألم يتسلل إلى أنحاء جسدي، وبدأتُ أشعر بالجوع أيضًا.
كان ركوب العربة مرهقًا، ولم نأكل جيدًا، لذلك لم يكن لديّ طاقة حتى للشجار مع لوهين.
“إذًا، سنُجهّز الطعام لتأكلوا فور انتهائكم من الاستحمام.”
استغلت إحدى الوصيفات الفرصة وتحدثت سريعًا، وكأنها لا تريد أن تفوِّتها.
‘لابد أن مظهرنا بدا مقززًا في نظرهم.’
كان من المفترض أن يُعدّوا الطعام حالما نقول إننا جائعون، لكنهم أصروا على الاستحمام أولًا.
وبالفعل، بعد دخولنا المكان، بدأنا نشعر وكأن روائحًا كريهة تفوح من أجسادنا.
فقد كنا نرتدي دومًا ملابس قديمة ومتكررة، وهذا أمر طبيعي.
“حسنًا، لنذهب للاستحمام، لاري، لوهين.”
“أنا سأستحم لاحقًا. اذهبا أنتما أولًا.”
عندها، أظهرت الوصيفة تعبيرًا يدل على سعادتها الكبيرة، وأومأت برأسها.
“هل أستطيع مساعدتكما في الاستحمام الآن؟”
“نعم! طالما أنا مع أختي، فأنا سعيدة بأي شيء!”
“حسنًا، هيا بنا.”
أمسكت لاري بيدي، وتحركنا معًا. ثم سَرنا نحو الحمّام.
‘إنه ضخم!’
الحمّام الذي ذُكر في الرواية ببضع جملٍ فقط، كان مشهدًا مذهلًا.
تسلّل ضوء الشمس الدافئ من خلال النوافذ الكبيرة، وفي مكانٍ غير بعيد، كان هناك حوض استحمام يكفي لدخول عدة أشخاص دفعة واحدة.
عطر البخار الدافئ الذي ملأ المكان…
‘لماذا يبدو مألوفًا؟’
رغم أنني لم أرَ هذا المكان من قبل، ولم أستمتع يومًا بحياة مترفة كهذه، إلا أنني شعرت وكأنني عشت هذا المشهد من قبل.
وخلال ذلك، خُلعت ملابسنا أنا ولاري.
رغم أن رؤيتي للمكان تختلفُ الآن، إلا أنني متأكدةً أنني كنتُ هنا من قبل.
‘ما هذا… لماذا أشعرُ بذلك؟’
مثل الضباب الأبيض الكثيف الذي يُخفي الرؤية، بدت ذكرياتي وكأنها محجوبة تمامًا.
مهما حاولت أن أسترجعها، لا أستطيع رؤيتها بوضوح.
شعورٌ غريب بدأ يَملكُني منذ فترة.
ذلك الشعور عاد مجددًا، ينبض في أعماق قلبي.
أحاسيس تبدو كأنها ليست لي، تنبع من مكانٍ عميق جدًّا في داخلي.
ومع ظهور تلك المشاعر، تداخلت مشاهد غريبة أمام عينيّ.
ذكريات رأيتها من قبل، وأخرى لم أرَها.
‘ما هذا…؟’
“أختي؟ الماء جاهز! يمكنكِ الدخول الآن!”
كان عليّ أن أومئ برأسي لنداء لاري المليء بالحيوية، لكنّ جسدي لم يتحرّك.
كأنه لم يعد لي.
حتى شفتاي، التي كانت تتحدث جيدًا منذ لحظات، لم تعد تعمل.
ولا حتى التنفس.
“هَـ… هَـ…”
لأنني لم أستطع التنفس جيدًا، أصبح بصري ضبابيًّا فجأة.
كأن كل البخار في الحمام تجمع أمام عيني، فلم أعد أرى شيئًا.
“أختي؟! أختي، ما بكِ! وجهكِ شاحب!”
‘لا. أنا بخير. فقط لا أستطيعُ التنفس.’
كان عليّ قول ذلك، لكن الرؤية البيضاء تحوّلت إلى ظلام دامس.
ثم أحسست.
أن جسدي، الذي كان واقفًا قبل قليل، بدأ بالميلان نحو الجانب.
شعرت وكأن أحدًا أمسك بي، لكن لم أعد أتحكم بجسدي.
“أختي!”
ومع صوت لاري المذعور، انقطع كل شيء.
عُدت إلى وعيي مجددًا، حين بدأت رؤيتي تتضح تدريجيًّا.
لكن ما رأيته كان مختلفًا تمامًا عن المشهد الذي سبق.
سقفٌ منخفض يوشك أن يلامس رأسي.
ورائحة كريهة لا توصف تملأ المكان.
كوخٌ بائس.
شيء لا يُشبه حمام قصر الدوق مطلقًا.
ولم أكن وحدي فيه.
[استفيقي، آيشا.]
جاءني صوت فجأة، فرفعت نظري نحو الشخص أمامي.
كيف يعرف اسمي؟
هل هذا حلم؟ أم حقيقة؟
لم أتمكن من التمييز، لكن فمي نطق تلقائيًّا:
[لا يمكنكِ فعل هذا، يا رئيسة الدار!]
هذا ليس صوتي. ولم تكن كلماتي.
كانت المشاهد تُعرض أمامي وكأنني أشاهد فيلمًا.
ولا يمكنني التدخّل في شيء.
سمعت صوتي الغاضب، وصوت امرأةٍ أخرى غاضبة هي أيضًا، رغم هدوئها الظاهري.
ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أدركت أنه حلم.
وبعد أن تأكدت من كونه حلمًا، بدأت أركّز على تفاصيله.
[أتريدين مني أن أتجاهل هذا الأمر؟
مستحيل. سأقتلهم جميعًا.
استفيقي أنتِ أيضًا!
بسبب أولئك، مات كل الأطفال الذين نشأتِ معهم. أنتِ التي شاهدتِ جثثهم. والآن تتظاهرين بالطيبة؟!]
[لكِـ… لكن، أولئك الأطفال، ماذا اقترفوا؟!]
[مجرد وجودهم هو خطيئة!]
ظهرت أمامي امرأة نحيلة، نصف وجهها مشوّه بالحروق.
لكن النظرة في عينيها لم تكن نظرة شخصٍ عادي.
كانت نبرة صوتها مألوفة أيضًا.
‘لا يمكن… هل هي رئيسة دار الأيتام؟’
رغم أنني أردتُ إنكار ذلك، إلا أن ملامحها أكّدت لي أنها هي.
[حتى لو كان الأمر كذلك… حتى لو… فإن أولئك الأطفال…]
[لم أطلب منكِ شيئًا سوى مراقبتهم هناك!]
[…]
[ هل نسيتِ من أنقذكِ حين كنتِ على حافة الموت؟ من ربّاكِ حتى الآن؟!]
رفعتُ يدي قليلًا.
لم يكن بإمكاني تغيير محتوى الحلم، لكن كنتُ قادرة على تحريك جسدي بعض الشيء.
لكن يدي لم تكن لطفلة.
كانت يد امرأة راشدة.
[آه…]
[أعرف أنكِ طيبة، وأنكِ تجدين هذا عبئًا.
لكن انظري إليّ. أنا لا أستطيع الذهاب إلى هناك بهذا الشكل.
لكنكِ تستطيعين.
أولئك الأطفال لن يتذكروكِ حتى. ويمكنكِ تزوير نسبك بسهولة.]
[لكن… حتى الآن، لم أفعل شيئًا…]
[كفى كلامًا. اذهبي إلى قصر الدوق!]
وعند هذه الجملة، بدأ جسدي في الحلم يتحرك من تلقاء نفسه.
يدي المرتجفة أمسكت بأطراف ثوبي، ثم خرجتُ من الكوخ.
كوخ بائس جدًّا.
وكانت هناك عربة جاهزة في الخارج، وكأن الأمر كان مرتّبًا مسبقًا.
‘ما هذا الحلم؟ أهو المستقبل؟ لكنني الآن مع التوأم…؟’
وبينما كنتُ أفكر، وجدتُ نفسي داخل العربة.
لم يكلّمني أحد.
وُضع أمامي ورقة واحدة فقط.
مليئة باسم مزوَّر، ونَسَبٍ مزيّف، وكل ما عليّ مراعاته.
كنتُ مشوشة، لا أستوعب هذا الحلم الغريب، بينما كانت العربة تتحرك.
وخلف نافذتها، تغيّر المنظر تدريجيًّا.
‘هذا المكان…’
كان المنظر مألوفًا.
طريق الجبل المتعرّج، حيث شاهدتُ الألعاب النارية مع لوهين.
الكرسي المنفرد هناك.
كل شيء بدا مألوفًا جدًّا.
“آه… انتظروا لحظة…”
أردت أن أقول: انتظروا، أريد فقط أن أرى شيئًا…
لكن، ربما لأنني خرجت عن النص المُعدّ مسبقًا، بدأ كل شيء بالتشوّه.
أردت أن أقول: لم يحن الوقت بعد. هناك ما يجب أن أتأكد منه.
لكن، لم تُتح لي الفرصة.
فقد تحوّل كل شيء إلى السوادِ مجددًا.
وحين فتحتُ عينيّ مرة أخرى، كنتُ داخل غرفة ذات جدران أنيقة.
لم يكن هناك أي أثر للمشهد السابق.
“آه…”
“هل أنتِ بخير؟”
وفجأة، ظهر رأسٌ مألوف من أسفل السرير.
كان لوهين.
“همم؟”
“قلت لكِ، هل أنتِ بخير!”
“آه… ما الذي… حدث لي؟”
“أنتِ غبية. لماذا لم تقولي إنكِ مُتوعكةً؟!”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات