“إذًا، خذوا قسطًا من الراحة.”
مع تلك الكلمات، دخلت النساء اللاتي كنّ ينتظرن عند الباب وكأنّهن كنّ على أهبة الاستعداد.
كانت تعابير وجوههَن توحي بمعاملةِ التوأمين في هذا المكان.
كنّ يلتزمن بالآداب، لكن دون أي مشاعر.
“لأنّهم أولادي.”
أمر الدوق بالعنايةِ الجيّدة بهم وهو يُلقي عليهنّ ضغطًا غير مباشر، ثم استدار ليغادر، لكنّه حدّق في لوهين مطولًا.
“هناك أمر يجب عليك فعله هنا.”
“هل تتحدّث إليّ؟ وماذا الآن؟ تريدني أن أناديك ‘أبي’ مجددًا؟”
“لا.”
“عِش كما تريد. هذا هو الشيء الذي يجب عليك فعله هنا.”
“كما أريد؟”
“نعم.”
تفاجأ لوهين من رده غير المتوقع، فبقي فمه يتحرك دون أن ينطق بشيء.
لم أكن أتوقّع أن يقول شيئًا عاطفيًّا مثل “أنا أحبكما حبًّا لا يُصدق”، لكن، مع ذلك، هذا الرد كان باهتًا ومملًّا وخاليًا من الحنان.
لكن الغريب، أنّ هذه الكلمات تركت فيّهِ أثرًا أقوى من أيّ كلمات أخرى.
أقوى من الكلمات الكاذبة التي تعبّر عن مشاعر مزيّفة.
كانت تُثيرُ داخلهُ شعورًا غريبًا، يكاد يكون دافئًا بطريقةٍ غير مريحة.
وكأنه هو الآخر شعر بشيء مماثل بعد أن نطق بتلك الكلمات، فقد غادر دون أن يقول المزيد.
وبمُجرّد خروجه، اقترب الخدم منّا بسرعة.
وعلى الرغم من تمسّكهم بالآداب، فمن غير المعقول أن تكون آدابهم كاملة وهم يتعاملون مع أطفال لا يعرفون شيئًا.
كانت نظراتهم تقول الكثير. ونبرة صوت إحدى الخادمات وهي توجّه حديثها إلى لاري خدشت أعصابي بشدّة.
“سأساعدكِ على الاستحمام الآن. تفضّلي.”
“هـه؟”
“قلتُ لكِ أن تتبعيني، آنسة.”
بالنسبة لهؤلاء، لم يكن التوأمان سوى أطفال بلا سند.
لا أحد يعلم إنْ كانا فعلًا من سلالة الدوق أم لا.
وحتى لو كانا كذلك، فالدوق قد عيّن رون وريثًا له بالفعل.
لذا، لا داعي لأن يُعاملوا التوأمين بلطف.
لكن، أن يتصرّفوا معهم بهذه الفظاظة؟ مع أبناء دوق؟
قبضتُ يدي بقوّة دون أن أشعر. لكن لاري، التي لم تكن تدرك ما يدور داخلي، تمسّكت بي والتصقت بي أكثر.
“لا أريدُ! أريدُ أن أستحمّ مع أختي!”
فور سماع ذلك، تجمّدت وجوه بعض الخادمات اللواتي كنّ يحاولن الظهور بمظهر لطيف.
“كنتِ تتصرّفين بلُطف، لماذا فجأة تغيّر الأمر؟”
“ذلك لأن…”
تبادلت لاري نظراتها بيني وبين لوهي”.
“فقط اتبعينا.”
“هكذا ستُبغضين من الجميع. سيعاقبونكِ.”
“هل تريدين أن يُبغضكِ الناس؟”
“…”
أن يُمارس الضغط النفسي على طفلة صغيرة؟ مجرّد التفكير في ذلك كان كفيلًا بإغاظتي. ل
كن لاري بدا أنّها فهمت خطورة الموقف، فخففت من قبضتها على يدي.
“سأ…”
أمسكتُ بيد لاري بإحكام، قاطعةً إياها قبل أن تكمل “سأفعل”.
من الآن فصاعدًا، سأكون أنا السيئة.
أنا من سيُبغَض، وسأتحمّل كل شيء بدلًا منهما.
ففي النهاية، كان لابدّ أن نواجههم، ولم يتبقّ سوى أن تأتي هذه اللحظة.
وقفتُ أمامهم مباشرة.
“من أنتن؟”
“…”
تدخلتُ فجأة، مما دفع الخادمات إلى النظر إليّ بعدم ارتياح.
‘هل نردّ عليها أم لا؟’
هكذا بدت تعابيرهن.
“…وهل يجب أن نُجيب؟ لا أظنّ أنّ من حقكِ توجيه هذا السؤال. إلّا لو كان الأمر يُزعج السيّدين.”
‘أنتِ لا تملكين الحق في التدخّل. من تظنّين نفسك؟’
كان ذلك المعنى واضحًا في تعابير وجوههنّ. نظراتٌ مألوفةٌ بالنسبة لي.
تلك النظرات التي اعتدتُ عليها في دار الأيتام، وفي حياتي السابقةِ أيضًا.
لم تكن شيئًا لا أستطيع تحمّله. بل كانت تافهةً مقارنةً بما مررتُ به.
لذا تجاهلتُ نظراتهنّ، وواصلتُ الحديث.
“كنتُ أتساءل فقط.
من طريقتكن في الحديث، يبدو أنّكنّ تُعاملن الأطفال كما كنتُ أُعامَل.
لم ألاحظ من قبل استخدام الخدم مثل هذه العبارات التهديدية مع أبناء العائلات النبيلة.”
اهتزّت نظراتهنّ بعنف، كمن لم يتوقّع أن تُكشف نواياهم. استغليتُ تلك اللحظة وواصلتُ الضغط.
“ألستُن كذلك؟”
“ذلك…”
“ربما أكون مخطئة. لكن كلماتكنّ كانت واضحة.
ستُبغَض؟ ستُعاقب؟ هل هذه كلمات تُوجَّه لأطفال مثلهم؟
على العكس، تبدين أنتن من تعلو مكانتهن، وكأنكنّ لا تخدمنهم، بل تتحكّمن فيهم.”
لم يجدن ما يُجبن به. لا بدّ أنّ كلامي كان صائبًا لدرجة أنهنّ لم يستطعن إنكاره.
على الأرجح، كانت الدوقةُ هي من أمرت بذلك.
بذريعة تعليم الأطفال، قامت بتعيين خدمها الخاصين هنا.
فالدوق لا يهتم بتفاصيلٍ كهذه، أمّا الدوقة، فهي تحسن معاملة لاري أمام الناس.
‘لقد أرسلت الدوقة خدمًا ليكونوا أعينًا تُراقب كل تحركات لاري ولوهين. ولهذا السبب، لم يكن بوسعهما فعل أيّ شيء بحرّية.’
لم تُفصِّل الرواية كثيرًا عن هؤلاء الأشخاص لكونهم من خلف الستار، لكنّ التوأمين، منذ نعومة أظافرهما، نشآ تحت هذه الرقابة والقمع.
اعتادا على أن يُعامَلا وكأنّ ذلك أمر طبيعي.
مؤسف. ومحزن. أطفال نشؤوا بلا أحد يحميهم، وتحت نظرات الازدراء والرقابة الدائمة.
لن أسمح بذلكَ بعد الآن.
“ذلك كان مجرّد سوء فهم.”
“إنْ كان كذلك، فهل يعني ذلك أنّكنّ لم تتلقين تدريبًا كافيًا كخدم؟”
ربما لم يتوقعوا أن فتاة لم تبلغ العاشرة تُلقي عليهم محاضرة، فبدأوا يهمسون فيما بينهم، واضطربوا بشكلٍ واضح.
لذا، قسوتُ أكثر في نبرتي.
“وإنْ لم يكن كذلك، فرجاءً، لا تُكرّروا هذه الكلمات مجددًا.
هذان الطفلان ليسا ممن يمكن التلاعب بهم بكلمات تُحطّ من شأنهم. إنّهم أبناء دوق، ويمكنهم فعل ما يريدون.”
“نحن… بالتأكيد…”
“أريدُ أن أسمع منكنّ وعدًا صريحًا.”
لو كان برفقتهم شخص بالغ، لما اضطربوا بهذا الشكل.
الدوق يظنّ أنّ الدوقة تعتني بالأطفال، ويظنّ أنّه إنْ منحهم بعض الأشياء الجيدة، فسينشؤون بخير.
لكن هذا الإهمال هو ما شكّل شخصياتهم.
حدّقتُ إليهم.
“لكن، صدّقينا. لم نكن نقصد الإساءة إليهم أبدًا…”
“أريد إجابة.”
“…مفهوم.”
وبينما كانت ملامحهم تشتعل غضبًا وحرجًا، انحنوا أخيرًا.
“لم نُدرك كيف ستبدو تصرّفاتنا أمام الآخرين. كان تصرفنا غير ناضج. نعتذر، السيّد لوهين، والآنسة لاري.”
نظروا إليّ مطولًا، ثم نطقوا كلماتهم بكبتٍ واضح.
كنتُ على وشك أن أشعر بالرضا، لكن لوهين تطلّع إليهم، وعقد ذراعيه، ثم قال بنبرة ممتعضة:
“لكن، لماذا لم تعتذرن لـها؟”
“عفوا؟”
“هي ليست مجرد ‘تلك الفتاة’. اسمها ‘آيشا’. وهي أهمّ عندنا منكنّ. وقد أسأتُن إليها أيضًا.”
“صحيح! يمكن أن تُسيئن لنا، لكن لا نغفر لكُنّ إنْ أذيتنَ أختي!”
ربما لأنّ لاري كانت تأكل وتعيش جيّدًا هذه الفترة، فقد أصبحت أكثر طلاقةً في الكلام، ووافقت بحماس.
الخادمات بدَون مذهولات، شفاههنّ ترتجف.
“نحن…”
“اعتذرن.”
“نـ… نعتذر؟”
ربما لم يُرِدن توجيه اعتذار لي، فعضضن على شفاههنّ.
“لن تفعلن؟”
“…”
“إنّه أمر. اعتذرن. ألستن تعملن بأوامرنا؟”
“نـ… نعم، هذا صحيح.”
“إذًا، اعتذرن.”
بينما كنّ يماطلن عندما تحدثتُ أنا، انحنين أخيرًا عندما أمرهنّ لوهين.
“نعتذرُ.”
كانت تلك الكلمات قد خرجت منهنّ قسرًا، لكنّها حملت دلالة واضحة على أنّ التوأمين يملكان بعض القوة في هذا المكان.
‘هل من المفترض أن أشعر بالارتياح؟ أم أن أشعر بالسخرية؟’
“هل حقًا أنتنّ آسفات؟”
“…”
“آيشا هي مثلنا تمامًا. وإنْ أسأتن إليها مجددًا، أو حاولتن إخراجها من هذا المكان، سنخرجُ نحن أيضًا.”
“سيّدي، هذا…”
لوهين، كأنه نسخة مصغّرة عن الدوق، عبّر عن استيائه ببرود تام.
حتى لو لم تُجْدِ كلّ تهديداتهم، فإنّ تهديد لوهين بمغادرة المكان بدا فعّالًا جدًّا، فأنزلت الخادمات رؤوسهنّ باستياء.
“مفهوم… سنأخذ الأمر بعين الاعتبار.”
كنتُ على وشك أن أُبدي امتناني، لكن…
“هي مُلكي. لذا، إن كان لا بدّ من مُضايقتها، فأنا الوحيد المسموحُ لهُ بذلكَ.”
وانهار كلّ شعورِ بالامتنان دفعةً واحدةً.
‘توقعتُ هذا.’
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات