“إذاً، ماذا ستفعل بشأن تلك الطفلة؟”
“لا أعلم. يبدو أنها تُريد البقاء مع التوأم.”
“من أي عائلة هو؟ وأي طفل هذا؟”
ببرودٍ شديد، نظرت الدوق إلى الدوق دون أن تحاول حتى أن تُوجه كلامها نحوي.
“أليس كل الأطفال اليتامى متشابهين؟ لا عائلة لهم، وإن وُجدت، فهم أطفالٌ منبوذون.”
“…وتُريد أن تُبقي على طفلةٍ كهذا في عائلتنا؟ لا نعلم حتى من هم والداه، ولا أي دماء تسري في عروقه؟”
“لكن الأطفال يُريدونه، فماذا عساي أن أفعل؟”
“رغم ذلك، أنا أرفض. قد يكون يحمل دماً دنيئاً لا نعلم عنهُ شيئاً.”
بدت نظراتها قاتمة، وكأنها تُخطط لفصلنا أنا والأطفال على الفور.
وبدا أن لاريز قد فهمت هذا، فأمسكت بذراعي بإحكام أكبر من قبل.
“لماذا لا تُرسله بعيداً ببساطة؟ أظن أنه خدع الأطفال البريئين، وإن كنّا قد أحضرناه دون فرز أمثاله، فالمشكلة بدأت من هناكَ.”
“هاه. لا أعلم لماذا أتحمل اللوم هنا، أيتها الدوقة.”
“هذا ليس لومًا. إن كنتَ حقاً تُفكر في الأطفال، فلا يمكنك التصرف بهذا الشكل.”
“هذا يكفي، دوقة. أحاول التساهل معك قدر الإمكان لما قدمته لي، لكن عليك ألا تتجاوزي حدودكِ.”
سقط صوته الحاد الجاف في الغرفة الواسعة كوزنٍ ثقيل.
وعندها، ازدادت ملامح الدوقة تجهمًا، وكأنها تقول ‘لماذا أُهان بسبب طفل تافه؟’.
“أنتَ…”
في تلك اللحظة، اختفت كل مشاعرها المزعجة. وبدلاً منها، بدأ فمها يرتجف كمن كُسرت مشاعره، وارتعشت يداها.
ربما شعر الدوق بتغيّر الجو، فتنهد بعمق وقال:
“ربما بالغتُ في كلماتي.”
“…أنا أتحمل الكثير لأجلكَ، وأبذل قصارى جهدي…”
رغم ذلك، كانت تُلقي باللوم بحدةٍ علي.
لذا، كتمتُ غريزتي وأطبقتُ شفتيّ.
“…نعم، صحيح. أنتِ تفعلين ما بوسعكِ.”
“لكن الخطأ منك.”
“…فهمت. فهمتُ، فقط… يكفي. أعلم أنكِ تفعلين ما في وسعك، لذا… كفى.”
أمامنا، بدا مختلفًا تمامًا عن الصورة التي وصفتها الرواية. بدا وكأنه يترنح في مواجهة الدوقة.
عندها بدأت أفكارُ آيشا…
‘زواجٌ بلا حب. علاقة مبنية فقط على الشكليات. هل يتصرف هكذا بسبب التوأم فقط؟’
ربما لأنه والدهم. أو ربما لأسباب أخرى.
حتى وهو يعتذر للدوقة كانت هناك ومضات عاطفية غريبة في عينيه. مزيجٌ من اللامبالاة والغضب.
‘هل يُحسن معاملتها فقط لأنها زوجته؟ فقط لذلك؟’
بدا طبيعيًا نوعًا ما الآن، وهو أمر مطمئن.
لكنه لم يكن مُريحًا.
بدا من نوع الرجال الذين لا تعرف ما إذا كانوا طبيعين أم على وشك الجنون.
وفجأة، ومن خلف الدوقة التي كانت قد ابتعدت، اقترب منا شخص ما.
لم أكن أرغب في النظر، لكن همسات الخلفية دفعتني تلقائيًا لإدارة رأسي.
كانا صبيين يقتربان نحونا.
وجهيهما ممتلئان بشكل ملحوظ، وشعرهما فضيّ، وأعينهما زرقاء، وكأنهما نسختان من توأمٍ ذئبي فضيّ.
الفرق الوحيد، أن ملابسهما كانت ثمينة بوضوح، وشعرهما نظيف يلمعُ.
بشرتهما مائلة للسمار قليلاً، لكنهما يبدوان بصحة جيدة.
على عكس التوأم، بشرتهم كانت باهتة من قلة الشمس، وشعرهم وبشرتهم غير معتنى بها.
وفوق ذلك، كان أحدهما أطول من التوأم بقبضة ونصف، والآخر بنصف قبضة فقط.
ومع ذلك، عرفتُ هويتهما فورًا.
“رون. جيفري.”
الصبيّ الأطول بدا ودودًا، بينما الأصغر، والذي يبدو في نفس عمر التوأم، كان يقطّب حاجبيه بعدم رضا.
عندما نطقت الدوقة باسميهما، ازدادت تعابير رون تجهمًا، أما جيفري، فقد سارع في تعديل ملامحه ليبدو أكثر تهذيبًا.
رون. رون بلير.
الابن الوحيد للدوق كيشامير بلير والدوقة.
بعد سنوات من العقم، أنجبت هذا الطفل، ولهذا توليه كل حُبها واهتمامها.
ولهذا السبب، كان فاسد الطبع، وكان في الرواية الأصلية يُعذب التوأم باستمرار.
أما جيفري بلير، فهو ابن الدوق السابق وشقيقُ الدوق الحالي.
وُلِد من زواج مبكر، لكن والدته توفيت أثناء الولادة، ووالدهُ مات باكرًا دون أن يراه يكبر.
فعندما أصبح كيشامير الدوق، تبنّى جيفري.
طفل بلا مكان. يشعر أنه زائد عن الحاجة. لذا، كان يحاول دائمًا أن يُرضي الجميع، بمن فيهم التوأم.
لكن عُقدة النقص التي ترعرعت بداخله بدأت تظهر بسلوك سيء كلما كبر، حتى صار عبئًا كبيرًا بعد أن بلغ التوأم سن الرشد.
“مرحبًا. من أنتما؟”
قالها جيفري مبتسمًا، بينما كان رون يُحدّق إلينا بعداءٍ واضح.
طعنت الدوقة رون في خاصرته:
“حيِّ الأطفال كما يفعل أخوكَ، رون.”
“…لماذا تُحضرون هذه الأوساخ من الشارع؟ لا يعجبني حتى وجود تلك الفتاة، فما بالكِ بهؤلاء؟”
حتى مع كراهيته، لم أتوقع هذه الدرجة من العداء.
حتى الحيوان حين يُسحب منه طعامه، لا يُظهر هذا القدر من الكراهية القاتلة مباشرة.
لكن رون كان مختلفًا.
مشاعره كانت غريزية. عداءه للتوأم ينبع من أعماقه، ولم يُخفِه على الإطلاق.
“تقول عنهم ‘هؤلاء’؟ إنهم إخوتك. عليك أن تُرحب بهم.”
ربتت الدوقة على كتفه، وكأنها اعتادت على هذا التصرف منه.
“آه، كُفوا عن هذا. اطردوهم.”
“رون.”
“لا أحد يعلم من هم. فقط شحاذون أحضرتموهم.”
حتى في هذه المرحلة، لم يُحاول أحد ردعه، لا الدوقة ولا الدوق.
وهذا ما كان يحدث في الرواية. الدوق كان غائبًا دائمًا وقت الحاجة.
كان دائمًا يُحاول أن يكون شخصًا جيدًا أمام الغرباء، لكنه جبان أمام أطفاله.
“رون.”
الآن بدا الارتباك على وجه الدوقة.
“هل قلت شيئًا خاطئًا؟”
“أنت لا تُخطئ يا ولدي، لكن لا تُعبر عن مشاعركَ بهذا الشكل.”
‘ولهذا كبر الطفل ليُصبح بهذا السوء.’
الشتائم كادت أن تفلت من فمي. مهما أحببته، فالتربية الخاطئة ستُخرّب كل شيء.
“على كل حال، هل ستُدخلونهم؟ ستُبقون على أولئك الشحاذين؟!”
“نعم، يجب ذلك. لقد أحضرهم والدك، وهم من أطفال عائلة الدوق.”
“وماذا لو خُدع؟!”
“من يخُدع هكذا، فهو أحمق.”
وفجأة، قاطع أحدهم هذا الجنون.
توجهت كل الأنظار نحو مصدر الصوت.
كان لوهين.
بكل استرخاء، وضع يديه خلف رأسه وتقدّم للأمام وكأن لا شيء يُهمّه.
سادت الصدمة والذهول. الجميع كان يُحدّق فيه بنفس التعبير تقريبًا.
“ماذا؟ هل قلت شيئًا خاطئًا؟”
ما قاله لم يكن خاطئًا… لكن لم يكن الوقت مناسبًا لتقوله أنت.
رغم ذلك، لم يبدو عليه أي توتر.
“مـ–ماذا؟”
كان رون هو أول من تفوّه بشيء وسط هذا الصمت.
“لماذا أنت مرتبك هكذا؟ لم أُخطئ في شيء، صحيح؟ إن خُدع أحدهم، فهو أحمق، أليس كذلك؟”
“…يعني هذا أنك مزيف؟”
“آه، تفكر بهذه الطريقة لأنك غبي. لم أتوقع هذا منكَ.”
واحمر وجه رون غضبًا، كأنه على وشك الانفجار.
لكن لوهين لم يهتم بحاله، بل حول نظره نحو الدوق.
“إلى أين أذهب؟”
“…إلى أين تذهب؟”
“قلت إنني ابنكَ، وأحضرتني إلى هنا، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
الدوق بدا مرتبكًا فجأةً.
تنحنح وتحرك كأن جسده ثقيل.
“إذاً أرني الطريق.”
“حسنًا.”
تحرك الدوق أمامهم، بينما أمسكني لوهين من ذراعي.
“هيا.”
“هاه؟”
“هل لديك شيء آخر لتقوليهِ؟”
“لا، لا شيء.”
رغم أن رون بدا وكأن لديه الكثير ليقوله، إذ لم يُبعد نظره عنا لحظةً واحدة.
التعليقات لهذا الفصل " 29"