‘بينما هو الأكثر توترًا.’
في الظروف العاديّة، كان لوهين سيسخر من وجهي المبتسم بهذه الطريقة، لكنّه لم يتحرّك مطلقًا بعد مرور وقت طويل.
إنّه لطيف. يُشبه الأطفال.
لوهين ولاري، حقًّا يبدوان كأيّ طفلين عاديّين في سنّهما.
أردتُ حقًا أن أحمي سعادتهما.
تلك الرغبة كانت ما أشعل قراري.
بغضّ النظر عمّا يقوله ذاك الدوق المزعج، فقد قرّرت الذهاب إلى قصر الدوق، وسأنفّذ الأمر بشكلٍ صحيح.
لهذا نظرتُ مباشرة نحو الدوق.
كان يجلس بوضعية مريحة إلى حدّ ما، لكنّه ظلّ يرمق التوأمين بنظراتٍ جانبيّة متخفّية.
ذلك الذي كان يريد حرق دار الأيتام بأكمله، والذي وصفني بلعبةٍ من قبل، أكرهه بشدّة… لكن التوأمين لا دخل لهما بذلك.
‘إن كُنت سأفعلُ هذا… فلأفعله بشكلٍ جيّد.’
حين خطرت تلك الفكرة، شعرتُ بثقة غريبة تغمرني.
لم تعد الشعيرات على جسدي تقف كلّما نظرتُ إلى الدوق.
لكنّ الشجاعة لم تأتِ بسهولةٍ.
ظللتُ أفكّر طويلًا إن كان عليّ التكلّم أم لا، ولم أفتح فمي إلّا بعد مرور وقت طويل داخل العربة.
“إذًا، في المقابل… لديّ شرط واحد.”
ربّما لأنّ كلماتي كانت غير متوقّعة على الإطلاق، عقدَ حاجبيه بانزعاجٍ واضح.
وكأنّه يقول: كيف تجرؤين على التحدّث عن شروط؟
ارتعش جسدي بشكلٍ لا إرادي، لكنّي قبضتُ على يديّ المرتجفتين وتظاهرتُ بالتماسك.
“أظنّكِ لم تسمع جيّدًا.”
“بل سمعتُ تمامًا.”
“أنتِ تضعين شروطًا تجاهي؟”
بفعل اهتزازات العربة التي تتحرّك مثل أنغام الموسيقى، بدأ الطفلان بالنوم يتحرّكان قليلًا.
“نعم.”
“هل تعلمين من أنا؟”
“طبعًا. أنتَ صاحب السموّ الدوق.”
ابتسم بخبثٍ زاوية فمهِ.
لم يكن بحاجة للحديث، فقد كان من السهل أن أشعر بما يفكّر به، وبموقفه من ناحيتي.
“وهل تعرفين مكانتكِ؟”
“أعتقد أنّك تعتبرني حمولة إضافيّة لأنّ التوأمين طلبا أخذي معهم.”
“لا تبدين غبيّة بالنسبة لطفلة.”
فكّ ذراعيه المتشابكتين بطريقة متكبّرة.
على الأقلّ، لم يكن ينوي تجاهل الحديث بالكامل بعد الآن.
‘حتى هذه المرحلة تُعتبر إنجازًا.’
شعرتُ بعرقي ينزل على ظهري.
في الرواية، يُوصَف الدوق بأنّه بلا دم ولا دموع.
لا يرحم أحدًا، حتّى أولئك التابعين له.
لُقّب بالمجنون، وبعارِ الإمبراطوريّة الوحيدة، وذاك الذي نال البركة واللعنه في آنٍ واحد… الوحش.
البعض قال إنّه فقد مشاعر البشر، وإنّه لا يليق بمكانة دوق.
وانتشرت شائعات بأنّه قتل شقيقه، الدوق السابق الذي مات صغيرًا بسبب مرضٍ ما.
الإرشيدوق كيشامير. والد التوأمين، هو ذاك الذي سمع كلّ تلك الأقوال دون أن يرفّ له جفن.
قبل أن أراه، كنتُ أظنّها مجرّد مبالغات داخل الرواية.
لكنّ الواقع كان أسوأ.
‘آه… يداي ترتجفان.’
كلّما شعرتُ بنظراته عليّ، شعرتُ وكأنّني أُحترق، وأفقد صوابي.
لكنّه سرعان ما ابتسم بسخرية، كأنّه انتهى من تحليل موقفي.
“ألستِ خائفة منّي؟ الأطفال عادةً لا يجرؤون على التحدّث معي. أم أنّكِ غبيّة لدرجة أن تتفوّهي بكلامٍ كهذا؟”
“لستُ غبيّة. بل أعرف جيّدًا موقفي.”
“ممتازٌ.”
رغم أنّه لم يكن مثاليًّا، لكن حدّة مشاعره خفّت عن ذي قبل.
“وطفلةٌ تعرف مكانتها، تضع شروطًا عليّ؟”
“أظنّ أنّني أملك الأحقّية بذلك. الأطفال يتبعونني أكثر من أيّ شخصٍ آخر.”
“أتحاولين عقد صفقة باستخدام أولادي؟”
بمجرّد الحديث عن الأطفال، بدا كأنّ جسده امتلأ بالأشواك.
“لو كنتُ أريد صفقة حقًّا، لطلبتُ أمرًا كبيرًا. لأنّ الأطفال يتبعونني، كما قلت.”
“إذًا، ما الذي تريدينه؟ أنتِ مجرّد لعبة. لعبة سيملّ منها أطفالي يومًا ما. يثير فضولي، ما الذي تريده لعبة مثلِك؟”
يا إلهي، أريد فقط أن أصفعه صفعةً واحدة.
حتّى لو كان يأخذني بتلك النيّة، يبقى إنسانًا مريضًا.
بعقلية قمامة لا تصلح حتى للإصلاح.
لكن، إن أردتُ أن أحقّق ما أريد، عليّ إقناعه بطريقة ما.
“لماذا لا تتكلّمين؟ هل من الصعب قولها؟ المال؟ بيتٌ فاخر؟ إن أردتِ، يمكنني منحكِ ذلك.”
أثناء كلامه، كانت لاري تهزّ رأسها الصغيرة بتأفّف.
“طفلة صغيرة مثلي، حتى لو امتلكتُ مالًا يكفي لحياتي، لن أُستَغلّ؟ ومن يضمن أن البيت الجديد سيكون مع أناس طيّبين؟”
“همم. وماذا إذًا؟”
“أريدك أن تترك لي أمر الأطفال بالكامل.”
ربّما لأنّه لم يتوقّع ذلك إطلاقًا، ارتجف فمه.
“أتركهم لك؟ من تظنّين نفسكِ؟”
“على الأقلّ، في دار الأيتام كنتُ مسؤولةً عنهم.”
بدأ صوتي يرتعش، ورؤيتي تُشوش.
بدأتُ أتساءل إن كان ما أفعلهُ صحيحًا.
ربّما كان من الأفضل فقط الذهاب معهم إلى قصر الدوق، والبقاء هناك حتّى يملّوا منّي، ثم أخرج ببعض المال.
لكن، لو فعلتُ ذلك… سأكون قد سلّمت الأطفال لذاك الإنسان بالكامل، وسينهار كلّ ما قمتُ به سابقًا.
‘لهذا السبب بالذات… لا أستطيع ترك تعليمهم لهُ.’
جمعتُ قواي، ونظرت إليه بثبات.
“ما مدى هذه المسؤوليّة التي تطلبينها؟”
“لا أقصد شيئًا كبيرًا. فقط… أريد أن أكون بجانبهم، وأتدخّل في كلّ ما يخصّهم.”
“…فقط هذا؟”
“نعم!”
ارتجف بؤبؤا عينيه بشكلٍ واضح.
“حقًّا؟”
“نعم.”
“…هل تفكّرين لاحقًا في التبنّي إلى قصر الدوق؟ أو… أن تعيشي كفتاة طبيعيّة؟”
“أبدًا لا. لا أريد التبنّي. ولا أعرف ما معنى فتاة طبيعيّة. فقط أريد أن أكون معهم.”
ظلّ يُحرّك عينيه داخل العربة، ثم تحدّث بعد صمتٍ طويل.
“حقًّا؟”
“نعم.”
“ولن تغيّري كلامكِ لاحقًا؟”
“أبدًا.”
“…”
“هل هذا صعبٌ لهذه الدرجة؟”
في تلك اللحظة، بدأ التوأمان يستفيقان، ومالا إلى الأمام، وكأنّهما يضغطان عليه بصمت.
“ليس صعبًا…”
“أعرف أنّي لا أساوي شيئًا. أنا يتيمة. لا أُناسِب البقاء بجانب أبناء قصر الدوق. عليّ أن أكون ممتنّة لأنّكم تأخذونني أصلًا.”
“…”
“لكن رغم كلّ ذلك، أرجوكَ… أريد البقاء مع لوهين ولاري. فقط إلى أن يملّوا منّي، كما قلتَ.”
أسابيع، أو شهور، أو حتى سنواتٌ قليلة.
في الأصل، في الرواية، كان الأطفال يفقدون اهتمامهم بالأشياء سريعًا. وأنا أعلم ذلك تمامًا.
لذا، نظرتُ إليه برجاءٍ أكبر.
“…هذا كلّ ما تريدينه؟”
“نعم.”
“…وهذا ما يجعلني أشكّ فيكِ أكثر.”
عندها، تحرّك لوهين، وتحدّث أخيرًا:
“ما تريده هو أيضًا ما نريده. لذا، أرجوكَ وافق.”
“نعم! وافق. على ما تريده الأخت الكبرى! آه، لأنّه… يبدو أمرًا صعبًا! لكن وافق، يا أبي!”
عندما تكلّم لوهين، كانت ملامح الدوق قد بدأت تَلين، لكن كلمة “أبي” من لاري كانت كفيلة بأن تُذيب وجهه المتجمّد كقطعة آيس كريم.
ثم ما لبث أن استعاد جديّته.
“حسنًا. يمكنني فعل ذلك.”
“حقًّا؟”
“لكن بالمقابل، لديّ شرط.”
“شرط؟”
“هذا غير عادل! نحن فقط نطلب منك أن توافق. الأمر ليس صعبًا!”
انفجر لوهين غاضبًا قبل أن أفتح فمي.
“نعم. الأمر صعب لمن يظنّه كذلك، وسهل لمن يراه بسيطًا.”
بدأ القلق يتسلّل إليّ.
“برأيك، ما أصعب شيء يمكن الحصول عليه في هذا العالم… أيتها اليتيمة.”
رغم أنّه لم يناديني بلعبة، لكن وصفه لي بـ”اليتيمة” لم يكن ألطف بكثير.
شعرتُ بالغضب، لكن أقنعتُ نفسي بأنّ ذلك أفضل من كلمة “لعبة”.
“همم… لا أعلم.”
“المال، الشهرة، أشياء كثيرة… لكني أظنّ أنّ أصعب شيء هو كسب قلب شخص ما. ما زلتُ أراه الأصعب حتّى الآن.”
“آه…”
“لذا، ما عليكِ فعلهُ هو… أن تجعلي ابني، الذي يجلس بجانبكِ، يناديني ‘أبي’.”
التعليقات لهذا الفصل " 26"