‘كيف يمكن أن يعرف؟’
في الرواية، كان سـيأتي وهو لا يعرف شيئًا.
لم يكن قتل المديرة في الرواية بسبب اكتشاف أن أفعالها كانت بتحريض من أحد أو لأي سبب آخر.
بل كان غضب الأرشيدوق النابع فقط من معرفته بأن أطفاله تعرضوا للإساءة في هذا المكان، فقام بتدمير كل شيء دون تحقيق.
‘أم أن لاريز قالت شيئًا؟ هل هذا ما جعل الأرشيدوق يعرفُ؟’
صحيح أنني تحدثتُ للأطفال عن الأرشيدوقة، لكن هل يمكن أن تكون لاريز قد وثقت بالأرشيدوق وأخبرته خلال شهر واحد فقط؟
ربما اكتشف ذلك بقدراته الخارقة، لكن ذلك لم يبدُ محتملاً على الإطلاق.
في تلك اللحظة، بينما كنتُ أفكر أنه ربما يتظاهر بمعرفة شيء لا يعرفه،
“آه، إذن أنت تعرف!”
انخدعت المديرة بكلامهِ بسهولة.
في الأحوال العادية، لم تكن لتنخدع بهذه السهولة، لكن كالفأر الذي حُشر في زاوية ولا يمكنه تمييز الفخ أمامه، قضمت المديرة الطُعم.
“…”
“أعني… إذا تحققتَ ستعرف… أعني… هكذا هي الأمور عادةً، أليس كذلك؟
تحت سلطة الأقوياء، هناك دائمًا أشخاص ضعفاء يُسيطر عليهم.
كل الأدلة قد تُشير إليّ كشخص سيء، لكنني في الحقيقة لم أرتكب خطأً كبيرًا.
الأدلة، كلها مُزيفة!”
الأرشيدوق، الذي كان يُصدر همهمة اهتمام، حول نظره إلى المديرة التي كانت ملقاة على الأرض بنظرةٍ ممتعة.
في هذه الأثناء، كان القتلة الذين جاؤوا بحثًا عنا يُقيدون واحدًا تلو الآخر من قِبل فرقة فرسان الأرشيدوق ويُنقلون إلى مكان ما.
“مُزيفة، تقولين؟”
“نعم، أليس هذا ما يحدث عادةً؟
أعني، هذا لقطع الذيل.
أنا مجرد كبش فداء.
إذا أبقيتني على قيد الحياة، سأخبركَ بكل شيء.
بالطبع!”
“وكيف أثق بذلك؟
ماذا لو كنتِ تختلقين الأكاذيب في هذه اللحظة؟”
“الأدلة موجودة. أعني، بالطبع !”
في الرواية، لم يكن الأرشيدوق شخصًا يتحدث بهذا الهدوء أبدًا.
هذا المشهد، رغم أنه وُصف باختصار، كان يُظهر بوضوح أنه غارق في الغضب وفاقدًا لصوابه.
لذا، كل شيء يبدو غريبًا.
‘هل الرواية تتغير فعلاً؟’
هل هذا مجردُ صدفةٍ؟
أم أن هذا السلوك من الأرشيدوق لم يُوثَّق في الرواية؟
كانت هذه الأفكار تملأ ذهني.
“تقولين إن الأدلة موجودة، فكيف أثق بذلك؟”
“هذا… هذا…”
ترددت المديرة، ثم صرخت كما لو كانت تُظهر ورقتها الأخيرة.
“موجودة، بالطبع موجودة!”
“حقًا؟”
“هل أكذب وأنا في هذا الموقف؟”
“جيد جدًا.”
أومأ الأرشيدوق برأسه بعد كلماته المقتضبة.
بدت المديرة وكأنها تعتقد أنها وجدت طريقًا للنجاة، فحاولت النهوض ببطء.
لكن،
“حان الوقت المغادرة.”
“نعم، ماذا؟”
“واحرصوا على التخلّص من هذه القمامة بهدوءٍ.”
“ماذا؟؟”
عند هذا الأمر غير المتوقع، اصفرّ وجه المديرة.
“ماذا… ماذا تعني؟”
“آه، يبدو أنني تحدثتُ إلى الشخص الخطأ.
تخلّصوا من هذا.”
حوّل الأرشيدوق، الذي كان يتحدث إلى المديرة، نظره إلى الفرسان بجانبه.
عندها، بدأوا يحيطون بها واحدًا تلو الآخر.
“تتخلّصون مني؟! ماذا تعني؟
قلتُ إنني سأكشف كل شيء… لا يمكنكم فعل هذا!”
“يبدو أنكِ تنسين من أكون مرارًا.
تقولين إنه لا يمكنني فعل هذا؟
هل تُصدرين الأوامر؟”
“لا، ليس هذا…
أعني، إذا قتلتموني، لن تحصلوا على الأدلة… هذا ما يقلقني…”
“إذن، الأدلة موجودة بالفعل.”
“نعم! بالطبع! أنا جادة.
حتى الفأر يترك فتحةٌ للهروب!”
ضحكت المديرة بصوت خافت، شبيه بما كانت تفعله عندما تتملّق النبلاء.
شعرتُ بعدم ارتياح في صدري.
شعور عميق ومظلم، غير مكتمل، كأنه قلق نابع من مكان غامض.
لذا، شعرتُ بالرضا والاضطراب في آنٍ واحد وأنا أرى المديرة بهذا الشكل.
“جيد جدًا. كل ما علينا هو العثور على تلك الفتحة.”
“ماذا…؟”
“تخلّصوا منها.”
بوجه أكثر برودة من قبل، استدار الأرشيدوق فجأةً، ثم مدّ يده نحو لوهين بتصرفٍ محرج، كما لو كان يطلب منه أن يمسك يده.
لكنه بدا متصلبًا، كأن هذا التصرف غريبً عليه.
كما هو متوقّع، لم يمسك لوهين يده.
بل ضحك بسخريةٍ ومرّ من جانبه.
بقيت يد الأرشيدوق معلّقة في الهواء للحظات.
كمن يعرف مكانه منذ البداية، أشار لوهين نحو العربة.
“هل أركب تلك؟”
كما لو أن الأمر خارج توقعاته تمامًا، أطلق الأرشيدوق ضحكة متعبة وسحب يده.
“أنت مختلف تمامًا عن لاريز.
ظننتُ أنكما كتوأم ستكونان متشابهين.”
“إذن، أركب تلك؟”
“نعم، اركبها.”
كأنه يحاول إخفاء ارتباكه، تنحنح الأرشيدوق وسار خلف لوهين بخطوات ثقيلة.
“هيّا، لنذهب.”
نظرتُ إلى لوهين وهو يسير بلا أي حرج وبثقة.
يداه متشابكتان بتكاسل، وهو يمشي بلا مبالاة، بينما ينظر إليه الرجل من الأعلى.
رغم نحافته، كان لوهين يشبه الأرشيدوق تمامًا، كما لو كان يثبت أنه ابنه.
‘أخيرًا التقى الأب بابنهِ.’
شعرتُ بألم وارتجاف في قلبي.
شعور غامض يصعب تفسيره.
رغم أن الأمور ستختلف عن الرواية من الآن فصاعدًا، ورغم أنني حاولتُ جعل الأحداث تسير وفق الرواية الأصلية، لكن في هذه اللحظة، لا أشعر بأي ندم.
حتى لو اختلفت عن الرواية، التوأمان سيتغلّبان على كل شيء.
لن يحملوا جروح الماضي.
“ههه، رائع.”
لا تزال لاريز ملتصقة بي، تفرك رأسها بذراعي دون أي نية للابتعاد.
فككتُ ذراعي برفق وأشرتُ نحو العربة.
“لاريز، هيّا اذهبي.”
“ماذا؟”
“والدكِ وأخوكِ يذهبان إلى هناك.”
“صحيح!”
نظرت لاريز إلى الاثنين وهزّت رأسها المستدير بقوة.
“عندما تنظرين هكذا، يبدوان متشابهين جدًا، أليس كذلك؟
ههه، كلاهما لهما هذا التعبير!”
عبست لاريز بعمق، كما لو كانت تحاكي تعبيراتهما.
كان ذلك لطيفًا لدرجة أنني ضحكتُ دون قصد.
كأنها تقلّد أول ما تراه في العالم، ابتسمت لاريز.
استعدتُ رباطة جأشي متأخرًا وهززتُ رأسي.
“لا، ليس هذا ما أقصده.
يجب أن تذهبي إلى هناك، لاريز.”
“نعم! سأذهب.”
ثم أمسكت ذراعي بقوة.
“معًا!”
“لا، أنا لن أذهب معكِ.”
حرّرتُ يدي من قبضة لاريز القوية.
ظهر تعبير حزين لم أره من قبل على وجهها، وعيناها امتلأتا بالدموع.
“لماذا… لماذا تتركين يدي، يا أختي؟
لقد بذلتُ جهدًا كبيرًا… كبيرًا جدًا لأراكِ…”
“هذا…”
“خلال هذا الوقت… هل سئمتِ مني؟
كل يوم… كنتُ سعيدة جدًا بفكرة رؤيتكِ، يا أختي…”
“لا، لم أسأم منكِ.
كنتُ سعيدة أيضًا بفكرة رؤيتكِ.
لكنني…”
في تلك اللحظة، عاد لوهين، الذي كان قد وصل إلى العربة، بخطوات ثقيلة ومدّ ذراعه نحوي.
ثم نظر إليّ بابتسامة مريحة وهادئة لم أرها من قبل.
“يجب أن أخذ ما هو مُلكي أيضًا.”
“مُلككَ؟”
تفاجأتُ بكلام لوهين غير المتوقع، وظللتُ أتلعثم للحظات.
ماذا يعني ذلك؟ مالذي يَملكهُ ؟
لكن يبدو أنني كنتُ الوحيدة المرتبكة.
“من الآن فصاعدًا، يجب أن تكوني موجودةً دائمًا طوال الوقت معي.”
“…ماذا؟”
“من الآن فصاعدًا، أنتِ مَلكي.
سأحميكِ من الآن.”
بينما كنتُ أتلعثم من الصدمة والدهشة، ضحك لوهين وأمسك يدي بقوةٍ.
“ماذا؟”
نظرت لاريز إلينا بالتناوب، ثم أمسكت يدي الأخرى بسرعة.
“لا، ليست كذلك.
الأخت الكبرى ملكي أنا!
لن أتركها أبدًا.
سأصبحُ مُفضلتها أنا فقط!”
لاريز، التي كانت على وشك البكاء قبل لحظات، رفعت صوتها بسعادة مرة أخرى.
“انتظرا… لا، أنا سأبقى هنا…”
لم أتوقع هذا على الإطلاق.
كل ما أردته هو منح التوأمين ذكريات طفولة سعيدة، لكنني وجدتُ نفسي في هذا الموقف دون قصد.
مهما كان الأمر مختلفًا عن الرواية، هذا مبالغ فيه، فلوّحتُ بيدي بقوة.
لكن قبل أن أفتح فمي، تحدث لوهين أولاً.
“ستقولين ذلك مرةً أخرى، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“أن لكل منا مكانًا يجب أن يكون فيه،
وأنه لا يجب أن نطمع،
وأن طريقنا مختلف عن طريقكِ؟”
“هذا…”
“مكانكِ بجانبنا.
لا مجالَ للرفضِ.
سآخذكِ حتى لو بالقوة.
لن أترككِ هنا وحدكِ…
ستبكين إذا غادرنا.”
التعليقات لهذا الفصل " 24"