“…ماذا؟”
“قلتِ أنتِ غبيةٍ.”
“لاريز، من الغريب أن اسمعَ هذهِ الكلمة منكِ.”
يذكّرني ذلك بلوهين.
ربما لأنهما توأمان متطابقان، لكن تصرفات لاريز اليوم تبدو وكأنها لوهين.
كأنها أدركت ما أتحدث عنه، هزّت لاريز كتفيها.
“ما الغريب في ذلك؟ أخي قال الشيء نفسه.
كلما فعلتِ شيئًا غبيًا، طلب مني أن أقولها.”
“أن تقوليِ غبيةٌ؟”
“نعم.”
عيناها الصافيتان المتلألئتان تنتميان بوضوح إلى لاريز، لكن الأمر غريب.
إنّ رائحة لوهين تنبعث بقوة من لاريز الجميلة.
‘هل لأنهما توأمان متشابهان؟’
على الأرجح هذا هو السبب.
“على أي حال، هذا ليس المهم، أليس كذلك، آيشا؟”
“…صحيح.”
“اتركيني.”
“ماذا تقصدين؟”
“لماذا تحاولين التمسّك بكل شيء؟
حتى لو لم تفعلي ذلك… لقد بذلتِ جهدًا كافيًا، فتوقفي.
لا داعي للحضور إلى المخزن.
يمكنني البقاء هناك بمفردي.
لقد عشتُ هناك من قبل.
فقط عيشي حياتك كما كنتِ، آيشا.”
رفعت رأسي ونظرت إلى لاريز.
“…إذن أترككِ؟ وأنتِ قد تموتين؟”
“أنتِ تعلمين أنني لن أموت.”
“حتى لو كان الأمر كذلك، لن أترككِ. وعدتكمَا ،
لن أدعكما تتأذيان أبدًا.”
لو لم أكن أعرفكما، لما اهتممت، لكن الأمر مختلف الآن.
فقد أصبح الطفلان عائلتي وأصدقائي.
حتى لو كنتُ أعلم أنهما لن يموتا.
‘لا أريد أن أجرحهما.’
“لن أدعكما تتأذيان أبدًا.
يجب أن تكون هناك طريقة.”
“…قد تتأذين أنتِ أيضًا، آيشا.”
“…”
لم أجد جوابًا لهذا الكلام.
في الحقيقة، أنا من في خطر.
إذا تجاوزت الحدود، لن تتركني مديرة دار الأيتام وشأني.
‘لكنها لن تفعل شيئًا خطيرًا.
لم أتعرض للإساءة المباشرة، وسأتحمل ذلك.
مع الوقت، ستنساني.
لكن لاريز ليست كذلك.’
تأكدت اليوم أنها في الماضي ربما حاولت أخذ لاريز بهذه الطريقة.
ليس من داخل دار الأيتام، بل من الخارج للتخلّص منها.
لذلك، كان يجب أن يأتي شخص ما.
لم تكن المديرة لتتمكن من الإمساك بلاريز بمفردها، لذا كان من المؤكد أن تأتي عربة أو أشخاص، كما حدث اليوم.
علمتني أحداث اليوم أنها لم تكن بلا فائدةٍ، فابتسمت بصعوبة.
“ربما عندما يأتي شخص ما.
اليوم أكّد ذلك.
لذا، عندما يأتي غرباء إلى دار الأيتام، يجب أن نكون حذرين…”
لكن لاريز هزّت رأسها يمينًا ويسارًا.
“لا ترهقي نفسك.”
جلست لاريز على الأرض وأمسكت وجهي بلطفٍ.
“…ماذا؟”
“لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا، أليس كذلك؟ من أجلنا.
أخرجتِنا من ذلك المكان الجحيمي، منحتِنا طعامًا لذيذًا، وكنتِ تفعلين كل ما بوسعك… هذا وحده يكفي.
كنتِ بمثابة النور الذي أنار عتمتنا.
حتى لو قررتِ أن تتركينا لاحقًا، لن نحملكِ ذنبًا.”
كانت دموعي تنهمر دون توقف.
لماذا يبدو الأمر مؤلمًا إلى هذا الحد؟
لماذا ما زلتُ صغيرة بهذا الشكل؟
لو كنتُ فقط تجاوزت العاشرة، لو كنتُ أملك حرية الحركة… لذهبتُ وأنقذتُ لاريز بنفسي.
“لا… مع ذلك…”
“أنا جادةٌ.
أنا ولوهين، طفولتنا كانت مليئة بالذكريات السعيدة أكثر مما كنتِ تظنين.
كنتُ أتمنى لو تمكنا من شوي البطاطس سويًّا، أو مشاهدة الألعاب النارية معًا… لكن هذه ليست النهاية.”
منذ متى أصبحتِ تتحدثين بهذه الطريقة؟
كنتُ أدّعي القوة، أتصرف وكأنني من يمنح العزاء… لكن الحقيقة أنني أنا من احتاجه في النهاية.
توقفت عن فعل أي شيء ونظرت إلى لاريز بهدوء.
ابتسمت لاريز وهي تنظر إليّ، ثم أحكمت ربط الحقيبة التي لم تكن مربوطة جيدًا.
“لكن بما أنكِ أنتِ من جهّزتها، يجب أن آخذها كلها.”
لم يكفِ ذلك، فأمسكت لاريز بالحقيبة التي جهّزتها واتجهت نحو النافذة.
“لاريز؟”
“هذه ليست النهاية.
لن ننتهي هكذا.
لذا لا تقلقي.
أستطيع التحمّل جيدًا في الغابة.
فلا تبكي وحدكِ لأننا ذهبنا.”
كأنها تخبرني بعدم القلق، قفزت لاريز من النافذة.
“لاريز! لاريز!”
على الرغم من أننا في الطابق الثاني، قفزت الطفلة دون تردد.
كما لو كانت تثبت أن قولها عن عيشها في الغابة ليس كذبًا، وكأنها تظهر أن أبناء الدوق أقرب إلى الذئاب، اختفت لاريز في الغابة بسرعة.
وهي أنظر إلى ذلك المشهد، جلست على الأرض.
كان عليّ أن أمسك بلاريز وهي تبتعد، لكنني أنا من أحضرتها وأنا من تركتها تذهب.
“أنا… في النهاية، لم أستطع فعل أي شيء.”
تغيير الرواية؟
كنتُ متغطرسةً لأعتقد أنني قادرة على فعل شيء كهذا، لكنه كان صعبًا للغاية.
تظاهرت بأنني شخص عظيم، لكنني… ماذا فعلتُ؟
في النهاية، لم أحقق شيئًا بمفردي.
في تلك الليلة، لم أستطع النوم.
جلست على إطار النافذة لوقت طويل، أنظر إلى الغابة.
لاريز التي كانت دائمًا تناديني “آيشا”، ولوهين الذي كان يقول “غبيةٌ”، افتقدتهما فلم أستطع النوم.
ظللت أنظر إلى أفاقٍ بعيدةٍ حتى حلّ الفجر.
في صباح اليوم التالي، فُتح باب الغرفة المغلق بالقوة، ودخل شخص ما.
كانت مديرة دار الأيتام، غاضبةً للغاية.
ما إن دخلت حتى بدأت تبحث في الغرفة بعنف، غير قادرة على السيطرة على غضبها.
“أين هي؟!”
“ماذا؟”
“تلك الفتاة!”
“آه! آه! أين ذهبت…؟!”
فتحت فمي ونظرت حولي، كأنني لا أعرف شيئًا.
“آيشا!”
“آه! إذا كنتِ تقصدين تلك الفتاة… لقد ذهبت.”
“ماذا؟”
“قالت إن مديرة دار الأيتام مخيفة جدًا، فغادرت.”
كان من الطبيعي أن يتصلّب وجهها عند كلامي.
“أنتِ… أنتِ مجنونة.”
“مجنونة؟ أنا لا أملك أي قوة، مديرة.”
“كان عليكِ إمساكها!”
“كيف أمسك بشخص يريد الذهاب؟”
“إلى أين ذهبت؟ إلى أين؟”
“حسنًا…”
وهي ترى أنني لا أتعاون معها، لم تستطع مديرة دار الأيتام كبح غضبها، فأمسكت ذراعي بقوةٍ.
“آه…”
“أنتِ تتصرفين كما يحلو لكِ مؤخرًا.
هذا لا يعجبني.”
“…”
“لو كنتِ أبقيتِ تلك الفتاة تحت السيطرة!
لا، يجب أن أتوقف عن الكلام.
آيشا، إذا خالفتِ كلامي مرة أخرى، سأرسلكِ إلى مكان آخر، فاحذري.
أليس كذلك؟ الكاهنة ميلوديا تحبكِ، فأصبحتِ متعجرفة.”
ما الذي يحدث؟
لماذا أتعرض لهذا فقط لأنني تركت لاريز تذهب؟
ظللت أفكر وأنا أتلعثم.
لكنها استمرت في الغضب، واضطررت إلى تدليك ذراعي التي كادت أن تُصاب بالكدمات.
وهي لا تزال غاضبة، رفعت يدها مرة أخرى كما لو كانت ستفعل شيئًا آخر، لكنها ربما شعرت أن الضرب سيؤذي يدها فقط، فأنزلت يدها ونظرت إليّ.
“لهذا أكره أمثالكِ.”
ثم غادرت مديرة دار الأيتام، وهي تطحن أسنانها، بعد أن بحثت في أرجاء الغرفة وأغلقت الباب.
“هه… هه… حقًا…”
وهي أنظر إلى ذلك، شعرت بالراحة.
لقد فعلتُ الصواب بتركها تذهب أمس.
لو لم أفعل، لكانت لاريز هي من تتعرض لهذا.
من الأفضل أن أكون أنا من يتحمل.
بعد ذلك اليوم، استمر الروتين كما هو.
بدأت مديرة دار الأيتام بمراقبتي وهي تبحث في الغابة منذ ذلك اليوم.
ربما لأنها تخشى أن ألتقي بلاريز مرةً أخرى، كانت تتبعني طوال اليوم.
بسبب ذلك، لم أستطع الاقتراب من المخزن نهارًا أو ليلًا.
كل ما فعلته هو الجلوس على شجرة كبيرة وقراءة كتاب كما في السابق.
وهكذا مرّ الوقت، وفي اليوم الذي أكمل فيه لوهين شهرًا منذ مغادرته مع الدوق، حدث ذلك الأمر.
كل شيء سار بشكل مختلف تمامًا عن توقعاتي.
كان من المفترض أن يأتي الدوق بعد خمس سنوات، لكنه عاد ممسكًا بيد لوهين إلى دار الأيتام.
“عربة!”
“تلك العربة…”
لم يكن هناك زوار كثيرون لدار الأيتام، لذا كان وصول أحدهم حدثًا كبيرًا للأطفال.
خاصة أن الأطفال الذين رأوا عربة الدوق الفاخرة من قبل رفعوا أصواتهم أكثر هذه المرة.
بل وأسرعوا نحوي وأنا أقرأ كتابًا وهزّوني بعنف.
“تلك العربة! آيشا! آيشا!”
“ماذا؟ لا تزعجني.”
“إنها العربة التي أخذت ذلك الفتى!”
“…ماذا؟”
عند كلام طفل آخر، نهضت بسرعة وصعدت التل.
من بعيد، رأيتُ بوضوح عربةً قادمةً.
عربة فضية، مصحوبة بفرسان أكثر من المرة السابقة وعربات صغيرة، تقترب من هنا.
شعرت وكأن جسدي يتصلّب.
هل أرى أوهامًا؟
فركت عينيّ مرات عديدة.
لكن مهما نظرت، كانت تلك بالتأكيد عربة الدوق.
“لقد تغيّر…”
تغيّر محتوى الرواية.
كان من المفترض ألا تأتي هذه العربة الآن.
أن تأتي الآن يعني أنها جاءت لأخذ لاريز.
“آه، آه؟ إلى أين تذهبين، آيشا؟”
تركت الأطفال الذين يفرحون برؤية العربة واستدرت بسرعة.
سمعت أصوات الأطفال المصدومين من خلفي، لكن ذلك لم يكن المهم الآن.
‘يجب أن أجد لاريز.’
كما توقّعت، عندما ركضت، سمعت أصوات خطوات تتبعني.
تلك الخطوات التي تتبعني دائمًا منعتني حتى من البحث عن لاريز.
لكن الآن لنَ يكون الأمر كذلكَ
.
‘إذا وجدت لاريز الآن، وإذا حقّقتُ في أولئك الذين يتبعونني…’
ربما أجد صلةً بالدوقة.
لذلك، ركضت أسرع وأسرع.
بالطبع، لكسب بعض الوقت، تجنّبت الدوران حول السياج ومررت من ثقب صغير لتضليل من يتبعني.
“أين أنتِ… أين أنتِ… من فضلكِ، اظهري…”
وفي الوقت نفسهُ، فتّشت محيط الغابة بعنايةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 20"