“……نعم، أحسنتِ فعلًا. لقد قمتِ بعمل رائع. ألم يُنقذ الأطفال العالقين في المخزن بفضلكِ؟ لقد كان ذلك عملًا جيدًا.”
“حقًّا؟ إذًا، هل يمكن أن تُحققي لي طلبًا واحدًا؟”
“طلب؟”
“أليس من حقي الحصول على شيء أريده إن تلقيتُ مديحًا؟”
شعرتُ بـالانزعاج يَرتسم على وجه المديرة، لكنّني تعمّدتُ المبالغة في تصرفاتي أكثر.
وفي النهاية، وكأنها تخلّت عن المحاولة، فتحت فمها ببطء.
“……ما هو؟ ما الذي يجعلك تطلبين مكافأة على المديح في هذا الوضع؟”
“أريد! أن أعتني بالأطفال بنفسي! الكاهنة ميلوديا وافقت، لكنكِ أنتِ من يجب أن تمنحيني الإذن بذلك!”
“تعتنين أنتِ بهم؟”
“إنهم يُحبونني كثيرًا!”
ابتسمتُ بسعادة وأنا أُمسك بأيدي الأطفال بقوّة.
ارتجف لوهين قليلًا، لكنّني تجاهلتُ الأمر وأصررتُ على طلبي من المديرة.
“ماذا؟”
“هل لا يمكن؟ هل أنتِ غاضبة؟”
تعمّدتُ ألا أُتيح لها وقتًا للتفكير، وواصلتُ إلحاحي.
“…….”
“أظن أنّه من الأفضل فعلًا. طالما أنهم سيبقون هنا على أية حال.”
في تلك اللحظة، دعمتني الكاهنة ميلوديا.
ربما لأنّ الأمور وصلت إلى هذا الحد، أومأت المديرة برأسها وكأنها لم تجد مفرًّا.
“إذًا، اعتني بهم كما تشائين. سواء في غسلهم أو إطعامهم، كل شيء سيكون مسؤوليتكِ. لن يُساعدكِ أحد. عليكِ أن تتحملي مسؤولية كلماتك.”
هل كانت تستلم؟ أم تُخطط لأمر آخر؟
‘مهما كان، من المؤكّد أن المديرة ليست من النوع الذي يترك الأمور تمرّ ببساطة.’
حتى وإن كانت تحكم هذا المكان كأنها ملكة، فإنها لا تستطيع اتخاذ خطوات حاسمة الآن.
‘وهذا ما كنتُ أُريده أصلًا.’
على الأقل، لن تُقدم على ضرب الأطفال. فقد قالت الكاهنة ميلوديا بنفسها إنها ستُرسل من يُراقب.
الوضع أصبح مستقرًا أكثر ممّا توقعت، ولو بقليل.
“نعم! سأقوم بواجبي على أكمل وجه!”
“……حسنًا. إذًا، اذهبي يا آيشا واعتني بالأطفال بنفسكِ. وإذا واجهتِ صعوبة، تحدّثي مع أيّ من المعلّمات.”
“حاضر!”
ابتسمت الكاهنة ميلوديا برقة، وكأنّها تُهدّئني بكلماتها.
ثم، بينما كانت تُلقي نظرة بيني وبين التوأم، بدت وكأن شيئًا خطر ببالها، فعقدت حاجبيها.
“لكن…… مظهرهم يُذكّرني بشخص ما. شعرٌ فضّي باهت، وعيون زرقاء……”
“هل هذا غريب؟”
“آه، لا. لا بدّ أنها مجرد صدفة. هيا بنا.”
عندها فقط بدأت تمشي أمامي.
حتى في تلك اللحظة، كان الفرسان المُقدسين يُراقبونني أنا والأطفال بقلق، وكأنهم يخشون حدوث أمرٍ ما.
وصلنا إلى فناء الميتم.
كانت الكاهنات اللواتي جئن لزيارة الميتم يُقدّمن الهدايا للأطفال أو يُمضين معهم وقتًا ممتعًا.
ولهذا، كان كل طفل قد تفرّق ليستمتع بوقته مع إحدى الكاهنات.
لكن، ما إن ظهرت الكاهنة ميلوديا وأنا والتوأم الجديد، حتى اندفع الجميع نحونا دفعة واحدة.
“واو…… أطفال جُدد!”
“من أنتم؟”
“من هؤلاء؟”
“آيشا. من هؤلاء الأطفال؟”
“كاهنة ميلوديا، من أين جاء هؤلاء الأطفال؟”
حتى الكاهنات الأخريات اللاتي كنّ يعتنين بالأطفال اقتربن بسرعة، بدهشة، وكذلك المربيات.
اقترب الجميع من التوأم بوجوه شاحبة.
لكن التوأم لم يُرحّبا بالاهتمام، وسرعان ما اختبآ خلفي.
وعندما لاحظت الكاهنة ميلوديا ذلك، سارعت بالوقوف في وجه الجميع.
“تراجعوا خطوة إلى الوراء، رجاءً.”
“ماذا؟ لكن، الأطفال……”
“لا بأس. يبدو أنهم يخافون من الكبار، لذا دعونا نحافظ على مسافة.”
عندها فقط، بدأ الحاضرون يتراجعون ببطء.
لكن الأطفال الآخرين أخذوا يقتربون بدلًا من ذلك.
“هل يُمكننا الاقتراب؟”
“نحن أيضًا أطفال.”
“لا. حتى الأطفال لا يجب أن يقتربوا. في الوقت الحالي، فقط آيشا هي من يُسمح لها بالتواصل معهم. على ما يبدو، هم لا يشعرون بالخوف منها.”
بعد كلمات الكاهنة ميلوديا الصارمة، تراجع الأطفال الذين التفّوا حولي بخيبة أمل.
وحينها فقط، أخرج التوأم رؤوسهم من خلفي بحذر.
ثم بدأت الكاهنة ميلوديا تُفتّش بنظرها حول المكان.
“أيتها الكاهنات، هل وُزّعت جميع الهدايا التي جلبناها على الأطفال؟”
“نعم، كاهنة ميلوديا.”
“شكرًا لكنّ على مجهودكنّ. أعتقد أنه علينا العودة اليوم.”
لقد كانت الكاهنة ميلوديا دائمًا ما تمكث حتى وقتٍ متأخر مع الأطفال، لذا بدا الجميع مُتفاجئًا من رغبتها في المغادرة مبكرًا.
“مغادرة مفاجئة؟”
“نعم. عليّ أن أُقدّم تقريرًا. وبالمناسبة، فإنّ المديرة ستتنحّى عن منصبها مؤقتًا. لذا على المعلّمات أن يتولين مهامها في الوقت الحالي. وسنُرسل الأوراق الرسمية لاحقًا.”
ارتسمت الكآبة على وجوه المربيات عند سماع ذلك.
“ماذا يعني هذا……؟”
“سأوضح الأمر باختصار. التفاصيل ستشرحها المديرة لاحقًا. كما سيتم إرسال مندوبين من طرف المعبد، ويُمكنكنّ التحدّث معهم. وسنُرسل المستندات رسميًّا.”
ثم، بعد أن ألقت نظرة هادئة على المربيات، حوّلت الكاهنة ميلوديا نظرها إليّ.
ثم قابلتني بعينين حازمتين.
“إذًا، آيشا. سأعود لاحقًا، لذا أرجو أن تعتني جيدًا بالأطفال.”
“بالطبع!”
“وفي المرة القادمة، أودّ أن أسمع من أفواههم مباشرة عمّا حدث. هل ستجعلينهم قادرين على ذلك؟”
“نعم! لا تقلقي، كاهنة ميلوديا!”
هززت رأسي بحماس وقفزت في مكاني مثل طفلة سعيدة.
وعندها فقط، نظرت الكاهنة ميلوديا إليّ وإلى التوأم مرة أخيرة، ثم اتجهت نحو المربيات.
“لنذهب من هذا الجانب.”
وبسرعة، بدأت المربيات يجمعن الأطفال استعدادًا للمغادرة مع الكاهنات.
“إذًا، العبوا معًا لبعض الوقت.”
“انتظروا!”
رفعتُ يدي بسرعة لأوقفهم.
“أستاذة، هل يُمكنني الذهاب إلى الغرفة مع هؤلاء الأطفال؟ إنهم متّسخون جدًّا وأُريد غسلهم.”
“بالطبع. إل، هلّا جلبتِ ملابس لآيشا من المخزن؟”
“نعم!”
وبعد أن حصلت على الإذن، أمسكتُ بيد التوأم ودخلتُ إلى الداخل.
بالطبع، حاول لوهين سحب يده مني، لكنّني أمسكتُ بها بإحكام أكبر.
وبعد أن وصلنا إلى غرفتي، أطلقتُ سراح أيديهما.
“لحسن الحظ، الميتم مجهّز بشكل جيد، فكل غرفة تحتوي على حمام خاص.”
“واو! إنها غرفة الأطفال!”
ما إن دخلنا حتى ضمّت لاريز البطانية التي كانت تحملها بقوة وهي تُراقب المكان.
“هذه غرفتكِ، أليس كذلك، أختي؟”
“نعم! ولحسن الحظ، ليس لدي شريكة غرفة الآن، لذا الأمر مناسب.”
“…….”
بينما كانت لاريز تُحدّق بعيون لامعة في المكان المختلف تمامًا عمّا اعتادته، كان وجه لوهين لا يزال متجهّمًا.
“ما الأمر؟ ألا يُعجبك، لوهين؟ إنها من أفضل الغرف في الميتم……”
لكنّه لم يُعلّق. بل اقترب من النافذة ونظر إلى الخارج.
“ماذا؟ هل لاحظت شيئًا غريبًا؟”
“هل هذا المكان آمن حقًّا؟”
“بالطبع. إذا أغلقت الباب، فلن يتمكن أحد من الدخول.”
“……لا أُصدّق.”
“حقًّا؟ ممتاز، لوهين. إذًا، يمكنك أن تحرس الغرفة. سأذهب لأُحمم لاريز.”
تجمّدت ملامح لوهين، الذي كان يرمق الخارج بعين حادّة.
“لاريز، هل ترغبين بالاستحمام معي؟”
“آه…… لكن، أنا متسخة……”
“لا بأسَ إذا كنتِ كذلكَ!.”
“أخشى أن تكرهيني، أختي……”
كان جسدها يتلوّى بخجل، فأمسكتُ برفق برأسها وربّتُ عليه.
رغم ما تمتلكه من قدرة شفائية مذهلة، إلا أنّ آثار العنف المتكرّر لا تختفي بسهولة.
ولذلك، لم تكن تُريد إظهار جسدها لي.
لكن، وبدافع المعرفة بذلك، ابتسمتُ لها أكثر.
“لا بأس. مهما كان شكلكِ، لن أكرهكِ أنتِ ولا لوهين أبدًا.”
“حقًّا؟ أخي، الأخت لا تكرهنا!”
“……أتُصدّقين ذلك؟”
“نعم! قلتُ لك، الأخي، الأخت كانت مميزة! منذ أول مرّة دخلت من خلال فتحة السور!”
أجابت لاريز وهي تضحك ببراءة وعينيها تتلألآن.
لكن لوهين ظلّ يُحدّق بي بوجهٍ متجهم.
وقبل أن يبدأ بالتذمّر مجددًا، ربّتُّ على كتف لاريز برفق.
“حسنًا. هيا لنغتسل الآن.”
“نعم! سأُصبح نظيفة! أمّا أخي فسيبقى متّسخًا!”
ضحكت لاريز كطفلة بريئة وأمسكت بيدي.
كم هي محبّبة. ليس لأنها ابنة رجل قوي، بل لأنها ببساطة طفلة جميلة.
‘فتاة بهذا الجمال ستُصبح شريرة؟’
لن أسمح بحدوث ذلك أبدًا.
سأجعل لاريز سعيدة، وأمنعها من سلوك الطريق المظلم.
ضغطتُ أسناني بقوّة.
“أختي… وجهكِ مُخيف……”
“هاه؟ لا، لا! لا تخافي! أنا بخير!”
فتحت عينيها على اتساعهما وهي تنظر إليّ، فأسرعتُ أُلوّح لها بيديّ بنفيٍ شديد.
“آه……!”
“أتعلمين، لاري؟ سأُنقذكما، حقًّا.”
“لكنكِ أنقذتينا بالفعل.”
“لا! سأُنقذ طفولتكما. سأجعلها مثل أيّ طفلٍ طبيعي.”
“أختي……!”
التعليقات لهذا الفصل " 10"