51
**51 اللقاء مع اللورد جود**
هبطتُ مع اللورد جزلهايد في الحديقة الواسعة داخل فناء القصر، التي تبدو أشبه بغابة صغيرة.
أخرجتُ بسرعة الملابس التي كنتُ قد أعددتها مسبقًا وساعدتُ اللورد جزلهايد على ارتدائها.
بالفعل، تبدو الملابس التقليدية للإمبراطورية، التي تُرتدى عن طريق ربطها بحبل، سهلة الارتداء والخلع.
بعد أن أنهى جزلهايد استعداداته بسرعة، خرجنا من الحديقة، فاستقبلنا اللورد جود كعادته، بوقفته المتألقة وخلفه زهور ضخمة تتمايل في الخلفية.
قال بابتسامة مشرقة:
“لورد جزلهايد، إمبراطور اللهب، يشرفني لقاؤك. أنا جود إلجيريا.”
أجابه جزلهايد بنبرة ثابتة:
“أقدّر لك استقبالنا رغم قدومنا المفاجئ. أنا جزلهايد أوغنياس.”
أضفتُ بتحية بسيطة:
“لقد مضى وقت طويل، لورد جود.”
بعد أن أنهيا تحياتهما، انحنيتُ بخفة أمام اللورد جود.
لكن فور أن فعلتُ ذلك، أدركتُ أن هذا تصرف غير رسمي للغاية تجاه جلالة الملك، لذا تداركتُ الأمر سريعًا، وقمتُ بإمساك طرف تنورتي وانحنيتُ بانحناءة رسمية لائقة.
“أعتذر عن طول الغياب، لورد جود. أنا آنِّيريا يوفيرهيلم.”
ضحك اللورد جود بلطف، وقال:
“أعرف من تكونين يا آنِّيريا. لكن، لماذا أصبحتِ رسمية فجأة وكأنكِ تتعاملين مع شخص غريب؟”
أجبتهُ بجدية:
“أنا الآن زوجة اللورد جزلهايد، لذا عليَّ التصرّف بشكل لائق.”
“لا داعي لذلك، كوني كما كنتِ دائمًا.”
ابتسم جود بوداعة، وكلماته الدافئة جعلتني أتذكر مكانته في حياتي.
إذا كان أخي أنجيل قد لعب دور الأب بالنسبة لي، فإن اللورد جود، الذي درستُ ولعبتُ معه في طفولتي، كان بمثابة الأخ الأكبر لي.
لكن رغم ذلك، لا يمكنني أن أتصرف معه بحرية في حضرة اللورد جزلهايد.
وعندما أجبتهُ قائلة: “لا، لا يمكنني فعل ذلك”، خفض اللورد جود نظره للحظة بحزن، لكنه استعاد رباطة جأشه سريعًا وقال بنبرة مطمئنة:
“أنا سعيد برؤيتكِ بخير، آنِّيريا. كنتُ واثقًا أنكِ ستكونين على ما يرام.”
عندها قال اللورد جزلهايد بصوت عميق:
“لا أجد كلمات تكفي لأعبر عن امتناني لك، جلالة الملك، لإرسال آنِّيريا إلى إمبراطوريتي… وإليّ.”
أجاب جود بجدية:
“لا داعي لكل هذا الامتنان، جلالة إمبراطور اللهب. في الحقيقة، كنتُ في حيرة بشأن من يجب أن أرسل إلى الإمبراطورية، لكن آنِّيريا جاءت بنفسها وأخبرتني برغبتها في الزواج منك. أنا فقط حققتُ رغبتها.”
اعترضتُ على الفور:
“لم أقل ذلك بتلك الطريقة! كل ما في الأمر أنني كنتُ أتحدث مع أخي عن مواصفات الرجل الذي أفضله…”
ضحك اللورد جود، وأردف مازحًا:
“قلتِ إنكِ تفضلين رجلًا ذا بنية ضخمة، قويًّا، يمكنه حملك على كتفه أثناء سيره… لكن للأسف، لا يوجد رجل بهذه المواصفات في مملكتنا، لذا لا بد أنكِ كنتِ تعنين الزواج بجلالة إمبراطور اللهب.”
تلعثمتُ، وقلتُ بصوت خافت:
“ح- حسنًا… قد يكون ذلك صحيحًا…”
بدا الأمر وكأنني امرأة سطحية تبحث عن رجل بمواصفات جسدية فقط، لكن هذا ليس صحيحًا!
شددتُ قبضتي قليلًا على طرف ملابس اللورد جزلهايد لأعبر له عن مشاعري الحقيقية، فابتسم برضا، وعيناه تلمعان بسعادة.
قال بصوت هادئ لكن قوي:
“على أي حال، لا بد أن مجيئك إليّ كان أمرًا مخيفًا. لذا، أقدّر شجاعتك، آنِّيريا، وأقدّر أيضًا قرار الملك جود. لو لم تأتي، لما كنتُ هنا الآن. فشعب التنانين قد انقرض منذ زمن، وأنا—”
“ربّما كنتُ سأسلك نفس الطريق… وأخوض صراعًا آخر مع المملكة.”
قال جود بنبرة هادئة:
“لقد كتب أنجيل عن معظم التفاصيل في رسالته. ذكر أنك ترغب في البحث في أرشيفنا. بالطبع، سأقدم لك المساعدة.”
“أشكرك على ذلك.”
“هذا أمر طبيعي. لقد تمكنت مملكتنا من التمتع بسلام طويل بفضل قوة إمبراطورية أوغنياس. نحن لم نتعرض للغزو لأن الإمبراطورية أعلنت حمايتنا.”
قادنا اللورد جود عبر الفناء نحو أرشيف القصر. كان أصغر حجمًا مقارنة بأرشيف الإمبراطورية، لكنه لم يكن غريبًا عليّ.
عندما كنتُ صغيرة، كنتُ أدرس هنا مع اللورد جود تحت إشراف معلمنا. كانت الأرفف مليئة بالموسوعات وكتب التاريخ والدراسات الأكاديمية، وأتذكر أنني كنتُ أتصفح الموسوعات أثناء فترات الاستراحة، أتساءل إن كنتُ سأجد في فناء القصر فراشات أو حشرات زاحفة أو جرادًا، وأحاول التسلل للخارج، مما كان يغضب المعلم.
لم يكن اللورد جود يحب الحشرات، فكان كلما رآني أتصفح الموسوعات، يقترب وينظر باشمئزاز قائلاً: “لديها الكثير من الأرجل”، “عدد مفاصلها مخيف”، أو “ألوانها مزعجة.”
قال جود وهو يحدق في الأرفف المليئة بالكتب:
“لقد بحثتُ بالفعل مع أمين الأرشيف، ولم أجد أي شيء مشابه حتى بين الكتب المحظورة. قد لا نتمكن من مساعدتك بشيء.”
أجابه اللورد جزلهايد بهدوء:
“لا بأس. في كل الأحوال، كنتُ أفكر في ضرورة التحدث معك حول المشكلة التي نواجهها، حتى لا نضطر إلى القتال مرة أخرى.”
أومأ اللورد جود قائلاً:
“لطالما شعرتُ أننا، رغم كوننا دولتين متجاورتين، لا نعرف الكثير عن بعضنا البعض. لكن بالنظر إلى آنِّيريا، أستطيع أن أفهم طبيعة جلالة إمبراطور اللهب. ربما تكون هذه فرصة جيدة لتعزيز التواصل بيننا.”
ابتسمتُ وقلت بحماس:
“إذن، سأبدأ البحث! سأتقدم إلى الأرفف، بينما يتحدث جزلهايد مع اللورد جود بمزيد من التفاصيل.”
ألقيتُ تحية سريعة عليهما قبل أن أتحرك إلى عمق الأرشيف.
لقد جئتُ إلى هذا المكان مرات عديدة. صحيح أنني لا أعرف كل كتاب موجود هنا، لكنني أملك فكرة عامة عن أماكن الكتب.
‘ما عليّ البحث عنه هو المجلد الثاني من كتاب “ولادة التنانين”…’
تسلل ضوء الشمس عبر النوافذ الصغيرة، مضيئًا الأرفف الممتلئة بالكتب. كان عبير الورق القديم مألوفًا لي، لطالما أحببتُ هذه الرائحة.
لكن هذا لا يعني أنني كنتُ مولعة بالدراسة، على العكس، كنتُ أفضّل التجول في الحدائق. أحببتُ الموسوعات التي تحتوي على صور الحيوانات والنباتات، وكتب الأعشاب الطبية، وكتب الفطريات الصالحة للأكل.
ثم تذكرتُ…
‘أذكر أنني، منذ زمن بعيد، وجدتُ هنا قصة رائعة…’
واصلتُ التقدم عبر الأرفف المتشابكة كالمتاهة. عندما كنتُ صغيرة، كانت تبدو أكثر تعقيدًا، والجدران المليئة بالكتب تبدو شاهقة الارتفاع.
كنتُ أتقدم في ذلك الوقت وكأنني أبحث عن شيء محدد.
لماذا كنتُ أذهب وحدي إلى أعماق الأرشيف؟
بدأت ذكريات ضبابية تطفو في ذهني، مثل فقاعات ترتفع من أعماق البحر، ببطء وهدوء…
‘إن لم تخنِّي الذاكرة… كان ذلك يوم حفلة ميلاد اللورد جود، أليس كذلك؟’
بما أنّه دائمًا ما كان يعاملني بلطف، وبما أنّ عائلتي، دوقية يوفيرهيلم، تربطها صلة قرابة بعيدة بالعائلة المالكة، فقد حضرتُ الحفلة برفقة شقيقي.
بطبيعة الحال، أعياد الميلاد مناسبة سعيدة، ويُفترض أن يكون هذا اليوم مليئًا بالبهجة.
ومع ذلك… حين رأيتُ اللورد جود يتلقّى التهاني من جلالة الملك وجلالة الملكة، شعرتُ بحزنٍ لا مبرر له.
كرهتُ كوني فتاةً سيئة لا تستطيع مشاركة الآخرين سعادتهم، واعتقدتُ أن عدم قدرتي على الابتسام أمرٌ غير مقبول. لذا، تسلّلتُ خارج القاعة بهدوء.
لكن لم يكن بوسعي الاختباء في أرجاء القصر، لذا اتّجهتُ إلى الأرشيف، المكان الذي كنتُ أدرس فيه دائمًا.
كنتُ أخشى أن أبكي إن لم أنشغل بشيء، وشعرتُ بالعجز أمام هذا الشعور، لذا مضيتُ إلى عمق الأرشيف.
لأنّ عدم القدرة على الفرح من أجل سعادة الآخرين أمرٌ خاطئ، لم أشأ أن يراني أحد في تلك الحالة.
وهكذا… جلستُ في عمق الأرشيف.
‘…أذكر أنه كان في هذا المكان.’
بينما أتتبّع ذكرياتي، مضيتُ أبحثُ في الأرفف.
عندما جلستُ حينها، وقع نظري على الجزء السفلي من إحدى المكتبات، حيث لم أكن أنظر عادةً.
كان هناك كتابٌ قديم، رقيق، يشبه الدفتر، عالقٌ بين مجلداتٍ ضخمة مجهولة المحتوى.
غلافه ممزق، وأطراف صفحاته مهترئة.
لكنّ ما كان مكتوبًا داخله كان مختلفًا عن أي كتابٍ قرأته من قبل.
لذا، نسيتُ حزني وانغمستُ في قراءته.
كيف…؟ كيف أمكنني أن أنسى أمره تمامًا؟
لم يكن بمقدوري أخذ الكتاب معي، لذا أعدته إلى مكانه.
كان في حالة يُرثى لها، وبدت محتوياته كقصة بلا معنى كتبها شخصٌ ما، مما جعلني أخشى أن يُرمى بعيدًا، لذا خبأته في عمق الرف.
وحين انتهيتُ من قراءته، كنتُ قد استعدتُ طاقتي تمامًا.
امتلأ رأسي بالخيال، بالكائنات الصغيرة، بالحيوانات، بالنباتات، وبالتنانين الضخمة.
ومنذ ذلك اليوم، وقعتُ في حبّ التجوّل في الغابات والحدائق.
وهكذا، نسيتُ أمر ذلك الكتاب المهترئ كليًّا.
“… ها هو ذا.”
سحبتُ الكتاب البالي من أسفل الرف، حيث كان عالقًا بين الكتب الكبيرة.
إنه تمامًا كما رأيته في طفولتي.
الغلاف ممزّق، والصفحات مثقوبة هنا وهناك.
لكن… على الأرجح…
“هذا هو.”
قصةٌ خيالية، غير معقولة، عن تنينٍ وفتاة.
لا وجود للتنانين في المملكة، وفكرة وقوع تنينٍ في حبّ فتاة ليست سوى…
حكايةٌ خرافية طريفة، لم أسمع بمثلها من قبل. هذا ما فكّرتُ به حين كنتُ صغيرة.
المترجمة:«Яєяє✨»