44
44
تم إعداد العشاء من المنتجات الخاصة بدوقية يوفيرهيلم، حيث تضمن شرائح لحم بقر غابة فوزيتانت، وسمك الدنيس المطهو مع المحار على البخار بالنبيذ الأبيض، وشرائح رقيقة من الأخطبوط مع كارباشيو مزين بقنفذ البحر، بالإضافة إلى خبز النخالة.
يهتم النبلاء، رجالًا ونساءً، بجمالهم وصحتهم.
يُقال إن خبز النخالة ذو قيمة غذائية عالية، ولذلك أصبح أكثر شهرة من الخبز الأبيض مؤخرًا.
كان أخي والسيد جزلهايد يشربان النبيذ الأحمر، بينما كنت أتناول ماء الأعشاب وأستمتع بوجبة دوقية لم أتذوقها منذ فترة. طعام الإمبراطورية لذيذ، لكنه لا يحمل نفس الإحساس الذي يبعثه طعام الدوقية في نفسي، إذ يملؤني بالحنين والراحة.
كان السيد جزلهايد يتناول الطعام بأناقة، يثني بين الحين والآخر على مذاق الأطباق.
مع أنه لا يأكل عادة أمام الآخرين—وهو أمر يُفترض أن يكون محرجًا للغاية—إلا أنه لم يُظهر أي علامة على ذلك.
كنت ممتنة له لأنه راعى وجودي، وأيضًا من أجل أخي وجميع أفراد الدوقية.
خلال العشاء، تحدث السيد جزلهايد وأخي عن الخنافس.
فعندما لاحظ السيد جزلهايد أن العديد من الرسومات في غرفة إلجييل كانت تحتوي على خنافس، علّق قائلاً: “يبدو أن سكان هذه البلاد يحبون الخنافس كثيرًا.” فما كان من أخي إلا أن بدأ يتحدث بحماس عن مدى روعة هيرقل الثالث.
وعندما سألت أخي عمّا إذا كان لديه أي كتب حول “طرق تربية الخنافس” بناءً على طلب رينيس ولافين، وعدني بأنه سيعطيني بعض الكتب الجيدة.
وحين انتهى العشاء، طرحت أخيرًا السؤال الذي كان يشغل بالي طوال الوقت:
“أخي… ماذا عن أختي إريكاثينا؟ كنت أظن أنها قد تكون مرتاحة في غرفتها بسبب حملها، لكن… لم تظهر حتى أثناء العشاء، هل هي بخير؟”
كنت أتساءل عما إذا كان أخي قد طلب منها البقاء في غرفتها بدافع الحذر من السيد جزلهايد، لكنها لم تكن المرة الأولى التي ألاحظ فيها أن أخي بدأ يثق به.
وإذا كان الأمر كذلك، فمن المفترض أن تأتي إريكاثينا لتحيينا قريبًا.
ومع ذلك، لم تظهر، ولم أشعر حتى بوجودها، مما زاد من قلقي.
قال أخي مترددًا:
“آه… في الواقع، هذا صحيح، آنِّيريا. بعد فترة قصيرة من مغادرتك إلى الإمبراطورية، دخلت إريكاثينا في شهرها الأخير، ومنذ ذلك الحين أصبحت طريحة الفراش. عرضناها على الطبيب، لكنه قال إنه لا يوجد ما يدعو للقلق. يبدو أن جسدها أصبح مثقلًا بسبب الحمل، ولذلك تجد صعوبة في الحركة.”
“هل… هل تأكل بشكل جيد؟”
“تقول إنها لا تشعر برغبة في الطعام. أنا قلق، لكني أؤمن أنها ستتحسن بعد الولادة… إلجيريل أيضًا تأثر بالأمر. بعد مغادرتك، ومرض إريكاثينا، أصبح أكثر اضطرابًا من ذي قبل.”
“لا بد أن هذا مقلق لك.”
“لذلك، أعتقد أنه شعر بالراحة اليوم عندما رآك أخيرًا وتمكن من التعلق بك قليلًا.”
“إذا لم يكن هناك مانع، هل يمكنني رؤية إريكاثينا؟ حتى لو كان مجرد تحية سريعة. لكن إن كان ذلك قد يؤثر على صحتها، فلن أصر على الأمر.”
أختي… هل أنتِ بخير؟
أريد رؤيتها، لكنني لا أرغب في إرهاقها في هذا الوقت الحرج.
يُقال إن الحمل والولادة ليسا مرضًا، ولهذا لا يوجد دواء لمعالجة حالتها.
كل ما يمكنني فعله هو الصلاة من أجل أن تلد طفلها بسلام وتستعيد عافيتها.
“هل ستذهبين لرؤيتها؟ أنا متأكد أنّ إريكاثينا ستفرح كثيرًا برؤية وجهك، آنِّيريا.”
“سأتحاشى الذهاب. لا ينبغي أن نرهق المريضة أو نجعلها تشعر بالحرج.”
“إن لم يكن لديك مانع، فسيكون من دواعي سرورنا أن ترافقنا، جلالتك. أعتقد أنّ إريكاثينا ستشعر بالحزن إن لم تستطع تحيتك.”
“أفهم… حسنًا، سأبقى مع آنِّيريا إذن.”
رافقنا أخي إلى غرفة إريكاثينا حيث كانت ترتاح.
وفي أثناء سيرنا عبر الممر، استيقظ إلجيريل واقترب منا راكضًا بوجه متوتر وسأل: “هل ستذهبون إلى غرفة والدتيّ؟”
فما كان منّا إلا أن سمحنا له بالانضمام إلينا.
طرق أخي الباب، ثم دخلنا.
كانت إريكاثينا مستلقية على السرير الأبيض الكبير بجانب النافذة.
حتى من فوق الغطاء، كان واضحًا أن بطنها أصبح كبيرًا جدًا.
انعكست أشعة الغروب البرتقالية على وجهها، مما جعلها تبدو مرهقة رغم بطنها المنتفخ.
عندما نظرت إلينا، رسمت ابتسامة ضعيفة على شفتيها.
“آنِّيريا… مرحبًا بعودتك. وجلالة إمبراطور اللهب… أعتذر لأنني لا أستطيع تحيتك كما ينبغي وأنا في هذه الحالة.”
“لا داعي لذلك… لا ترهقي نفسك بالكلام.”
أومأ السيد جزلهايد برأسه مطمئنًا، فأغمضت أختي عينيها براحة.
“شكرًا على لطفك.”
اقترب إلجيريل وسألها بتردد: “أمي… هل أنتِ بخير؟”
ربما كان والده قد طلب منه ألا يقترب كثيرًا. كان يبدو متوترًا بعض الشيء.
“أنا آسفة لأنني أقلقتك. لكن قريبًا… سيولد أخوك أو أختك الصغير، لذا اعتنِ به جيدًا، حسنًا؟”
“بالطبع!”
“أختي… لا ترهقي نفسك أكثر من اللازم. أنا واثقة أن الطفل سيولد بسلام، وستستعيدين صحتك قريبًا.”
وضعتُ يدي برفق على يدها. كانت دافئة لكنها ضعيفة.
شعرتُ وكأن كتلة من الجليد تجثم على صدري.
لقد فقدتُ والديّ بسبب المرض عندما كنت في الخامسة.
وإلجيريل لا يزال في الرابعة فقط.
مستحيل… لا، لا أريد التفكير في أشياء مخيفة كهذه.
أختي ستكون بخير. لا شك في ذلك.
“يوجد طفل في بطنها، إذن…”
كان السيد جزلهايد يحدق في بطنها المنتفخ وهو يتمتم بهذه الكلمات.
“أجل، جلالتك. أنا في شهري الأخير، وسيولد قريبًا.”
“لن أفعل شيئًا سيئًا… هل يمكنني لمسه؟”
“جلالتك…؟”
“يمكنني سماع نبضه من الداخل، لكنني أريد أن أسمعه بوضوح أكثر.”
أنا أعلم أن السيد جزلهايد لن يقوم بشيء مروع، لكنني مع ذلك وجدت نفسي أنظر إلى وجه أخي وأختي بالتناوب، متحيرة مما يجب علي فعله.
حدّق إليه.
“هل تنوي فعل شيءٍ لأمي؟”
وقف إلجيريل أمام السرير، فارداً ذراعيه ليحمي والدته من جزلهايد.
“لن أفعل شيئاً يستدعي القلق. لكن هناك أمر يثير اهتمامي.”
“أخي… الرجال التنانين يمتلكون سمعًا حادًا للغاية، جزلهايد تحديدًا يتميز بذلك. لذا، حين يقول إنه يسمع نبض الجنين، فهو لا يكذب…”
“أنا لا أشكك في ذلك، آنِّيريا. إن لمس جلالة إمبراطور اللهب بطنها، فلا شك أن الطفل سيولد قوياً. أليس كذلك، إريكاثينا؟”
“أجل… لا بأس لديّ. تفضل، افعل ذلك.”
أومأ أخي برأسه وأشار إلجيريل بالابتعاد عن السرير.
مدّ جزلهايد يده ووضعها على بطن أختي المتضخم من فوق الغطاء.
ساد الغرفة صمتٌ مشوبٌ بالتوتر.
“نبضه منتظم… ليس ضعيفًا أيضاً. لكن… يبدو أن قوة حياة الطفل شديدة للغاية… لدرجة أنها تستهلك قوة حياة الأم نفسها.”
نطق جزلهايد بصوتٍ هادئ، لكن كلماته جعلتني أرتجف.
كررتُها في رأسي، ثم شعرتُ بأنفاسي تنحبس.
“جزلهايد…! هل تعني أن…”
“جلالتك… إريكاثينا…”
“أمي…!”
كان صوت إلجيريل يختنق بالبكاء وهو يحاول جاهدًا كتم دموعه، لكن حزنه كان واضحًا.
قد يولد الطفل بسلام، لكن… أختي؟
“لا يمكننا ترك الأمور هكذا. لهذا، إريكاثينا… سأمنحكِ وطفلكِ بركتي حتى تظلا بخير.”
“بركة…؟”
تمتمت أختي بدهشة، فأومأ جزلهايد بخفة.
“اللهب… هو قوة الحياة. سأمنح طفلكِ القليل من سحري، حتى لا يسلبكِ المزيد من طاقتكِ. بعد ذلك، يعتمد الأمر عليكِ… تناولي الطعام جيدًا، وارتاحي قدر المستطاع. ستستعيدين قوتكِ تدريجيًا.”
“لكن… هل سيكون ذلك بخير، جلالتك؟”
ارتجف صوت أخي قليلًا.
“عائلة آنِّيريا هي عائلتي أيضاً. لذا، إن كان بإمكاني إنقاذهما، فسأفعل.
أنا وآنِّيريا نعرف جيدًا ألم فقدان الأم أو الأب… لا أريد لهذا الطفل أن يمر بتلك المعاناة.
أتثق بي؟”
“… فهمت. أرجوك، اعتنِ بها.”
أومأ أخي، فأغمض جزلهايد عينيه.
توهجت راحة يده بلونٍ أحمر وهو يضعها على بطن أختي، وظهر على ظاهر يده نقشٌ دائري يشبه شكل النقش الذي علي لسانه.
لكن التوهج لم يدم سوى لحظة.
عندما اختفى الضوء، أبعد جزلهايد يده عن أختي، بينما رمشت هي عدة مرات بدهشة، قبل أن ترفع جزعها ببطء وتقول:
“لا أفهم تمامًا ما الذي حدث، ولكن…”
“كان من المؤلم حتى مجرد تحريك جسدي أو التنفس، لكنني أشعر الآن بتحسنٍ طفيف. حتى عندما جلستُ، لم أشعر بالدوار.”
“إريكاثينا…! هل تستطيعين شرب شيء؟ هل يمكنكِ تناول الطعام؟”
“نعم، زوجي العزيز. أشعر… بالجوع بعض الشيء أيضًا. إلجيريل، تعال إلى هنا. آسفة لأنني أقلقتك.”
ركض إلجيريل نحو أختي، بينما راح أخي يشكر جزلهايد مرارًا، ثم استدعى الخدم بسرعة وأمرهم بتحضير الطعام.
“جزلهايد… بعد أن منحت الطفل الذي لم يولد بعد سحرك، هل هذا يعني أنه سيكتسب قوىً خاصة؟”
“لا، لن يحدث ذلك. لقد منحتُه كميةً ضئيلةً جدًا، فقط ما يكفي للحفاظ على حياته دون أن يسلب طاقة والدته. لم يكن ذلك أكثر من مجرد دعمٍ بسيط. … ولكن، على أي حال، أنتم البشر تُربّون أطفالكم في بطونكم؟”
“…ماذا؟”
بدا كلام جزلهايد غريبًا بعض الشيء، وكأنه يشير إلى أمر مثيرٍ للاهتمام.
لكنني لم أرغب في إزعاج أختي أكثر، لذا قررتُ أخذ جزلهايد والعودة معه إلى غرفتي.
المترجمة:«Яєяє✨»