اعتمد البشر على قوة التنانين الهجينين، بينما اعتمد التنانين الهجينون على حكمة البشر، وسوّيا، بنوا مملكةً مزدهرة.
لكن السلام لم يدم طويلًا.
كان التنانين الهجينون كائنات تهب الحب الأبدي لشريكٍ واحد فقط—غريزة متجذرة في طبيعتهم الوحشية.
أما البشر، بذكائهم ودهائهم، فكانوا متقلبين وكثيري الخداع.
حين كان التنانين الهجينون يبرمون عهد الحب الأبدي، لم يكن ذلك يعني شيئًا للبشر.
فبينما كان العهد أزليًا بالنسبة إلى التنانين، كان مجرد رابطة عابرة بالنسبة إلى البشر.
حين فُقد الحب، غرق التنانين الهجينون في الحزن واليأس.
ثم تحول الحزن إلى كراهية، والغضب إلى انتقام.
كان هناك من قتل شريكه البشري الذي خانه، ثم انتحر.
وكان هناك من اختطف شريكه البشري، وأبقاه أسيرًا كحيوانٍ، يعذبه حتى الموت.
تحول الحب إلى غضب، والسلام إلى صراع.
خشيةً من أن تقع المملكة تحت سيطرة التنانين الهجينين الأقوياء، اختار البشر القتال حتى الموت.
وهكذا، غرقت المملكة التي كانت تنعم بالسلام في بحرٍ من الدم والكراهية.
وفي خضم تلك الفوضى، ظهر تنين هجين، خشاه البشر والتنانين على حد سواء، وأطلقوا عليه لقب “إمبراطور اللهب”.
كره “إمبراطور اللهب” الحروب، واشمأز من رؤية الأرواح تُزهق بسهولة.
لذا، قاد التنانين الهجينين بعيدًا عن المملكة، ونقلهم إلى أرضٍ قاحلة مجاورة، وهناك، أسس إمبراطورية أوجنياس، وأصبح أول أباطرتها.
أمر “إمبراطور اللهب” التنانين الهجينين قائلاً:
“لا تخطوا إلى داخل المملكة.”
“مهما بلغ حبكم للبشر، لا تتواصلوا معهم.”
“لكن المملكة هي أرضنا الأم، لذلك علينا أن نحميها من الغزاة إلى الأبد.”
كان هناك فتاةٌ بشريةٌ أحبها “إمبراطور اللهب” حبًا جمًا.
لكنه عقد العزم على ألا يراها مجددًا.
تأثر التنانين الهجينون بعزمه، فقرروا اتباعه.
(من “تاريخ إمبراطورية أوجنياس”، المجلد الأول)
◆◆◆◆
عدتُ إلى القصر برفقة جزلهايد…
بمساعدة سانيا ورينيس ولافين، وكذلك *أدريان، قمنا بتفتيش المكتبة الضخمة التي تحتوي على عدد هائل من الكتب لدرجة تسبب الدوار، حتى عثرنا أخيرًا على الكتاب الذي كنا نبحث عنه.
ورغم أن رينيس وأدريان كانا يقولان إنهما لا يجيدان التعامل مع الكتب، فقد بحثا بجدية في أرجاء المكتبة.
خصوصًا أدريان، فهو متزوج.
كان يفكر في الأمر كثيرًا، ويتساءل: ماذا لو وُلد له طفل مصابٌ بمرض القشور؟
وبسبب هذا القلق، امتنع عن إنجاب الأطفال.
شعرتُ أن هذا أمرٌ محزنٌ للغاية.
فمن الطبيعي أن يرغب الشخص في إنجاب طفل من الشخص الذي يحبّه، أن يكون له عائلة.
ربما لا يشعر الجميع بذلك، ولكن بالنسبة إلي، فهذا شعورٌ طبيعيٌّ تمامًا.
انتقيتُ أهم الفقرات من الكتب التي كانت مكدّسة على الطاولة، وقرأتُها بصوتٍ مسموع، ثم رفعتُ بصري نحو جزلهايد.
“إذن، كان الإمبراطور الأول يُلقّب أيضًا بـ(إمبراطور اللهب)، أليس كذلك، جِزيه-ساما؟”
“يبدو أن الأمر كذلك.”
“يُقال أيضًا، يا جزيه-ساما، إن جلالتك هو تجسيدٌ جديدٌ لإمبراطور اللهب هايدرانجيا.”
عندما أضاف غيلفورد هذه الكلمات، تنهد جِزيلهايد بضجرٍ، وكأنه لا يُبدي اهتمامًا.
“على الأرجح، قرأ (الإمبراطور الجليدي) هذا واستنتج ببساطة أن التزاوج مع البشر لن يؤدي إلى ولادة أطفال مصابين بمرض القشور. أعتقد أن هذا استنتاج متسرّع.”
“لكن لا يوجد حلٌّ آخر. آسفٌ لقول ذلك، ولكننا نُعلّق آمالنا على جلالته، وعلى سموّ الأميرة… إن ازدهرت المحبة بين جلالته وسموّ الأميرة، فقد يكون ذلك مفتاحًا لاستعادة التواصل مع المملكة. إذا تمكنّا من توحيد هذا البلد مع المملكة مجددًا، فقد لا يضطر التنانين الهجينون إلى العودة إلى شكل التنانين، أو إلى الانقراض.”
قال غيلفورد ذلك بصوتٍ يملؤه الحرج، ثم تابع أدريان الحديث، بينما أومأ رينيس ولافين برأسَيهما بأسف.
“نعتذر منكِ، سموّ الأميرة. لقد خدعناكِ. ولكن… نحن نُقدّركِ كثيرًا. منذ قدومكِ إلى القصر، شعرتُ وكأن الربيع قد حلّ علينا. وجودكِ اللطيف والمرح منحنا جميعًا الأمل، بل حتى جلالته نفسه، استطعتِ إذابة جدران قلبه. نحن ممتنون لكِ.”
“لا داعي للاعتذار. لو أخبرتموني منذ البداية، لكنتُ سأساعدكم بكل سرور. لكنني أدرك أنكم جميعًا كنتم تُراعون مشاعري، ولذلك تجنّبتم الحديث عن المرض. شكرًا لكم، لاهتمامكم بي، ولأنكم عاملتموني بلطف.”
عندما انحنى أدريان ليقدّم اعتذارًا عميقًا، ابتسمتُ له شاكرة.
لم يكن هناك داعٍ للاعتذار أو للشكر.
فأنا لم أفعل شيئًا بعد، وعلى أي حال، مجرد لقائي بـ جزلهايد يجعلني سعيدة.
“هناك أمرٌ يُثير فضولي.”
“ما هو؟”
بينما كنتُ أحدّق في الكتاب أمامي، احتضنني جزلهايد من الخلف وكأنه أمرٌ طبيعي تمامًا، ثم سألني.
“كتاب (ميلاد التنانين الهجينين) يحتوي فقط على الجزء الأول. أريد أن أعرف محتوى الجزء الثاني. جِزيه-ساما، أتذكر؟ لقد تساءلتَ سابقًا عن كيفية حدوث التزاوج بين تنينٍ ضخم وإنسانٍ صغير؟”
“آه، نعم، قلتُ ذلك. لطالما تساءلتُ كيف يمكنني، حين أكون في هيئة التنين، أن أحتضنكِ يا آنِه. لا أرى أي طريقةٍ ممكنة. وحتى الآن، مجرد أن تتقبّليني—”
“كفى! لا تُكمل! جِزيه-ساما، أنا أتكلم بجدية الآن!”
“وأنا أيضًا جاد.”
عندما التفتُّ نحو جزلهايد، نظرتُ إليه بنظرة غاضبةٍ خفيفة.
“…على أية حال، أعتقد أن أول امرأة أحبّت التنين… ربما فعلت شيئًا لتجعله يقع في حبها. ربما جعلته يتحول إلى شكل إنسان… لا أدري، لكن أعتقد أن الجزء الثاني يحتوي على ذلك.”
“للأسف، يا آنِيريا-ساما، لا يوجد الجزء الثاني في أي مكان.”
هزَّ غيلفورد رأسه.
أغمضتُ عيني وتفكرتُ.
لقد عاش البشر والتنانين الهجينة معًا لفترة طويلة في المملكة.
إذا كانت المملكة هي موطن النوعين، فإنَّ ذلك قد يكون ذا علاقة بالموضوع…
“ربما، في مكتبة القصر في المملكة، بقي الجزء الثاني فقط هناك. لا أعلم، لكن أعتقد أنه يستحق المحاولة.”
“في قصر المملكة؟… صحيح، كان التنانين الهجينة موجودين في المملكة في الأصل. قد تكون هذه فرصة، ولكن…”
“سأعود إلى المملكة وأطلب من جود أن يساعدني في البحث عن الكتاب. لا داعي للقلق، جِزيه-ساما. الكتب التاريخية تقول إن البشر كذابون وإن الحب يبرد بمرور الوقت، لكن هذا ليس الحال مع الجميع. أرجو أن تثق بي.”
فهمتُ الآن ما كان يقصده جزلهايد عندما تحدث عن الأخطاء القديمة.
من الواضح أن تلك الأخطاء كانت تتعلق بالصراعات.
ربما لا يوجد حب أبدي، وربما تحدث تغييرات في المشاعر.
لكن، أنا أحب جزلهايد.
لا أريد أن أعيش في خوفٍ من المستقبل المتغير.
“…آنِيريا. سأذهب معكِ.”
قال جزلهايد باختصار.
“جِزيه-ساما؟ إلى المملكة؟”
“نعم. … لم نكن نعرف الكثير عنكم. كنا نظن أنكم تأكلون الخنافس! لم نتبادل التحيات، وكنا نتهرب منكم بسبب خوفنا من الصراعات. ولكن الآن، إذا كنا بحاجة إلى المساعدة، يجب ألا نخطئ في الأمر. سأذهب معك إلى المملكة، وسأتحدث إلى الملك، وأيضًا إلى عائلتك.”
“جِزيه-ساما…!”
ركضتُ نحو جزلهايد واحتضنته.
كنتُ قلقة بشأن الأمور التي يجب القيام بها، لكنني كنتُ سعيدة للغاية لأنه سيأتي معي.
التعليقات لهذا الفصل " 38"