33
**33قصر المطر**
بدأ المطر يهطل بغزارة، تتساقط قطراته على وجهي ورأسي.
شعرتُ بمتعةٍ غريبةٍ عندما غمرني المطر الدافئ، ففتحتُ ذراعيّ على اتساعهما.
“آنِه، المطر يزداد… لنُسرع قليلًا.”
قالها جِزِلهَايد-ساما، ثم زاد من سرعته نحو القصر المشيد داخل منحدر الجبل الصخري.
بدا أن شرفة القصر ضيقةٌ جدًا ليتمكن من الهبوط عليها بشكله التنيني، فتساءلتُ كيف سيصل إليها.
لكن، قبل أن أفهم ما يحدث، تحوَّل جِزِلهَايد-ساما إلى هيئته البشرية بالقرب من الشرفة.
وجدتُ نفسي بين ذراعيه، محمولةً بخفةٍ كما لو كنتُ عائمةً في الهواء، ثم هبطنا برفقٍ على الشرفة.
كان المنظر من الشرفة محاطًا بالضباب، والمطر الخفيف استمر في الهطول بهدوء.
“لقد ابتللتِ تمامًا، آنِه. هل أنتِ بخير؟”
“لا بأس، إنه مجرد بللٍ بسيط. عندما كنتُ صغيرةً، كنتُ كثيرًا ما أتبلل أثناء تجوالي، فيهرع أخي ليأخذني إلى المنزل. لطالما أحببتُ أن أُبلل بالمطر، لكن أخي كان يقلق ويقول إنني قد أمرض…”*
“المرض؟ هذا ليس جيدًا. يجب أن تستحمي وتبدلي ملابسكِ فورًا.”
“إنه مجرد بللٍ بسيط، لا مشكلة.”
شعرتُ ببرودة الملابس الملتصقة بجسدي، وشعري المبلل يلتصق بوجهي.
أما جِزِلهَايد-ساما، فقد كان شعره الرطب يقطر ماءً، تتسلل القطرات عبر عنقه العريض، ثم تنساب نحو تجويف عظم الترقوة البارز.
…انتظروا، جِزِلهَايد-ساما لم يكن يرتدي ملابس!
تجنبتُ نظراته المثبتة عليّ وكأنها تلتهمني، فخفضتُ عينيّ قليلًا.
“جِزِيه-ساما… يجب أن تُبدل ملابسكَ أيضًا، وإلا ستُصاب بالبرد.”
“التنانين لا تصاب بالمرض أو الجروح، أجسادنا أقوى من ذلك. بالمناسبة، …آنِه، لقد وصلنا إلى القصر.”
“إذًا هذا هو القصر الشمالي؟ إنه مبنى رائع، لكن المكان هادئٌ جدًا.”
“أجل. في الأصل، كان هذا القصر مخصصًا للإمبراطور وعائلته ليستريحوا فيه. لم أزر هذا المكان سوى مرةٍ أو مرتين من قبل.”
رفع جِزِلهَايد-ساما نظره نحوي كما لو كان يريد قول شيءٍ آخر، فرفعتُ رأسي ونظرتُ إليه.
كانت المياه تقطر من جسده القوي، بينما عزفت قطرات المطر سيمفونيةً هادئة.
لكن رغم برودة الجو، شعرتُ فجأةً بحرارةٍ تتصاعد في جسدي.
أنا…
لابد أنني أصبتُ بشيءٍ ما.
قبل لحظات، أثناء الطيران، كنتُ أشعر بالسكينة والراحة، لكن…
الآن، لا يكفيني ذلك.
أريد—
“… لقد وعدتيني أنه عندما نصل إلى القصر، يمكنني أن أضمكِ.”
“جِزِيه-ساما… لكن، أنتَ أيضًا مبللٌ تمامًا، عليكَ أن تبدل ملابسكَ أولًا.”
رغبتُ بذلك بشدة، ولكن…
في هذا المكان الغريب، ونحن وحدنا تمامًا، شعرتُ بالخجل يتسلل إلى قلبي بنفس قوة الترقب الذي يملؤني.
حاولتُ تأجيل مشاعري المتدفقة، فقلتُ شيئًا بدا كعذرٍ واهٍ.
أنزلني جِزلهايد برفقٍ إلى أرضية الشرفة المصنوعة من الحجر الأبيض، ثم مدَّ يده وأبعد خصلات شعري المبللة التي التصقت بخدي.
“لا بأس ببعض البلل… آنِه، لقد كتمتُ مشاعري طويلًا.”
“لكن…”
“آنِه…”
ناداني بصوتٍ منخفضٍ دافئ، فلم أعد قادرة على المقاومة.
ترددتُ للحظة، لكنني أخيرًا أحطتُ ظهره القوي بين ذراعيّ. حجمه كان أكبر بكثير، فبدا الأمر وكأنني أتشبث به فقط.
نظر إليّ بعينين عميقتين، ثم مدَّ ذراعيه ليضمني إليه برفق.
شعرتُ بالدفء يسري في جسدي رغم برودة المطر. لحظة صامتة مرت بيننا، لم يكن فيها سوى صوت قطرات المطر المتساقطة من حولنا.
“آنِه… أنتِ لي وحدي.”
“جِزلهايد…”
صوته، قربه، احتضانه… كل ذلك جعلني أشعر بأنني في عالمٍ آخر.
رفعتُ رأسي ببطء، لأجده يقترب أكثر، ثم التقت نظراتنا للحظات قبل أن يطبع قبلةً خفيفةً على جبهتي.
“لن أؤذيكِ أبدًا، ولن أتسبب لكِ بأي ألمٍ أو معاناة. لذا… هل تثقين بي؟”
“أثق بك.”
ابتسم بلطف، ثم حملني بين ذراعيه وسار بي نحو الغرفة المجاورة للشرفة.
كانت الغرفة واسعةً ودافئة، تزينها ستائرٌ حريرية وسجادٌ سميك. في وسطها، سريرٌ ضخم ذو مظلةٍ أنيقة، يشبه سفينةً راسيةً في مرفئها.
أنزلني جِزلهايد برفق، ممسكًا بيدي برقة، وكأن العالم كله قد توقف في هذه اللحظة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»