32
**32 الانطلاق في السماء**
كان الجسد الأسود الضخم مغطى بحراشف، كل واحدة منها بحجم وجهي تقريبًا.
وفي عينيه الحمراوين، التي بدت كأحجار كريمة مغروسة في محجريهما، ظهرت حدقة طويلة وضيقة.
ذلك اللون الأحمر كان آسرًا، لدرجة أنه شعرت وكأنني قد أغرق فيه.
كان أحمرَ كالسلطعون المسلوق… لا، بل أشد احمرارًا منه.
“هل تستطعين السير على جناحي والوصول إلى ظهري؟”
“سأحاول.”
كما أرشدني جِزِلهَايد-ساما، وضعتُ قدمي على الجناح الذي خفضه أمامي كمنصة للصعود.
في اللحظة التالية، شعرتُ أن جسدي محاطٌ بطبقة شفافة، أشبه بفقاعة صابون رقيقة.
“هذا غشاءٌ واقٍ صنعته بالسحر. سيحميكِ من ضغط الرياح والصدمات، كما أنه يربطكِ بجسدي حتى لا تسقطي.”
“إنه أمرٌ غريبٌ بعض الشيء… لكنه ناعمٌ كالحرير، وله ألوانٌ قزحية جميلة.”
خطوتُ على الجناح وسرتُ حتى وصلتُ إلى ظهره.
كان المنحدر لطيفًا والأرضية ثابتة، لذا لم يكن الصعود صعبًا كما توقعت.
في البداية، تخيلتُ الأمر أشبه بتسلق شجرة عالية، لكنني تمكنتُ من الوصول بسهولة تفوق توقعاتي.
ظننتُ أن مهاراتي في تسلق الأشجار، التي طورتُها أثناء مطاردة حشرات السيكادا، قد أفادتني، لكن الأمر كان أسهل بكثير.
في النهاية، جلستُ بهدوء فوق ظهره الواسع، الذي كان مغطى بحراشف ناعمة كالجلد المدبوغ، وباردة قليلًا عند لمسها.
“جِزِيه-ساما، هل أنا ثقيلة؟”
“لا أشعر بأي وزنٍ على الإطلاق.”
“إنه واسعٌ لدرجة أنه يمكن أن يكون معسكرًا للتخييم! هل يمكنني الاستلقاء؟”
“افْعَلي ما يحلو لكِ، يا عروسي.”
رنّ صوته العميق من تحت قدميّ، مصحوبًا بابتسامة خفية.
لم يكن جِزِلهَايد-ساما، في هيئة التنين، يحرك شفتيه عند الكلام، لكن صوته لا يزال يصل إليّ بوضوح.
كان صدى صوته أكثر عمقًا بقليل، لكنه ظلَّ كما هو.
اغتنمتُ الفرصة واستلقيتُ على ظهري فوق ظهره الواسع.
من هذا العلو الشاهق، شعرتُ وكأنني أقرب إلى السماء من أي وقتٍ مضى.
مددتُ يدي، وكدتُ ألامس السحب.
لطالما كنتُ بارعة في تسلق الأماكن المرتفعة، لكنني لم أكن يومًا بهذا العلو.
ورغم ذلك، لم أشعر بالخوف.
كان الغشاء السحري المحيط بي يمنحني إحساسًا غريبًا بالاستقرار، وكأنني ملتصقةٌ بجسد جِزِلهَايد-ساما دون أن أشعر بأي انعدامٍ للتوازن.
“آنِّه، سننطلق الآن.”
“حاضر!”
فتح التنين الضخم جناحيه الهائلين وارتفع في الهواء.
لم أشعر بأي صدمةٍ مفاجئة أو إحساسٍ بالطفو غير المريح.
كل ما شعرتُ به كان مجرد خفةٍ طفيفة، كما لو أن جسدي قد أصبح أكثر خفة للحظة.
تحرك جِزِلهَايد-ساما في السماء بسلاسة، وكأنه ينزلق عبر الهواء.
كانت أجنحته تخفق بين الحين والآخر، لكن ظهره ظل مستقرًا دون أن يميل.
كان أسلوبه في الطيران هادئًا ومريحًا، لكن بسبب ضخامته، اختفى القصر عن ناظري في غمضة عين.
يا إلهي…
سرعان ما تلاشت المدينة، الممتدة على أرضٍ مستوية فوق قمة جبلٍ شاهق، داخل الغيوم.
“ألستِ خائفة، آنِه؟”
“أنا بخير. الرياح منعشة، جِزِيه-ساما. لا يوجد شيء حولي سوى السماء، وهذا ممتعٌ للغاية.”
“……أهو كذلك؟ هذا جيدٌ إذن.”
“لكن، بما أنني على ظهرك، فلا يمكنك الطيران بحرية، صحيح؟ شكرًا لسماحك لي بذلك.”
“لم أفكر يومًا في الطيران مع أحدٍ هكذا. …تحولي إلى تنين والتحليق في السماء كان وسيلتي للعزلة، للهروب من ضوضاء الحياة.”
“السيد غيلفورد قال إن لديك عادة التجول بلا هدف.”
“آه… جزءٌ من ذلك بسبب كراهيتي للأعمال الإدارية، …لكنني لطالما فضلت السماء الواسعة على القصر الضيق.”
“حقًا؟ إذن، نحن متشابهان!”
“متشابهان؟”
“نعم. أنا أيضًا أفضل التجول في الخارج على البقاء في الغرفة. ربما… كنتُ أفعل ذلك في الماضي لأتجاهل شعور الوحدة بسبب غياب والديّ.”
استدرتُ واستلقيتُ على بطني، ثم أسندتُ وجهي إلى ظهر جِزِلهَايد-ساما.
كان جلده الصلب، المغطى بالحراشف الملساء، باردًا كأرضيةٍ خشبيةٍ في يومٍ بارد، لكنه مريحٌ بطريقةٍ غريبة.
“كان لدي أخٌ أكبر، وكان هناك الخدم، الجميع كان يبذل جهدًا حتى لا أشعر بالوحدة. لهذا، شعرتُ أن شعور الحزن أمرٌ خاطئ… ومع ذلك، في بعض الأحيان، كنتُ على وشك الشعور به.”
“يبدو وكأنكِ كنتِ تكتمين مشاعركِ.”
“لا أظن أن الأمر كذلك تمامًا، …لكن ربما، ولو قليلًا. لهذا، كنتُ آخذ كتبي المصورة وأذهب إلى الغابة أو المروج، أقضي وقتي هناك. وبعدما تزوج أخي وأنجب إلجيريل-كُن، كنتُ سعيدةً جدًا، وكأنني حصلتُ على شقيقٍ أصغر.”
لِمَ؟
هل لأن لا أحد هنا سوى جِزِلهَايد-ساما؟
وجدتُ نفسي، دون وعي، أُفصح عن أشياء لم أخبر بها أحدًا من قبل، عن ماضيَّ… وعن مشاعرٍ دفينةٍ كنتُ أخفيها.
“إلجيريل-كُن كان لطيفًا جدًا، …وأيضًا، شعرتُ وكأنني أخيرًا وجدتُ لي دورًا، وذلك أسعدني أكثر.”
“دور؟”
“نعم. كنتُ أعتني به وأدلله، وكأنني أخذتُ وظيفة المربية لنفسي. كنا نلعب معًا كل يوم. بحلول ذلك الوقت، لم أعد أشعر بالوحدة، …لكنني لم أرد إلجيريل-كُن أن يشعر بها أبدًا، لذا حرصتُ على أن أبقى بجانبه دائمًا.”
“وهكذا بدأتي بتمارين الأرنب في الصباح؟”
“تمارين الأرنب، تمارين سرطان البحر، وحتى تمارين الضفدع! أنا من ابتكرها، إلجيريل-كُن كان يعشقها!”
“همم… أودُّ أن أراها يومًا ما.”
“سيكون ذلك محرجًا… لكن، عندما نُرزق بأطفالنا، سأريكَ إياها.”
“…………أنا متحمسٌ لذلك.”
همسَ جِزِلهَايد-ساما بهذه الكلمات بصوتٍ خافت، فشعرتُ بدفءٍ يغمر قلبي.
دون أن أدرك، ارتسمت على وجهي ابتسامةٌ مشرقة.
السماء كانت جميلةً جدًا، الرياح كانت منعشة، وظهرُ جِزِلهَايد-ساما كان باردًا ومريحًا—
“أحبكَ، جِزِيه-ساما. تعالَ وشاركنا تمارين الحيوانات مع الأطفال، ستكون ممتعةً بالتأكيد!”
“أحبكِ أكثر… …يبدو ذلك ممتعًا. هل ستعلمينني إياها؟”
“بالطبع!”
تخيلتُ جِزِلهَايد-ساما، بجسده الضخم، يؤدي تمرين الضفدع بجديةٍ أثناء ترديد الأغنية، ولم أتمالك نفسي من الابتسام بسعادة.
في تلك اللحظة، بدأ جبلٌ صخريٌّ ضخمٌ يلوح في الأفق.
وعند منتصفه، بُني قصرٌ بدا وكأنه منحوتٌ في الجبل نفسه.
كلما اقتربنا، ازدادت كثافة الغيوم، وأصبح لون السماء أكثر قتامة.
ثم، سقطت قطرةُ مطرٍ باردةٌ على طرف أنفي.
المترجمة:«Яєяє✨»