3
** 3 اللقاء مع الإمبراطور الناري جِيزِلهايد**
رافقتني محارباتُ التَّنانينِ الحُمر إلى العاصمةِ الإمبراطوريَّةِ كاتاسترونيا.
بعد أن اجتزنا الغاباتِ الكثيفةَ التي تمتدُّ بلا نهايةٍ على الحدود، بدَتْ أسفلَنا الطُّرقُ التي تربطُ بين المُدنِ المتناثرة، وفي وسطِ هذه الأراضي الشَّاسعة، انتصبَ جبلٌ صخريٌّ شاهقٌ يخترقُ السَّماءَ كما لو كانَ عِملاقًا من الحجر.
أعلى ذلكَ الجبلِ، امتدَّتْ أرضٌ مسطَّحةٌ تمامًا وكأنَّها صحنٌ عملاق، واسعةٌ بما يكفي لاحتواءِ مملكةٍ بأكملِها.
على هذه الأرضِ المُرتفعةِ شُيِّدتِ المدينةُ، وفي قلبِها يقعُ القصرُ العظيم.
القصرُ لم يكنْ يبدو كمجرَّدِ قصرٍ ملكيٍّ عادي، بل أقربُ إلى معبدٍ ضخم.
كانت جدرانُه تُهيمنُ عليها الألوانُ القاتمة، تعكسُ طابعًا جادًّا ومهيبًا.
حطَّ التَّنِّينُ ذو الحراشفِ الحمراء في ساحةِ القصرِ الدَّاخليَّةِ بهدوء، ومن هناك، قادوني إلى قاعةِ العرش، حيثُ كنتُ على وشكِ لقاءِ جِيزِلهايد-ساما للمرَّةِ الأولى…
ليكونَ أوَّلُ سؤالٍ يُوجِّهه لي: “هل تأكلين… خنافس الكابوتوموشي؟”
‘… كابوتوموشي؟ كابوتوموشي… هذا، تلك الحَشَرةُ ذاتُ القرون، أليسَ كذلك؟ تلكَ التي يُحبُّها إلجيريل؟’
لم أتمكَّنْ من منعِ نفسي من إطلاقِ نفيٍ صاخب، ثمَّ سارعتُ إلى تغطيةِ فمي بكلتا يديَّ، بينما بدأتُ أفكِّرُ في الأمرِ بجدِّيَّة.
كابوتوموشي؟ هل هو نوعٌ جديدٌ من الطَّعام؟
لا، بالطَّبعِ لا! استحضرتُ في ذاكرتي صورةَ إلجيريل وهو يضعُ الخنافسَ على الطَّاولةِ ويجعلُها تتقاتلُ للَّهو.
نعم، هذا هو، كابوتوموشي…!
ولكن، ما الذي فعلتُه؟!
لقد تكلَّمتُ مع جِيزِلهايد-ساما بأسلوبٍ غيرِ رسميٍّ إطلاقًا، مع أنَّه اللِّقاءُ الأوَّل!
ماذا لو شعرَ بالإهانةِ وقرَّرَ التَّخلِّي عنِّي فورًا؟ أو، الأسوأ، أن يقطعَ رأسي؟
بل، ماذا لو أدَّى غضبُه إلى شنِّ حربٍ على مملكتي؟!
حربٌ بسببِ… كابوتوموشي؟!
هذا غيرُ مقبول! يجبُ أن أكونَ أكثرَ حذرًا.
لكن، من كانَ يتوقَّعُ أن يكونَ أوَّلُ سؤالٍ يُوجِّهه إليَّ عن… الخنافس؟
“أه… إذًا، لا تأكلينَها. لم أكُنْ على درايةٍ بعاداتِ شعبِكِ، ويسعدُني أن أتعلَّمَ المزيدَ عنهم.”
جِيزِلهايد-ساما لم يُظهِرْ أيَّ علاماتِ غضبٍ أو استياء.
بدا وكأنَّهُ يفكِّرُ في كلامي وهو يرفعُ يده إلى فمِه بإيماءةٍ مُتأمِّلة، ثمَّ أومأ برأسِه.
لم أشعرْ بأيِّ عداءٍ أو تهكُّمٍ في نبرتِه، يبدو أنَّهُ كان سؤالًا جادًّا، وليس سخريةً منِّي.
رفعتُ رأسي ونظرتُ إليهِ مباشرةً.
رغمَ أنَّهُ كانَ جالسًا على العرش، إلَّا أنَّ نظراتِنا كانت على نفسِ المستوى تقريبًا.
لم أكُنْ يومًا أعتبرُ نفسي قصيرةَ القامةِ أثناءَ إقامتي في المملكة، ولكنَّ بُنيةَ التَّنانينِ كانت ضخمةً إلى حدٍّ جعلني أشعرُ وكأنَّني طفلةٌ أمامَهُم.
‘… أظنُّ أنَّهُ يستطيعُ حملي على كتفِه والمشيَ بي… إنَّهُ بهذا الحجمِ فعلًا.’
إنَّهُ يُجسِّدُ تمامًا صورةَ الرَّجلِ المثاليَّةِ التي كنتُ أتمنَّاها، لكنَّهُ ليسَ إنسانًا… بل تنِّين.
بل والأسوأ، إنَّهُ الإمبراطورُ الناريُّ المُرعِبُ الذي ينفثُ اللَّهب!
عليَّ أن أكونَ أكثرَ حذرًا، من أجلِ حمايةِ عائلتي التي تركتُها خلفي في المملكة.
“حسنًا، إذًا، هل تشربينَ ماءَ السُّكَّر؟”
“أنا لا آكلُ الكابوتوموشي، ولستُ كابوتوموشي أصلًا!”
(ماء السكر هو الوجبة المفضلة لتلك الخنافس الذين يتحدثوا عنها ويبدوا انها يراها صغيرة مثل تلك الخنافس😭)
لماذا يتمسَّكُ بهذا الموضوع؟!
أوه، لا… لقد رفعتُ صوتي مجدَّدًا.
لكن، كيف لا؟! لقد رأيتُ إلجيريل وهو يُطعمُ الكابوتوموشي ماءَ السُّكَّر، والآنَ يسألني جِيزِلهايد-ساما عن الأمر؟!
لم أستطعِ التَّحكُّمَ بردِّ فعلي…
“حقًّا؟ إذن، السُّكَّرُ قد يكونُ سامًّا لجسمِكِ الصَّغير. سأُخبرُ الطُّهاةَ بالحذرِ في إعدادِ طعامِكِ.”
تأمَّلني مرَّةً أخرى، كما لو كانَ يُحلِّلُ طبيعةَ جسدي…
وفي داخلي، لم أستطعْ منعَ نفسي من التَّفكير:
‘أنا لستُ جروًا ولا قِطَّة، أيُّها الإمبراطور…!’
قرَّرتُ أن أعتذرَ أوَّلًا.
“أعتذرُ بشدَّة، يا جلالتَك… لقد تَصرَّفتُ بطريقةٍ غيرِ لائقة.”
“أيُّ جزءٍ من تصرُّفِكِ كانَ غيرَ لائقٍ؟ آنِّيريا، لا حاجةَ لأن تكوني بهذا التَّحفُّظ.”
شعرتُ بانقباضٍ في صدري عند سماعِ اسمي يخرجُ من شفتيه.
للحظةٍ قصيرة، تساءلتُ: كيف عرفَ اسمي؟ لكنَّني سرعانَ ما تذكَّرتُ أنَّني قد قدَّمتُ نفسي له قبلَ قليل.
إذًا، لقد حفظَهُ بالفعل…
كنتُ قد تخيَّلتُ أنَّ استدعائي إلى هنا لم يكنَ سوى نزوةٍ من نزواتِه، وأنَّ
مصيري سيكونُ مجرَّدَ واحدةٍ من عشراتِ الجوارِي أو الخليلات، حيثُ لن يُلقي أحدٌ حتَّى عناءَ مناداتي باسمي.
لكنَّهُ الآنَ يناديني باسمي… وهذا، لسببٍ ما، جعلَني أشعرُ بشيءٍ من السُّرور.
“بالمناسبة، آنِّيريا، إن كنتِ لا تأكلينَ الخنافس، فماذا تأكلينَ إذًا؟ بذورُ عبَّادِ الشَّمس، مثلًا؟”
“… آه… أنا… أنا آكلُ الطَّعام. الطَّعام العادي… العادي… حسنًا، لا أظنُّ أنَّهُ واضحٌ بما يكفي. أقصدُ الخبز، الأرز، المعكرونة، الخضروات، اللُّحوم، الأسماك… أشياءً كهذه.”
محاولةُ شرحِ شيءٍ بديهيٍّ كهذا بدتْ أصعبَ ممَّا توقَّعت.
كنتُ أودُّ أن أقولَ له: أنا لستُ فأرًا برِّيًّا، بالمُناسبة.
لكن، في الحقيقة، أنا نفسي لا أعرفُ ما يُعتبَرُ غذاءً رئيسيًّا للتَّنانين.
إنَّهم بهذا الحجمِ عندما يتحوَّلون… هل يأكلونَ اللُّحوم؟
يُمكنني تخيُّلُهم وهم يبتلعونَ بقرةً كاملةً دفعةً واحدة.
لكنَّ سؤالي عن ذلك قد يكونُ غيرَ لائقٍ.
“فهمتُ. وماذا عن الكميَّة؟ هل تكونُ هكذا؟”
قامَ جِيزِلهايد-ساما بضمِّ إصبعيهِ كما لو أنَّهُ يلتقطُ شيئًا ضئيلًا للغاية، بحجمِ حبَّةِ فاصولياء.
لكن، بالنِّسبةِ ليدهِ الكبيرة، قد يكونُ هذا بحجمِ شريحةِ خبزٍ كاملة.
“آه، أ… جِيزِلهايد-ساما، أنا سعيدةٌ باهتمامِكِ بأمري، ولكن… أودُّ أن آكلَ كلَّ ما يُقدَّمُ لي قدرَ المُستطاع.”
نشأتُ على تعاليمِ شقيقتي إريكاثينا:”الطَّعامُ نعمةٌ، فلا تتركيهُ دونَ أن تُنهيه.”
أنا لستُ من النَّاسِ الذين لديهم تفضيلاتٌ مُعقَّدة، لذا سأعتادُ سريعًا على أيِّ طعامٍ يُقدَّمُ لي هنا.
“آنِّيريا، هذا غيرُ مقبول. أنتم البشرُ صغارٌ للغاية. لو تناولتِ شيئًا غريبًا، قد تموتينَ في الحال.”
“قلتُ لكَ، أنا لستُ حشرة! يُمكنني تناولُ الملحِ والسُّكَّر، ولن أموتَ بهذه السُّهولة!”
خرجتِ الكلماتُ منِّي دونَ أن أشعر، قبلَ أن أُدركَ فداحةَ ما قلتُه وأعضَّ شفتي بانفعال.
“… أ-أقصدُ، لن أموتَ بهذه السُّهولة، صحيح؟”
حاولتُ التَّراجعَ عن حدَّةِ نبرتي، لكنَّ جِيزِلهايد-ساما بدا وكأنَّهُ غارقٌ في التَّفكير.
خفضَ عينيهِ قليلًا، ثمَّ رفعَ بصرَهُ مجدَّدًا لينظرَ إليَّ مباشرةً، بحدَّةٍ جعلتني أتحرَّكُ بتوتُّر.
هل هناكَ شيءٌ غريبٌ في مظهري؟
لقد كانتِ الرِّحلةُ طويلةً، لكنَّني صفَّفتُ شعري جيِّدًا قبلَ دخولِ قاعةِ العرش.
حتَّى أنَّني ارتديتُ فستانًا أزرقَ باهتًا أنيقًا، كانت قد أعدَّتهُ لي شقيقتي خصِّيصًا لهذه المُناسبة.
هل كان يجبُ أن أرتدي ثوبًا ملكيًّا؟
لكنَّني قرَّرتُ ألَّا أفعل، لأنَّهُ قد يكونُ غيرَ مُريحٍ خلالَ السَّفر، ولو تمزَّقَ في الطَّريق، لكانَ ذلكَ مُحرجًا للغاية.
“إذًا، تُجيدينَ الحديثَ هكذا، آنِّيريا.”
قالَها بنبرةٍ بطيئةٍ، وكأنَّهُ يكتشفُ أمرًا جديدًا عنِّي.
“كنتُ أظنُّ أنَّكِ ستبقينَ خائفةً، غيرَ قادرةٍ على النُّطقِ بكلمةٍ واحدة. … هل لي أن أقتربَ منكِ؟”
صُدمتُ بكلماتٍ غيرَ متوقَّعةٍ، وبدأتُ في التفكير في كلِّ الاحتمالاتِ بسرعةٍ، حتى فوجئتُ بفتح عينيَّ.
“ن-نعم…!”
ليس لديَّ حقُّ الرفض، أليس كذلك؟
هل سيحدثُ لي شيء؟
ربما سيحدثُ شيءٌ ما…
لقد بلغتُ من العمرِ ثمانيةَ عشرَ عامًا، وعلى الرغم من أنّني لا أمتلكُ أيَّ تجربة، إلا أنّني أعرفُ بعضَ الأمورِ. لقد تعلَّمتُ الكثيرَ من شقيقتي.
جِيزِلهايد-ساما لديه الحقُّ الكامل في التصرُّف بي كما يشاء، وعليَّ أن أطيعَ.
على الرغم من أنّ انطباعي عن جِيزِلهايد-ساما هو أنه شخصٌ هادئٌ ومريحٌ في الحديث، ربما قد يبدأ في فحص جسدي هنا الآن… هذا ما قد يحدثُ بالفعل.
“آنِّيريا ، كنتُ أظنُّ أنكِ صغيرةٌ، ولكنَّكِ فعلاً صغيرةٌ”
كان جِيزِلهايد-ساما واقفًا أمامي، ثمَّ بدأ يقيسُ الفارقَ بيننا في الطول، وضع يده على رأسي، ثمَّ حرك يده تدريجيًّا إلى صدره.
ربما أكونُ صغيرةً، لكنني أعتقدُ أنَّه هو الذي كبيرٌ جدًا.
إنَّ طولي لا يتجاوزُ صدرَ جِيزِلهايد-ساما.
كررَ هذه الحركة عدةَ مرات، ثمَّ نظر إلى يده بشكلٍ متفحِّص.
“… آنِّيريا، الآن لمستُ رأسكِ.”
“نعم…”
“ألم تشعري بالألم؟ هل يمكن أن يكونَ عنقكِ قد كُسر؟”
“لا يمكن أن ينكسرَ عنقي لمجرد لمسِ رأسي!”
قلتُ ذلك بصوتٍ حادٍ للمرةِ عدة، وندمتُ بعد ذلك، إذ وضعتُ يدي على وجهي خجلاً.
“آه…”
“ماذا حدث؟ هل يؤلمكِ شيءٌ؟ هل حقًا كان عنقكِ قد كُسر؟ دعيني أساعدكِ، آنِّيليا. يجب أن تراجعي الطبيب.”
“أنا بخير، لا داعي للقلق.”
آسفةً، أخي العزيز، وأختي الغالية.
لقد نشأتُ برعايتكما، ولكن يبدو أنني نسيتُ كلَّ شيءٍ عن آداب السُّلوك التي علَّمتُني إياها.
جِيزِلهايد-ساما لم يظهر على وجهه تغيُّرًا كبيرًا، لكن بدا وكأنَّه مرتبكٌ بعض الشيء.
كان يحاولُ أن يمدَّ يده إليَّ ثم يَسحبها مرارًا، كما لو أنه يعتقدُ أنني سأُصابُ بأذى إذا لامسني.
هل يظنُّ أنني هشةٌ لدرجةٍ أنني سأتحطمُ إذا لمسه؟
لماذا استدعاني إلى هنا إذًا؟ هل يظنُّ أنه سيتخذني خليلةً له وأنا هكذا، عاجزةٌ عن حماية نفسي؟
المترجمة:«Яєяє✨»