29
**الفصل 29: اعترافٌ ومصالحة**
حاولتُ الإفلات من بين ذراعي جِزِلهَايد-ساما، لكن قوة ذراعيه التي تحيط بي كانت شديدة، فلم أتمكن سوى من التحرك قليلًا.
صوت احتكاك الملابس، ملمس جلده من خلال الأقمشة، ودفء جسده… كل ذلك كان يبعث في داخلي شعورًا مؤلمًا ومريرًا.
أحبُّه.
أحبُّ جِزِلهَايد-ساما.
لماذا أحببته بهذا الشكل؟
لكن تلك الكلمات، مثل قطرات المطر التي تتساقط بهدوء على سطح بحيرة ساكنة، انتشرت كتموجات في قلبي، واخترقت كل ذرةٍ في جسدي.
أحبُّ أخي، وأختي، وإلجيريل-كُن، لكن هذا الشعور مختلف تمامًا.
الحب تجاه العائلة هو شعورٌ دافئٌ ولطيف، كأنك تتسلل في أشعة الشمس المشرقة.
لكن ما أشعر به تجاه جِزِلهَايد-ساما يشبه تمامًا ركوب قارب صغير يتلاعب به الموج، وأنا أتمسك به بكل قوتي كي لا يُلقي بي في أعماق البحر.
بدأت الدموع تتجمع عند زاويتي عيني، وسالت على وجنتيّ.
“آنِه… لم أكن أرغب في أن أجعلكِ تبكين. آسف، آنِه.”
“فـ… هـُووه…”
كاد صوت بكائي أن يخرج بدلًا من الرد، فعضضتُ شفتي كي أسيطر على مشاعري.
حاولتُ أن أستعيد هدوئي، لكن المشاعر المتدفقة في صدري كانت أقوى من أن أحتويها، فتساقطت الدموع من عينيّ.
“أنا… يبدو أنني لا أجيد استخدام الكلمات. التعبير عن مشاعري بالكلمات أمرٌ صعبٌ علي. لكن هذا ليس عذرًا لأني جرحتكِ. أنا آسف، آنِه.”
أخذ جِزِلهَايد-ساما يعتذر مرارًا، فهززتُ رأسي نفيًا.
من كان قاسيًا هو أنا.
أنا من أطلقتُ الكلمات الجارحة.
أنا من رفضته بدافع المشاعر المختلطة.
“جِزيه-ساما… أنا آسفة… لقد كذبت. عندما قلت إنني أكرهك، كانت كذبة. أنا… أحبك، أحبك حقًا…”
تدفقت الكلمات من شفتي، وفي اللحظة ذاتها انهمرت دموعٌ جديدة، مبللةً ثوب النوم الذي يرتديه جِزِلهَايد-ساما.
يا لي من فتاةٍ مثيرةٍ للشفقة.
أبكي وأتشبث به.
لأني لم أستطع الحصول عليه، شعرت بالاستياء.
وكأنني طفلةٌ صغيرة…
أتذكر، عندما كنت صغيرة، بكيت بحرقةٍ مرةً واحدة، متسائلةً لماذا لا أمتلك والدين، مما جعل أخي يشعر بالحيرة.
رغم أن أخي والخدم كانوا دائمًا لطيفين معي، واعتنوا بي.
إنه نفس الشعور الآن.
جِزِلهَايد-ساما يهتم بي.
لو كنتُ راضيةً بدوري كحيوانٍ مدلل في قفص،
لو كنتُ متواضعةً، وعرفتُ مكاني،
لما أزعجته بهذا الشكل.
“…أنا طماعة… جِزيه-ساما كان يعاملني بلطفٍ دائمًا، لكنني شعرتُ أن ذلك غير كافٍ. أردتُ أن يحبني، فأخذت أتصرف بأنانية، وقلت كلماتٍ قاسية… أنا آسفة…”
بينما كنتُ محاصرةً بين ذراعيه، لم أستطع الكذب على مشاعري.
شدد جِزِلهَايد-ساما احتضانه لي، وانسدل شعره الأسود الطويل، ملامسًا وجهي برقة.
“آنِه… أنا أيضًا، أحبكِ.”
كذبة…
كذبة، أليس كذلك؟
جِزِلهَايد-ساما شخصٌ لطيف. لا يمكنه أبداً أن يرفضني بينما أبكي وأتشبث به كطفلة.
لكن…
حتى لو كانت كذبة، فهي تسعدني.
“جِزيه-ساما… شكرًا لك علي الكذب من اجلي.”
رغم شعوري بالسعادة، إلا أن كلماتي خرجت بنبرة حزينة وفارغة.
“…أنتِ مخطئة، آنِه. ليست كذبة.”
ربما أدرك جِزِلهَايد-ساما خواء كلماتي، لأن صوته حمل شيئًا من الحدة الممزوجة بالانزعاج.
ثم أخذ نفسًا خفيفًا ولفظه ببطء، وصدى أنفاسه الدافئة تردد عند أذني.
“عندما رأيتكِ لأول مرة، فكرتُ في مدى صغر حجمكِ وكم كنتِ كائناً جميلاً. شعرتُ أنني إن لمستكِ، فقد تتحطمين بين يدي.”
هز صوته العميق طبلة أذني.
كانت يده الكبيرة تتلاعب بخصلات شعري الفضي، وأصابعه الخشنة، القوية، تنساب على ظهري حتى أسفل خصري، مما جعل جسدي ينتفض لا إراديًا.
“ظننتُ أنكِ ستخافين مني. حتى التنانين تعتبرني كائناً مرعبًا. لكنكِ لم تخافي، بل تحدثتِ إليّ بكل عفوية. ابتسمتِ لي.”
“عندما التقيتُ بك لأول مرة، كنتُ فظًا بعض الشيء. لكنك لم تغضب، بل عاملتني بلطفٍ بالغ، واعتنيت بي بحرص. لا يمكنني أن أعتبر شخصًا مثلك مخيفًا.”
كان جِزِلهَايد-ساما يواجهني دائمًا بصدق، وينظر إليّ بعينين جادتين.
رغم مكانته العظيمة وقوته التي تفوق الجميع، كان يتمتع برقةٍ وحنانٍ يصعب تصديقهما.
كيف لي أن أراه مخيفًا؟
“آنِه… لطالما كنتُ أفكر… كيف يمكنني أن أجعلكِ تبتسمين لي؟ كيف يمكنني التقرب منكِ؟ كيف يمكنني إسعادكِ؟ كان عقلي مشغولًا بكِ طوال الوقت.”
“جِزيه-ساما…”
“لا أريد أن تكرهيني. مجرد فكرة أنني قد لا أستطيع احتضانكِ تجعل قلبي يتمزق. آنِه، أنا… أحبكِ.”
“…جِزيه-ساما…”
كلماته المفعمة بالحب ملأت الفراغ في داخلي، كما لو أنها غمرت روحي بالكامل.
اختفى الألم والحزن كما لو لم يكونا موجودين، واستبدلتهما مشاعر دافئة وخفيفة، تنتشر في كل جزءٍ من جسدي.
بدأت دموعٌ مختلفة تمامًا تتجمع عند زاويتي عيني.
“كنتُ أعتقد أن رؤيتكِ تبتسمين بجانبي ستكون كافية. كنتُ أخشى أن أؤذيكِ لو لمستكِ. وإن استسلمتُ لرغبتي ولمستكِ مرةً واحدة… فسأرغب في المزيد والمزيد.”
“أنا سعيدة… أريد أن أصبح زوجةً لك، جِزيه-ساما.”
“آنِه… لا أريد أن أؤذيكِ. إن لمستكِ… إن تركتُ بصمتي عليكِ، فلن أتمكن أبدًا من ترككِ تذهبين. حتى لو رغبتِ بالابتعاد عني، فسأحبسكِ في غرفتي، سأقيدكِ بالسلاسل، وسأجعلكِ ملكي بالقوة.” (😭😭😭….)
خرجت كلماته بصوتٍ مفعمٍ بالألم.
كلماته، دفء جسده، المشاعر التي تنبعث من لمسته… كلها كانت عنيفةٌ لدرجةٍ تجعل رأسي يدور.
كما لو أنني سقطتُ من سفينةٍ تتلاعب بها الأمواج العاتية، أغرقُ في أعماق البحر…
لكن، لا بأس بذلك.
أريد أن أغرق أعمق… أن أُبتلع بالكامل… أريد أن أشعر بجِزِلهَايد-ساما في أعماق كياني.
“…لم أفكر يومًا في أن أبتعد عنك. أريد أن أصبح ملكًا لك جِزيه-ساما.”
“آنِه… هل ستغفرين لي، رغم أنني جرحتكِ؟ قد أؤذيكِ أكثر مما تتصورين.”
“وأنا كذلك. قد أكون أنانية، وقد أسبب لك المتاعب، لكن… جِزيه-ساما، هل يمكنني أن أظل أحبك؟”
“…آه. لا يمكنني التخلي عنكِ بعد الآن. أريد أن أحتضنك، آنِه. أريد أن أحبكِ.”
خفف جِزِلهَايد-ساما من قوة ذراعيه التي كانت تطوقني، مبتعدًا عني قليلًا.
تشابكت نظراتنا، وعيناه الحمراوان المتوهجتان، بلون الرمان الناضج، ضاقتا قليلًا.
ثم لامست شفتاه شفتي بلطف.
كانت شفتاه جافتين قليلًا، لكنها ناعمة… لم تدم القبلة سوى لحظة، ثم ابتعدت.
مددتُ يدي، وأحطتُ عنقه بذراعي، ثم وقفتُ على أطراف قدمي.
تلامست شفاهنا مرةً أخرى.
هذه المرة، شعرتُ بطرف لسانه يلامس شفتي المغلقتين، كما لو كان يطرق الباب برفق.
شعرتُ بحرارةٍ تشتعل في داخلي، وكأن دمي كله يغلي.
وحين فتحتُ شفتي، تسللت لسانه الدافئة إلى فمي بسلاسة، وملأتني كما لو أنه كان يلتهمني بالكامل.
كانت أنفاسي تتقطع، فعبستُ لا إراديًا من الضيق.
لكن… لم يكن الأمر مجرد ضيق.
نبضات قلبي كانت قوية لدرجة تكاد تؤلمني، والمشاعر التي غمرتني جعلتني أشعر وكأنني على وشك الانفجار.
—أريد أن أبقى هكذا إلى الأبد…
لكن القبلة الأولى كانت عميقة وعنيفة إلى حدٍ جعلني أشعر بالاختناق، فلم يكن لدي خيار سوى أن أمسك بملابس جِزِلهَايد-ساما بيدٍ مرتعشة.
“ه…هآه…”
“…هل كان ذلك كثيرًا عليكِ، آنِه؟ لقد انجرفتُ مع التيار… هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير… إذا فعلنا ذلك كثيرًا، فسأتحسن، أليس كذلك؟”
“…لا تستفزيني هكذا.”
زفر جِزِلهَايد-ساما بعمق، وأشاح بنظره بعيدًا، ثم رفع يده ليمسح الدموع التي تجمعت عند زاوية عيني.
“يمكننا أن نأخذ وقتنا، آنِه. حتى أنا، ليس لدي خبرة كافية. لا أريد أن أستعجل فأؤذيكِ. لدينا متسعٌ من الوقت… فأنتِ ستكونين معي دائمًا، أليس كذلك؟”
“…نعم، سأبقى معك دائمًا. أحبك كثيرًا، جِزيه ساما…”
شدتُ ذراعي حول عنقه بإحكام.
بسبب فرق الطول بيننا، كدتُ أفقد توازني وأنا أقف على أطراف قدمي.
عندها، رفعني جِزِلهَايد-ساما بين ذراعيه بسهولة، كما كان يفعل دائمًا، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا.
كان دافئًا… كان مشبعًا بالحب…
بدا لي العالم فجأةً متلألئًا وساطعًا.
يا لها من مشاعر عجيبة…
قبل لحظات، كان قلبي غارقًا في الظلام، أما الآن… فهو مغمورٌ بالسعادة.
المترجمة:«Яєяє✨»