"لعنة الدم" - 6
الفصل 6: قناع النبلاء
كان الصباح هادئًا في قصر رينوث، لكنه لم يكن كذلك داخل عقل ماثياس. جلس أمام النافذة، يراقب ضوء الشمس الذي بدأ يتسلل عبر الستائر الثقيلة، بينما أفكاره تحوم حول دعوة الحفل الملكي.
قبل يومين فقط، تلقى الدوق إدريك رينوث رسالة مختومة بالشمع الذهبي، تحمل شعار العائلة الملكية. حينها، كان ماثياس جالسًا في القاعة الكبيرة، يتناول العشاء بصمت، حين دخل كبير الخدم وانحنى بخضوع أمام الدوق.
“لقد وصلت دعوة من القصر الملكي، سيدي.”
رفع الدوق عينيه الباردتين، ثم أخذ الرسالة وفتحها بعناية. للحظة، لم تتغير ملامحه، لكنه قال بعد برهة بصوت هادئ:
“يبدو أن العائلة الملكية قررت إقامة حفلٍ كبير لجميع النبلاء. وسيكون حضور الورثة إلزاميًا.”
لم يرفع ماثياس عينيه عن طبقه، لكنه كان يستمع بانتباه. حفلٌ كهذا؟ لم يكن مجرد اجتماعٍ بسيط. لا شك أن هناك سببًا أكبر خلفه.
“وأنا؟” سأل بصوت خافت.
ألقى الدوق نظرة عليه، وكأنه كان يتوقع السؤال.
“بالطبع، ستذهب.”
رفعت الدوقة حاجبها باستياء، لكنها لم تعلق. كان من الواضح أنها لم تكن راضية عن حضور “البديل” إلى حفلٍ ملكي، لكنه كان يحمل اسم رينوث، ولم يكن أمامها خيار.
………….
كان الطريق إلى القصر الملكي طويلًا، لكنه لم يكن مملًا. العربات السوداء المزخرفة بشعار رينوث تحركت عبر الشوارع المرصوفة بالحجارة، تجرها أحصنة أصيلة. جلس ماثياس داخل العربة الفاخرة، مقابل الدوق، بينما جلس الدوق الصغير، سيزار رينوث، بجانب والده، وعيناه مليئتان بالحماس الطفولي.
كان سيزار الوريث الشرعي للعائلة، وعلى الرغم من أن ماثياس لم يكن يكن له أي مشاعر، إلا أنه كان يراقبه بعناية. كان الصبي الصغير ينظر من النافذة بحماس، متشوقًا لرؤية القصر الملكي، بينما ظل الدوق صامتًا طوال الرحلة.
أما ماثياس، فكان يراقب الطريق بصمت، يتأمل الأبنية العالية والأسواق الصاخبة التي بدأت تقل كلما اقتربوا من القصر. كل خطوة كانت تذكره بأنه ليس واحدًا منهم. لكنه لم يكن يحتاج إلى أن يكون كذلك. كان بحاجة فقط إلى أن يكون أقوى منهم جميعًا.
……..
حين وصلت العربات إلى بوابة القصر الملكي، انتشرت الخيالة الملكية لتوجيه الضيوف. القصر كان ضخماً، جدرانه بيضاء مزخرفة بذهب خالص، وأسواره شاهقة، تحرسها تماثيل الأسود المهيبة.
ترجل ماثياس مع بقية أفراد عائلة رينوث، ووقف بجانب الدوق، بينما كانوا يسيرون في الممر الطويل المؤدي إلى القاعة الكبرى. كانت الأرضية من الرخام اللامع، وأعمدة القصر مزينة بأوراق الذهب، بينما انتشرت الشمعدانات المضيئة في كل مكان، تعكس بريق الأضواء على الجدران.
حين دخلوا القاعة الرئيسية، كانت مليئة بالنبلاء. الرجال يرتدون بدلات مزخرفة، والنساء بفساتين مترفة بألوان زاهية. في وسط القاعة، وقف العرش الذهبي، حيث جلس الملك، وإلى جانبه ولي العهد والأمراء.
وقف الجميع عند المدخل، ثم انحنوا باحترام أمام الملك. فعل ماثياس مثلهم تمامًا، بدون أي تردد، لكنه شعر بعيني الملك وهو يراقبه.
“أهلاً وسهلاً بكم، نبلاء الإمبراطورية.”
صدح صوت الملك عبر القاعة، قوياً ومهيباً، مما جعل الجميع ينتبهون. تابع بصوت ثابت:
“كما تعلمون، نحن نعيش في أوقات غير مستقرة. وهناك خطرٌ يقترب من حدودنا. الحرب قادمة، ولا يمكننا تجاهلها أكثر من ذلك.”
ساد الصمت في القاعة، قبل أن يواصل الملك بصرامة:
“لهذا، قررنا أن يتم إرسال كل وريث نبيل إلى الخطوط الأمامية. حان الوقت ليثبت الجميع ولاءه للإمبراطورية.”
…….
بدأت الهمسات تنتشر بين الحضور. بعض النبلاء أصيبوا بالذهول، بينما عبس آخرون. لم يكن أحد يتوقع قرارًا بهذا الحجم.
“هذا جنون…” تمتم أحد النبلاء بصوت خافت.
أما الدوق إدريك، فلم يظهر أي رد فعل. لكن حين التفت ماثياس نحوه، رأى بريقًا في عينيه، وكأنه كان يتوقع هذا القرار.
أما سيزار، فقد تجمد في مكانه. كان لا يزال صغيرًا جدًا على الذهاب إلى الحرب.
لكن ماثياس؟ لم يكن يشعر بأي شيء. بل بالعكس، كان يرى في هذا القرار فرصة ذهبية.
……..
بعد الخطاب، بدأ النبلاء يتحدثون فيما بينهم، يحاولون تحليل ما حدث. تقدم بعضهم للتحدث إلى عائلة رينوث، ومن بينهم الدوق كارلايل، أحد أقوى نبلاء المملكة.
“إدريك، لم أرك منذ مدة.” قال الدوق كارلايل بصوتٍ عميق، بينما كان ينظر إلى ماثياس بتفحص. “وهذا… ابنك؟”
أومأ الدوق إدريك. “نعم، إنه ماثياس رينوث.”
لم يقل “بديله”. لم يُظهر أي تردد، ولم يترك مجالًا للشك.
مد الدوق كارلايل يده لماثياس. “لقد سمعت الكثير عنك.”
مد ماثياس يده وصافحه بثبات. “أتمنى أن يكون ما سمعته جيدًا.” قال بصوت بارد.
ضحك الدوق كارلايل. “لا تقلق، ما زلت أراقبك.”
……….
بدأت الموسيقى تعزف، وبدأ النبلاء بالرقص. كانت الألحان الكلاسيكية تعطي جوًا من الأناقة، بينما تراقصت الشموع مع النسيم.
وقف ماثياس على جانب القاعة، يراقب بصمت. لم يكن ينوي المشاركة، لكنه كان يدرس الجميع. كان كل وجه في القاعة يمثل شيئًا بالنسبة له: حليفٌ محتمل، أو عدوٌ مستقبلي.
حين اقتربت منه فتاة ذات شعر فضي، ترتدي فستانًا أزرق ملكي، نظرت إليه بفضول.
“لم أرك من قبل، من أي عائلة أنت؟”
لم يغير ماثياس تعابيره. “رينوث.”
رفعت حاجبها. “مثير للاهتمام… ظننت أن وريثهم أصغر منك.”
“أنا الوريث الآن.” قال بهدوء، لكنه لاحظ كيف ضاقت عيناها بريبة.
ابتسمت الفتاة بلطف، لكنها لم تقل شيئًا آخر، قبل أن تبتعد عنه وتعود إلى الرقص.
…………….
حين انتهى الحفل، عاد ماثياس إلى القصر مع الدوق وعائلته. كان الجميع يعلمون أن هذا الحفل لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية، بل كان إعلانًا للحرب.
داخل العربة، جلس ماثياس بصمت، يراقب الأفق. كانت هذه هي البداية فقط.
“كل خطوة، كل لحظة، كل شخص… سأستخدمهم جميعًا.”
لقد دخل إلى عالم النبلاء رسميًا، لكنه لم يكن واحدًا منهم. كان شيئًا آخر. وكان هذا ما سيجعلهم جميعًا يندمون.
………
اتمنى يكون الفصل عجبكوا صح انو قصير بس رح احاول اطوله انشاﷲ ♡♡