في البداية، لم تكن لويسا تنوي سوى الإصغاء بكسل وهي تفكر في أمور أخرى، لكنها وجدت نفسها على غير وعي تركز في حديث ماري.
“يبدو أنها تشعر بالفراغ لأن شخصًا كان يحسن إليها اختفى فجأة، وتقول إنها تفتقده أحيانًا. لكن من طريقتِها يتضح أنها لا تفكر فيه قليلًا بل كثيرًا. ولما راقبتها مؤخرًا، وجدت العكس تمامًا… إذ بآنا نفسها من تدور حول فيل.”
“……هل تغيّر قلبها فجأة؟”
“نعم. أنكرَت أولًا بغضب، ثم اعترفت أخيرًا. كانت تظن أنها لا تحمل له شيئًا، لكن لما ابتعد عنها، وهو الذي كان دائمًا بجانبها، صار الأمر أشبه بمنعطف قلبها نحوه.”
منعطف…! ما شأنها بهذه القصة التي لا علاقة لها بها؟ ولماذا خطر رافاييل ببالها فجأة؟
أم أن لها صلة بها بالفعل؟ فهي لم تعد تتعامل معه بلامبالاة كما كانت من قبل…
“وعندما تذكّرت أيامه معها، قالت إنها كانت تتعامل معه وكأنه أمر طبيعي، لكنها في الحقيقة كانت تنكر مشاعرها عمدًا. وضعت لنفسها حدودًا منذ البداية، وأقنعت نفسها أنها لا يجب أن تتخطّاها. أشبه بعقدة نفسية.”
“آه…….”
“والآن صارت في حيرة، تخشى أن يكون قلب فيل قد انطفأ نحوها فعلًا، فلا تجرؤ على الاقتراب منه، وتبدو شديدة الندم.”
“……لكن ماذا لو كان الأمر وهمًا؟ لعلها أحبت فقط معاملته الطيبة لا وليس هو. كان يمكن أن يكون أيّ أحد آخر مكانه.”
“همم… لا أظن. فطريقة نظرها إلى فيل تغيّرت تمامًا. هي نفسها اعترفت أن كل حركة منه تؤثر فيها، وأن مجرد تلاقي العيون يجعل مزاجها يتقلب.”
‘آه، لِمَ أشعر بهذا الضيق؟ ليست قصتي، فلماذا أنغمس في الإصغاء هكذا!’
تنهدت لويسا بعمق واستلقت تمامًا على الأريكة.
لكن ما إن أغمضت عينيها حتى انبثق في ذهنها زوج من العينين الزرقاوين الحانيتين.
‘لِمَ يعود رافاييل إلى خاطري دومًا؟! ليس بين ما سمعته وما بيننا أي تشابه سوى مسألة الاعتراف…!’
‘لكن إلى متى سيظل هذا الوضع الغامض قائمًا؟’
الإمبراطور قد سقط بالفعل، والإمبراطورة تنظر إليها بعين الكراهية، فما الذي يمنع فسخ هذا الارتباط في أي لحظة؟
حتى لو اتخذ رافاييل قراره، فهل يُعقل أن تظل هي في موقع المنتظِرة، وهي التي وضعت احتمال الانفصال في حسبانها منذ البدء؟
‘آه… لديّ من الهموم ما يكفيني. هاه… حسنًا، ما يهم الآن هو الـسحر الاسو. هذا أصل المشكلة.’
وضعت يدها على جبينها وأغمضت عينيها بقوة.
“آنستي؟”
“آه.”
نظرت نحو ماري التي بدا عليها القلق، إذ خافت أن تكون آنستها قد مرضت فجأة بعدما استلقت هكذا.
“استمعتُ جيدًا، وأخبريني لاحقًا بما ستؤول إليه القصة.”
“آه، حاضر!”
“هل تجلبين لي بعض الرسائل؟ أريد أن أقرأ شيئًا في وقت فراغي.”
“سأحضر لك أقدمها أولًا!”
أسرعت ماري وأتت برزمة رسائل مرتّبة.
تناولتها لويسا ولوّحت بيدها إشارة أن تتركها وحدها.
كان عليها أن تنال بعض الراحة قبل عودة ديميان مساءً، إذ سيُكثر من أسئلته عمّا جرى في الكنيسة.
“لابد أن براون قد أوصل الرسالة إلى والدي الدوق…”
كانت قد أخبرته بإيجاز بما وقع في الكنيسة، ولا بد أن الخبر وصل سريعًا إلى الدوق بليك. ربما يأتي غدًا بنفسه.
لكن… لمَ لم يذهب براون إلى الشمال مع الدوق؟
لقد نسيَت أمره لفرط ما بدا بقاؤه في العاصمة طبيعيًا… فهو في النهاية كبير معاوني الدوق.
“فلعلّ لديه ما يعالجه هنا.”
أخذت لويسا إحدى الرسائل عشوائيًا وفتحتها.
لم تكن أكثر من مجاملات ونفاق، لا تستحق جوابًا.
وضعتْها جانبًا وتناولت رسالة أخرى.
“كيتلين مانويلي؟”
“أين سمعت هذا الاسم؟ أليس جديدًا عليّ؟”
تجهّمت قليلًا وهي تتابع القراءة.
“……خطيبة وريث الماركيز فياتشي؟ فياتشي… أليس هو الذي طهّرته في مهرجان الصيد؟”
آه، نعم.
كانت عائلته تبكي حوله، ولما همّت هي بالتطهير، انفجرت شابة غاضبة، لكنها سرعان ما اعتذرت رسميًا.
بكوا بحرقة يومها، وكان من الطبيعي أن تنفعل تلك الشابة، والآن فقط عرفت أنها كانت آنسة مانويلي.
لكن فجأة توقفت لويسا.
“مهلًا… مانويلي؟! أليست هي التي ذكرتها ماري قبل قليل؟ التي تنشر الثناء عني في كل مكان؟”
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقلّب بقية الرسائل المتراكمة.
“إذن هي نفسها النبيلة التي كانت تكتب باستمرار…! عجيب حقًا. ظننت أن الأمر أشخاص متعددون، فإذا هي واحدة فقط.”
الآن فقط وجدت تفسيرًا.
فالإفراط في المديح والإكثار من الرسائل لم يكن سوى امتنـانًا لأنها أنقذت حياة خطيبها.
ذلك الشعور، شعور كدتَ فيه أن تفقد شخصًا عزيزًا عليك… هل يشبه ما أحسسته يوم جِيءَ بالدوق بليك مصابًا؟ تُرى، هل يختلف الأمر بين أن يكون المفقود فردًا من العائلة أو حبيبًا؟
“…حبيب؟ لا، عليّ أن أُمهّد طريقي أولًا.”
الأولوية للنفق. وما عداه فليأتِ بعده.
***
“لنذهب إلى الشمال.”
قالها ديميان في اليوم التالي فجأة.
البارحة نام باكرًا من شدة التعب، فلم يتسنَّ لها أن تراه، ويبدو أنه انتظر فقط أن تفتح عينيها صباحًا لينطق بها.
خدشت لويسا وجنتها بخفة في حرج، إذ بدا جادًّا لا يترك أي مجال للمساومة.
“لا حاجة لمزيد من الحديث مع الكنيسة.”
“لم أنوِ الحديث معهم. لكن الرحيل مباشرةً إلى الشمال الآن لا يبدو صائبًا.”
“ولمَ ذلك؟”
“لا أريد أن يؤخذ على عائلتنا مأخذ. حتى لو كنا في خصومة معهم، فإن التهرب بهذه الصورة يوحي وكأننا نُقرّ بالهزيمة.”
“كل هذا لا يهم. لستِ مضطرة لأن تُرهقي نفسك بالاستماع لأقوالهم وأنتِ تتلقين مثل هذه المعاملة.”
يبدو أنه غاضب أكثر مما توقعت.
أمسكت لويسا بذراع ديميان، وأجلسته على الأريكة قبل أن يفيض بالحديث.
“أعرف هذا. لكنني فقط أردت أن أفي بكلمتي. سأبقى في العاصمة بعض الوقت أراقب الوضع. ليس دائمًا بالطبع.”
كانت تعني أنها ستظل هناك إلى أن تتضح الأمور مع رافاييل بخصوص المقبرة، ثم ترحل معه.
يمكنها أن تلتقيه غدًا من جديد لمناقشة الأمر.
في كل الأحوال، لم يكن الظرف مناسبًا للعودة إلى الشمال فورًا.
“أخي، لقد خرجتُ من الكنيسة مرفوعة الرأس، ولا أريد أن أمنحهم ذريعة، فتفهّمني قليلًا.”
“هاه… والدي سيطلب بلا شك أن نعود للشمال في الحال.”
“نعم، سنعود. ليس الآن، لكن سنعود.”
“أأنتِ واثقة أنك بخير؟”
“أنا دومًا برفقة فرسان. لن أكون وحدي أبدًا، فاطمئن.”
زمّ ديميان شفتيه متضايقًا، لكنه كتم اعتراضه إزاء إصرارها.
“وماذا يقول وليّ العهد الأول؟”
“قال افعلي ما تشائين.”
أن يكون إلى جانبها، تلك الجملة التي لم تنطقها واكتفت بابتلاعها.
رفعت كتفيها بتصنّعٍ وهي تجيب.
“وهذا كل ما قاله؟”
“أجل. جرّب أن تثق بي أنت أيضًا. إن وقع شيء فسأخبرك حالًا.”
ربّتت على ذراعه، فتلبّسها شعور غريب.
كان يشي بالرفض، ومع ذلك هزّ رأسه موافقًا.
منظر لم تعهده.
متى أصبحا قريبين إلى هذا الحد؟ لقد غدت تناديه “أخي” ببساطة، ويسترسلان في الحديث كأن الأمر طبيعي.
لم يحدث لها مثيل ذلك من قبل.
وفجأة تردّد في ذهنها صوت الحاكم في الحلم: لماذا تظنين أنه ليس حقيقيًّا؟
دفنت تلك الفكرة خشية أن تأمل فتُخذل، فما الذي جعلها تخرج إلى السطح الآن؟
ارتبك خاطرها.
التقت عيناها بعيني ديميان المقلقتين.
عيناه البنفسجيتان العميقتان تلألأتا كجواهر.
على خلاف لونها الباهت، كان لونه صافياً، يفضح ما في صدره بوضوح.
“…بالمناسبة، كيف أجواء القصر هذه الأيام؟”
“هادئة.”
هادئة؟ والامبراطور قد سقط مريضًا؟ لا بد أن تبلغ بعض الأخبار آذان كبار النبلاء على الأقل، فالأمر عجيب.
“لكنه هدوء غريب.”
قطّب ديميان حاجبه يتململه شيء ما.
رفعت لويسا حاجبيها بدورها.
“هل تشك في شيء؟”
“جلالته يرفض استقبال أحد. كان في الماضي يسمح أحيانًا لبعض المقربين، أما الآن فلا. ولما رأيته آخر مرة، بدا متوعكًا، فلا عجب أن اشتد الأمر.”
“صحيح… كان يبدو مريضًا فعلًا.”
“لو لم تكن الإمبراطورة حائلاً، لكنا عرفنا حقيقة ما يجري.”
“الإمبراطورة؟ ولماذا؟”
“إنها صارمة. لا تسمح بوجود أحد جديد بقربه.”
‘أجل… فهي رأس المؤامرة، طبيعي أن تكون بهذه الحيطة.’
أومأت لويسا ببطء.
“على ذكر ذلك، لم أعد أرى الأمير الثاني مؤخرًا.”
“…ألعلّه لم يخرج من القصر؟”
“كلا. بل اختفى أثره. اعتاد الغياب من حين لآخر، لكن أن يغيب في مثل هذه الظروف أيضًا؟”
“يبدو أن اهتمامه بسلطة العرش أقل حتى من اهتمام الإمبراطورة.”
“لست أدري.”
أجاب ديميان بمواربة.
راحت لويسا تعبث بيدها اليسرى، حتى لمست خاتمها وأخذت تمسح على حلقته.
تُرى، هل يلزمها أن تبحث عن أداة أثرية أخرى؟
فبجانب هذا الخاتم، ستحتاج إلى غيره أيضًا على الأرجح.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"