لستُ مصابة بمرض عضال! [ 9 ]
راحت لويسا تتأمل بعينين فاحصتين وجه ألبيرت المسمّر بنعومة، هذا الوجه الوسيم الذي لوّنته الشمس.
‘انظر إلى هذا الوجه النحيل… واضح أنه عانى الأمرّين.’
كان مشروع العنب وصناعة النبيذ الذي تحدث عنه يوماً ما ما يزال في مراحله الأولى وتعترضه بعض العقبات، ولن يتهيأ له الانطلاق قبل نصف عام تقريباً.
‘أنا أعلم أنه سينجح، لكن هو لا يدري. ويقضي أيامه بين الإحباط ومحاولات النهوض من جديد… لو تمكنت من تخفيف معاناته، فكم سيكون ممتنًّا! ثم لا بأس إن كسبته في صفّي بالمرة.’
حتى قبل قليل، كان يقف أمامها منكّس الرأس في مظهر يثير الشفقة، يتلمس مزاجها بحذر وكأنه يستجدي شيئاً من التعاطف، على الرغم من كونه من النبلاء. كان مشهده يبعث في النفس أسفاً يكاد يستدر الدموع.
‘نعم… كان لا بد أن نلتقي. لقد جمعتنا الأقدار… من أجل المال كلاً منّا!’
إن تم هذا الأمر، فلن تكون للشيخوخة القادمة همّ ولا حاجة.
وما دامت الثروة في يدها، فهل للزواج قيمة؟ فهي لا ترى في نفسها رغبة في مشاركة حياتها مع شخص آخر، وإن اضطرت لرباط كهذا مع غريب، فبوسعها أن تهجر كل شيء وترحل متى شاءت.
ولإخفاء حماستها المتأججة، جمعت كل ما تملك من رباطة جأش ورسمت على وجهها ملامح هدوء متصنّع.
(م. كلمه جمعت كل ماتملك من رباطة جأش مأخوذة من أنمي دراقون بول “استجمعت قواي لأقصى حد” وترجمتها بالسياق أدبي اكتر ليناسب الرواية.)
قالت بهدوء:
‘أنا لويسا بليك.’
شهق ألبيرت:
‘آه! آنستي النبيلة!’
وأسرع يطأطئ رأسه حتى كاد أن يحفر الأرض بجبهته.
أرادت تهدئته، فغيّرت الموضوع بسلاسة:
“المكان هنا هادئ ولطيف.”
ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
“هاها… يبدو أن الجميع يتجنبونني.”
لم تكن تقصد بتعليقها الأول أي معنى مبطن، لكن ملامحه انكسرت وكأن غيمة ثقيلة من الكآبة أحاطت به.
‘هممم… لقد انطفأ تماماً. إن تركته هكذا فلن نصل لشيء.’
رمشت لويسا ببطء، ثم وقعت عينها على زجاجة نبيذ فوق الطاولة.
كانت زجاجة بنية رخيصة المظهر، ملصقها بسيط لا يشبه ما يُقدَّم عادة في قصر الكونت.
قالت وهي تشير إليها:
“هذه المرة الأولى التي أرى فيها هذا النبيذ.”
“أتقصدين هذه الزجاجة؟”
“نعم. الملصق غريب عني… أمكتوب هنا روزيه؟”
أمسك ألبيرت الزجاجة بكلتا يديه بحذر وابتسم بخجل.
“صحيح. أخجل أن أقول… لكنني أنا من صنع هذا النبيذ.”
اتسعت عيناها وقالت:
“أنت بنفسك؟! آه… الآن أتذكر! سمعت أن أسرة البارون روزيه طوّرت نبيذاً جديداً… أهو هذا؟”
ارتبك ألبيرت:
“أسمعتِ عنه فعلاً؟”
“نعم. كنت أتابع أخبار النبيذ، فصادف أن وصلني الخبر. كنت أتساءل عن مذاقه… وها قد التقينا.”
ابتسمت بعينيها، فاحمرّ نظره وأوشك الدمع أن يطفح.
مسح عينيه على عجل وقال بصوت متهدج:
“شكراً… هذه أول مرة أجد من يرحب بي بهذا الشكل.”
قالت بلطف:
“سمعت أن له طعماً مميزاً… إن لم يكن في الأمر حرج، أيمكنني أن أتذوقه؟”
هتف بحماس:
“حرج؟ بل هو شرف عظيم أن تتذوقه آنستي!”
أسرع يضع كأساً أمامها وفتح الزجاجة ثم صبّ النبيذ بانحناءة احترام.
تساقط السائل الوردي الشفاف في الكأس وتلألأ لونه تحت أشعة الشمس.
نظرت لويسا إلى اللون الرقيق بإعجاب، ثم رفعت الكأس ببطء وشمّت الرائحة أولاً.
‘مم… رائحة الكحول قوية بعض الشيء. لم يكتمل تناغم النكهة بعد…’
لكنها كي لا تُظهر ملاحظتها، أخذت رشفة وهي تراقب ألبيرت المترقب.
‘أوه؟ الطعم مفاجئ! جاف باعتدال، وحلاوته متوازنة.’
الطعم كان جيداً على غير المتوقع، لكن المشكلة أن الرائحة السابقة على المذاق قد تنفّر الزبائن وتمنع رواجه.
قالت بصدق، وإن بلطف:
“طعمه رائع… يجعلني أرغب في المزيد. لكن…”
“تفضلي، قولي ما تشائين.”
“الرائحة… فيها بعض النقص.”
تنهد ألبيرت قائلاً:
“أجل… أعرف ذلك. لكنني وصلت لمرحلة لا أستطيع تطويره فيها بلا استثمار جديد.”
حدّقت فيه لويسا قليلاً ثم سألته بصراحة:
“لو استثمرتُ، ما الذي سأجنيه بالمقابل؟”
اتسعت عيناه:
“تقولين… استثمار؟”
“نعم، قلت استثمار.”
أدارت الكأس في يدها ببطء، وهي تميل رأسها قليلاً:
“لدي إحساس قوي بأن هذا النبيذ سينجح… وأرغب في تذوقه حين يكتمل.”
ابتسم ألبيرت بمرارة، كمن يحاول أن يقاوم طمعه:
“إن حصلت على استثمارك، فأي شرط تضعينه سيكون موضع تقدير… لكن الجميع يقول إنه مشروع فاشل، فلا أريد إثقال كاهلك.”
ضحكت لويسا ابتسامة صغيرة:
“وهل تظن أن شيئاً قد يثقل عليّ؟”
لقد كانت بالأمس قد استعجلت بالسؤال عن رصيدها الشخصي، لكنها اكتشفت أن كل ما أنفقته من بذخ لم يكن من مالها، بل من خزائن الدوق وابنه، مما جعل حسابها الخاص ممتلئاً.
‘المشكلة الوحيدة أن ماء القداسة يباع في السوق السوداء بخمسين مليار للوحدة… صحيح أن ما أملكه الآن يكفي لشراء أكثر من عشر وحدات، لكن… من يدري ما يخبئ الغد؟ لا، بل من الغريب أن معبداً يزعم خدمة الحاكم يتصرف بجشع يفوق معظم النبلاء.’
بل لقد أخذت تتساءل إن لم يكن أقوى سلطة في هذا العالم هو المعبد لا الإمبراطورية.
‘…لا بأس. يمكنني مضاعفة ثروتي هنا. أنا في حياتي السابقة قاومت الإهانة والحرمان حتى النهاية… أما هنا، فهذا أشبه برشفة حساء بارد.’
على أي حال، ما إن أبصرت لويسا المال والجواهر، حتى انشرح صدرها وهدأ بالها.
أما ألبيرت، الذي لا يدري شيئاً عن مكنون نفسها، فقد أخذت عيناه تلمعان بتوقّع.
“لقد صنعت وحدك هذا النبيذ الغريب النفيس، وأرى أن مسألة ضبط النكهة والعبير مسألة وقت لا أكثر. ما رأي البارون؟”
“…أجل، ممكن! إن منحتموني الفرصة، فسأبذل ما في وسعي حتى يروق لآنستي.”
لم يطل تردده، وسرعان ما أجابها بما أرادت سماعه بنبرة مفعمة بالحزم.
‘حسنٌ… عادت لعينيه بعض الحياة بعد أن كانتا كعيني سمكة متعفّنة.’
ابتسمت لويسا برضا وربّتت عليه معنويًّا:
“افعل ذلك لأجلك أنت، لا لأجلي… إنه حلمك يا بارون.”
شعر ألبيرت فجأة بحرارة في عينيه، فقد بدت كلماتها المشجّعة وكأنها تضمّد جراح سنين طويلة من العناء.
وقد كان لبعده عن العاصمة قليل الاطلاع على أخبار المجتمع، ولم يعرف عن النبيلات سوى ما نسجته الألسن من صور متكبّرة قاسية.
كان يتوقع أن تكون صعبة المراس، فإذا بها أدفأ قلباً مما ظن حتى شعر بالندم لأنه أساء الظن بها.
‘سأنجح… وسأردّ لها هذا الإيمان بي.’
كتم مشاعره المتدفقة، وابتسم ابتسامة عريضة، نصفها باكٍ ونصفها ضاحك.
‘آه… هذا التفكير أنهكني وجعلني جائعة.’
بعد أن هدّأت من انفعاله الممزوج بالابتسام، صرفته على أن يؤجلا بحث تفاصيل العقد إلى الغد.
ولم ترَ حاجة لإخفاء الأمر، فقررت أن تكلف براون بإعداد العقد.
ثم اتجهت إلى ديميان، الذي كان يرمقها من بعيد بنظرات متلهفة.
سألها بابتسامة لطيفة:
“أنهَيْتِ الحديث؟ لم أقترب حتى لا أقطع عليكما، ثم إنه أول مرة أرى هذا الرجل.”
كان يسأل ببراءة أقرب إلى انتظار مديح طفل جلس بهدوء في مكانه، فضحكت لويسا.
‘ها هو سبب الحكة في مؤخرة رأسي منذ قليل.’
“لقد أحضر نبيذاً غريباً شدّ اهتمامي، فدعوتُه غداً إلى القصر.”
“حقاً؟ وفي أي ساعة سيأتي؟ ألا تعرفينني عليه أيضاً؟”
“لاحقاً… غداً سنوقّع عقد الاستثمار، ولا أريد أن أشغل الأمر عن مساره.”
كبح ديميان رغبته في السؤال، مكتفياً بالصمت.
لم يعد كما كان في الماضي يضغط عليها أو يلحّ، بل آثر أن يمنحها إحساساً بأنه حاضر دوماً قربها.
“حسناً… إن احتجتِ إلى شيء فأخبريني متى شئتِ. جائعة؟ لنذهب إلى تلك الطاولة هناك.”
أشار إلى طاولة فارغة عليها بعض المرطبات، ومد ذراعه لترافقه، لكن رجلاً تقدم نحوهما.
“تبدوان على وفاق… على عكس ما كان يوم الخطبة.”
كان ذا شعر فضي متموّج وعينين زرقاوين صافيتي اللون، يجمع بين الوسامة والرقة في ملامحه.
لم يكن مألوفاً لديها، لكنها أدركت هويته بسرعة.
فاتّبعت لويسا حركة ديميان، وانحنت احتراماً:
“أحيي جلالتك يا صاحب السمو.”
إنه الأمير الثاني ساينف أريليوس، ابن الإمبراطورة الحالية وأخو رافاييل غير الشقيق من الإمبراطورة الراحلة.
وعلى عكس رافاييل الجادّ الصارم، لم تفارق الابتسامة شفتي ساينف.
“كنت متفرغاً فقلت أطلّ، ويبدو أنني أحسنت الاختيار. أليس غريباً؟ في حفل الخطبة لم تتبادلا حتى النظرات… أم أنّ ذاكرتي تخونني؟”
لكن، على الرغم من وجهه المشرق، فإن نبرة صوته حملت لسعاً خفياً.
ابتسم ديميان بذات القدر من الهدوء، وردّ:
“يبدو أن السبب أننا لا نخرج معاً كثيراً.”
ثم مال نحوي، وهمس بنبرة دافئة:
“لويسا… فلنخرج معاً أكثر من الآن فصاعداً، حتى لا يرانا الناس بائسَين كما اليوم.”
أومأت لويسا بوجه هادئ، لكنها كانت تحدّق بدهشة في ساينف أمامها.
‘من الواضح أنه بطّال، فها هو يعترف بفراغه بنفسه.’
لقد كان في نظرها أكثر شخص مثير في الرواية التي تعرفها، حيث لا يأبه بالمظاهر ويفعل ما يشاء بلا تردّد، ويطعن بالكلمات بمهارة سواء في وجه الحلفاء أو الخصوم، حتى لقبوه بـ”المُبتسم الخبيث”.
(ملاحظه فيه سبه قبل كلمه المبتسم ف اقرب شي الخبيث او الوغد)
———
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 9"