“لم أره سوى قليلًا، لكنني أعلم أن له نزعة للسلطة. إنه يطمع علنًا في منصب الكاردينال القادم.”
“هاه، والكاردينال الحالي ما زال حيًّا يُرزق!”
‘إذن هو شخص دنيء كما توقعت.’
قطبت لويسا جبينها وتوقفت عن السير.
“نعم، ولهذا كنت أضعه تحت المراقبة. لكن لا أدري لماذا بدأ يتحرك بهذه الطريقة فجأة. ألم يقل شيئًا آخر؟”
“آه… نعم، سمعت شيئًا قبل أن أدخل. قيل إن البلاط الإمبراطوري سيمنحه سلطة الإكراه بالقوة، وإنني لو رفضت الذهاب، فربما كانوا سيستخدمونها كحل أخير.”
“البلاط الإمبراطوري، تقولين؟”
“نعم.”
فتصلب وجه رافاييل على الفور.
“القائد رافاييل؟”
“……لويسا.”
“نعم، تفضل.”
حدّق فيها وهو يقطب حاجبيه، ثم مال برأسه ببطء نحوها.
اقترب منها على نحو مفاجئ، فرفّت جفون لويسا بسرعة، ولما مال وجهه أمامها مباشرة، تبعته بنظراتها مشدوهة.
كان خط فكه الحاد وعنقه العريض وحركة تفاحة آدم البارزة حين ابتلع ريقه كلها تظهر بوضوح، وما إن تبعت عيناها تلك الملامح المائلة حتى لامست أنفاسه أذنها.
“جلالة الإمبراطور يحتضر.”
“……ماذا؟!”
“لقد انهار فجر اليوم.”
وبينما ظلّ عطره العذب عالقًا في أنفها، ابتعد قليلًا، فنسيت توترها الذي اجتاحها قبل ثوانٍ ووقفت مذهولة فاغرة الفم.
“حتى قبل أن ينهار لم يكن في حال جيدة، فلا أظن أن لديه من الطاقة ما يسمح بإصدار مثل تلك الأوامر.”
“إذن…….”
التقت عيناهما في الفراغ، ولم يتبادلا الكلمة، لكنهما كانا يفكران في الشخص نفسه.
‘الإمبراطورة هالين. لا شك أنها هي.’
“على أي حال، المكان يعج بالناس. ما رأيكِ أن نغادره الآن؟”
“آه، نعم. لكن… ألن يكون من الصعب الذهاب إلى مكتبة القصر في هذه الظروف؟ فالأجواء….”
“يمكنك الذهاب، لا بأس. لكن إن كان الأمر يزعجك، فلتؤجليه لوقت آخر.”
‘صحيح… يبدو مطمئنًا تمامًا. ربما يخفي مشاعره ويتظاهر بالتماسك، من يدري.’
أمعنت لويسا النظر في وجهه، ثم أومأت بخفة.
“إذن ماذا عن مكتبة الكنيسة الكبرى؟”
“وهل توجد مكتبة هنا؟”
“نعم. قد لا تكون كبيرة مثل مكتبة القصر، لكنها قد تحوي ما نبحث عنه على نحو أفضل.”
كان ذلك خبرًا سارًّا.
“إذن فلنذهب إليها حالًا. آه، هل وقتك يسمح؟”
“بالطبع. لكن اقترب موعد الغداء… ألا تشعرين بالجوع؟”
“آه… لم أجد وقتًا لأفكر في الطعام أصلًا. لكن أنتَ لا بد أن تأكل.”
“لنؤجل ذلك لما بعد المكتبة، ونذهب معًا.”
“……حسنًا، ربما.”
ابتسم رافاييل برقة أمام جوابها المتردد. وكان في ابتسامته من الحنان ما جعل ظهر لويسا يقشعر خجلًا.
وسارت خلفه بخطوات هادئة، وعلى شفتيها تسللت ابتسامة خفيفة دون أن تدري.
***
كانت المكتبة في مكان منعزل. وكان ضوء الشمس الهادئ في فترة بعد الظهر يتسلل من النوافذ الصغيرة، ليسكب على رفوف الكتب العتيقة مسحةً دافئة من الأناقة والقدم.
مدّت لويسا يدها تشق خيوط الغبار المتراقص في شعاع الشمس، وهي تتأمل المكان ببطء.
“إن كانت هذه تُعد صغيرة، فكيف تكون مكتبة القصر إذن؟”
إذ لم يكن في المكتبة سواهما، لم يحتجا إلى خفض الصوت. وأخذت لويسا تستنشق في راحة مزيج رائحة الخشب والورق العتيق، فيما عيناها تتنقلان على عشرات الرفوف.
“أظنها أكبر بثلاثة أضعاف.”
“إذن لا بد أن تناول كتاب هناك صعب للغاية.”
“بل يسير، فقد فُهرست جيدًا. انظري، أظن أن الكتب القديمة هنا.”
وقد بدا أنه يعرف المكان جيدًا، إذ لم يتأخر في إيجاد الرف المطلوب. فوقفت بجانبه، وأخذت تطالع معه العناوين.
‘حول الآثار القديمة… أنماط العمارة القديمة… الحضارة القديمة….’
كلها عن العصور الغابرة، لكن لم يكن بينها ما بدا أنه يتصل مباشرة بما تبحث عنه.
“هل نبحث عن عنوان فيه كلمة ‘مقبرة’؟ أو ربما سيكون الأفضل أن نجد كتابًا يتحدث صراحة عن اللعنات….”
“إن كان الأمر متعلّقاً باللعنات، فربما ينبغي أن نذهب إلى المنطقة المحظورة.”
“المنطقة المحظورة؟ أيوجد مكان كهذا هنا؟”
“هناك موضع يجمعون فيه الكتب الممنوعة. من هذه الجهة.”
تقدّم رافاييل دون أي تردّد.
‘مع ذلك، أليست منطقة محظورة؟ أليس من الطبيعي أن يتردّد المرء ولو للحظة؟’
تساءلت لويسا في سرّها، ثم تبعت خطواته بعد أن أطالت النظر إلى ظهره العريض.
تجاوزا رفوف الكتب واحداً تلو الآخر، متوغّلين أكثر فأكثر في الداخل.
وعندما انعطفا يساراً إلى مكان معزول ظهرت جدار أمامهما، فمدّ رافاييل يده إلى الجدار بملامح هادئة وأغمض عينيه ببطء.
كان وهج قوّته المقدّسة يخفق في الأجواء.
“واو…”
انفلت صوت الإعجاب من لويسا بغير قصد. وظلّت تحدّق مذهولة في الفراغ حيث اختفى الجدار، قبل أن تدير رأسها إلى النظرات التي كانت تتفحّصها من فوق.
“إنه موضع لا يُسمح بدخوله إلا للمصرّح لهم، ولهذا يخفيه الوهم بهذا الشكل.”
“…هل يُسمح لي بالدخول؟”
“نعم.”
جاء الجواب بلا أدنى تردّد، بل إنه كان ينظر إليها بعينيه العميقتين وكأن الأمر من البديهيات.
لم تجد لويسا سوى الحيرة أمام هذا اليقين.
شعرت في تلك اللحظة أن مكانتها عنده تحتل موقعاً متقدّماً جداً في قلبه. فكلما حاولت الهرب من مواجهة تلك الحقيقة، كان هو يطرق أبواب قلبها ببراءة تامة، فيربكها بلا هوادة.
“لم أدخل مع أحد إلى هنا من قبل، فلنخض الأمر معاً، تحسّباً لأي طارئ.”
ومدّ يده أمامها.
رمشت لويسا ببطء ثم تردّدت لحظة قبل أن تضع يدها الصغيرة بخفر على راحة يده الكبيرة والخشنة لكنها دافئة.
غير أنّه لم يكتفِ بذلك، بل غلّف يدها بيده العريضة تماماً. ورغم أن الوضع بدا كأنهما يمسكان بأيديهما، إلا أن الفرق في الحجم جعل يدها تبدو وكأنها محاطة كلّياً بكفه، مما أضفى شعوراً غريباً بالطمأنينة.
أشاحت لويسا ببصرها عن يده متعمّدة، إذ خشيت أن تولي الأمر أكثر مما يستحق من الانتباه والتأويل. فاكتفت بتركيز نظرها أمامها وهي تتأمل الرفوف، ثم تمتمت ببطء:
“…عدد الرفوف هنا أكثر مما ظننت.”
“أظن أن كتب اللعنات في هذا الاتجاه.”
حتى بعدما تجاوزا حدود المكان الذي كان فيه الجدار، لم يُفلِت رافاييل يدها. كان يقودها بطبيعية نحو الجهة المقصودة.
“الكتب الممنوعة هنا أكثر مما توقعت.”
“إتلافها قد يشكّل خطراً، لذا يحتفظون بها قدر المستطاع في مكان تحيطه الحواجز المقدّسة.”
“لكن… هل يجوز لمسها؟”
فالمجيء إلى هنا لمجرّد التفرّج أمر، أما لمس الكتب الممنوعة فهو شيء آخر تماماً.
التفتت لويسا نحوه لأول مرة منذ دخولهما المنطقة المحظورة.
“نعم. لقد أخبرني سيادة الكاردينال بذلك مسبقاً.”
“سيادة الكاردينال…؟”
“قال إن رغبتِ أن تقومي بأي عمل في الكنيسة، فبوسعي أن أسمح لك وفقاً لتقديري.”
“…وكيف عرف أنني سأفعل شيئاً؟”
“ما دمتِ لا تُسببين ضرراً، فما المشكلة؟ بل لعلّك تقدمين نفعاً للإمبراطورية.”
لم يكن بحاجة إلى تضخيم الأمر بهذا الشكل…
أدارت لويسا بصرها محرجة، متفادية عينيه اللينتين، ثم تظاهرت بالانشغال بالتفتيش بين الرفوف بتمعّن أكبر.
“همم… آه، أظن أنه هنا.”
“دعيني أنا أُخرج الكتاب.”
“ماذا؟ أهناك خطر إن لمسته بنفسي؟”
“الكتب الممنوع النظر فيها فُصلت جانباً. عدا ذلك يمكنك تصفّح البقية.”
“آه… فهمت.”
‘ظننت لوهلة أنّ في الأمر خطورة…’
ابتلعت لويسا سرّاً زفرة ارتياح بينما مدت يدها لتتسلّم الكتاب. عندها فقط أدركت أنّ يدها الأخرى ما زالت مشدودة في قبضته.
“هلا… تركت يدي الآن؟”
“آه، صحيح. القراءة تحتاج إلى كلتا اليدين.”
‘وكأن الأمر بديهي للغاية…!’
ابتسمت لويسا بخفّة وهزّت رأسها. كان استحواذ يده عليها يربكها قبل قليل، لكنها فوجئت كيف اعتادت عليه بسرعة.
لكن ما إن أفلت يدها حتى شعرت فراغاً خفيفاً يترك أثراً داخلياً.
‘هل يعقل أن تتأرجح حالتي النفسية بسبب مجرّد يد؟’
هزّت رأسها لطرد الفكرة، وأخذت تمرّر أصابعها على غلاف الكتاب الذي ناولها إياه رافاييل.
كان الغلاف من الجلد الأسود، وعنوان أسرار الشعوذة القديمة مطرّز بخيوط واضحة تدلّ على عراقة الزمن.
ولحسن الحظ، كان مكتوباً باللغة للإمبراطورية لا باللغة القديمة، وهو ما كانت تخشاه فتنفّست بارتياح.
‘همم… سحر الصاعقة، العبودية الملعونة…’
كان القدماء يستعملون الـمانا لممارسة السحر، غير أنّ هذه الطاقة أصبحت شبه مفقودة اليوم، فلم يبق سحرٌ يُمارَس إلا عبر الدوائر السحرية المنقوشة على بعض القطع الأثرية القديمة، وحتى هذه لا تعمل دائماً كما ينبغي. ولهذا تضاءلت قيمتها كثيراً.
وبناءً عليه، لم تعد الشعوذة المبنية على السحر ممكنة غالباً، فاتّجهت إلى أسس أخرى بديلة.
‘تُرى، أي نوع من الشعوذة يمكن استخدامه بغير السحر؟ في الروايات التي قرأتها، كان لا بد من تقديم قربان أو تضحية لمن يرغب في لعن شخص ما…’
وأخذت لويسا تقلّب الصفحات بسرعة متزايدة.
*****
الايام هي مريضه ف ما بعرف اذا الترجمة مفهومة لكم ومش قادره افكر اصلا ولا افهم اي شي قاعد يصير، ومابقدر اقطع لان قريب دوام وانشغالات…
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 89"