لم تكن سوى فتاة تعيش وحيدة في كوخ مهجور بالكاد تبقى على قيد الحياة، حتى التقت ذات يوم بفارسٍ ورأت الزهرة المقدسة صدفةً، فانجذبت إليها بلا وعي.
وشعرت حينها: هذا ما ينبغي أن أقوم به أنا.
‘رافاييل كان يجب أن يكون لي أيضاً…… لو لم تكن تلك المرأة موجودة لكان لي وحدي…….’
وشعرت بالأمر ذاته في اللحظة التي وقع بصرها على رافاييل.
انجذبت إليه اندفاعاً محضاً، ولم يكن في داخلها إلا غريزةٌ تدعوها إلى لمس ذلك البريق.
كان شعوراً يخبرها أنه إن لامسته فسيصير شبيهاً بها، فظلت تحلم باليوم الذي سيتحقق فيه الوصل بينهما.
لكنها أقنعت نفسها أن خطوبته بلويسا لم تكن إلا نتيجة حبٍّ من طرف واحد، وستتفكك عاجلاً أو آجلاً. غير أن مرور الوقت حطّم ذلك اليقين.
وفوق ذلك، كانوا يقولون إن خطيبته مريضة وأن أجَلها قريب، وأن فسخ الخطبة وشيك، لكن متى؟ كيف لم تمت بعد وهي قادرة على استخدام تلك القوة المقدسة المهيبة؟
صار الأمر فوق استيعاب بيلا.
‘لا بد أن ثمة خطأ.’
رافاييل قَدَرها.
قلبها وغريزتها كلاهما دلّاها عليه، وهي المؤهلة وحدها لنيل أنظار الناس في هذا المكان.
“يا لها من مدهشة. طهّرت هذا الجمع كله في لحظة واحدة!”
“صدقتَ. لعلنا نستطيع أن نقول بصدق إن الآنسة بليك هي القديسة حقاً.”
تجهّم بصر بيلا الحاد باتجاه الخارج.
كانت الأصوات التي تتناهى إليها منذ قليل تتضخم شيئاً فشيئاً حتى اخترقت سمعها.
“هس، اخفضوا أصواتكم، إنها في الداخل.”
“وما نفع ذلك؟ حين احتجنا إليها حقاً لم تلتفت إلينا.”
“صحيح، ولكن…….”
“ثم ألا ترون أن الشائعات عن الآنسة بليك كانت مبالغاً فيها؟ كانوا يقولون إن ولي العهد الأول يكرهها، لكنكم رأيتم كيف كان لصيقاً بها، وكيف نظر إليها. أيُعقل أن تكون تلك نظرات كراهية؟”
“هذا صحيح. وألم تسمعوا أنها مريضة منذ فترة؟ إن صح ذلك، فكيف استطاعت أن تظلّ تطهّر الناس حتى أوشكت على الانهيار؟ أيّ إنسان آخر كان سيفكر بنفسه أولاً.”
تضحيات، هكذا قالوا.
ابتسمت بيلا بسخرية باردة.
ومن غيرها التي اسودّت يداها وهي تزيل السحر الاسود؟
من غيرها التي أنهكت جسدها حتى العطب؟
أليست هي الأحق بوصف التضحية؟
‘أفواه كأفواه الخفافيش.’
شعرت بالاشمئزاز.
‘كل ما في الأمر أنني كنت وحيدة، فاستلطفت اهتمام الناس للحظة…… لكن لا حاجة لي بهم.’
أطرقت بعينيها نصف إطراقة خاملة، ثم فتحت عينيها فجأة وبسطت كفها اليمنى. وإذا بالسواد الكثيف الذي كان يلفّ جسدها يتجمع من تلقاء نفسه نحو راحتها.
‘لا أريد سوى رافاييل.’
تصاعد الدخان الأسود المتبقي فوق كفها، ثم تموّج كالسراب وتفتت في الهواء حين أطبقت قبضتها.
‘إنه قدري. معاً فقط سنكتمل.’
واتجه بصر بيلا بثبات وبلا ذرة تردد نحو خيمة كانت الإمبراطورة بداخلها.
***
مضت ثلاثة أيام على حادثة هجوم الوحوش في مهرجان الصيد.
جلست لويسا متكئة بإهمال على الأريكة تحدّق بشرود عبر النافذة المفتوحة على مصراعيها.
أوراق الأشجار التي كانت تهتز بهدوء أطلقت فجأة خشخشة عليلة منعشة.
“الجو لطيف ومنعش.”
لو لم تقل إنها مريضة لخرجت تتمشى قليلاً، تفويت ذلك بدا مؤسفاً.
غير أن هذا المشهد الهادئ لم يكن سوى قشرة تخفي فوضى عارمة تضجّ بها المدينة خارج القصر.
فقد كان كثيرون قد رأوا لويسا وهي تطهّر الناس، وما لبث الخبر أن انتشر في العاصمة كانتشار النار في الهشيم.
صحيح أن عودتها إلى القصر محمولة بين ذراعي رافاييل بعد أن ظن أنها واهنة كان أمراً محرجاً، لكن ربما بفضل هذا الظن نجت من تعقيدات كثيرة، إذ لو بدت بخير، لكان الناس يتقاطرون عليها في كل يوم.
‘يا ترى، كيف تسير أمور السيد روزيه؟’
أسندت ذقنها إلى مسند الذراع وأغمضت عينيها ببطء.
فالواضح أن قدراتها في التطهير أشعلت العاصمة بالضجة، وزعمت أيضاً أنها مريضة، مما جعل رحلتها إلى الشمال تتأجل.
وبرغم أن طبيب العائلة أكد صحة لويسا، إلا أن الدوق بليك أعلن أنه سيبقى في العاصمة فترة أطول.
ومن ثمّ وقد رأت أن الظروف لن تسمح لها بالسفر قريباً، كتبت فوراً رسالة إلى ألبيرت روزيه.
طلبت منه أن يواصل العناية بعنب النبيذ وإنتاجه في أراضي بليك، وأكدت له أن في وسعه أن يكاتبها إن اعترضه عائق في تطوير النبيذ الفوّار.
‘ألم يقولوا إن مبيعات النبيذ ارتفعت؟’
على الرغم من أنها لم تغادر القصر أياماً عدة، إلا أن عالمها تغيّر كثيراً.
فبعد أن كانت لا تتلقى حتى رسالة واحدة، غدا الناس يتسابقون لملاقاتها يبعثون بالخطابات والهدايا.
والنبيذ الذي كانت سمعته قد تضررت سابقاً لمجرد أنه من صنعها، صار بعد المهرجان يُباع بسرعة حتى نفدت الكمية.
يزعمون أن النبيذ الذي صُنع بيد قادرة على التطهير أصدق وأضمن.
بل راحوا يهلّلون فيما بينهم بأنها قد تكون القديسة القادمة. وكلما نقلت لها ماري شيئاً من ذلك لم تتمالك نفسها أن تزفر بسخرية.
طرق… طرق.
“المعذرة.”
وقد كانت لويسا مائلة قليلًا إلى جانبها، لوّحت بيدها لماري التي دخلت الغرفة.
قالت ماري:
“آنستي، عائلة الماركيز فياتشي أرسلوا هدية أخرى.”
“مرة أخرى؟ لقد رددتُ عليهم بأني لا أحتاج شيئًا، فلماذا؟”
“وقد وصلت مع الهدية رسالة أيضًا.”
“هممم…”
أخذت لويسا الرسالة من يد ماري ثم أسندت ظهرها كاملًا واتكأت براحة، فما كان من ماري إلا أن وضعت وسادة برفق تحت رأسها، كمن اعتاد على ذلك.
قالت لويسا:
“يبدو أنهم سيستمرون في إرسال الهدايا إلى أن أوافق على لقائهم.”
“ماذا؟ ألم ترفضيهُم؟”
“بلى. لكنهم يقولون إنني أرهقت نفسي حين قمت بتطهير اللورد الشاب، وإنهم سيواصلون إظهار إخلاصهم إلى أن أتعافى تمامًا.”
“آه، صحيح! لقد ساعدتِهم بشق الأنفس يا آنستي! عندما عدتِ محمولة بين ذراعيه، شعرت أن قلبي سيتوقف!”
“لكنني لم أكن مريضة أصلًا. كل ما في الأمر أن ساقي خَدِرَت في تلك اللحظة، فأساء رافاييل الفهم.”
“هييه، آنستي، أنتِ دائمًا تقولين إنك بخير! حتى عندما تقيأتِ دمًا قلتِ إن الأمر عادي! من سيصدق كلامك إذن؟!”
وضعت لويسا الرسالة جانبًا ونظرت إلى ماري بدهشة.
“لأنني كنت بخير بالفعل في ذلك الوقت، فقلتُ إني بخير.”
“حسنًا، فهمت.”
“لكن ملامحك تقول غير ذلك.”
هزّت ماري رأسها في حيرة وكأنها لا تفهم شيئًا. وبدا التناقض بين كلماتها وتعبيرها مضحكًا إلى حد أن لويسا أطلقت ضحكة صغيرة، فما كان من ماري إلا أن ابتسمت بدورها وقدمت لها الصندوق الذي أحضرته مع الرسالة.
“هذه هي الهدية. لم أجلب غيرها لأنني ظننت أنكِ ستودين الاطلاع على هدية هذه العائلة بالتحديد.”
“أحسنتِ.”
فتحت لويسا الصندوق وأخرجت منه علبة مجوهرات بحجم يتسع لقلادة.
“هممم… جميلة.”
وما إن فتحت العلبة حتى لمعت قلادة مرصعة بالياقوت البنفسجي.
كانت تبدو باهظة الثمن، لكن رد فعل لويسا بقي فاتراً.
“على ما يبدو، سأضطر قريبًا إلى لقاء الماركيز فياتشي.”
كان إصرارهم على رد الجميل لفضلها عليهم مثقِلًا لها. فالأفضل عندها أن يكفّوا عن إزعاجها، لكنها لم تستطع أن تقول ذلك صراحة.
أغلقت العلبة وأعادتها إلى ماري.
“اكتبي لهم أن نلتقي بعد ثلاثة أيام. وأخبريهم ألا يرسلوا مزيدًا من الهدايا حتى ذلك الحين.”
“حسنًا! وأيضًا يا آنستي، الانسة مانويلي بعثت رسالة جديدة.”
“ومن هذه الآن؟ لكن إرسال الرسائل ليس قاصرًا على شخص واحد.”
“نعم… لكنها على خلاف الآخرين، ترسل رسالتين كل يوم بلا انقطاع.”
“هاه… حتى الراحة لا تُترَك لي.”
كانت تبدو وكأنها ترتاح أكثر من أي أحد آخر وهي ممددة على الأريكة، لكنها مع ذلك لم ترضَ عن حالها.
“هاتِ رسالتها إذن.”
“حسناً! آه، صحيح، سألتُ بعض التجار قبل قليل عن أخبار الخارج.”
“وماذا قالوا؟”
“إن الناس يتساءلون: ألا يجدر بنا أن نبايع آنستنا كقديسة؟”
“…هذا جنون.”
تنهدت لويسا وهي تمرر يدها على وجهها.
كانت قد توقعت الأمر، لكن مواجهته واقعًا كان مرهقًا بالفعل.
نظرت ماري إليها بعطف، ثم اتجهت بخطوات هادئة نحو الباب.
لكن تلك المحاولة لم تدم طويلًا.
“آنستي!”
اضطرت أن تصرخ بأعلى صوتها معلنة زيارة رافاييل اليومية التي لا تخلف موعدها أبدًا.
وقد تلألأت عيناها حماسًا وهي تحلم برومانسية بين آنستها ورافاييل.
دخلت لويسا الغرفة المخصصة للضيوف حيث كان رافاييل ينتظرها كالمعتاد، فألقت عليه تحية بنظرة هادئة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"