مسح الدوق سيفه ولوى لجامه، وإذا بعويلٍ آخر كئيب يتردّد من بعيد.
“غادروا ساحة الصيد! من هذا الاتجاه.”
“أمرٌ مطاع!”
غير أنّ وقع خطواتٍ مسرعةٍ أخرى تلاحقهم من الخلف.
وكان القتال في ممرٍّ ضيق كهذا أسوأ ما يمكن، إذ كان لا بدّ من ساحةٍ أوسع لمواجهة الوحوش.
انطلقت الخيول بجنون، وبينما ظلّ الدوق وديميان متماسكين عند مقاتلة الوحش، أخذت أعينهما الآن ترتجف بقلقٍ ظاهر.
“لنسرع! أولويتنا أن نتأكد من سلامة لويسا!”
كانت حركات أيديهما وهما يحثّان الخيول مشبعةً بالعجلة والاضطراب.
“آآآه!”
“……!”
تبادل الدوق ودميان النظرات، فقد دلّت الصرخات القادمة من الجهة التي يقصدونها على أنّ الوحوش قد تجاوزت ساحة الصيد وظهرت بالفعل قرب الخيام حيث مواقع الانتظار.
لقد تحوّل المشهد إلى فوضى عارمة، فصوت التهشيم الذي هزّ الغابة لم يتوقف، وعويل الوحوش المخيف الذي اخترق السماء لم ينقطع.
ورغم محاولاتهم للبقاء هادئين، أدرك الدوق أنه إن لم يطمئن على لويسا حالًا فلن يقدر على فعل أي شيءٍ آخر. فشدّ فكه بقوة وتوتّرت عروقه البارزة على جبينه.
“أبتاه!”
وفي تلك اللحظة، بينما كان الدوق لا يفكر إلا باسم لويسا وهو يركض، سمع صوتًا مألوفًا بجانبه، فشدّ لجام حصانه لا شعوريًّا واتّجه نحو مصدر الصوت.
هييييينغ─.
صهل الحصان رافعًا قوائمه الأمامية وهو يلتفّ بصعوبة، فإذا بحصانٍ أبيض يعدو من بعيد يلوح أمام عينيه.
“……لويسا؟”
“أخي!!”
“لويسا!”
كان الحصان الأبيض يقترب بسرعة، لكن خلفه وحشٌ في حالٍ سيئةٍ يطاردهما بلا هوادة.
وفي اللحظة التي همّ فيها الدوق وديميان بالانطلاق نحوهما مذعورَين، غرس رافاييل الجالس خلف لويسا، سيفه في جسد الوحش ثم انتزعه بعنف.
كولّونغ─.
اندفع الدم الأسود الثقيل وتهاوى الوحش إلى الأرض صريعًا.
ورغم حدة الموقف، لم يتوقف الحصان حتى وقف بين الدوق وديميان، لتفتح لويسا فمها بوجهٍ هادئٍ قائلة:
“الحمد لله… لم نتفرّق في الطرق.”
“ما الذي…! ألم تكوني في الخيمة؟”
“آه، ابتعدت قليلًا لبعض الوقت، وصادف أن التقيت بالسيد رافاييل، فجئنا سويًّا لنبحث عنك وعن أبي.”
“كيف تجرؤين على التصرّف هكذا بطيش؟! ماذا لو كنّا ما زلنا داخل ساحة الصيد!”
وبرغم شعوره بالارتياح لرؤيتها، لم يستطع ديميان كبح غضبه للمرة الأولى على لويسا.
في عينيه المتسعتين، التي ثبتت عليها وهو شاحب الوجه، ارتسم ظلّ خوفٍ جليّ.
ارتجفت جفون لويسا سريعًا، كأنها انكمشت دون قصد.
“……بالطبع كان يجب أن أدخل إلى ساحة الصيد لأبحث عنكِ. في مثل هذا الوضع، البقاء متفرّقين في مجموعات صغيرة أخطر بكثير.”
كانت لويسا تدرك أن ديميان ما رفع صوته إلا بدافع القلق عليها، غير أنّ ذلك لم يمنع شعور الخيبة من أن يتسلّل إلى قلبها.
فهي أيضًا جاءت بدافع القلق عليه، لكنها تساءلت في سرّها: أكان أول ما يفعله حين رآها أن يصرخ في وجهها؟ خصوصًا وأنها ترى ذلك منه لأول مرة، الأمر الذي زادها ارتباكًا.
“أعتذر. رأيت أن وجودي إلى جانب لويسا أكثر أمانًا، لذلك تحرّكت بهذه الطريقة.”
تنفّست لويسا الصعداء عند سماع الصوت المنخفض خلفها، وكان صوت رافاييل.
عندها انصبّت عينا الدوق وديميان عليه.
“……بالفعل، لا مكان أكثر أمانًا من جوار سموّ الأمير. أما الصغير ديميان فقد غلبه القلق، فالتمس له العذر.”
قال الدوق ذلك، ونبرته امتزجت بزفرة خفيفة، لكنها لم تحمل أدنى نبرة عتاب.
نظرت لويسا إلى ديميان الذي لم يستطع احتمال نظراتها، فخفض رأسه فجأة. فاختلط في نفسها الغضب مع شعورٍ بالشفقة، وزادها ذلك اضطرابًا.
“لا بأس. على أي حال، علينا أن نتحرّك إلى جهة الخيام أولًا.”
فالوقت لم يكن يسمح بالانشغال بتفكيرٍ فارغ.
تولّى رافاييل زمام الحديث بهدوء وهو يراقب الأرجاء.
“لقد طلبنا دعمًا من الكنيسة، لكن حتى يحين وصوله علينا أن نركّز على صدّ الوحوش الخارجة من ساحة الصيد.”
وما إن أنهى كلماته حتى دوّى صوت تهشّم عنيف، فتجمّد وجه لويسا.
‘كنت أظن أنّ الأمر احتمالًا بعيدًا، لكنهم فعلوها فعلًا، أطلقوا الوحوش. لا عجب أن أمرتني الإمبراطورة بالانتظار بعيدًا، فقد أرادت أن أكون في مأمن أيسر عند اندلاع الفوضى.’
من جديد، شعرت لويسا بقسوة الإمبراطورة تتجلى أمامها؛ تلك البرودة التي لا تتورّع عن شيء ما دام يخدم أهدافها.
‘أو ربما أرسلت هذه الوحوش أصلًا لقتل رافاييل أو قتلي أنا.’
فقد لاحظت أن الوحوش كانت تتبعها هي ورافاييل تحديدًا، وكأنها استهدفتهما عن قصد.
فعلى الرغم من وجودهما في الجهة المقابلة تمامًا، إلا أنّ الوحوش ظلت تهجم عليهما كما لو كانت تتعقّب رائحتهما، بينما رافاييل لا يتوقف عن شقّها بسيفه.
تردّدت لويسا للحظة في استخدام الأداة السحرية، لكنها رأت أنّ الأوضاع لا تزال تحت السيطرة، فآثرت الترقّب بدلًا من التدخل الطائش.
ولم تزل عيناها تتبعان كل حركة: الوحوش المندفعة نحوها، والفرسان الذين يقطعونها بسيوفهم.
‘……كان عليّ ألّا أتعامل مع مهرجان الصيد بخفّة. لو أنني بحثت في الأمر من قبل، ربما كان بوسعي الحيلولة دون ما يحدث الآن.’
في الرواية الأصلية، لم يُذكر سوى أنّ الوحوش قد حُبست قرب العاصمة، لكن الآن لم يعد بدّ من معرفة خفايا الأمر بدقّة.
تقطّبت ملامح لويسا مع تصاعد رائحة السحر الاسود، فتذكّرت قول الإمبراطورة قبل قليل:
“إذا كان الأمر خطوة ضرورية، فيجب أن تكون قادرًا على التخلي عن كل شيء لتبدأ من جديد.”
بدا لها جليًّا أنّه لا يجوز الاستهانة بشرق المملكة.
***
ولحسن الحظ، قضوا على الوحوش التي ظنّوا أنها لن تنتهي في غضون ساعة.
وسرعة الحسم تعود بقدرٍ إلى الفرسان المقدّسين، وبقدرٍ أكبر إلى هجوم الدوق وديميان ورافاييل المشترك الذي قضى على الوحوش واحدًا تلو الآخر.
ولويسا نفسها فكّرت في اللجوء إلى الأداة السحرية عند الحاجة، لكن ما فعلوه أثبت بحق أنهم من أقوى مقاتلي هذا العالم.
‘مع ذلك…… حقًا، لقد تحوّل كل شيء إلى خراب.’
تنفّست الصعداء وهي تحدّق بما حولها.
فقد اجتمع الناس أمام المعسكر، بعيدًا عن الخيام التي صارت أنقاضًا، لكن أمر الإمبراطورة كان صارمًا:
لا تبرحوا المكان، ابقوا هنا وتلقّوا العلاج.
وبذلك وجدوا أنفسهم محاصرين، لا قدرة لهم على الذهاب ولا الإياب.
أما ساينف، فقد اختفى منذ فترة، ويبدو أنه غادر مع الإمبراطور أولًا، وهو أمر أثار في نفس لويسا شيئًا من السخرية.
ألم يكن هو من ألحّ عليها للحضور إلى مهرجان الصيد؟ بل وزعم أنّه سيكون ممتعًا؟
‘……هل كان يتوقّع كل ما سيحدث؟’
أطبقت لويسا شفتيها بصمت.
“يا قديسة! أرجوكِ أنقذي حاكمنا الكونت!”
“لماذا لا تفعلين شيئًا؟! هناك الكثير من الناس يصرعون أمامكِ…….”
“القديسة ستأخذ قليلًا من الراحة، ثم تعاود التطهير.”
“أي راحة في مثل هذا الوقت؟! قد يموتون في أي لحظة!”
لكن، لم يكن ساينف هو الأهم الآن، بل الفوضى التي تفاقمت بغياب القديسة المفاجئ.
‘حقًا، لا أفهم ما الذي يجري معها.’
قبل لحظات، كانت بيلا قد استعملت نفس الطريقة التي جربتها لويسا في الشرق: وزّعت الزهور المقدسة التي جُلبت من الكنيسة الكبرى، وحاولت بها تنقية المكان.
لكن يبدو أنّها وصلت إلى حدودها، فقد نظرت إلى كفّيها بشحوبٍ شديد، ثم هرعت مسرعة نحو رافاييل.
وبدا عليها كأنها تبحث عن مأوى، إذ التصقت بظهره محاولةً الاحتماء به.
غير أنّ وجه رافاييل قد بدا صريحًا في امتعاضه، فابتعد عنها إلى الجانب متعمّدًا تجنّبها في إشارةٍ واضحة إلى رفضه.
فاحمرّت ملامح بيلا الشاحبة فجأة، وارتجفت يدها الممدودة في الهواء.
وربما من شدّة الصدمة لاحظت لويسا أنّ كفّيها اكتسبتا ظلًّا مائلًا إلى الاحمرار الداكن، لكنها قبضت يديها بسرعة فلم تتمكّن من التأكّد.
بعدها أخذت بيلا تلتفت بارتباكٍ كطفلةٍ خائفة، ثم انسحبت إلى داخل المعسكر ولم تظهر ثانيةً حتى بعد مرور أكثر من نصف ساعة.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 81"