“نعم. الأمر أنّ الآنسة القديسة في طريقها إلى العاصمة كما يُقال.”
“ماذا؟ أانتهى أمر الشرق إذن؟”
“لم يتم التحقق بعد. لقد تركتُ التعليمات للفرسان الذين بقوا هناك.”
“متى كان ذلك حين قالت إنها لا تطيق البقاء في الكنيسة الكبرى وخرجت؟ حقًّا، يا لها من متقلبة.”
“صدقتَ القول. بل في الحقيقة ليست مسألة الكنيسة الكبرى فحسب، حتى في الكنيسة الشرقية قالت إنها تختنق إن بقيت داخله، فأظنها ترى الكنائس بحد ذاتها مكانًا خانقًا.”
بدت راضية عن منصبها كقديسة، ومع ذلك تضيق ذرعًا بالكنائس! كان الأمر متناقضًا.
فأين يا ترى ستقيم القديسة إن لم يكن في الكنيسة؟
“لا حاجة لمزيد من التقارير عن القديسة. دَع الأمر لها.”
“مفهوم. إذن يا آنسة، عودًا حميدًا.”
اكتفت لويسا بردّ التحية بانحناءة خفيفة.
“على ذكر ذلك، ينبغي للعربة أن تنتظر قليلًا، فهل يضايقك الأمر؟”
“آه، وكم المدة تقريبًا؟”
“عادةً نطلبها قبل خمس دقائق على الأقل، فلتتوقعي ذلك.”
خمس دقائق؟ وقت يسير ويمكن احتماله.
“لكن بما أنكِ مرهقة، فما رأيكِ أن تركبي حصانًا بدل الانتظار؟”
“حصان؟”
رمشت لويسا بعينيها.
“هل سبق أن امتطيتِ حصانًا؟”
“لا.”
ولم يسبق أن رأت واحدًا عن قرب أيضًا.
فحين تركب العربة كانت تكتفي برؤية الباب، لا ما يحيط بها.
لكن لما طُرح عليها أن تجرب ركوب الحصان، استبدّ بها خليط من الخوف والفضول.
كان الأمر مثيرًا، وظنت أن خوض التجربة مرةً لن يكون سيئًا. فأجابت مترددة:
“أود أن أجرب ركوب الخيل.”
“حسنًا. فلنركب معًا حصاني.”
“آه، تعني أن أركب معك على حصانك؟”
“نعم. لم تتعلمي بعد، فلا يجوز أن تركبي وحدك.”
“صحيح، لكن…….”
“إن جربتِ الركوب معي وألفتِ الأمر، فبإمكانك لاحقًا أن تتلقي تدريبًا على الفروسية، سيكون خيارًا جيدًا.”
هزّت لويسا رأسها موافقة. واتجه الاثنان ليس نحو المدخل الأمامي بل إلى زاوية في الجهة اليسرى.
“أيوجد إسطبل هنا؟”
“نعم. عادةً ينتظرون عند المدخل، لكن رأيت أن من الأفضل أن تتعرفي على الأمر من البداية فجئت بك إلى الإسطبل.”
“فكرة جيدة. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل.”
“غير أن…الرائحة… لم ألتفت إلى هذه الناحية. أعتذر.”
“لا داعي للاعتذار. طبيعي أن تكون هناك رائحة. لا تُبالِ.”
أجابته ببرود وهي تلوّح بيدها، بينما رنا إليها رافاييل بهدوء.
عيناها الزرقاوان اللتان كانتا دومًا باردتين بدتا اليوم دافئتين على غير العادة.
“شكرًا لتفهّمك. انتظري قليلًا إذن، سأُحضر لك الحصان.”
وما لبث أن عاد بسرعة ممتطيًا حصانًا أبيض كالثلج.
لو لم يكن يفتقر إلى قرن لكان أشبه بيونيكورن أسطوري.
“واو! ما أجمله!”
“قبل أن تركبي، أتحبين أن تُلقي عليه تحية أولًا؟”
“نعم، بالطبع!”
اقتربت لويسا بحذر شديد، على عكس ابتسامتها المشرقة.
“أنا لست خطيرة، لا تخف.”
توقفت على بعد خطوة أمام الحصان، رفعت يديها لتُظهر أنها لا تحمل أذًى، ثم مدّت يدًا واحدة بحذر.
“آه؟”
فرك الحصان رأسه بيدها من تلقاء نفسه.
نظرت لويسا بدهشة إلى يدها ثم إلى رافاييل.
أما هو فابتسم أكثر وقد غاصت ابتسامته في شفتيه.
“يبدو أنه يستشعر منك طاقة طيبة فيرتاح لك.”
“أحقًّا؟ وما اسمه؟”
“إيدن.”
“إيدن، أرجو أن تعتني بي.”
ربّتت لويسا بكلتي يديها على رأس الحصان ثم اعتلت صهوته بمساعدة رافاييل.
‘واو… قوته هائلة.’
شعرت لوهلة كأنها تركب لعبة.
فمع جمال الحصان، كان ارتفاعه مخيفًا، وتساءلت كيف ستتمكن من التوازن فوقه.
لكن رافاييل اعتذر بلطف قبل أن يطوّق خصرها ويرفعها بسهولة.
رفعها كما لو كانت كرة خفيفة، حتى وجدَت نفسها على ظهر الحصان.
لقد فاجأها ذلك إلى حد أن قلبها أخذ يخفق بقوة.
وما لبثت لويسا أن أحسّت برافاييل يصعد خلفها، فوضعت يدها اليمنى بقوّة على صدرها محاولة كبح القلب الذي يوشك على القفز من مكانه.
خشيت أن يلتصق صدره بظهرها فيشعر بذلك الارتجاف.
“ألستِ خائفة؟”
“ها؟ آه، لا، أنا بخير.”
“إذن أمسكي بهذه العنان جيدًا.”
ناولها رافاييل العنان، ثم أمسكه هو أيضًا من خلفها كأنه يطوّقها.
في تلك اللحظة عصفت الريح، وراحت أوراق الشجر الخضراء تلمع تحت أشعة الشمس وتتمايل مرحًا.
تسللت مع النسيم رائحة عطرة لامست أنفها.
لعلها رهبة التجربة الأولى، لكن كل ما أحاط بها بدا جميلًا للغاية.
غير أنّ ما التصق بظهرها من صدره العريض والصلب كان شأنًا آخر.
لم يكن ملتصقًا تمامًا، ومع ذلك شعرت بعضلاته القوية بوضوح.
‘…لكن أنفاسه كأنها متسارعة؟’
من خلال العضلات التي تلامس ظهرها، أحست بخفقان عنيف، طرقًا طرقًا، ولمّا كان قلبها قد هدأ الآن، أدركت أنّ ما تسمعه قلب رافاييل نفسه.
هبت أنفاسه على أطراف شعرها، وشدّ العنان مجددًا بعصبية، فإذا بيده تلتف نصف التفاف حول يدها دون قصد.
“آه… أعتذر.”
“…لا، لا داعي للاعتذار.”
تمتمت لويسا بعبارة مبهمة، وراقبت يده وهي تنسحب ببطء شديد.
كان لحظيًا، لكنه ترك وراءه دفئًا عالقًا، حرارة لم تزعجها رغم أنّ الصيف في أوجه.
‘لكن، ألا ينفجر قلبه على هذا الحال؟’
زاد خفقانه جنونًا حتى بدا وكأنه يطرق ظهرها بلا توقف.
حدّقت لويسا في يدها طويلًا وملامحها مشوشة.
***
مرّ يومان سريعان.
فبين حديثها مع ألبيرت روزيه عن النبيذ الفوّار، ومناقشة توزيعه من جديد مع الكونتيسة دالّيو، لم تجد متسعًا للراحة.
لحسن الحظ، كانت الاستعدادات للنبيذ الفوّار قد انطلقت منذ مدة، فسارت الأمور بسلاسة، كما أن ألبيرت روزيه عجّل موعد سفره إلى الشمال.
كانت لويسا ترى أنه لا بأس باستعمال معملها القائم، لكن ألبيرت أصرّ على التركيز على معمل التخمير في الشمال، فرتّب أموره سريعًا.
“قال إنه سيرحل بعد أسبوع، فهل أعود معه؟ أشعر أن وجودي يعطّل أخي عن الذهاب إلى الشمال…”
جلست لويسا عند بحيرة صغيرة في حديقة القصر، غمست قدميها قليلًا في الماء وزفرت تنهيدة.
الصيف في نهايته، والجو خانق حتى وهي ساكنة، والعرق يتصبّب.
يُقال إن الطقس قد ينقلب فجأة إلى خريف بارد، لكن الآن لا الهواء ينعش ولا البقاء في الغرف يخفف الحر، حتى صارت تشتاق إلى برودة الشمال.
“اليوم حار جدًا…”
إن كانت هي التي لا تتأثر بالحر عادةً، قد بلغ منها ذلك، فما بال الآخرين؟ ألعلّهم يصابون بضربة شمس؟
نقرَت لسانها بتذمّر وأرجعت رأسها مستندة إلى ذراعيها.
‘أبي سيغادر إلى الشمال هذا الأسبوع… لعلّي أرافقه.’
فوجودها في العاصمة لا يحمل عملًا ضروريًا، ومكان العمل أيضًا يُنقل، فما الداعي للبقاء؟
صحيح أن لقاء الكونتيسة دالّيو سيصعب، لكن المراسلات قد تكفي…
ورافاييل…
لا تزال تشعر بخفقات قلبه التي انتقلت إلى ظهرها في ذلك اليوم.
دبّت فيها قشعريرة خفيفة جعلتها تلتف وتتقلب ثم ترتمي على ظهرها.
“آنسة!”
ارتفع صوت ماري من بعيد.
أمالت لويسا رأسها فقط لترى مصدر الصوت.
“السيد يطلبك.”
“…أبي؟”
اعتدلت فجأة، فتساقط العشب من ظهرها.
“نعم! إنه في مكتبه الآن. آه… لقد علق بك الكثير من العشب… كان عليّ أن أضع لك غطاءً، أعتذر!”
“لا عليكِ. أنا من استلقيت هكذا على الأرض.”
“لكن…”
“يكفي أن تنفضيه قليلًا.”
“كيف أكتفي بذلك؟ انتظري، حتى في شعرك عالق بعضه.”
راحت ماري تقلّبها بعجلة لتزيل ما علق بها.
‘كنت أرتاح بهدوء، والآن….’
لكنها على مضض هزّت شعرها لتسقط بقايا العشب ثم نهضت.
وقدماها المبللتان تُبللان العشب بخطواتها.
“آنسة، تمسكي بكتفي. أعطيني قدميكِ لأجففهما.”
بفضل ماري التي أحضرت منشفة بذكاء، جفّت قدماها سريعًا.
ارتدت لويسا حذاءها ومضت ببطء نحو القصر.
‘ما الأمر يا ترى؟’
في الغالب كان الحديث يدور عن السفر إلى الشمال من عدمه، أما قدراتها فلم تُذكر بعد زيارتها الكنيسة الكبرى.
كانوا يكتفون بالفحوص الطبية، وحتى مع تأكيد الأطباء أنها بخير، ظلّ الاطمئنان الكامل بعيد المنال.
“آنسة، إنه بانتظارك في الداخل.”
عند اقترابها من المكتب، التقت براون الذي كان خارجًا للتو.
طرق الباب نيابة عنها وفتحه ليدخلها.
“سيدي الدوق، الآنسة حضرت.”
رفع الدوق بصره عن الأوراق فوق مكتبه الضخم من الماهوغني.
“هُم، ادخلي.”
أجابت لويسا بانحناءة خفيفة.
“سيدي، أأقدّم شيئًا من الضيافة؟”
“قدّموا ما تحبه لويسا.”
جلس الدوق بوجه متحجر على الأريكة المقابلة لها.
لم يكن صوته الجاف يلائم مضمون كلامه، لكنها اعتادت ذلك، فلم تُعره اهتمامًا، بل ركزت على سبب استدعائه لها.
“كيف حالك مؤخرًا؟”
“بخير. لذا رجاءً كُفّ عن إرسال الأطباء. أنت تعلم أنني بخير الآن.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 75"