“حتى لو كان الدم ممتزجًا إلى النصف فقط، ألا ينبغي أن يكون لمن ستصبح قريبًا إمبراطورة سند قوي خلفها؟ هذا المقام، عليك أن تتولّاه.”
“…….!”
“لويس، لم أعد أنوي أن أسمح لأحد بأن يقمعني. وإن حاولت أنت أن تفعل بي ذلك، فلن أبقى صامتة.”
“كك… ذاك… ذاك ما هذا؟”
“فلتكتم أنفاسك إذن.”
ارتسم المشهد المروّع في ذاكرة لويس ديميتري، حين تصاعد الضباب الأحمر واندفعت كتلة سوداء، كأنه حدث البارحة.
تلك اللحظة الباعثة على الرعب حفرت في ذهنه إلى أن استسلم، ومنذ ذلك الحين صار يرتجف خوفًا من الإمبراطورة.
فمن يقع في سخطها… لولا أنه من أسرة الدوق بليك الحقيقية لكان لقي حتفه منذ زمن بعيد.
أما من كان عالقًا في الوسط، فكان الماركيز ديميتري وحده الذي يذوق مرارة العذاب.
كان يظن أن لويسا بليك ستبتعد بنفسها، لكنها هدأت على غير المتوقع.
والأسوأ أن خطبتها من ولي العهد الأول التي اعتقدوا أنها ستنقطع سريعًا، بدت وكأنها ستطول. فازدادت الضغوط على نفس الإمبراطورة يومًا بعد يوم.
لذلك، حين رغبت في الاستحواذ على أكثر السلع رواجًا حاليًا لتسهل حركة التهريب دون إثارة الشبهات، كان اكتشاف أن المستثمر وراء كميات النبيذ الهائلة هي لويسا بليك أمرًا في غاية الترحيب.
إذ سيمكنها هذا من إغاظة لويسا بليك ودفعها للاضطراب، ثم إخفاء ما تريد تهريبه داخل بضائعها نفسها بدلًا من شحنها سرًّا مع سلع أخرى.
على أية حال، بعد انكشاف تجار العبيد، فلن يكون التفتيش مشددًا كما في السابق، وسيُغلق التحقيق تدريجيًا.
“ألم تسمع بعد؟ الآنسة بليك قامت بأمر حسن هذه المرة.”
لكن الأوضاع انقلبت ثانية… والفاعل مرة أخرى لويسا بليك.
بل وها هي قواها المقدسة قد تفتحت، مما زاد ولي العهد الأول الأقرب إلى العرش أصلًا قوةً جديدة.
“……لن يكون سوى حظ عابر.”
“آه، حظ إذن… لكنها مُنحت الكثير جدًّا ليُسمى عابرًا. إن طال أكثر من هذا فسيكون خطرًا عظيمًا.”
ارتسم على شفتي الإمبراطورة قوس رقيق، ابتسامة راقية كما اعتاد الجميع أن يروها، لكنها أبردت جسد الماركيز.
“يجب أن نقيم مهرجان الصيد.”
“……رغم الاضطراب الذي يعمّ البلاد، سيكون من الجيد أن نظهر أنها ما تزال متماسكة.”
“ولهذا، ينبغي أولًا أن تعود القديسة رسميًّا إلى منصبها.”
فأشارت الإمبراطورة بعينيها إلى وصيفتها التي كانت واقفة على الجانب.
“استدعيها اليوم. يجب أن نرسّخ موقع القديسة بلا تأخير.”
“أجل، سأبلّغها حالًا.”
“وماذا عن الشرق إذن؟ أليس الوضع ما يزال غير محسوم هناك…؟”
لكن ما إن تمتم الماركيز بكلماته حتى اصطدم بنظرة الإمبراطورة ذات العينين الياقوتيتين، فخفض بصره سريعًا.
“أظن أنك بعدما منحتك منصب رب الأسرة صرت تظن نفسك سيد الشرق أيضًا.”
“أستسمحك العذر.”
“احرص فقط على التفكير في مستقبل الماركيزية.”
“……سأضع ذلك نصب عيني.”
رفعت الإمبراطورة فنجانها ببطء.
كانت حرارة الشاي لا تزال مشتعلة، ولسعت أطراف أصابعها وهي تمس جانب الفنجان.
“إن اجتزنا مهرجان الصيد بسلام، فربما أرسلك بعدها إلى الشرق لتستغل قدراتك كيفما شئت. صحيح أنه مكان يضج بالمخاطر، لكن ذاك ما يجعله ملائمًا لك.”
تحركت يدها الأنيقة كأنها ترسم رقصة، فانسكب الشاي الساخن من الفنجان في بطء داخل المزهرية المزينة على الطاولة.
***
مال رأس لويسا قليلًا وهي تغادر قاعة المطران.
‘لعله مجرد كرم؟’
لم يكن لديها إحساس مريب أو شعور بالتواطؤ في حديثه.
صحيح أن الأمر جاء فجأة، لكنه لم يطلب شيئًا مقابل ذلك، بل عرض عليها دعمًا شخصيًّا، فما الذي قد يضيرها؟
بل إنه في الواقع مكسب عظيم.
‘لا خيار لي إلا الترقّب بعض الوقت. ثم إنني لا أملك اليقين الكافي لأقول إنني التقيت الإله في حلمي.’
رفعت لويسا رأسها مستقيمًا وألقت نظرة خاطفة حولها. وإذا بها تجد نفسها وقد بلغت الرواق الرئيسي بعد أن اجتازت القاعة الكبرى غارقة في أفكارها.
‘مع ذلك… الأمر ثقيل الوطأة حقًا…’
وما زاد ثقلها أن أنظار فرسان الهيكل كانت تتبعها طوال الطريق بلا انقطاع.
“لِمَ يحدّق الجميع بي هكذا؟”
سألت لويسا بخفوت رافاييل، الذي أصرّ على مرافقتها حتى القصر.
التفت الوسيم الذي كان محدّقًا أمامه، وتجمعت خطوط بين حاجبيه في انزعاج.
“سأصدر أمرًا لهم فورًا أن يكفّوا عن النظر.”
“انتظر لحظة!”
ما به دائمًا يتصرف بتطرّف؟ بدا كأنه سيثب على الفرسان في الحال، فقبضت لويسا على ذراعه على عجل.
“أنا فقط فضولية بشأن السبب. ألا يخطر لك شيء يفسر نظراتهم؟”
شعرت بكفّيها بانقباض عضلات ذراعه وهو يتوقف كالصخرة في مكانه، ثم بصعوبة أدار عينيه نحو ذراعه الممسوك.
“آه… عذرًا.”
سحبت يديها سريعًا، ورأت لمحة من الخيبة تمر على وجهه.
“ما كان يضير لو بقيتِ ممسكة…”
“عفوًا؟”
“……لا شيء.”
تمتم وحده كمن يلوم نفسه، ثم زفر كلمات كالتنهيدة وضم ذراعه بيده الأخرى وهو يستأنف سيره.
‘يا إلهي، هكذا وهو يمشي سيظنّ من يراه أنني ضربته.’
حدّقت لويسا بدهشة إلى ظهره، وما إن توقف فجأة وأدار وجهه إليها بنظرة تسأل لِمَ لم تلحق به، حتى تمتمت في داخلها:
‘آه… لا أعلم حقًا.’
حقًا، أعظم متغيّر في هذا العالم هو رافاييل.
فجأة يقول إنه مهتم، ثم يلمّح باعتراف، ثم يتصرّف على نحو أعجز عن فهمه.
‘لكن… لِمَ أكتفي بالمشاهدة فحسب؟’
هي بدورها لم تكن تصدّه بوضوح، ولا تتركه تمامًا، بل تحافظ على مسافة غامضة بينهما.
ولعلّ كثرة الأحداث من حولها لم تترك لها وقتًا لتفكر جديًّا فيه، لكن الغموض ظلّ قائمًا.
خطت لويسا ببطء خلفه.
“يبدو أن الفرسان يحدّثوا بعضهم بعضًا عن المهام، ولعلّ الفرسان الذين عادوا إلى الكنيسة قد نقلوا خبر صنيعك، فانتشر الأمر بينهم.”
“آه، هكذا إذن.”
“على كل حال، سأتأكد أن يُشدَّد التنبيه بألا يتسرب شيء إلى الخارج.”
أرسلت لويسا نظرات قلقة حولها.
‘حتى هذه النظرات وحدها تكفي لإثارة ضجة… هل يجدي الكتمان حقًا؟’
لكنها في النهاية فكرت ‘لن أُخفي هذا طوال حياتي… إن انكشف فلن يضر. في النهاية، ليس خبرًا سيئًا، بل جيد.’
ما كانت تخشاه فقط أن يشيع بالتفصيل أنها تملك قدرة تطهير استثنائية؛ فحينها ستتعالى الهمسات لتطالبها باغتصاب مكانة القديسة، وسيكثر المزعجون من كل صوب، ناهيك عن أن القصر نفسه سيحاول استغلال قوتها أو يفرض عليها قيودًا تنهك روحها.
“أيها القائد!”
لم تكترث لويسا كثيرًا بنظرات الفرسان، وقد اعتادت عليها.
غير أن فارسًا قادمًا من الأمام أوقف حصانه وترجّل، فاسترعى انتباهها.
“هل من الحكمة أن تتحرك هكذا؟”
سأل رافاييل بصوت خفيض متأهّبًا.
“أنا بخير تمامًا! تحياتي آنسة لويسا.”
انحنى الفارس ذي الشعر البني بوقار.
“أنا كايل فراين، نائب قائد فرسان الهيكل. أنقذتِ حياتي. أعتذر لأنني لم أشكرك إلا متأخرًا.”
“آه… إذن أنت ممن أصيبوا.”
بمظهره الهادئ ونظارته، بدا أشبه بعالم اكثر من محارب.
رفع رأسه بأدب وعدّل نظارته قبل أن يقول:
“صحيح. لقد عشت بفضل معجزة صنعتِها، وهذا شرف عظيم لي.”
“لا حاجة إلى مزيد من الشكر. المهم أنك بخير الآن.”
“لا يا آنسة، لن أنسى فضلك ما حييت. ولولا أنني قد نذرت نفسي للإله لوددت أن أعلن ولائي لك في هذه اللحظة.”
‘الحمد لله أنه نذر نفسه… لو لا ذلك لكنت ابتُليت بعبء جديد.’
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"