كان التماس قصير، لكن الحرارة التي تركها لم تزل سريعًا.
ارتعشت لويسا قليلًا وسحبت يدها بسرعة.
وعلقت عينا رافاييل عند أطراف أصابعهما التي التقت، ثم بدت أن أفكاره غامضة، بينما كان شحمه أذنه يحمر شيئًا فشيئًا، كأنه لم يستطع إخفاء أثر تلك اللحظة.
فتح الصندوق بحذر وأخرج حجر الحماية الذي رآه مرة من قبل.
لم يكن يتوقع أن يُهدى إليه واحد، لكنه شعر بامتلاء صدره بشكل غير مألوف.
تناوله بكلتي يديه بحذر بالغ، كما لو كان يحمل تحفة زجاجية ثمينة.
‘…… يبدو سعيدًا.’
راقبته لويسا بشعور غريب.
منذ متى بدأ هذا الوجه الذي اعتاد الصمت والجمود يعكس مثل هذه الانفعالات؟
حين قال إنه بدأ يهتم بها، حسبت أن الأمر نزوة عابرة، لكن ما رأته في أفعاله المتكررة جعلها تتساءل إن كان الأمر بالفعل أعمق من ذلك.
ظل رافاييل يحدق طويلًا بالحجر بين يديه كما لو كان شيئًا ثمينًا.
تحركت شفتاه أخيرًا.
كان وجهه رغم قوته الظاهرة يملك جمالًا رقيقًا يكاد يجعله يبدو ضعيفًا أحيانًا، وربما كانت هذه اللحظة من تلك الأوقات.
ومع وقع المطر والضوء الذي انزاح قليلًا عن أنفه المستقيم ليسقط على عينَيه الصافيتين كالبلور، بدا المشهد أكثر رهافة.
“أعتذر.”
انطلقت الكلمة من بين شفتيه بلون خافت، لم تفهمها لويسا فورًا، فرمشت عينيها بسرعة وقد كانت تحدق في وجهه.
“على ماذا تعتذر؟”
“على أني تركت سمعة سيئة تلحق بك.”
“……ماذا؟ آه، تقصد شائعة المرض؟”
انشدّ فكه بحدة.
“نعم.”
“لكن لماذا تعتذر؟ هل أنت من نشرها؟”
لا يمكن أن يكون ينوي أن يتحمل خطأً ارتكبته الإمبراطورة بدلاً عنها! هذا سيكون تصرفًا غبيًّا لا يُغتفر.
تضايقت ملامح لويسا.
“ليس أنا من نشرها، لكن لأنني لم أفلح في إيقاف جلالة الإمبراطورة مسبقًا. لذا أتحمل مسؤوليتي عن ذلك.”
‘……ماذا؟’
ارتبكت نظرات لويسا البنفسجية.
‘لم أظن أبدًا أنه سيقولها صراحةً هكذا…’
كانت مطمئنة لكونه لم يرتكب حماقة كهذه، لكنها لم تتوقع أن يبوح بالحقيقة مباشرةً وبهذه البساطة.
“ثم إنني سمعت أيضًا شائعات مشينة بشأن نبيذ الروزيه. بعدما شاع أن مسجّل براءة اختراعه هي أنتِ، بدأوا يلوّحون بأنني ربما أفسخ خطبتي بك قريبًا، واتخذوا ذلك ذريعة ليلطخوا سمعتك.”
“آه… ذلك مجرد خضوع لمزاج القصر الإمبراطوري، لكنه لن يدوم طويلًا. مع مرور الوقت سيعود الناس ليشتروا مرة أخرى…”
“ويبدو أن ذاك الذي انتحل ملكيتك للنبيذ إنما هو أحد أتباع جلالتها الإمبراطورة.”
‘…ما هذا؟! إنه يعرف كل شيء!’
شعرت بارتباك بالغ. وما زاد دهشتها أن رد فعله لم يكن كما توقعت؛ فقد ظنت أنه سيتأثر ولو قليلًا بنفوذ الإمبراطورة، لكنه بدا خاليًا تمامًا من ذلك.
“وهل يجوز لك قول كل هذا هكذا ببساطة؟”
لم تتمالك نفسها، فسألته بدهشة.
كيف يمكن أن يرمي بهذه الحقائق على مسامعها بلا تردد، وكأنه لا يخشى أنها قد تجهلها؟
“وما الفائدة من إخفاء مثل هذه الأمور؟ إذا كان ثمة خطأ، فلا بد من كشفه سريعًا. ثم إنني لا أنوي قط أن أستر على خطايا الإمبراطورة.”
‘لم يعد حتى يلقبها بـجلالتها بعد الآن…’
“لقد كان تراجعي عنها في الماضي لأنني اعتقدت أنها إنسانة نزيهة عادلة. غير أن ما فعلته بك جعلني أغيّر رأيي.”
“وإن كان رأيك قد تغيّر، فمعنى ذلك…؟”
“أنني لن أتهرب بعد الآن من مكاني الأصلي، كيلا تتمكن من تهديدك.”
‘ألم تكن تقول إنك ستنتمي إلى كنف الإله؟’
رمشت لويسا بعينيها متعجبة.
‘أيمكن أن يتحطم ذلك الإيمان بهذه السهولة؟! لقد تصرّف من قبل كما لو أنه سيكرّس حياته كلّها للهيكل، فلماذا الآن…؟’
‘ولم يكن الأمر لأن بيللا خطفت قلبه… مهلاً، أيمكن أن يكون…؟’
“لم يكن مجرد اهتمام عابر. الآن أنا واثق.”
أطرقت لويسا برأسها، وأغمضت عينيها بقوة، ثم فتحتهما مجددًا.
“لا أقول هذا لأثقل قلبك بطلب أن تتقبلي مشاعري. كل ما أريده هو أن أحميك، مهما كلفني الأمر.”
‘كيف يمكنه أن يعلن هذا بوقاحة ومن غير أي أثر للخجل؟’
رفعت لويسا عينيها لتنظر إليه.
“أما اعترافي الحقيقي… فسأؤجله حتى يحين الوقت الذي تبدين فيه جاهزة لسماعه.”
مرّر رافاييل يده العصبية على وجهه، ثم تنفس بعمق وكأن ثقلاً من المشاعر يسحق صدره قبل أن يكمل كلماته بشق الأنفس.
ونظرت لويسا إليه بدهشة، إلى تلك العينين الزرقاوين المتلألئتين كأمواج البحر المتحركة.
***
توقف المطر مع حلول بعد الظهر.
بخلاف ما توقعت لم تظهر بيلا، مع أن لويسا ظنت أنها ستصرّ على مرافقة رافاييل إلى العاصمة الإمبراطورية.
وربما لم تسمع بالخبر أصلًا.
أياً يكن، فقد سارت الأمور على نحو سلس من غير منغصات، لتتهيأ لويسا للرحيل وهي تنظر إلى السماء الصافية، حتى انتفضت على وقع طرقات على باب العربة، فارتجفت أهدابها.
“لقد وصلنا إلى البوابة.”
“هل أنتِ متعبة؟”
سألها ديميان بقلق وهو يمد يده إليها لتنهض من مقعدها.
“لا، أنا بخير.”
“ما رأيك أن نذهب إلى القصر أولًا ونستريح قليلًا بدل التوجه مباشرة إلى الكنيسة الكبرى؟ لسنا على عجلة من أمرنا.”
استمالتها كلماته.
فقد كان الإرهاق النفسي من صباح اليوم يثقل كاهلها، وذهابها مباشرة إلى الكنيسة لن يجدي كثيرًا، إذ لن تدخل أية كلمة إلى رأسها على الأرجح.
“……إذن سنذهب غدًا إلى الكنيسة.”
“أحسنتِ التفكير.”
ابتسم ديميان بلطف، بينما هبط الدوق قبلهما من العربة، وأومأ صامتًا موافقًا، ثم تقدم إلى نقطة الاستعداد للبوابة ( بوابة التنقل ).
رمقت لويسا الدوق بنظرة عابرة، لكن عيناها اصطدمتا بعيني رافاييل الذي كان ينتظر عند مقدمة العربة.
بدا وكأنه كان يراقبها طوال الوقت، ولما التقت به عفويًا، لم تتمالك نفسها فأشاحت بصرها عنه.
سرت أجواء غريبة.
لو كان اهتمامه سطحيًا فحسب، لما شغل بالها.
لكن بعدما صار جادًا، لم تعد قادرة على تجاهل الأمر كما كانت تفعل.
تجاهلت نظراته المثقلة، وسارت نحو موقع الاستعداد للانتقال عبر البوابة.
“أهلًا بكم. أرجو من الراغبين في العبور أن يصطفوا هنا حسب الترتيب.”
‘رائع، يبدو أننا سننطلق مباشرةً.’
عادةً ما يضطرون إلى الانتظار بضع دقائق، لكن الحظ حالفهم هذه المرة.
صعدت المجموعة بسرعة إلى المنصة الدائرية الضخمة، وبمجرد أن تموضعوا جميعًا، وضع المشرفون والكهنة أيديهم على الجوهرة المركزية وضخوا فيها طاقتهم المقدسة.
ووووم──.
اهتز الفضاء من حولهم، وأحاط بهم ضوء أبيض من كل جانب.
رغم أنها جرّبت البوابة أكثر من مرة، لم تستطع لويسا أن تعتاد عليها؛ فقد جالت بعينيها بتوتر، ثم أغمضتهما بقوة حين أبهرتها الومضة الشديدة.
اندفع هواء جديد مغاير تمامًا، فأدركت أنهم وصلوا.
فتحت جفنيها ببطء.
……ما هذا؟ لماذا يوجد هذا العدد الكبير من الناس؟’
أو بالأحرى، من الكهنة.
صحيح أن تشغيل البوابة يعتمد على الطاقة المقدسة، لذلك يكون الكهنة دائمًا متواجدين، لكن وجود أكثر من عشرة هنا أمر نادر.
ثم إنهم لم يبدوا منشغلين بعمل ما، بل واقفين يحدقون في نقطة الوصول كما لو كانوا بانتظار أحدهم.
أدرك رفاقها خطورة الجو، فشكلوا دائرة حول لويسا بحذر.
تقدم الكاهن الواقف في المقدمة خطوة بخطوة.
“لتسطع بركات السماء عليكم.”
قال تحيته الرسمية، ثم انتقل مباشرة إلى لبّ الموضوع:
“إن سيادة المطران الأكبر بانتظاركم.”
( مطران نفسه الكاردينال وما بعرف على شو اثبت بصراحه )
من دون أن يترك لها مجالًا للتفكير.
‘غدًا؟ أي غدٍ!…’
لا مجال لذلك أبدًا.
تنهدت لويسا بملل ظاهر، غير عابئة بإخفائه.
لم تدخل يومًا إلى داخل الكنيسة الكبرى سوى حتى ساحة الصلاة الكبرى، أما ما وراءها فكان مجهولًا بالنسبة إليها.
بينما كانت تتأمل الرواق الرخامي الهادئ بألوانه البيجية المتقشعة، المغايرة لفخامة القاعة الكبرى، تبعت الكاهن.
“ولماذا رفضتِ أن يرافقكِ الدوق؟”
همس رافاييل إليها، وهو يثبت نظره على وجهها منذ لحظات طويلة.
صحيح أنه كان قد أعلن أنه يريد مرافقتها، لكنه لم يتوقع أن تفصل نفسها بهذه النظافة عن الدوق وديميان وتذهب وحدها لمقابلة المطران الأكبر.
مع أن مقابلة المطران من أصعب الأمور، إلا أنه لم يكن مستحيلًا على دوق بليك لو أراد طلبها.
أخيرًا التفتت لويسا إليه ببطء.
“لأنني سأطلب منه لقاءً خاصًا على أي حال.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 72"