لست مصابة بمرض عضال! [ 7 ]
‘ولكن هذه المرة تتقيأ دمًا… أيمكن أن يكون ذلك حقًّا من مضاعفات السم؟’
انطفأت بؤبؤا دوق القرمزيَّين بظلالٍ قاتمة.
قال بهدوء:
“…هل شرب ماء القُدس كان من رأيك أنت؟”
أجاب الطبيب:
“إنها رغبة الآنسة. ولعلها لكون حالتها غامضة السبب، قد رغبت به بدافع القلق.”
سأله الدوق:
“وهل الإكثار من ماء القُدس أمر مأمون؟”
قال الطبيب:
“لقد سُمعت أنّ الغرض من ماء القُدس هو مزج القوة المقدّسة بالتطهير. صحيح أنه مفيد لعلاج الإصابات الداخلية، لكن الإفراط في تناوله قد يضعف المناعة، لذا يستحسن الاعتدال.”
أمره الدوق:
“لقد أُرسِل إلى لويسا ثلاث عشرة قارورة. تحقّق أولًا إن كان من الآمن أن تشربها كلها.”
“حاضر.”
انحنى الطبيب انحناءة عميقة، وكتم أنفاسه تحت وطأة مهابة الدوق.
ظل الدوق يحدّق في صمتٍ نحو عربة القصر وهي تتوقف أمام البوابة تحت أشعة الشمس الساطعة.
رأى ديميان يهرع ليفتح باب العربة.
نزلت لويسا وهي تمسك بيده، ثم أزاحت خصلة شعر داعبتها الريح وراء أذنها وابتسمت ابتسامة خفيفة، ابتسامة رقيقة كأنها على وشك أن تتفتت تحت وهج الشمس.
قال بصوت خافت:
“…ابحثوا بأي ثمن عن السبب وطريقة العلاج.”
وبينما كان يتابع دخول لويسا وديميان إلى القصر، توقفت عيناه عند أصيص نبات في زاوية مكتبه.
كان الخادم براون قد سأله إن كان يزيله، بعدما ذبلت أوراقه من فرط السقي، لكنه أمر بتركه.
والآن، لم يبقَ سوى ورقة أخيرة، متدلية على حافة السقوط.
نظر إليها طويلاً حتى انفصلت وسقطت.
شعر بمرارةٍ مفاجئة، فرفع يده يغطي بها عينيه… لقد كانت الورقة الأخيرة.
***
كان الجو في اليوم التالي صافياً كما البارحة.
وعندما دعاها ديميان لشرب الشاي في الحديقة، ارتسمت على وجه لويسا ابتسامة غامضة.
‘أيمكن أن تكون كل هذه… حلوى؟’
لقد كان المشهد لا يُصدّق، الخدم يفتحون عشرات الصناديق ويرصّون ما بداخلها على الطاولة.
قال ديميان وهو يشير:
“لويسا، أتجلسين هنا؟”
سألته وهي ترفع حاجبها:
“…لا تقل لي أن كل هذا أحضرته لنأكله الآن؟”
ابتسم:
“طبعًا لا. كيف يمكننا أكل هذا كله؟ فقط لم أكن أعرف ما تحبين، فأعددت أصنافًا متنوعة.”
ضحكت ضحكة جافة بلا حماس، وهي تفكر في أنها أمام شخصٍ وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، فلا يمكن الحديث معه على سجيّتها.
تذكّرت ما جرى بالأمس.
***
“لويسا، أأنتِ بخير؟ كان يجدر بك أن ترتاحي بضعة أيام أخرى وأنتِ على هذه الحال.”
كان ديميان قد استقبلها بوجهٍ مفعم بالقلق عند عودتها من لقاء رافاييل بالأمس.
أحست لويسا بوخزٍ من الأسف؛ فهي لم تكن سوى محاولة للتخلّص من شيءٍ سيئ في جسدها بتقيؤ الدم، لكنه لا يعرف ذلك، فلا بد أن خيالات شتى راودته.
مهما كان الأمر مرة واحدة فقط، فالقيء الدموي كافٍ ليثير الشكوك حول صحتها، ولم يكن تطرفه في القلق بلا مبرر.
قالت بابتسامة مطمئنة:
“أنا بخير فعلًا. بل أشعر أن صحتي أفضل من قبل!”
“لويسا.”
“نعم؟”
“لماذا تخاطبينني بهذه الرسمية؟ هل ارتكبتُ خطأ بحقكِ؟”
“…كنت أمزح بالطبع.”
“آه! إذًا مزاح… لقد أفزعتِني. لا، بل المدهش أكثر أن يكون مزاحًا! لويسا تمزح معي…!”
هكذا بدا عليه، مما جعل لويسا تكتم تنهيدة وهي ترى اندفاعه يكاد يدمع عيناه.
مهما كان وسيماً، فهو بالنسبة لها شقيقها، ومشاعرها حياله خليط بين الانزعاج والشفقة.
‘كيف يمكن لذلك الدوق الصارم أن ينجب مثل هذا النبيل الرقيق؟ إنه لأمر عجيب حقًا في الجينات.’
هزت رأسها باختصار وتابعت طريقها إلى داخل القصر.
كان ديميان يتبعها وهو يرمقها بين الحين والآخر، وكأن شيئاً ما يود قوله.
وحين التقت عيناهما، نطق متردداً:
“… هل تحبين سمو ولي العهد الأول كثيراً؟”
“أجل، نوعاً ما…”
أجابته لويسا بفتور، فهي لا تستطيع أن تنكر تماماً، إذ لها ماضٍ كانت فيه تلهج بالإعجاب برفاييل، فاكتفت بالمراوغة في الرد.
لكن المشكلة أنّ ردها هذا بدا في عيني ديميان كمن يخفِي جرحاً في قلبه.
وكان ديميان يعلم أن رفاييل يرفض خطوبته من لويسا، لذا بدت له المسألة أكثر مأساوية مما هي عليه.
قرر أن يلتزم الصمت احتراماً لمشاعرها، لكن ملامحها الحزينة أيقظت فيه رغبة في الذهاب حالاً إلى رفاييل ومبارزته.
لقد سألها أصلاً بدافع القلق، إذ علم أنها رغم مرضها ذهبت للقائه، وظن أنها عادت بخيبة أمل من جفائه.
عضَّ على أسنانه في صمت، ثم حاول الابتسام وهو يغيّر الموضوع:
“حسناً… هل تحتاجين شيئاً؟ سمعت أنك حصلتِ على الماء المقدس بالأمس، لكن إن أردتِ شيئاً غيره فأخبِريني.”
“شيء أريده؟”
فكرت لويسا أن تطلب مزيداً من الماء المقدس، لكنها تماسكت.
وتذكرت شيئاً آخر افتقدته منذ الصباح:
“أريد حلوى.”
فبعد الغداء، يجب أن يكون هناك تحلية، لكن رفاييل اكتفى بتقطيع اللحم ورحل، بل أصر على أن يرافقها إلى المنزل في عربته، حتى ضحكت في سرّها على المرأة التي ستتزوجه يوماً ما.
“حلوى؟ سأطلب أن يُحضِروها… لا، بل سأذهب وأشتريها بنفسي.”
“الآن؟”
“نعم، الآن، ولن أتأخر!”
“حقاً ستذهب الآن؟ هاه…؟”
وقبل أن تتمكن من إيقافه، انطلق ديميان مسرعاً وهو في غاية الحماس.
لكن المشكلة أن المتجر الذي يقصده كان مشهوراً جداً ونفد منه كل شيء، فاضطر منذ الصباح إلى الخروج بنفسه وشراء ما استطاع.
***
تذكرت لويسا هذه الحكاية وضحكت بخفة:
‘يبدو أنني لن أكتشف السر اليوم… سأكتفي بتذوق هذه.’
“خمسة تكفيكِ؟”
نظرت إليه باستغراب، فهي ترى أن خمسة كثير، بينما هو يتساءل كيف ترضى بالقليل:
“هذا كثير أصلاً. صحيح أنني أود أكلها كلها، لكن عندها سيصبح دمي شراب سكر.”
“هاها، معكِ حق… كما توقعتُ من لويسا. كنتُ فقط متحمساً. حسناً، سأشتري لكِ في المرة القادمة الأنواع التي لم تجربيها.”
“لكن لا تحضر كمية كبيرة، أحضر ثلاثاً أو أربعاً فقط. وبالمقابل، اجلس معي لتناول الشاي أكثر… فالطعام وحدي ممل.”
فكرت أن هذه الطريقة أفضل من الرفض المباشر، فهو دائماً يسعى لإرضائها.
لكن بدلاً من أن يفرح، ابتسم ابتسامة شابها حزن لطيف:
“… الوحدة قاسية حقاً. معكِ حق، لم يخطر لي ذلك. سنقضي وقتاً معاً أكثر من الآن فصاعداً.”
تطلعت إليه لويسا باستغراب، هل يقصد أنها وحيدة؟ ثم هزت رأسها بلا مبالاة وأعادت نظرها إلى الحلوى.
عندها قال وهو يجلس أمامها:
“بالمناسبة، هل حدث شيء في لو جاردان؟”
“لو جاردان؟ المطعم؟ ولماذا؟”
“لا شيء، لكن سمعت أن بعض النبلاء اعتُقلوا بتهمة الإساءة للعائلة الإمبراطورية.”
‘لا شيء؟! هذا ليس بالأمر الصغير…’
فكرت لويسا، لكنها لم تتذكر شيئاً مريباً بالأمس سوى أنهم كانوا يراقبون رافاييل بخوف.
“لا أعلم… لم ألاحظ شيئاً.”
“حقاً؟ هذا جيد. سألتك فقط لأنه صادف يوم خروجكِ، ولو لم تعرفي بالأمر فالأمر منتهٍ.”
ابتسم ديميان لها بودّ ابتسامة لم يكن أرقّ منها.
لكنها شعرت بغرابة في هذا الدفء، فأخذت نظرتها تتفكك بتوتر.
ثم قال وهو يغيّر الموضوع:
“سمعت أن الكونت داليو سيقيم حفلة حديقة بعد أسبوع، أتودين الحضور معي؟”
“حفلة؟”
“أجل، مرّ شهر على اكتمال بناء قصره الكبير، وقد انتهى من ترتيبه الداخلي، فأراد الاحتفال في الحديقة.”
لمعت في عينيها ذرة فضول، لكنها لم تكن متحمسة للاختلاط بالجميع، ومع ذلك كان في داخلها إحساس بأنها ستفوّت أمراً مهماً إن رفضت.
“همم… لكن أليس شرب النبيذ ممنوعاً عليّ بعد؟ الكونت مولع بالنبيذ، وأظنه سيقدّم أنواعه أكثر من الشاي… ربما نذهب لحفلة أخرى.”
‘نبيذ؟! آه… المال!’
“سأذهب!”
“هاه؟”
“أنا مهتمة بالنبيذ، وأود أن أرى الحفلة.”
والحق أن اهتمامها ليس بالنبيذ بقدر ما هو بصاحبه، الرجل الذي سيصبح ثرياً باختراع نوع جديد منه وتصديره للعالم، والذي كانت متأكدة من حضوره في الحفل بحثاً عن مستثمرين.
“لكن صحتك لم تتعافَ بعد، والكحول ليس مناسباً لكِ…”
“كأس واحدة في اليوم مفيدة للصحة، لا بأس.”
ابتسم ديميان باستسلام ووافق، بينما عادت هي تركز على الحلوى خوفاً من أن يغيّر رأيه.
“أخبرني قبل الحفل بيوم متى سنغادر. أما هذه الحلوى… هل أوزّع الباقي على الخدم؟”
“هي لكِ، افعلي بها ما تشائين.”
نظر إليها بفخر وحنان، لكنها لم تجد ما تقول، وفكرت في سرها:
‘من يراه يظنه في الحادية عشرة، وليس في الحادية والعشرين…’
ثم عقدت حاجبيها وقالت في فتور:
“… شكراً.”
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 7"