حينًا كانت تتمنى أن تخفي قدراتها، والآن صارت تتململ لعدم قدرتها على إظهارها… على هذه الحال ابتلعت لويسا ابتسامة مُرّة.
“سيدي القائد! إن استمررنا في إضاعة الوقت على هذا النحو……”
“اصمت.”
“سيدي القائد؟”
“إن تجرأ أحد بعد هذا على إطلاق لسانه، فسأؤدّبه بلا هوادة.”
“……”
ساد صمت ثقيل.
لوّح رافاييل بعينيه إلى من خلفه في تحذير، ثم التفت بوجه شاحب التعابير نحو لويسا ونظرها مباشرة.
“أأنتِ واثقة حقًّا أنكِ بخير؟”
“نعم.”
“……إذن، اتبعيني.”
كانت تلحّ بالطلب مرارًا، لكنها مع ذلك كانت تدرك أنه طلب شاق. وقد أعدّت نفسها لأن تقتحم المكان حتى لو احتمت بالدوق، لكن موقف رافاييل بدا أكثر لينًا مما توقعت. فتململت قليلًا وهي تحكّ وجنتها، ثم لحقت به.
‘أوه؟ هذه رائحة احتراق.’
بمجرد أن توغلت قليلاً إلى الداخل، باغت أنفها نفس رائحة الكبريت المحترق التي فاحت من جسد الدوق.
إن كانت الأعراض مماثلة، فلا مجال للمماطلة.
فاندفعت بخطوات تكاد تكون ركضًا.
ما إن تجاوزت الفرسان المقدّسين الذين يحرسون المكان، حتى بدا لها ثلاثة فرسان ممددين جنبًا إلى جنب.
اندفعت لويسا لتجلس بقرب المصابين، فارتاع رافاييل وحاول منعها، لكن براون كان أسرع فوضع الصندوق بجانبها وتراجع.
عندما توقّف رافاييل مترددًا، رأى ما في الصندوق وقد فُتح.
“ما هذا……؟”
اتّسعت عيناه دهشة وهو يحدّق في كومة الزهور المقدّسة التي ملأت الصندوق عن آخره؛ كمية لا يُرى مثلها حتى في الكنيسة.
تجمّعت أنظار الفرسان المقدّسين المشبعة بالريبة والعدائية من قبل، فإذا بها الآن تغمرها صدمة خالصة.
صرخت لويسا:
“انثروا هذه الأزهار المقدسة حول المصابين، بسرعة!”
لكنهم وقفوا مشدوهين، يحدّقون في الصندوق بوجوه متحجرة، لا يتحركون.
فما كان من ديميان وبراون، اللذين كانا متأخرَين قليلًا، إلا أن تقدما.
“أفعل كما في المرة السابقة، أضعها هنا وهناك، أليس كذلك؟”
“نعم. ما بالهم يتجمدون هكذا؟ كانوا قبل قليل يستعجلوننا.”
“الدهشة عقدت ألسنتهم.”
“صحيح. حتى أنا ما زلت مذهولًا. متى سنرى مثل هذه الكمية من الأزهار ثانيةً؟”
“أيعقل أن يبلغ بهم الذهول إلى هذا الحد؟ إن استمرّوا هكذا فسينهارون من فرط الصدمة.”
“هاها، قد يكون.”
ابتسم براون بخفوت وهو ينثر الأزهار بسرعة من حولهم. وسدّ ديميان الفراغات الباقية، ثم عاد ليقف حارسًا بجوار لويسا.
مدّت لويسا يدها من دون تردد، وأمسكت بكفّ أحد الفرسان الملطخ بالسحر الاسود.
ارتجفت أهدابه قليلًا ثم أُسدل جفناه يخفيان عينين زجاجيتين.
لم يكن الأمر مرهقًا، بل إحساسًا طافحًا بالقوة يملأ جسدها.
‘ربما في المستقبل أستطيع أن أطهّر هذا السحر الاسود الكثيف حتى بلا أزهار مقدسة.’
لكنها سرعان ما أزاحت تلك الأفكار جانبًا، وبدأت تدفع طاقتها المقدسة إلى جسده لتطرد السُموم السوداء.
***
لقد كان هذا معجزة.
النور الأبيض الصافي الذي انفجر من يد لويسا جعل الجميع مشدوهين، أفواههم فاغرة وأرواحهم مأخوذة.
الوجوه التي تصلبت من شدة الدهشة أخذت تلتحف بالخشوع.
أما الكهنة الذين كانوا يراقبون من بعيد، فقد تخلّوا عن وقارهم وأخذوا يهرعون لاهثين حتى كاد بعضهم يتعثر ويسقط.
وأولئك الفرسان الذين يقدسون سيوفهم أكثر من حياتهم، أفلتوها من قبضاتهم.
“هاه……”
غطّى رافاييل فمه بكفه مبهوت الملامح.
النور الأبيض كان يغمر أجساد الفرسان، يغسل السواد الملتصق بهم كما لو كان بقع حبر تُمحى.
تلاشى الشحوب المتألم من وجوههم، وحلّ مكانه سكون هادئ.
واحدًا تلو الآخر، كانوا ينجون، وكان المكان لا يسمع فيه سوى أنفاس متقطعة مرتجفة بالانفعال.
لو قيل إن ملاكًا قد هبط إلى الأرض، لصدّقوا.
معجزة لا تُصدّق انبثقت من يدي لويسا، وخلفها بدا وكأن هالة نور تتوهج.
“……ألم أقل لكم أن تثقوا بي؟”
بعد أن تلاشى الضوء الأبيض، ابتسمت لويسا تحت أشعة الشمس.
عيناها البنفسجيتان كانتا صافيتين، وشعرها الذي بدا في العادة بنّيًا دافئًا تلألأ الآن كخيوط من ذهب.
مسحت عرقها عن جبينها وهي تنظر برضا إلى الفرسان الممددين وقد دُبّت فيهم الحياة من جديد.
كانت صورة فاتنة إلى حد يرهق العين.
وما لبثت عينا رافاييل الزرقاوان اللتان كانتا باردتين كالثلج أن ازدادتا عمقًا، فيما احمرّت أطراف أذنيه شيئًا فشيئًا.
“رائعة……”
تسرّب همس منخفض من بين أصابعه التي كان يسدّ بها فمه من غير وعي.
لعلّ الفارس الحقيقي لم يكن إلا هي.
حتى لقب القديسة بدا قاصرًا في حقّها.
لم يستطع رافاييل أن يزيح بصره عن لويسا ولو للحظة.
حتى رمشة عين كانت تضيع عليه وقتًا لا يحتمل أن يخسره.
كيف استطاع أن يظنّ من قبل أنّ هذا لا يتعدّى مجرّد اهتمام؟ القلب الذي كان قبل قليل يضطرب خوفًا من أن تُصاب بأذى، صار الآن يركض بعنف تحت وطأة شعور متدفّق بالبهجة.
دقات قلبه السريعة والمتلاحقة كانت عالية إلى درجة أنه ظنّ أنّها ستصل مسامع لويسا أيضًا.
‘أكان السبب أنني لم أرها منذ زمن؟ يا للغرابة… كم كنت أفتقدها دون أن أدرك.’
مدّ يده وضغط على صدره المتشنّج بالألم.
‘قرار؟ أيّ قرار؟’
أن يحاول التفكير في لويسا بوضوح، لم يكن سوى غرور منه.
فالاختيار لم يكن له منذ البداية.
اقترب رافاييل منها ببطء وجثا على ركبته أمامها.
“……شكراً لكِ.”
ثم أمسك بيدها برفق وطبع قبلة مهيبة على ظاهرها.
ما إن لامست شفتاه بشرتها الناعمة حتى اختنقت أنفاسه المتدفقة وتملّكه ضيق في صدره.
وكانت تلك الحركة إيذانًا؛ إذ أخذ الناس من حوله ينحنون واحدًا تلو الآخر على ركبهم، وجوههم يملؤها مزيج من الاعتذار والفرح، كأنهم يرفعون الشكر لآلهة تُعبد.
أما رافاييل، فظلّ يثبت نظره في لويسا، يتأملها بملامح غامضة.
كان على وجنتيها أثر من الحرارة، ربما لبذلها طاقة قبل قليل.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"