‘هذا… نعم، فعلت ذلك خشية أن يتفاقم الأمر أكثر. فلنفترض أنّ مكروها أصاب رافاييل أو بيلا، حينها ستكون كارثة حقيقية.’
ومهما انحرف مجرى الأحداث عن الأصل، فإنهما يظلان شخصيتين تملكان قوة بالغة الأهمية.
فالإمبراطورة التي ستصبح لاحقًا خصمًا خطيرًا لا بدّ أن يتصديا لها، ولا يجوز أن ينهارا عبثًا قبل ذلك.
فركت لويسا جبينها بخشونة ثم رفعت رأسها ببطء.
وقالت بصوت مثقل بالزفرات ولكن يحمل شيئًا من الإصرار:
“سأذهب أنا.”
التقت نظراتها بنظرات الدوق الذي كان يرمقها صامتًا منذ قليل، فانقبض ما بين حاجبيه قليلًا.
“…هل ستكونين بخير؟”
فالذهاب ليس هو المشكلة، إنما القلق أن تقع هناك ظروف تستدعي قوّتها، وحينها قد يصعب عليها أن تُخفي ما تملك.
‘على أي حال، لا راحة لي ما لم تُحل هذه الأزمة. إن تجاهلتها وتظاهرت بعدم المعرفة فقد يتفاقم الأمر أكثر هنا.’
كانت تدرك أنّها ستندم إن ذهبت، كما ستندم إن لم تذهب.
لكنها كانت تعلم أيضًا أنّ الندم الذي يُخفّف قلقها أفضل من ذاك الذي يزيده.
ما باليد حيلة. لقد تحملت العناء وخاضت حتى في تجارة النبيذ لجني المال، فما الفائدة إن انهار هذا العالم أصلًا؟
الموت ظلمًا بعد أن أفنت عمرها في العمل، كما في حياتها السابقة، ليس خيارًا مقبولًا.
قالت بثبات:
“نعم، أريد أن أذهب بنفسي وأتأكد.”
وتلألأت عيناها البنفسجيتان بوميض حاسم.
تغيّر مقصد الرحلة فجأة نحو الشرق، لكن لم يعترض أحد.
فالناس منشغلون، كما أنّهم يعرفون أنّ الدوق بليك أقدر من غيره على التعامل مع قوى الوحوش، فظنّوا أنّه ربما يملك علمًا بما يجري هناك، ففتحوا البوابة المؤدية إلى الشرق دون تردّد.
وفي الشرق استأجرت لويسا عربة وانطلقت مسرعة نحو موقع الحادث.
لم يكن عند الحدود، بل بالقرب من الكنيسة.
“…إنه مطابق لما حدث في الشمال.”
تمتم ديميان، فأومأ الدوق ولويسا برؤوسهما ببطء.
وراحوا يتأملون الغابة الكثيفة التي تملأ الأفق بوجوه يعلوها الغموض.
هيبته الغامرة، كأنّ لا شيء يملأ عينيه سوى أولئك الكهنة، ألقت بظلال من الصمت الخانق.
‘إذن رافاييل لم يُصب بأذى.’
كان يبدو مرهقًا بعض الشيء، لكنه بخير.
ارتاحت لويسا لرؤيته سليمًا، لا لشيء إلا لأنّ فقدانه خسارة كبرى للقوة.
أجل، ثمة قلق إنساني عابر… لكن ما هذا الذي تبرره لنفسها؟
‘ما هذا الهراء! ولمَ أختلق الأعذار وحدي؟’
حكّت وجنتها بخجل، ثم أزاحت جانبًا بعض الكهنة الذين تجمّدوا خوفًا حتى من ظهورها، ليفسحوا الطريق.
وسرعان ما ضجّ المكان بالهمهمة.
ظهورها في هذا الموضع حيث لا يجدر بها أن تكون، أثار ذهول الجميع.
“……لويسا؟”
كُسر الجو المتجمد كما لو تحطم زجاج، واتسعت عينا رافاييل بدهشة كبيرة.
بدا مضطرب الملامح، شعره الأشقر البلاتيني المعتاد أنيقًا تفرّق فوضويًا، ووجهه الوسيم لم تفلح الفوضى في طمسه.
راقبته لويسا بنظرة غريبة المشاعر، ثم حوّلت بصرها. ورمقت تباعًا الدوق وديميان اللذين وقفا إلى جانبها، ثم حيّت رافاييل بنظرة قصيرة.
وما زال هو ينظر إليها كمن لا يصدق عينيه.
“سيدي القائد.”
تقلّص جبينه فجأة، كمن انفلت صبره.
“لويسا، ما الذي تفعلينه هنا؟!”
كان صوته حادًّا فاقدًا لبرودة أعصابه.
“دوق بليك! أأحضرت الآنسة إلى هذا المكان الخطر؟!”
“أنا التي رغبت بالمجيء.”
رأت لويسا كيف أطلق رافاييل نظرات مميتة نحو الدوق حتى كادت تلتهمه، فأسرعت تلوّح بيديها نافية.
أما الدوق، فظلّ واقفًا صامتًا، يحميها فحسب، غير آبه بتلك العدائية المباشرة.
قالت لويسا:
“أريد أن أرى المصابين. ربما أستطيع أن أساعد.”
“……عودي في الحال.”
تردّد رافاييل للحظة، ثم قالها بصرامة جليدية:
“المكان خطير. لا يُزار بدافع الفضول.”
كان ذلك منذ زمن بعيد آخر مرة شعرت فيها بمثل هذه الحدة الموجهة إليها.
وهي تدرك دوافعه: فهو يواجه للمرة الأولى سحر أسود بهذا الحجم المهلك، ثم تأتي آنسة يافعة لم تُزهر قوّتها إلا حديثًا، فتتجرأ وتخاطر بحياتها.
وفوق ذلك، زميله جريح، فلا عجب أن يكون في غاية التوتر.
“ليس فضولًا. أنا واثقة أنّي قد أساعد حقًّا.”
أجابت لويسا بهدوء.
“حتى لو امتلكتِ شيئًا من الطاقة المقدسة، فهذا أمر آخر. لو كان بمقدور أحدهم إظهار قدرة تطهير كهذه لكان سائر الكهنة الذين مرّوا هنا قد أظهروا مثلها، لكننا لم نسمع بشيء. عودي قبل أن تُصابي بأذى.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مريرة، كمن يسخر من نفسه.
وبالرغم من نبرته الحادة، خُيّل إليها أنه يراقبها مترقبًا ردّها.
قالت بثبات:
“إن استمرّ التأخير، قد تتدهور حالة المصابين.”
“لهذا قلت—”
“رافاييل.”
“…….”
“رجاءً، صدّقني هذه المرة فقط.”
تقدمت نحوه خطوة.
“سيدي القائد، اعذرني على المقاطعة، لكن الوقت ليس في صالحنا. ينبغي أن نذهب فورًا ونستدعي القديسة مجددًا.”
“المدعوون لا يأتون، والمطلوب رحيلهم يأبون! هاه…….”
تعابير الضجر رسمت ملامح الفرسان المقدّسين وقد طفح بهم الكيل.
حتى بوجود الدوق بليك بجانبها، لم يخفِ بعضهم امتعاضه، ينظرون إلى لويسا كفتاة طائشة، ويهزون رؤوسهم بأسف.
لكنها لم تأبه.
منعت ديميان حين حاول أن يصدّها، بل خطت خطوة أخرى إلى الأمام.
“حسنًا، في أثناء ما أُعاين المصابين يمكنكم أن تستدعوا القديسة. أعلم أنّ ثقتكم بي ضعيفة، لكن الوقت يداهمنا جميعًا.”
كان في وسعها أن تستدير وتعود دون عناء، لكن بعد وصولها إلى هنا لم ترد أن تعود خالية الوفاض.
بل إنها رغبت أيضًا أن تُريهم قُدراتها، لتُخرس الألسنة.
‘لكن… لِمَ بيلّا في الكنيسة وليست هنا؟ لقد قلت إنني سأترك لها الأمر كله وأرتاح في الخلف، فإذا بي أقف الآن وسط هذا… يا لها من مفارقة.’
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات