لم يُدرَ ما إذا كان ذلك بسبب الغرفة التي لا يضيئها إلا وهج الشموع، أم بسبب تلك الكلمات غير المتوقعة التي تتابعت، إذ ارتجف بريق عينيها البنفسجيتين الداكنتين
“……لا، لا مشكلة.”
تفتّحت شفتاها بلون المرجان ببطء، وقالت:
“ثم إني لم أعد مريضة.”
“أحقًّا ما تقولين؟”
ارتفعت نبرة الصوت بشيء من الفرح، وكان في صوته صدق لا يدع مجالًا للشك.
فأومأت لويسا برأسها مطمئنة.
“أظن أن ما سبّب مرضي كان القوة المقدسة التي ظهرت فجأة. وبعد أن تجاوزت تلك المرحلة الصعبة، صرت بخير الآن.”
“بسبب القوة المقدسة إذن…….”
“الحمد لله، هذا حقًّا مطمئن.”
رأت في وجهيهما فرحًا غامرًا، حتى بدا لها أن قولها: “لقد بصقت دمًا بسبب السحر الاسود” سيبدو ضربًا من القسوة غير المبرّرة.
ثم إن نظراتهما لم تكن مريبة ولا متوجّسة، بل كانتا مشبعتين بفخرٍ واعتزاز، حتى شعرت بأن مخاوفها السابقة لم تكن إلا عبثًا.
‘من البداية، عائلتي السابقة وهذه الأسرة ليسوا سواء…….’
كتمت لويسا ابتسامةً مرة، وتابعت بلهجة هادئة:
“يبدو أن قوتي المقدسة ليست بالهينة. أتذكر أنّي لمستُ صدفةً زهورًا مقدسة كانت قد تلوثت بالسحر الاسود، فإذا بها تتطهّر على الفور. ومنذ ذلك الحين بدأت أتعلم على يد الكاهن يوران كيف أستعمل هذه القوة.”
“طهّرتِ الزهور؟ آه، أجل…… إن كان بوسعكِ أن تطهّري حتى السحر الاسود الذي تلبّس والدي، فلا غرابة.”
“فهل يعني ذلك أن الكاهن يوران وحده من كان يعرف؟”
“نعم. خشيت أن أفصح بالأمر، فيجلب عليّ متاعب لا داعي لها، ففضلت الكتمان. آسفة لأنني أخفيت الحقيقة.”
“لا تعتذري. إطلاقًا.”
“لقد أحسنتِ. الكتمان كان الخيار الصحيح.”
“……حقًّا؟ أحقًّا تقولان ذلك؟”
“حقًّا.”
ابتسم ديميان وربّت على رأسها بحنو، فيما راقب الدوق المشهد صامتًا ثم أومأ ببطء.
حدّقت لويسا في ملامح وجهه التي تراخت عن صلابتها، ثم صرفت بصرها بخفة وقد شعرت بالحرج.
“وماذا تنوين أن تفعلي الآن؟ إن كنتِ تنوين الاستمرار في الإخفاء، فسأتكفل أنا بالتبعات.”
“أتقدر على ذلك؟”
“لا شيء مستحيل. سأجد السبيل مهما كلّف.”
كانت لهجته جازمة كأنه نذر أن يحلّ الأمر بنفسه، فابتسمت بسخرية خفيفة.
بدا غريبًا أن يتكلم هكذا من كان قبل قليل قاب قوسين من الموت.
“لا داعي لذلك كله. يكفيني أن تعداني بالكتمان. على أي حال، أظن أنه لا مفر من الذهاب إلى الكنيسة الكبرى.”
“الكنيسة الكبرى؟ لأي سبب؟”
“……لقد صارت قوتي المقدسة واسعة النطاق، وأعتقد أن عليّ لقاء رئيس الأساقفة. في الحقيقة، كنت قد زرعت بضع زهرات مقدسة في طرف الحديقة الخلفية، لكن حين عدت اليوم وجدت أنها ملأت الحديقة بأسرها.”
“إذن فالزهور التي جئتِ بها قبل قليل من هناك.”
“نعم. ولقد نصحني الكاهن يوران أن ألتقي برئيس الأساقفة مباشرةً، فقد تعدّى الأمر حدود قدرته.”
تصلّبت ملامح ديميان والدوق على السواء.
“وما رأيك أنتِ؟ أهو أمر لا مفر منه؟”
“همم…… المشكلة أنّ قديسة جديدة ظهرت مؤخرًا. أخشى أن يقحموني معها لمجرد أنني أمتلك بعض القوة المقدسة. وأنا أكره التعقيدات.”
“حسنًا، سأحرص أن تلتقيه بعيدًا عن أعين الناس.”
“ماذا؟ أهذا ممكن؟”
“كما قلت لكِ آنفًا، لا وجود للمستحيل.”
“……لكن لا تفرضوا عليّ لقاءً قسريًّا. لا أعلم طباع رئيس الأساقفة، وقد أثير سخطه بلا طائل فأجلب لي متاعب أشد.”
ابتسمت ابتسامة نصفها استسلام ونصفها راحة.
“ارتاح الآن أرجوك. مهما يكن قد تحسنت حالتك، فلا بد أنك مرهق.”
وكأنها تحثّه على الاستلقاء سريعًا، نَقرتْ الفراشَ أمام الدوق بيدها.
في الماضي كان سينهض فورًا ليغادر، أما الآن وبعد أن تبادلا بعض الحديث، بدا أنّه لم يعد يشعر بذلك الضيق القديم.
ابتسم الدوق وعلى محيّاه ملامح تشبه ابتسامتها هي، ابتسامة خفيفة لا إرادية.
قال بصوت هادئ:
“لا بأس. لا بدّ لي من إعطاء بعض التعليمات لبراون قبل أن أستريح.”
“ألأجل أمر السرداب؟”
خطر ببالها أنّه قد ذكر موضوع السرداب من قبل… فأثار ذلك فضولها.
جلست مترددةً محاولة الإصغاء، فيما واصل الاثنان حديثهما كأن وجودها لا يضيرهما.
قال الدوق:
“نعم.”
فقال ديميان:
“لم أسمع إلا لمامًا عمّا جرى من أفواه الفرسان، لذا أودّ أن أعرف الحقيقة. فالوحوش التي هاجمت والدي اليوم كانت أشدّت قوةً بكثير من التي تظهر قرب الحدود. من أين انبثق مثل ذلك السيل من السحر الاسود؟ دعني أشاركك في البحث عن مصدره.”
أجابه الدوق:
“فكّرت أن نوسّع نطاق التفتيش لا حول الكنيسة وحدها، بل أبعد من ذلك أيضًا. ولذا وجّهتُ الحملة نحو غابة في منطقة باير.”
“أتقصد الغابة التي لا يرتادها حتى الوحوش؟”
“أجل، وهناك اكتشفتُ سردابًا في وسطها. كان مخفيًا ببراعة، لكن مرور الزمن بدأ يُضعف أثره، فكان من السهل علينا أن نعثر عليه.”
‘سرداب في ذلك المكان؟’
تساءلت لويسا وهي تميل رأسها لتُنصت.
وتابع الدوق:
“ما إن حاولت النزول لاستكشافه حتى انبعث دخان أسود، وظهر على الفور عدد من المخلوقات.”
“ماذا؟ وفي مكان ليس حتى من حدود المنطقة؟”
“نعم، بلا سابق إنذار. لا بد أن نعود لنتتبع الأثر، لكنّ تلك الوحوش بدت مغايرة تمامًا لتلك التي كنّا نواجهها على الحدود.”
“…بِمَ اختلفت؟”
عقد الدوق حاجبيه بجدية، وحدّق في الفراغ كأنه يسترجع ما جرى، ثم تكلّم بصوت خافت:
“كانت أصلب جَلدًا، وأسرع حركة. حتى إنني وجدت مشقةً في صدّها.”
“إلى حدٍّ جعلك تقول إنك عانيت في مجابهتها؟! لا بد أن أذهب بنفسي للتأكد فورًا.”
لكن الدوق لوّح بيده رادعًا:
“لا. الأفضل أن تذهب معي لاحقًا. ذلك المكان لا يؤتى إليه بطيش. لا بد من الاستعداد جيّدًا قبل اقتحامه.”
وبعد لحظة صمت قالت لويسا مترددة:
“…إذن، هل تسمّمك بالسحر الاسود كان بسبب تلك الوحوش؟”
هزّ الدوق رأسه ببطء.
“كلا. كنت أقاتل فسقطت في السرداب، وهناك باغتني السحر الاسود.”
“هكذا فجأة من داخل السرداب؟”
“نعم. لم يكن مجرّد هواء مشبع، بل بدا وكأن السحر ينبعث من أعماقه. لم أتمكن من استجلاء ما في الداخل، لكنني متيقّن أن شيئًا ما يكمن هناك.”
‘سرداب… ينبعث منه السحر الاسود؟ ما الذي يحدث؟’
تلبّدت افكار لويسا بالأسئلة.
لقد خرج الأمر عن نطاق الحكاية الأصلية، وصار كل ما تسمعه جديدًا ومقلقًا. لم يعد الأمر يحتمل الإهمال أو قول “سيتكفلون بالأمر.”
أمسَت الأرواح في خطر.
فقط اليوم كاد الدوق أن يلقى حتفه في مكان لا يوجد به قديسة.
صحيح أن أبطال القصة قد ينجون، لكن البقية مجرد شخصيات ثانوية، ولا حياة مضمونة لهم
‘…بل حتى حياة الأبطال أنفسهم قد لا يكونوا في مأمن بعد الآن.’
وبوجه يكسوه القلق، رمقت الدوق وديميان.
وخارج الجدران كان الليل قد اكتمل سواده، وغمر القمرُ السماءَ بنوره الشاحب.
***
رغم أنّها لم تمكث طويلًا في الشمال، رأت لويسا أن عليها تقديم موعد سفرها إلى العاصمة.
صحيح أنها أتقنت استخدام هذه القوة، لكنها لا تعرف كل أسرارها بعد، فقررت أن تذهب إلى الكنيسة الكبرى طلبًا للنصح.
أما الدوق بليك، فقد استعاد عافيته على نحو مدهش.
لم يمض سوى يوم واحد حتى نهض كأن لم يكن على شفا الموت قبل يومين.
بدا قويًّا إلى درجة أن المرء ليظن أن ما حدث لم يكن إلا كابوسًا.
‘إذن، لهذا خرج أمس إلى الغابة ليتفقد الأمر….’
غير أن دخول السرداب لم يكن خيارًا الآن.
كان لا بد من الحذر من السحر الاسود، ورأت لويسا أن لقاء رئيس الأساقفة ثم اتخاذ القرار أصلح من المجازفة.
كان المنطق يقتضي رفع تقرير إلى البلاط الإمبراطوري أولًا، لكن الدوق رأى أن الأمر مضيعة للوقت، وأن عليه التصرف بسرعة. فأرجأ ذلك متعمدًا.
‘إنه لا يُلقي بالًا لهيبة الإمبراطور مطلقًا. لا عجب أن يردّد دومًا أن لا شيء مستحيل.’
أدركت لويسا أن هذا طبعه، فجلست هادئة تنظر إلى الدوق وابنه أمامها.
“أمتأكدان من مرافقتي؟ أنتما مشغولان هنا.”
فأجاب الدوق:
“لا بأس. لا يمكن أن نتركك وحدك في لقاء رئيس الأساقفة.”
“آه…”
وأضاف بلهجة حازمة:
“لا مكان آمن هذه الأيام. كلما اشتد الخطر، وجب علينا أن نضاعف الحذر.”
لمعت الفكرة في ذهنها: أيتبعانها خشية أن ترتكب حماقة؟
لكنها لم تكد تُتمّها حتى صرّح الدوق بسبب مرافقته، فشعرت بحرج غريب، ومع ذلك بشيء من الطمأنينة.
فحكّت خدها بخفة وأومأت برأسها.
قال ديميان وهو يتأملها بعينين يكسوهما بريق ابتسامة:
“ألهذا السبب دعوتِنا؟ لقد انتهينا أصلًا من الاستعداد للرحيل، فكيف لا نرافقك؟”
رفعت عينيها إليه وقالت:
“آه، ليس لهذا السبب….”
“ليس كذلك؟ إذن ما الأمر؟”
كانوا قد اجتمعوا في مكتب الدوق قبل المغادرة بناءً على طلب لويسا أن يمنحوها بعض الدقائق.
وقد بدت على الدوق وديميان علامات الاستفهام، إذ لم يبق وقت طويل قبل الانطلاق نحو العاصمة.
ترددت لويسا قليلًا ثم أخرجت يديها من خلف ظهرها.
كانت تمسك بعلبتين صغيرتين ملفوفتين بورق أنيق.
قالت في صوت خافت:
“إنها أحجار حماية… ليست بشيء ذي بال، لكنني ابتعتها على سبيل التجربة.”
ثم مدت العلبتين كليهما إلى الدوق وديميان.
بقيا للحظة يتأملانها بدهشة، وأعينهما البنفسجية تلمع في ذهول.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"