لم يكن في نيّتي قط أن أتابع خطى والديّ اللذين قضيا عمرهما في إدارة معملٍ حقيرٍ للنبيذ، غير أنّ الشرط الذي قُدم إليّ مع المال كان كفيلًا بأن يقلب فكرتي رأسًا على عقب.
العرض الذي قدّمه ذاك النبيل المجهول كان واحدًا فقط: أن أقلّد نبيذ الروزيه الذي طُرح هذا العام وأصنع نسخةً طبق الأصل منه.
هذا فحسب.
وإذا نجحت، فإن المعمل سيؤول إليّ وحدي، وكل الأرباح ستكون من نصيبي وحدي.
ولم يكن ثمة ما يدعوني إلى الرفض.
فالمهارة الوحيدة التي امتلكتها، والتي غُصبت على تعلّمها منذ صغري، هي صناعة النبيذ.
ومع قليلٍ من استرجاع الذاكرة، كان النجاح مضمونًا.
قال باردا جورج وهو يمدّ شفتين كفم سمكة على الزجاجة:
“صحيح أنني لم أستطع تقليده تمامًا، لكن بهذا القدر أعتبر الأمر نجاحًا. لقد حالفني الحظ حقًا.”
وبصوتٍ رطبٍ ولزجٍ التصق أنفاسه بالزجاجة.
كان يعرف أنّ لكل شخص ذوقًا مختلفًا، فمن المؤكد أن البعض سينجذب إلى نبيذه، كما أنّ من تذوّق نبيذ الروزيه من قبل سيستشعر الفضول أمام مذاق جديد فيشتريه.
“سواء كان أصليًا أو مقلّدًا، ما شأني؟ المنتصر هو من يبقى حتى النهاية.”
لم يكن يهمّه أن يُوسم بالسارق أو المقلّد.
ما دام المال يتدفق، فما قيمة السمعة أو الشرف؟
ولأنه لم يكن يملك أصلًا شرفًا يخسره، فقد طرح نبيذه الوردي بسعرٍ أقل من نبيذ الروزيه، وكان ذلك سببًا إضافيًا.
فحتى وإن سبق المنتج الأصلي إلى السوق، فالقانون في هذه الأيام لا يحميه بالضرورة.
يكفي أن يشير المرء إلى بعض الفوارق البسيطة ليُثبت أنه مختلف، فلا يبقى مجالٌ للمجادلة، والناس أصلًا لا يكترثون بمن سبق.
بل إنّ بعضهم سيؤيده، ما دام بمقدورهم الحصول عليه بسهولة وبثمنٍ أرخص.
كان ينتظر بلهفة اليوم الذي تتراجع فيه مبيعات نبيذ الروزيه ويهرع الزبائن إلى نبيذه الوردي، فحينها لن يجني الفتات بل الثروات.
ضحكه لم ينقطع.
وبينما كان يصبّ الشمبانيا في كأسٍ فارغ حتى فاضت، سُمع صوت يناديه:
“سيدي البارون!”
“قلتُ لا تُزعجوني!”
“أعتذر، ولكن يجب أن تطّلع على هذا فورًا……”
اقترب الخادم بوجهٍ ممتلئ بالقلق، ومدّ ظرف أبيض بين يديه.
تردّد باردا جورج لحظة وهو يتساءل إن كان يلقي بالكأس على خادمه الذي أفسد عليه فرحته.
“ماذا يدعو لكل هذا الضجيج، تافه.”
لحسن حظ الخادم أنّ الكأس لم يُقذف.
فاليوم كان أسعد أيام سيده، وقد ظهر على غير عادته شيءٌ من التساهل.
انتزع باردا الظرف بيدٍ غليظة بعد أن رماه الخادم، ثم ألقى نظرةً خاطفة عليه.
“من أين جاء هذا…….”
وفجأة دوّى صوت ارتطام داخل الغرفة.
فقد أسقط الكأس من يده دون أن يدرك، إذ كان جسده كله يرتجف وهو يثبت الرسالة بكلتي يديه.
تبعثرت شظايا الزجاج حول الظرف الممزّق على الأرض، بينما الخادم يراقب بحذر ويتراجع خطوة إلى الوراء.
“ما هذا الهراء؟! حقوق علامة تجارية؟! براءة اختراع؟!”
قال الخادم بصوتٍ متردد:
“……إنها مذكرة عاجلة من المحكمة. والجنود بانتظارك عند الباب.”
احمرّ وجه باردا جورج في لحظة، وكاد ينفجر من الغضب.
فالمذكرة تتضمن توقيف عاجل للبيع مع دعوى تعويض عن الأضرار الناجمة عن انتهاك براءة الاختراع.
ومع ذلك، ما أدهشه أكثر هو وجود الجنود عند الباب.
كان يراها مهزلة.
لم يسمع في حياته عن شيءٍ يُدعى براءة اختراع، والآن تزعم المحكمة أنها صاحبة الكلمة؟
“أيّ عبثٍ هذا…… ابتعدوا! يجب أن أذهب لأحتجّ بنفسي!”
اندفع باردا جورج من الغرفة كالمجنون، يصرخ أنّ النبيذ الوردي ملكه، ويتجاهل الجنود محاولًا شقّ طريقه.
لكن قوةً جبّارة أمسكت بذراعيه وأوقفته.
“هل تعرفون من أكون؟!”
لكن ما واجهه لم يكن إلا أمر اعتقالٍ عاجل دُفع إلى وجهه.
وبينما كان صوته يجلجل غاضبًا، بدت ساقاه القصيرتان تتدلى في الهواء بائسًا.
“بِـ…… براءة اختراع؟! أتسحبون الناس هكذا من أجل تفاهة كهذه؟ هذا اضطهاد صريح…….”
ردّ أحد الجنود وهو يمسكه بوجهٍ جامد:
“إنه القانون الجديد الذي بدأ تطبيقه هذا العام. ولأن الناس يتهاونون مع القانون، فقد تقرر أن يُطبّق هذا النصّ بصرامة بدءًا من هذا الشهر بالذات.”
ثم أردف ببرودٍ كأنما يُلقي حكمًا:
“حظك سيّئ.”
كانت لهجته وحدها كفيلة بأن تُظهر مدى احتقارهم له.
***
“حقوقُ الاختراع، كانت كلمةً غريبة على الناس في هذا العصر.
غير أنّ لويسا وقد عاشت في المجتمع الحديث، كان من الطبيعي أن تعرفها.
أما قولهم إنّ القانون لم يُطبَّق إلا هذا العام، فلم يكن يعني لها سوى شيء واحد: أنّ في وسعها استغلاله كما تشاء.
لم يكن ذلك القانون قادراً على ضبط كلّ تقليدٍ ماكرٍ تمام الضبط، لكنه على الأقل كان كفيلاً بكشف النسخ المقلَّدة كلياً بلا رحمة.
وبما أنّ النظام حديث العهد، كانت معاييره مبهمة، وشروط التسجيل فيه متساهلة، فاستغلّت لويسا ذلك ببراعة.
‘كان قراراً صائباً أن أجعل براون يسجّل براءة الاختراع أولاً.’
أدرجت كل ما يتعلّق باللون الورديّ والقرمزيّ، أي كل ما يدلّ على النبيذ الروزيه.
أما الطعم، فبما أنّ السوق مليئة بخموره المختلفة، فإن تسجيله وحده قد يُفهم على أنّه احتكار فجّ ويثير النفور، لذلك اكتفت لويسا بتسجيل لون النبيذ الذي يميّز نبيذ الروزيه.
ولأن القانون جديد التطبيق، فقد اتخذت السلطات إجراءات سريعة استعراضية، لكنه لم يكن جُرماً ثقيلاً يستحق عقوبة جسيمة.
ولغياب السوابق القضائية، كان واضحاً أنّ العقوبة ستكون خفيفة لا محالة.
غير أنّ ما هو أشدّ فزعاً من العقوبة، أن يُمنع الخصم من البيع فيغرق في الديون لفقدانه رأس المال المستثمر، وهذا ما كان بانتظار فاردا جورج بالضبط.
‘الآن يبقى أن أقرر كيف أتعامل مع أولئك الذين استثمروا فيه…’
راحت لويسا تمرّر أناملها فوق الجريدة التي تصدّرها خبر براءة اختراع النبيذ الروزيه، ثم نَقرت عليها بسبّابتها.
لقد مضت ثلاثة أيام بالفعل.
وإذ بكونتيسة داليو على خلاف ألبيرت روزيه، قد ارتاعت من هذه الوسيلة غير المتوقَّعة ثم اطمأنت، أما الناس فقد علموا الآن أنّ ألبيرت روزيه ولويسا بليك هما مالكا براءة اختراع النبيذ الروزيه.
“همم… حقاً الأمر في غاية الوضوح.”
ألقى بصرها البارد على الرسائل المكدّسة بجوار الصحيفة.
ما أسرع ما هرعوا يرسلون الرسائل حال سماعهم بالخبر! كأنها تلقت في هذه الأيام ما قد لا يصِلها طوال حياتها.
“سأجعلهم يستعملونها وقوداً للمدفأة.”
وكانت تنوي أن توصي الخدم بحملها إن جاء أحد، فدخل براون في تلك اللحظة، وبيده رُزمٌ أخرى من الرسائل.
“لا تقل إنّها موجَّهة إليّ؟” سألت لويسا وقد ضاق جبينها.
“بلى، هاها…”
“إحرقها مع ما هنا كلّه.”
“ألَا تودّين الاطلاع عليها أولاً؟”
“لا. لكنك لم تأتِ فقط بالرسائل، أليس كذلك؟”
“بلى. لقد وجدتُ مصدر الأموال التي تدفقت على باردا جورج.”
فتجمّد وجه براون الذي كان قبل قليل يبتسم ابتسامة خفيفة.
“هل هو الشخص الذي توقّعتُه؟”
“بلى… أأستطيع أن أسأل من أين خطر لك؟”
“طبعاً هذا سرّ. أنت تعلم أنّ كل ما أطلبه منك ترفع به تقريراً إلى أبي.”
“لا، يا آنسة! لقد أوصى الدوق ألا نرفع له تقارير عمّا تأمرين به على نحو خاص.”
“ومع ذلك بدا عالماً بأمر تجارة النبيذ.”
“ذلك لأن…”
“لا حاجة للكذب. أستطيع أن أتفهّم موقفك.”
“لم أكذب! لقد جاءني ألبيرت روزيه بنفسه، فظنّ الدوق أنّه شيء آخر، فلم أجد بُدّاً من إيضاح الأمر.”
قالها براون بنبرة مكبوتة وهو محتقن الوجه.
“أيّ شيء ظنّه؟”
“بما أنّك نادراً ما تستقبلين أحداً، ثم إنّ البارون ألبيرت روزيه أعزب، فقد ظنّ أنّ… ربما…”
“ماذا؟! لكنه شخص لا يهتمّ بمثل هذه الأمور على الإطلاق، أليس كذلك؟ ألا يكون قد توهّم؟”
“أبداً! لقد رأيته يطمئنّ بشكلٍ واضح عندما أوضحت أنّ الأمر متعلّق بالعمل فحسب!”
هي طبعاً تدرك أنّه كأب لا يخلو من بعض الاهتمام، لكنه غالباً ما كان يركّز على صحتها فقط.
غير أنّ سماعها هذا الكلام جعله يبدو كأنّه يهتمّ أيضاً بشؤونها الخاصة، فأثار في لويسا شيئاً من الالتباس.
‘هل يفعل ذلك لأنه يعرف أنّي لن أبحث عن شخص آخر، فيترك الأمور تمضي على هذا النحو؟’
لم يكن لديها الكثير من الخدم يمكنها الاعتماد عليهم، ولم تكن ترغب في البحث عن غيرهم، لذا كان من الطبيعي أن تختار براون بالذات، الأكثر كفاءة والأيسر انقياداً.
‘صحيح أنّه لا حاجة للتظاهر بالكذب هنا… بل حتى إن صارحت فلا بأس.’
على كلّ حال، لم يكن هذا ما يشغلها، بل نجاح مشروع نبيذ الروزيه. ثم إنّ كل ما أوكلته إلى براون أنجزه بإتقان، فأحسّت برضا عظيم.
ولعلّ أهمّ ما قامت به، أنّها فور إطلاق النبيذ الروزيه طلبت من براون التحقق إن كان بإمكانها تسجيل البراءة بالاشتراك مع ألبيرت روزيه بصفته وكيلاً، فكان لهذا الإجراء أثر عظيم في نجاحها اليوم.
ومن ثمّ، وجدت نفسها تعود إلى النقطة الأولى: لا بدّ من تكليف براون بالتحقيق في هوية من يقف وراء باردا جورج.
عندئذٍ ذكرت له الاسم الذي تشكّ فيه، وأمرته أن يركّز التحقيق حوله.
الماركيز لويس ديميتري، شقيق الإمبراطورة.
‘إن كان لويس ديميتري قد تحرّك، فهذا يعني أنّ الإمبراطورة نفسها تقف خلفه.’
ففي الأصل، كانت وظيفة لويس ديميتري أن يقوم بالأعمال المظلمة نيابةً عن شقيقته الإمبراطورة.
وقد بدا لها أنّ الشائعة التي خرجت من القصر الإمبراطوري عن مرضها الميؤوس منه ليست بريئة، فطلبت التحقيق فيه بدءاً منه، وها هي الآن تتيقّن مئة بالمئة أنّ الإمبراطورة تتآمر ضدها.
****
[معلومة، الروزيه يعني الوردي وانا كتبتو هيك من البدايه لانه حلو ومنشان كمان مانتخربط في المستقبل لان كنت عارفه انو رح يطلع هاذ السراق ف سميت تبعه الوردي وخليت تبع لويسا الروزيه]
باقي 61 فصل وتنتهي ، و 20 جانبي
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"