“آه، المعذرة. لقد سمعت شيئًا صادمًا فاندفعت من غير قصد.”
“منذ متى كنتِ تقفين خلفنا…؟”
ارتبكت المرأة أمام ملامح بيلا القلقة، فأخذت تتلفّت بارتباك.
“آنسة بليك مريضة…”
“شـه! اخفضي صوتك.”
“حسناً… لكن آخر ما قيل، لم أكن أتوهم إذًا؟”
هذه المرة تأكدت المرأة من خلوّ المكان يمينًا ويسارًا وخلفًا، ثم همست في أذن بيلا:
“نعم، يقولون إنها مصابة بمرض عضال. وقد مضى على انتشار الخبر أيام، لكن بيت بليك لم يصدر منهم أي ردّ، حتى بات الناس يعدّونه أمرًا واقعًا.”
“يا إلهي… وماذا سيحدث؟ ألا سبيل للشفاء؟”
“ذاك ما لا أعلمه.”
“…لكنها مخطوبة، أليس كذلك؟”
“نعم، ولهذا السبب تنتشر الشائعة أكثر. فزواجها من أحد أفراد العائلة الإمبراطورية يعدّ أمرًا غير مناسب مع عِلّة كهذه.”
وبينما تمشين متلاصقتين، لم تتوقف همسات شفاههما.
لكن بيلا التي كانت تسير إلى جوارهن توقفت فجأة.
“إذن، قد ينتهي الأمر بالفسخ…؟”
مدّت كلامها وعيناها متسعتان بتعبير غامض.
توقفت المرأتان أيضًا، وتبادلت نظرات مترددة.
“من يدري. إن صحّت الشائعة، فالفسخ واجب.”
“لكنها تبقى شائعة. سنرى ما سيؤول إليه الأمر. ثم إن صاحب السمو لم يكن راغبًا في هذه الخطوبة منذ البداية، أليس كذلك؟”
“صحيح. إن تأملتِ الأمر، فقد يكون ذلك فرصة له.”
“ماذا تقصدين بقولك لم يكن راغبًا؟”
“آه… في الأصل، السبب الذي جعل الاثنين يرتبطان هو أن آنسة بليك كانت تلحّ وتطارده. أمّا سموه، فكان متضايقًا منها، لكن بيت بليك يُعرفون بأنهم سادة الشمال، وهو بيت عظيم لا يرغب البلاط الإمبراطوري في خسارته…”
توقفت المرأة فجأة وأدركت أنها ذهبت بعيدًا بكلامها، كاشفة أمورًا لا ينبغي تداولها.
“إذن… منذ البداية لم يكن رافاييل يكنّ لها أي مودة؟”
طرفَت بيلا بعينيها بذهول، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة بطيئة.
“على الأرجح، نعم. على كل حال… ما رأيكِ أن يبقى حديثنا هذا سرًّا بيننا وألا نعود لذكره؟ صحيح أنّ الخبر منتشر، لكنك تعلمين حساسيته…”
ابتسمت بيلا بعينيها وهي تجيب المرأة التي بدأت تبدو قلقة:
“بالطبع. آه، وبما أن اللقاء جمعنا، فإن صادفتك هنا مرة أخرى حين آتي للصلاة، سأمنحك بركتي. هل يسرّك ذلك؟”
“يا لبهجتي! نحن ممتنات حقًا. كم أنتِ عطوفة.”
“نعم، صدقتِ. على فكرة، هل لي أن أرسل لكِ دعوة لحفل شاي في وقت لاحق؟ سيكون من اللطيف أن نقضي بعض الوقت معًا.”
فبعد ثلاثة أيام من اعتذار رافاييل عن زيارته، وصلتها رساله يخبرها فيه بأنه مضطر للذهاب إلى الشرق على عجل، ولن يستطيع زيارتها في الوقت القريب.
‘لكن من الذي استدعاه أصلًا؟ لقد كان هو من يأتي من تلقاء نفسه… أمر يثير السخرية.’
تمنّت في سرّها ألا يعود مجددًا.
فقد كان يزور أكثر مما ينبغي، حتى غدا الأمر مزعجًا.
على أية حال، ربما ترحل قريبًا إلى الشمال، فلا تراه بعدها.
لم تكن تتوقع أن يسمع بالشائعة عن مرضها العضال ثم يقترح عليها الذهاب للشمال.
هي تدرك الآن أنه ليس من طبعه أن يفرض عليها البقاء في العاصمة لمجرد أن يبرهن للناس أنها بخير، غير أنه كان من المنتظر منه على الأقل أن يرجوها البقاء قليلًا.
أما الدوق بليك وديميان، فلم يكونا هكذا.
فمنذ أن وصلهما الخبر، ثار الدوق غاضبًا، وأرسل رسالة عاجلة يقول فيها: إن لم يرق لكِ البقاء في العاصمة فعودي إلى الشمال متى شئت، وسألقّن هؤلاء الذين يتجرؤون على النطق باسمك درسًا يُدركون فيه كم هو مخيف ثمن اللسان الطائش.
أن يفيض هذا القدر من الغضب حتى في رسالة مكتوبة… لم يكن ذلك مما يليق عادةً ببرودة الدوق الصارمة.
“لا تصغي إلى كلام من هم دون البشر. هؤلاء نسجل أسماءهم على حدة، فلا تقلقي.”
“…من هم دون البشر؟”
“نعم. فعمّا قريب سيعودون إلى التراب.”
وفوق ذلك، قال ديميان كلاماً مرعباً بابتسامة يكسوها مسّ من الجنون.
حتى إنّ لويسا وقد خافت أن يلقى الذين في قائمته مصيراً غامضاً، انتزعت منه الورقة وألحت عليه أن لا يفكر في حماقات كهذه.
يا للمصيبة التي جرّتها الإمبراطورة!
فعادةً ما تفعل سيدات الأسر الثرية شيئاً أوضح:
يعطين ظرفاً ممتلئاً بالمال ويقلن “افترقي عن ابننا”، على الأقل يقدمن مقابلاً.
أمّا أن يلجأن إلى أسلوب خسيس كهذا في الخفاء، فهو بخلٌ وجبنٌ ما بعده بخل وجبن.
حقاً إنّه وجه آخر من وجوه هذه الدنيا المظلمة.
صحتها تحسنت في الآونة الأخيرة؛ بشرتها صافية ولم تعاودها نوبات تقيؤ الدم، حتى إنّها بدت وكأنها شُفيت.
لكن الأطباء، وكأنهم يطرقون الحجر قبل عبوره، ما زالوا يرددون: “لنترقب يوماً آخر”.
هل عليها أن تجمع عدداً من الأطباء ليجروا فحصاً شاملاً وتثبت للجميع أنها بخير؟
هي لا تكترث للفسخ، لكن لم يخطر لها أن إشاعة مرض العضال ستجلب كل هذه المتاعب، حتى أنها بدأت تندم لأنها تركتها تتفاقم.
‘الفسخ كان متوقعاً على أي حال. حتى لو عني الرجل باهتمام عابر بي، فذلك لم يكن ليستمر.’
تماماً كما يحدث الآن.
حشرت لويسا الرسالة في الظرف بإهمال، ونهضت.
وعندما اقتربت من النافذة، لمحت ألبيرت روزيه يترجل مسرعاً من عربة.
“قد حان الموعد إذن.”
كانت قد تلقت منه بالأمس خبراً عاجلاً أنه سيأتي، ففكرت أن تتناول معه طعاماً بعد طول غياب.
‘لابد أنه جاء قلقاً بعد سماع شائعة مرض العضال. سأهدّئه بالكلام وأصرفه في سلام.’
لكن توقّعها كان خاطئاً تماماً.
“……تقول إن هناك منتجاً مقلَّداً؟”
لم يخطر لها أن المشكلة ستنشب في مجال النبيذ!
ما هذا التتابع من النوازل، أهو فأل شؤم أم تفريج بلاء؟
وبدا أنّ ألبيرت روزيه منشغل تماماً بهذه القضية حتى إنه لم يسمع عن الشائعة أصلاً، فتركت لويسا الحديث يجري في سياق النبيذ بسلاسة.
“نعم، ما زال في مرحلة ما قبل التوزيع، وقيل إن الترخيص قيد الإجراء. حصلت خفيةً على زجاجة واحدة…….”
ناولها الزجاجة ووجهه شاحب، فأخذتها لويسا وسكبت القليل في الكأس.
مالت بالكأس تديره في يدها، واللون الوردي بدا مطابقاً تقريباً.
وبدلاً من الإصغاء إلى الشرح، رفعت يدها وتذوقت رشفة صغيرة بنفسها.
شعرت بالكحول ينحدر عبر حلقها مثيراً خفيفاً في المريء.
أغمضت عينيها برهة لتتذوقه، ثم فتحتهما ببطء.
“التشابه موجود فعلاً.”
وقعت عيناها على ألبيرت روزيه وهو يرتجف من القلق.
“لكن مع النسخة الفاشلة السابقة.”
“……آه، كما توقعت. الحمد لله… هذا مطمئن.”
تنفّس الصعداء بعمق، فضحكت قليلاً.
“ألم تتحقق أنت بنفسك، يا بارون؟”
“بلى، فعلت.”
“إذن لماذا كل هذا الذعر؟ اللون فقط هو المشابه، أما الطَعم والرائحة فلا وجه للمقارنة.”
“كنت أخشى أن يكون حكمي قد تشوش، فأتعمد رؤية الفروق.”
“هممم… لا، أبداً. إنها مجرد تقليد سطحي. لكن حقاً يثير الفضول كيف صنعوه. ألم تلحظوا أشخاصاً مريبين مؤخراً؟”
“في الحقيقة، جاءني رجل من قبل بحجة الاستثمار.”
شربت لويسا قليلاً من الماء لتغسل فمها، وقطبت حاجبيها.
“لقد تلقيتَ استثمارات كافية بالفعل، ومع ازدياد شهرة نبيذ روزيه، صار المتطفلون يحاولون التسلل. فاعتبرتَ الأمر عادياً إذن.”
“صحيح. لكن كان ثمة فرق. عادةً ما يأتون باقتراح مكتوب أو يلمحون في الحفلات، أما ذلك الرجل فقد قصد المعمل مباشرة وطلب الدخول.”
“المعمل؟!”
“نعم. تكلم بتعجرف عن الاستثمار، وقال إنه يريد أن يتفقد المكان لأنه قد يكون جزءاً منه في المستقبل، متبجحاً.”
“هَاه…… ثم ماذا؟”
“رغم أني طردته، بقي يتسكع هنا وهناك حتى اضطررت للتدخل بنفسي. لم أستطع تكليف الموظفين لأن الرجل من النبلاء، فاحتدم الشجار طويلاً. وفي النهاية، غادر بعد أن أخذ معه زجاجة نبيذ لا أدري من أين التقطها.”
‘أهذا معتوه؟ وقعت في ورطة حقيقية إذن.’
تقوّس وجه لويسا غيظاً.
فالمعمل رغم توسعه، لا يملك فرساناً يحرسونه، وموظفوه من عامة الشعب، فلا يجرؤون على مسّ جسد نبيل.
ويبدو أن ذلك المعتوه استغل الأمر ليفسد ما شاء، بل وأخذ زجاجة عند خروجه!
“لكن على ما يبدو كانت إحدى الزجاجات الفاشلة بسبب خطأ في التخمير. أما الزجاجات السليمة فكانت تدخل التغليف مباشرة، لذلك لم يكن ما يتبقى إلا الفشل.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 57"